بلومبرغ
لم يكن هناك اختلاف كبير بين "إم إس سي آريز" (MSC Aries) و7 آلاف سفينة حاويات أخرى تجوب أعالي البحار، إلى أن خرجت قسراً عن مسارها المحدد قرب مضيق هُرمز لتقع في أيدي الحرس الثوري الإيراني.
تأثر الشحن البحري الذي يعد عنصراً حيوياً في الاقتصاد الصناعي في العالم بالتوترات العاصفة في الشرق الأوسط، ويعد ما حدث مثالاً على معاناة سلاسل التوريد العالمية في حالة تفاقم الاضطرابات.
ما يزال مصير السفينة والطاقم مجهولاً منذ يوم الثلاثاء، رغم أن موقع "تانكر تراكرز دوت كوم"(TankerTrackers.com) حدد موقعها على أنها راسية بين جزيرتي قشم وهُرمز الإيرانيتين في الخليج العربي. زعمت إيران أن السفينة خالفت قوانين الملاحة، إلا أن المحللين اعتبروا الدافع وراء احتجازها هو ارتباطها بإسرائيل.
الضبابية تحيط باستمرار الاضطرابات في المضيق
تعقدت الجهود الدبلوماسية للإفراج عن السفينة بسبب جنسيات طاقمها الذي يضم بحارة من الهند والصين اللتين تعدان من أكبر الشركاء التجاريين لإيران. حدث احتجاز السفينة يوم الأحد في غمرة الاستعداد لهجوم إيران بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل، ما أثار مخاوف من أن يؤدي اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط إلى ارتفاع تكلفة الشحن نتيجة تحويل المسار بعيداً عن الممرات الملاحية الرئيسية في المنطقة.
كايل هندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا التي تقدم توقعات حول سلاسل التوريد "فيزيون" (Vizion)، قال: "لم يتضح حالياً ما إذا كان الاضطراب سيستمر لفترة ما أم سيقتصر على هذه السفينة فقط". أضاف: "هل تكتفي إيران بتوضيح وجهة نظرها وموقفها؟ أم ستشرع الناقلات في تجنب المنطقة لمدة محددة كما حدث في اضطرابات أخرى حدثت في العام الجاري؟ هذا ما سنكتشفه".
سيسبب حدوث أي أزمة أخرى في مضيق هُرمز مشكلات أكبر لناقلات النفط، غير أن 15% من السفن المارة عبره هي سفن حاويات تتردد على موانئ بالمنطقة، مثل ميناء جبل علي في الإمارات. وتؤدي تلك السفن دوراً محورياً في ضمان تدفق الإمدادات إلى المصنعين العالميين.
حمولة مجهولة
تتسع "إم إس سي آريز" لحمولة تقارب 15 ألف حاوية 20 قدماً، أي أقل من حمولة السفن العملاقة حالياً بنحو 9 آلاف حاوية. رغم ذلك، تعد السفينة ضخمة بطولها البالغ 366 متراً (1,200 قدم)، فهي أطول من مبنى "كرايسلر" في نيويورك، ويعادل عرضها امتداد طريق "نيوجيرسي ترن بايك" الذي يضم 12 حارة مرورية (حوالي 45 متراً).
بينما لا يُكشف عن بيان حمولة الحاويات خلال رحلة السفينة أو يُعلن عنه لحين التعامل مع جداول التحميل، استخرجت "فيزيون" التي يقع مقرها في "وادي السيليكون" بيانات شاركتها مع "بلومبرغ" توفر لمحة موجزة عن محتويات جزء من شحنة "إم إس سي آريز"، ووجهة السلع، والشركات المتضررة.
بالاستعانة بالبيانات الصادرة عن منصات حجز الشحن البحري التي تستخدمها شركات النقل والشحن ووكلاء الشحن، تمكنت أداة يطلق عليها "تريد فيو" (TradeView) طورتها "فيزيون" و"دان آند براد ستريت" من التعرف على أكثر من ألف حاوية من إجمالي الحمولة المجهولة على متن السفينة. وتقدر قيمة البضائع في تلك الحاويات بنحو 174 مليون دولار.
