بلومبرغ
يتربص بالصين شتاءً آخر من نقص الكهرباء، الذي يُهدد بقلب انتعاشها الاقتصادي رأساً على عقب، حيث أدّت أزمة إمدادات الطاقة العالمية إلى ارتفاع أسعار الوقود.
يتعرض ثاني أكبر اقتصاد في العالم لخطر عدم وجود ما يكفي من الفحم والغاز الطبيعي المستخدم لتدفئة المنازل ومصانع الكهرباء رغم الجهود المبذولة خلال العام الماضي لتخزين الوقود في ظل تنافس مع مستوردين من شمال آسيا وأوروبا على إمدادات محدودة. كما يزداد الطلب على التدفئة مع تدني درجات الحرارة خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما قد يؤدي إلى تقنين الكهرباء على غرار ما جرى الشتاء الماضي وخلال الصيف.
انتهى عصر الغاز الطبيعي الرخيص مع ارتفاع الأسعار أكثر من 1000%
كما قد يؤدي العجز في الطاقة وارتفاع الأسعار إلى إحداث فوضى في الصناعات الصينية تفاقم تعثر النمو الاقتصاد، بعد أن أدت الضوابط الصارمة المرتبطة بالفيروس لخفض الإنفاق الاستهلاكي والسفر. في أسوأ السيناريوهات، قد لا تحصل الأسر على الدفئ خلال نوبات الطقس البارد، رغم أن المحللين يقولون إن الحكومة ستضحي بإنتاج المصانع للحفاظ على إمدادات المنازل.
يهدد الانتعاش العالمي
كتب هانيانغ وي، المحلل في بلومبرغ إن إي إف، عبر البريد الإلكتروني: "من المحتمل أن تواجه بعض مقاطعات جنوب شرق الصين موجة أخرى من نقص الكهرباء خلال الأيام الأكثر برودة. حيث كانت إمدادات وقود الفحم شحيحة طوال صيف 2021، ولم يتم تعزيزها بعد".
ارتفعت أسعار الطاقة من بكين إلى لندن مع خروج الاقتصادات من الجائحة ليرتفع الطلب فيما تقل الإمدادات. من المتوقع أن يصل الارتفاع العالمي ذروته هذا الشتاء، حين يبلغ الطلب في نصف الكرة الشمالي ذروته، ما يهدد بإخراج الانتعاش الاقتصادي العالمي عن مساره وزيادة التضخم.
تقرير: تمويل الفحم مستمر رغم تصاعد القلق بشأن المناخ
ضاعفت شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) تقريباً توقعاتها لسعر مؤشر الفحم الآسيوي من أكتوبر إلى ديسمبر هذا الأسبوع. يعود السبب وراء ذلك جزئياً إلى وقود محطات الكهرباء المنافس، حيث قفز السعر الفوري للغاز الطبيعي المسال في شمال آسيا خمسة أضعاف في العام الماضي، كما يتم تداوله عند أعلى مستوى موسمي على الإطلاق.
قالت لارا دونغ، المحللة في "أي إتش إس ماركيت" (IHS Markit): "في حال بقيت أسعار الفحم والغاز عند مستويات عالية خلال الشتاء المقبل، فستكون مخاطر حدوث أزمة في الكهرباء عالية".
خفض التلوث
تعمل الصين بالفعل على قطع الكهرباء عن المصانع للوفاء بأهداف الرئيس، شي جين بينغ لكفاءة الطاقة وخفض التلوث، وقد تؤدي أزمة الكهرباء التي تلوح في الأفق إلى تفاقم عمليات الإغلاق مع اقتراب الصين من الشتاء. عادةً ما تقلص الصين الكهرباء للصناعات أولاً لضمان الإمداد السكني.
كان الألمنيوم الضحية الأكبر لقيود الطاقة بين المعادن لأن إنتاجه يتطلب كميات هائلة من الكهرباء، حيث لامست الأسعار 3,000 دولار للطن في وقت سابق من هذا الأسبوع لأول مرة منذ 13 عاماً.
نقص الطاقة في أوروبا يثير الذعر بأسواق آسيا
من المؤكد أن الجهود المبذولة لتقنين الكهرباء لبعض الصناعات الرئيسية يمكن أن تساعد في الحد من الطلب هذا الشتاء، بما يخفف النقص المحتمل في الكهرباء.
تأتي الأزمة التي تلوح في الأفق على الرغم من مطالبة بكين بأن تستعد المرافق بشكل أفضل لضمان الإمداد، خاصة بعد أن فوجئت العام الماضي بعاصفة باردة مفاجئة. كان بعض مستوردي الغاز الطبيعي المسال يشترون الشحنات لفصل الشتاء من السوق الفورية في شهر مارس، أي في وقت أبكر بكثير من المعتاد، إلا أنهم تراجعوا بشكل كبير عن خطط الشراء الخاصة بهم بعد ارتفاع الأسعار. تقول السلطات أيضا إنها تعمل على تسريع تكديس مخزونات الفحم.
شراء عند الذروة
كما بدأت المرافق الصينية في التخلي عن عمليات الشراء الفورية للغاز الطبيعي المسال، لأنها ستتكبد خسارة في حال باعتها في السوق المحلية منخفضة السعر. ومع ذلك، فإن الطقس شديد البرودة أو النقص في تدفقات خطوط الأنابيب في آسيا الوسطى قد يجبر موردي الغاز الصينيين على العودة إلى السوق لتغطية ذروة الطلب في فصل الشتاء، وفقاً لما ذكره مياورو هوانغ، مدير الأبحاث في شركة "وود ماكينزي" (Wood Mackenzie).
"غولدمان ساكس": مخاطر انقطاع الكهرباء تعصف بمصانع أوروبا في الشتاء المقبل
حتى إذا كانت الصين قادرة على تأمين ما يكفي من الوقود لتشغيل اقتصادها، فقد تكون التكاليف المرتفعة مؤلمة للغاية بالنسبة للبعض. طلبت العديد من شركات الكهرباء التي تبيعها عادةً بأسعار محددة غير مرتبطة بتكاليف الوقود، الشهر الماضي من حكومة مدينة بكين دفع المزيد من أجل ضمان إمدادات الشتاء.
قد تتأثر أيضاً الصناعات التي تشتري الغاز والفحم مباشرة، حيث قال وانغ شياوكون، محلل الغاز البارز لدى شركة "غريت غاز" (Great Gas) الاستشارية الصينية: "تُفضّل المصانع إغلاق أبوابها في الشتاء إذا كانت لا تستطيع تحمّل تكاليف الطاقة".