بلومبرغ
ساعدت تجارة روسيا المتنامية مع الصين اقتصادها على الصمود في وجه العقوبات الغربية. والآن تستعد موسكو لإنفاق المليارات لتطوير خطوط السكك الحديدية الشرقية الكبيرة لتسريع التعاون المزدهر.
حدد فلاديمير بوتين خططاً لزيادة طاقة الشحن السنوية على أطول خطين للسكك الحديدية في روسيا، (الخط الرئيسي عبر سيبيريا وبايكال-أمور) إلى 210 ملايين طن بحلول عام 2030، في خطاب أمام الجمعية الفيدرالية في 29 فبراير قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها خلال الأسبوع المقبل. شُحنت عبر خطوط السكك الحديدية حوالي 150.5 مليون طن من البضائع في عام 2023، وفقاً لصحيفة "كوميرسانت" (Kommersant).
روسيا تزيد مبيعات النحاس للصين وتركيا لتعويض تراجع الصادرات لأوروبا
تشكل خطوط السكك الحديدية التي يبلغ طولها 8700 ميل، والمعروفة أيضاً باسم المضلع الشرقي، شرياناً رئيسياً للتجارة الخارجية لروسيا، حيث تربط مناطقها الغربية بالمحيط الهادئ والصين شرقاً. ومع ذلك، تعاني الطرق منذ فترة طويلة من مشاكل لوجستية وتعمل حالياً بأقل من قدرتها التي شيدت لأجلها، على الرغم من ازدهار التجارة مع آسيا. نقل عبر هذه السكك الحديدية بضائع أقل بنحو 13% من طاقتها المعلنة في عام 2023، حسبما ذكرت كوميرسانت في 28 فبراير، نقلاً عن وثائق من وزارة النقل.
عقبات لنقل السلع
يؤكد ذلك التحديات التي تشهدها روسيا في البنية التحتية، وسط استمرار سعيها إلى إعادة توجيه اقتصادها نحو آسيا وبعيداً عن أوروبا في أعقاب العقوبات المفروضة عليها بعد غزو بوتين لأوكرانيا.
وقالت أناستازيا بياتاشكوفا، المحاضرة في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة البحوث الوطنية: "بالنظر إلى التعاون المزدهر بين الصين وروسيا، تزداد ضرورة تطوير المضلع الشرقي"، و"ما يزال النقل عبر السكك الحديدية أحد أكثر الطرق ملاءمة لنقل أنواع معينة من البضائع، بما في ذلك الفحم".
الصين أنتجت 30 مليون سيارة في 2023 بفضل التصدير إلى روسيا
وحتى قبل أن يرسل بوتين قوات عسكرية إلى أوكرانيا، واجهت شركات الشحن المحلية عقبات على الطريق أثناء نقلها البضائع والسلع مثل الفحم إلى آسيا. تؤدي أوجه القصور في البنية التحتية والتأخير في التحميل والاختلالات التجارية إلى تفاقم الضغوط التي تحد من كمية الشحن. كما أدت الحرب إلى تفاقم حركة المرور على طول الروابط، حيث يستخدمها الجيش لنقل الدبابات والصواريخ، في حين أن زيادة التجارة بين روسيا والصين بعد العقوبات الأوروبية أدت إلى زيادة الطلب.
في الماضي، قال بوتين خلال خطابه إن روسيا "تباطأت" قليلاً، ولم تنجز شيئاً في الوقت المحدد. علينا الآن اللحاق بالركب، وسنعوض عن هذا التأخير".
إنفاق روسيا لتحسين الضلع الشرقي
أنفقت روسيا بالفعل مليارات الدولارات لمضاعفة طاقة النقل عبر خطوط السكك الحديدية إلى 180 مليون طن متوقعة هذا العام ارتفاعاً من 97.8 مليون طن في 2013. ومع ذلك، فإن الطلب الحالي هو ضعف ما يمكن أن يتحمله المسار، حسبما أفادت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" التي تديرها الدولة، في فبراير، نقلاً عن بيانات حكومية.
وتخطط روسيا لإنفاق 366 مليار روبل (4 مليارات دولار) خلال هذا العام وحده، لتحسين البنية التحتية للضلع الشرقي. كما يُتوقع أن تتم الموافقة على تفاصيل الاستثمارات الإضافية التي أعلن عنها بوتين في مارس، حسبما قال فالنتين إيفانوف، نائب وزير النقل للصحفيين الشهر الماضي، وفقاً لـ"تاس نيوز". وقد يستمر هذا العمل حتى عام 2032 ويتطلب استثمارات بقيمة 2.7 تريليون روبل لزيادة قدرة خطوط السكك الحديدية إلى 255 مليون طن سنوياً في نهاية المطاف، وفقاً لإيفانوف.
صادرات الغاز الروسي إلى الصين تسجل مستويات يومية قياسية
يُتوقع أن يبلغ الطلب على الشحن عبر الضلع الشرقي 552.5 مليون طن بحلول ذلك الوقت، وفقاً لبياتاشكوفا.
