بلومبرغ
تعمل كازاخستان على رسم مسار جديد في تطبيقها العقوبات على روسيا، وتعهدت بوضع مصالحها الاقتصادية الخاصة أولاً مع تعزيز العلاقات التجارية مع بلدان مثل إيران والصين.
قال سيريك زومانغارين، نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة والتكامل في كازاخستان، إن الدولة الواقعة بمنطقة آسيا الوسطى "لن تلتزم بتطبيق العقوبات بصورة عمياء" إذا أثرت على الشركات المحلية التي تشغل أعداداً كبيرة من الموظفين في مجالاتها.
أضاف خلال مقابلة في العاصمة الكازاخية آستانا: "لن نسمح بمنع منتجينا من التجارة".
يعد هذا تحولاً كبيراً في لغة الخطاب، ما يعكس المناورات التي تقوم بها كازاخستان -أكبر دولة حبيسة حول العالم- في السعي للحصول على فرص الوصول إلى الأسواق العالمية لصادراتها من السلع والمنتجات الزراعية. لكن التحديات تتفاقم بعد أن أصبح الاقتصادان المجاوران، وهما روسيا وإيران الأكثر تعرضاً للعقوبات على مستوى العالم، وفي ظل مراقبة الغرب لكازاخستان لمنع تسهيل تصدير شحنات البضائع المحظورة.
رغم أن كازاخستان عارضت حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا فبراير 2022، إلا أن كبار المسؤولين مثل زومانغارين لم يعارضوا القيود علناً من قبل.
لم تنضم كازاخستان إلى حظر بيع الكرات المعدنية "رولمان بلي"، التي لها استخدامات مزدوجة عسكرية ومدنية، حيث ينتج مصنع محلي منها بمواصفات تستخدم تقليدياً فقط في أوروبا الشرقية، وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق، بحسب "زومانغارين". تزعم الحكومات الغربية أن "الرولمان بلي" يأتي من بين ما يسمى "السلع ذات الأولوية العالية" لميدان القتال والتي تعتبر ضرورية لقطاع الدفاع الروسي.
تهديد العقوبات
بينما ألمح "زومانغارين" إلى أن امتثال كازاخستان قد يكون له استثناءات، لكنه أوضح أنها ستستمر في الالتزام بالقواعد لأنها "لن تتحمل" استهدافها بالعقوبات.
أضاف "زومانغارين" أن الشركات المحلية التي أضافتها وزارة الخزانة الأميركية إلى قائمتها السوداء توشك على الإغلاق، دون أن يذكر أياً منها تحديداً.
تأتي كازاخستان من بين الدول التي كانت محور جهود الولايات المتحدة وحلفائها لعزل الاقتصاد الروسي. وتعد كازاخستان وروسيا عضوين في اتحاد جمركي، وتتشاركان أطول حدود برية على مستوى العالم بعد الحدود بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا، مع وجود خط أنابيب يربط كازاخستان بميناء نوفوروسيسك الروسي، وينقل حوالي 80% من صادرات النفط الكازاخية.
لكن "زومانغارين" قال إن بعض التدابير التي تستهدف منع وصول روسيا إلى البضائع ألحق الضرر بكازاخستان بصورة مفرطة. في الوقت نفسه، لم تفعل الحكومات الغربية سوى القليل لتعويض البلد، الذي كان بالنسبة لروسيا أكبر شريك تجاري حتى اندلاع الحرب.
ضرب "زومانغارين" مثلاً بشركة "يوروآسيان ريسورسز غروب" (Eurasian Resources Group) المملوكة بنسبة 40% للدولة الكازاخية، والتي تعاني من خسائر فادحة بعد أن منعت العقوبات مبيعاتها من كرات خام الحديد إلى روسيا. على النقيض من ذلك، انتقل أكبر عملائها السابقين هناك إلى الموردين المحليين، وازدهروا مع شركات تصنيع الصلب الروسية الأخرى.
من المستفيد؟
ذكر "زومانغارين" أنه في ظل غياب هذه القيود، "كان الربح سيبقى في كازاخستان". وبدلاً من ذلك، يذهب الآن "إلى أولئك الذين فُرضت عليهم عقوبات".
أشار إلى إن بعض القيود التي تفرضها كازاخستان على الواردات التقييدية لدرجة أن إحدى الشركات متعددة الجنسيات واجهت صعوبة في جلب المعدات التي تحتاجها والحصول على التراخيص، ما دفعها إلى التفكير في نقل مركزها للتوزيع الإقليمي إلى بلد آخر.
استفادت الصين بصورة هائلة من تحول تدفقات التجارة للدول حول كازاخستان. وتعد حالياً أكبر شريك تجاري فردي لكازاخستان بنسبة تتجاوز خُمس إجمالي التجارة. فيما شكل الاتحاد الأوروبي إجمالاً 36% خلال النصف الأول من العام الجاري.
في المقابل، استحوذت روسيا على 18% من إجمالي التجارة خلال الشهور الستة الأولى من 2024، أي أقل بنقطة مئوية ونصف تقريباً عن 2022. في الوقت نفسه، برزت كازاخستان بوصفها واحدة من أكبر مراكز إعادة الشحن لصادرات السيارات من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، وفق "بلومبرغ إيكونوميكس".
تغلبت كازاخستان بطريقة كبيرة على مشكلات عمليات الدفع مع روسيا، من خلال العمل مع البنوك غير الخاضعة للعقوبات وتسوية حوالي 88% من المعاملات بالعملات المحلية، بحسب "زومانغارين".
التوازن الدقيق
يعد التحدي الذي يواجه كازاخستان في الوقت الراهن هو طريقة تحقيق التوازن بين الأولويات المتعارضة المتمثلة في كسر العزلة دون مخالفة القيود التي تستهدف جيرانها.
أوضح "زومانغارين" أن العقوبات تُعقد لوجستيات التجارة مع أوروبا، ما يجبر كازاخستان على اتخاذ طريق بديل عبر بحر قزوين ثم عبر جورجيا. ولم تعد عمليات الشحن عبر روسيا ممكنة، نظراً لأن موانئها تعاني من الاختناقات بسبب الشحنات المحلية.
ترتكز العديد من أكبر طموحات كازاخستان على الصين، في ظل وجود خطة لمضاعفة عدد الموانئ الجافة التي تربط بين البلدين إلى أربعة. وقال "زومانغارين" إن اللوجستيات هي العقبة الوحيدة أمام التجارة مع جارتها من جهة الشرق.
مع عدم وصولها إلى المحيطات، تسعى كازاخستان إلى إنشاء مسارات تجارية أكثر مرونة عن طريق استكشاف طريق جنوبي يمر عبر بحر قزوين إلى إيران، بحسب "زومانغارين"، الذي أضاف أن الصعوبة تكمن في أن العديد من القيود الحالية تشمل سلعاً ذات استخدامات مزدوجة في قطاعي الدفاع والطاقة.
لا للمساومة
ناشدت الحكومة دون جدوى الغرب لتقديم تنازلات تمكنها من بيع البضائع إلى إيران أو استخدام البلاد للعبور. ونوّه "زومانغارين" إلى أن "كازاخستان لم تعترف أبداً بأي عقوبات أحادية الجانب وتخطط لموصلة العمل على خططها".
واختتم بقوله: "نضطر إلى المساومة في كل مرة. لكن باعتبار أننا دولة، فإننا بحاجة للعيش بطريقة أو بأخرى".