اعتاد القرويون على ضفاف قناة السويس على جارهم الجديد غير المألوف، والذي يبلغ طوله 400 متر ويحمل حوالي مليار دولار. ولكن لا أحد يعرف متى سيغادر القناة.
تعلو السفينة، "إيفر غيفن"، على المنازل المنخفضة المبنية من الطوب الأحمر، والجاموس الذي يرعى، والأراضي الزراعية الخضراء المليئة بأشجار النخيل، وكأنها نصب تذكاري للعولمة وسط مشهد ريفي مصري نموذجي. ومنذ أن أدى جنوح السفينة في الأسبوع الماضي إلى توقف أحد أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، اعتلى سكان المنطقة مقاعد نادرة في الصف الأول لحضور حدث تعتبر نتيجته أساسية للاقتصاد العالمي.
وتقول امرأة من المنطقة، طلبت أن تُدعى فاطمة، وأمضت حياتها وهي تسمع أبواق سفن الشحن: "لم نشهد سفينة عالقة هنا لفترة طويلة جداً.. لقد أنشأنا صداقات معها بالفعل"، مشيرة إلى "ايفر غيفن" الضخمة، والتي كان الأطفال المحليون يلعبون لعبة (الغميضة) على أضوائها ليلاً.
وبينما تتسابق الحفارات وقوارب السحب وفرق المهندسين لإخراج السفينة، فإن سكان المناطق الريفية النائية شمال مدينة السويس ينعمون بالحداثة، حيث يلتقط البعض صوراً مع الناقلة العملاقة في الخلفية أو يلوّحون للطاقم؛ بينما يغط آخرون، مثل فاطمة، في أحلام اليقظة حول ما كانت تنقله إلى الأسواق العالمية. وتقول فاطمة ضاحكة: "أحتاج إلى غرفة نوم وصالون لمنزلي الجديد"، وتكمل وهي تلقي نظرة حزينة على السفينة المحملة بآلاف الحاويات الحمراء والزرقاء والخضراء: "أريدها على الطريقة الفرنسية!".
مصدر فخر مصري
قد تأتي السفن المبحرة في الممر المائي من جميع أنحاء الأرض، ولكن بالنسبة للسكان المحليين، فإن القناة، التي يبلغ طولها 120 ميلاً وتربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط منذ افتتاحها في عام 1869، تمثل مصدر فخر مصري. وبالعودة إلى أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد، يُقال إن الفرعون سنوسرت الثالث أسس ما يربط بين البحار باستخدام فروع نهر النيل.
وفي عام 1956، قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم القناة، منتزعاً إياها بعد ثمانية عقود من السيطرة البريطانية، مما أثار غزواً فاشلاً من قبل القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية، ليعزز بذلك مكانته كزعيم عربي ملهم. كما أشرف رئيس الجمهورية الحالي، عبد الفتاح السيسي، على توسعة بقيمة 8 مليارات دولار للقناة، تم افتتاحها في عام 2015، لكي تزيد من حركة المرور والإيرادات.
ومع هذه المبادرة، تم تشديد الأمن، حيث نُصب سياج في عام 2014 ما حد من الوصول إلى حافة القناة، ولولا ذلك، لربما تمكن القرويون، كما يقولون، من إقامة الصداقات مع جيرانهم المؤقتين. ويتذكر القرويون أنه عند جنوح السفن قبل سنوات، كان يقذف أفراد الطواقم المشروبات الغازية للأطفال على الشاطئ.
وبالنسبة لأشخاص من أمثال محمد عوض البالغ من العمر 39 عاماً، وهو من مواليد الإسماعيلية، إحدى مدن القناة الثلاث إلى جانب بورسعيد، تعتبر القناة طريقة حياة لأجيال عديدة. فلقد نشأ محمد على الصيد في القناة مع والده، وعمل جده في الحفّارة التي أزالت حطام السفن الغارقة خلال حرب اكتوبر مع إسرائيل في عام 1973.
وكانت القناة قد أُغلقت في العام 1967 عندما خاضت الدول العربية وإسرائيل حرب الأيام الستة، وأعيد فتحها في عام 1975. كان هذا آخر إغلاق رئيسي، حتى الآن.
مثل كل أولئك الذين يعيشون بجوار القناة الذين تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة، يتذكر عوض الرياح القوية والعاصفة الرملية التي حولت السماء إلى اللون الأصفر وقلصت الرؤية في اليوم الذي جنحت فيه "ايفر غيفن"، وهي حادثة تقول هيئة قناة السويس الحكومية إنها تسبب لها خسارة ما يصل إلى 14 مليون دولار في اليوم.
حققت القناة 5.6 مليار دولار للحكومة المصرية العام الماضي، أي حوالي 10% من إجمالي إيراداتها. وهي أرقام يعي قيمتها محمد عوض، إذ يقول: "أصبت بالذعر عندما سمعت لأول مرة عن السفينة.. أعرف مدى أهمية القناة بالنسبة لنا جميعاً".