لكن معظم القضايا القائمة ليست بجديدة؛ إذ ظلت موجودة منذ سنوات، حسب ما ذكره العديد من العاملين في كبرى شركات بيع السلع التي تعتمد على السكك الحديدية، والذين اختاروا عدم الإفصاح عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات. كما أن الضغوطات لا تنشأ فقط بسبب نقص البنية التحتية، بل تأتي أيضاً من البضائع المنقولة.
تحمل القطارات الفحم والسلع الأخرى إلى الشرق، بينما تنقل السلع الاستهلاكية غرباً. وأشار العاملون إلى أن هذه الشحنات تتطلب أنواعاً مختلفة من عربات السكك الحديدية والحاويات، ما يزيد من أوقات الانتظار على كلا الطرفين للتحميل. كما يُستخدم المسار نفسه للشحن المحلي وقطارات الركاب، ما يضاعف الحمولة عليه.
ازدهار التجارة الروسية الصينية
بلغت التجارة بين روسيا والصين رقماً قياسياً يصل إلى 240 مليار دولار في عام 2023. حيث أصبحت الدول المجاورة لروسيا في الشرق مورداً لمختلف أنواع البضائع بدءاً من الملابس وصولاً إلى الآلات والسيارات بعد أن علقت جميع الشركات المصنعة الغربية أعمالها في روسيا في أعقاب الغزو. وفي الوقت نفسه، عززت روسيا صادراتها من سلع مثل الفحم والألمنيوم إلى الصين حيث تتجنب أوروبا شركات المعادن والتعدين الروسية حتى إن لم تكن خاضعة للعقوبات.
واردات الصين من السلع الأولية تنتعش رغم استمرار التحديات
بشكل منفصل، يُتوقع مناقشة الاستثمار في خطة لبناء خطين جديدين للسكك الحديدية إلى الصين بحلول عام 2030 هذا العام وخلال العام المقبل، وفقاً لاستراتيجية حكومية لتطوير سيبيريا. يبلغ طول الحدود بين البلدين 4208 كيلومترات، ولديهما أربعة معابر حدودية للسكك الحديدية فقط.
رأي بلومبرغ إيكونوميكس
يقول أليكس إيساكوف، الخبير في الاقتصاد الروسي: يتماشى الاستثمار في السكك الحديدية مع هدف روسيا النهائي المتمثل في أن تحل الصين مكان أوروبا بالكامل من حيث تجارة الطاقة ونقل التكنولوجيا والأسواق المالية. واليوم، امتدت قدرة الخط الرئيسي عبر سيبيريا والسوفيتي "بايكال-أمور" إلى أقصى حدودها، لذا سيمكن توسعها روسيا من تعزيز تجارتها مع الصين. وعلى المدى المتوسط، سيواجه هذا المشروع ثلاثة مخاطر: العقوبات المفروضة على روسيا والتحول إلى الطاقة النظيفة والتمويل.
ومع ذلك، هناك علامات على تباطؤ الاقتصاد الصيني، كما قال ألكسندر جابويف، مدير مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا"، ما قد يمنح روسيا الوقت المناسب لتوسيع بنيتها التحتية.
ولكن إذا ثبتت دقة توقعات وكالة الطاقة الدولية، فقد يبلغ طلب الصين على الفحم ذروته في عام 2025 ويبدأ في التلاشي خلال السنوات القادمة، ما قد يؤدي إلى عدم الاستفادة من قدرة السكك الحديدية الجديدة، حسبما قال أليكس إيساكوف من "بلومبرغ إيكونوميكس".
الأولوية لنقل النفط
بعد أن فرض الغرب قيوداً على شحنات النفط الروسية، استأنفت بعض الشركات نقل السلعة عبر السكك الحديدية، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها. تسعى وزارة الطاقة إلى إعطاء الأولوية لنقل النفط والمنتجات النفطية عن طريق السكك الحديدية، على غرار ما تتمتع به صادرات الفحم، بعد أن اشتكت بعض المصافي من أن السكك الحديدية الروسية لا تقبل شحن هذه السلعة، حسبما ذكر موقع "آر بي سي نيوز" هذا الشهر.
لم ترد السكك الحديدية الروسية على طلب للتعليق.
انتعاش التمويل المخصص لتعدين الفحم.. والصين في المقدمة
يعتبر هذا الخط المفتاح للتجارة في جميع أنحاء المنطقة، حيث قد تؤثر الاضطرابات الراهنة على طول الخط حتى على الدول المجاورة لروسيا. لقد واجهت الشركة التابعة لـ"بولي ميتال إنترناشيونال" الكازاخستانية تأخر شحنات الذهب المركز للعملاء. حيث يُصدّر بعض هذا المعدن إلى الصين عبر السكك الحديدية الروسية، التي واجهت مشاكل في السعة، حسبما قال المسؤولون التنفيذيون في الشركة في يناير.
عادةً ما يتم إعادة تحميل البضائع على شاحنات في سيبيريا ثم نقلها بالشاحنات إلى الصين عندما يكون ذلك ممكناً، وفقاً لبعض الأشخاص.