رغم أن السفينة كانت تنقل كميات كبيرة من أصناف عادية للاستخدام الصناعي مثل ألواح التحميل البلاستيكية، كان على متنها أيضاً حاويات قد تتزايد خطورتها في حالة عدم التعامل الصحيح معها. فهناك أكثر من 50 حاوية مصنفة بشكل صريح على أنها خطرة، أو سامة، أو مُسببة للتلوث.
تنتشر الوجهات النهائية للبضائع في نحو 60 دولة، وتشمل شركات استيراد أميركية مثل "إكسون موبيل" و"داو"، وعدداً أكبر من الشحنات مع شركات أقل شهرة في أوروبا، وكندا، وأميركا الجنوبية، وفق "فيزيون".
لم يتمكن متحدث باسم "إكسون" من أن يؤكد بشكل مباشر ما إذا كان أي جزء من الحمولة على متن "إم إس سي آريز" تخص الشركة، فيما لم يرد الممثلون الإعلاميون في "داو" مباشرة على طلب الحصول على تعليق.
معبر تجاري مهم
الجدير بالاهتمام هنا هو حجم الشحنة التي تتبعها "فيزيون"، حيث يتكون أغلبها من سلع وسيطة؛ كيماويات، وبولي بروبلين الذي يستخدم في صنع البلاستيك، والصمغ، وأسمدة، ومكونات إلكترونية، وأقمشة، ومعادن، وجزء أصغر من المنتجات الاستهلاكية تامة التصنيع.
تنقلت "إم إس سي آريز" بشكل متكرر بين الهند وسريلانكا والشرق الأوسط وأوروبا. ويتحاشى أغلب أسطول ناقلات الحاويات الذي يبحر عبر مسارات منطقة الشرق الأوسط تماماً منطقة باب المندب ويلتف حول أفريقيا، في ظل استمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
لكن الناقلات الأخرى التي تعتمد على موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر باعتبارها مراكز لنقل الحمولة من سفينة لأخرى لا يمكنها فعل ذلك، نظراً لأهمية المنطقة في نقل السوائل والمكونات المستخدمة في الصناعة.
قال جيرارد دي بيبو، محلل أول للاقتصاد الجغرافي في "بلومبرغ إيكونوميكس": "مضيق هُرمز ليس مجرد معبر تجاري، بالأخص لاقتصادات الخليج. وحمولة (آريز) مثال على تعقيد سلاسل التوريد. يعد احتجاز إيران للسفينة تذكيراً آخر بمخاطر معابر الشحن البحري".
كان أكثر من 90 حاوية على متن "إم إس سي آريز" في طريقها إلى الولايات المتحدة، لكن أميركا لم تكن ضمن الوجهات العشر الأهم، وفق "فيزيون"، إذ كان يرتقب وصول الجزء الأكبر من السلع إلى تركيا وبلجيكا وإيطاليا.
عقبة جديدة أمام شركات الشحن
السفينة استأجرتها "إم إس سي مديترينيان شيبينغ" (MSC Mediterranean Shipping) محدودة الملاك، التي تعد أكبر شركة نقل حاويات في العالم، وتملكها شقيقة لشركة "زودياك ماريتايم" (Zodiac Maritime) التي يقع مقرها في المملكة المتحدة، والتي وجهت الاستفسارات عن الوضع إلى "إم إس سي". تعد "زودياك ماريتايم" جزءاً من مجموعة "زودياك غروب" (Zodiac Group) التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، وفق البيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
رفضت "إم إس سي" التي يقع مقرها في جنيف، سويسرا، التعليق يوم الثلاثاء.
الاستيلاء على السفينة في نقطة تقاطع رئيسية مضطربة لطرق التجارة يمنح المستوردين الصناعيين دافعاً آخر لاستيعاب المسارات التي تسلكها بضائعهم، وحماية مخزوناتهم من أي صدمات مفاجئة، وحسن التخطيط المسبق لشحناتهم.
قال هندرسون من "فيزيون" إن "شركات الشحن بدأت تدرك أن عليها دراسة مسارات الشحنات التي يحجزونها، وعدد السفن التي ستنقل إليها الحمولة، وموقع نقل الشحنات من سفينة لأخرى. يمثل هذا مستوى جديداً من التعقيد لشركات شحن عديدة".