بلومبرغ: أوروبا أمام خطر الكبتاغون بعد تضييق الخليج الخناق عليه

الحملة السعودية الصارمة على تجار الكبتاغون قد تدفع منتجي المُخدر إلى البحث عن أسواق جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 17
برتقال مزيف مليء بحبوب الكبتاغون، ضبطته الجمارك ولواء مكافحة المخدرات في مرفأ بيروت، لبنان، عام 2021  - المصدر: بلومبرغ
برتقال مزيف مليء بحبوب الكبتاغون، ضبطته الجمارك ولواء مكافحة المخدرات في مرفأ بيروت، لبنان، عام 2021 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تستعد أوروبا لتدفق محتمل لمادة مخدرة ارتبطت بالشرق الأوسط، فيما تدفع التحولات السياسية والحملات الصارمة في الخليج منتجيها في سوريا ولبنان، إلى طرق أبواب أسواق جديدة.

تقول وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتان ووزارة الخارجية البريطانية بالإضافة إلى باحثين مستقلين إن أفراداً ومجموعات مرتبطة بالرئيس السوري بشار الأسد وحليفه "حزب الله" اللبناني، تُعتبر المنتج والمهرب الأساسي للكبتاغون المصنوع من مادة الأمفيتامين، والذي تُباع الحبة منه بنحو 3 دولارات إلى 25 دولاراً.

"كوكايين الفقراء"

يسهُل صُنع تلك المادة المخدرة وهي شائعة في أجزاء من الشرق الأوسط، بين المراهقين وعمال البناء ذوي الدخل المنخفض. المادة التي يُطلق عليها "كوكايين الفقراء" يُقال إنها تفجر الطاقة وتحفز الإنتاجية واليقظة وتمنح إحساساً بالنشوة، فضلاً عن الأوهام والشعور بالقوة والمَنَعة والبأس. كما ارتبط المخدر بمسلحين في العراق وسوريا.

يقدّر باحثان بارزان في مركز "نيو لاينز إنيستيتيوت" (New Lines Institute) للأبحاث أن "الكبتاغون ولّد نحو 10 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية. وزعما أن أغلبها ذهب إلى الدائرة المقربة من الأسد وحلفائه، الذين لا يزالون تحت طائلة عقوبات غربية شديدة بسبب حملة قمع للاحتجاجات في سوريا عام 2011. ينفي الأسد وحكومته تورطهما في تصنيع الكبتاغون وتجارته.

تهديد لأوروبا

لكن مسؤولين وخبراء حذّروا من أن الكبتاغون سيصبح الآن على الأرجح تهديداً لأوروبا وبقية العالم أيضاً. يقول الخبراء إن حملة صارمة تشنها السلطات السعودية على الكبتاغون، إلى جانب جهودها الأخيرة للتواصل مع الأسد من أجل كبح تدفق هذه المادة المخدرة، تدفع المنتجين إلى البحث عن طرق وأسواق جديدة.

قالت كارولين روز، المديرة في "نيو لاينز إنيستيتيوت"، حيث تقود مشروعاً بحثياً عن تجارة الكبتاغون إنه "مثل أي اقتصاد غير مشروع، أصبح التجار والمهربون أكثر تطوراً وتقدماً في محاولة استهداف أسواق عبور جديدة، واكتشاف طرق أخرى، ثم محاولة إنشاء أسواق استهلاك غير معهودة. إنهم يتكيفون ويتبنون أساليب مبتكرة".

تصدير الإدمان

وقال مسؤولان كبيران في الاتحاد الأوروبي تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الأمر، إن تقارير الاستخبارات التي اطلعا عليها، والإفادات التي تلقياها من نظرائهم في الشرق الأوسط، تشير إلى أنه من المحتمل للغاية أن تزداد تدفقات الكبتاغون إلى أوروبا، مدفوعة بحاجة التجار في سوريا إلى السيولة، و"رغبة الأسد في تصدير الإدمان والتوتر الاجتماعي إلى بلدان يرى أنها أضرته"، وفق تعبيرهما.

دعمت القوى الأوروبية، شأنها شأن الولايات المتحدة، الاحتجاجات المناهضة للأسد، قبل أن تدعم المعارضين السياسيين والجماعات المسلحة التي تسعى للإطاحة به.

وقال المسؤولان إن الكبتاغون لم يصبح مشكلة في أوروبا حتى الآن، لكن القضية الآن تحت مجهر الجميع فيما يزداد قلق صانعي السياسات والمسؤولين الأمنيين في جميع أنحاء القارة إزاءها.

وفي مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" الأسبوع الماضي، قال الأسد: "عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة". لكنه نفى تورطه أو حكومته، في هذه التجارة. وأضاف أن المسؤولية تقع على عاتق الدول الغربية والإقليمية التي "ساهمت في خلق الفوضى" في سوريا من خلال التدخل والوقوف في صف خصومه.

أسواق جديدة

تقول كارولين روز من “نيو لاينز إنيستيتيوت" إن أوروبا تخاطر بمواجهة السيناريو نفسه الذي حدث في العراق وتركيا، مشيرة إلى أن البلدين كانا نقطتين رئيسيتين لإعادة شحن الكبتاغون، قبل أن تصبحا الآن سوقين له. أعلنت السلطات العراقية في أوائل أغسطس تفكيك شبكة رئيسية، بعد اكتشاف أول مصنع للكبتاغون في يوليو.

وأضافت روز أن التهديد لا يقتصر فقط على دول أطراف أوروبا مثل اليونان وإيطاليا، حيث صادرت السلطات أكثر من 14 طناً من الكبتاغون في 2020، ولكن أيضاً في الوسط والشمال، حيث شهدت مداهمة مستودعات للكبتاغون في السنوات القليلة الماضية.

في 2021، ضبط محققون نمساويون عصابة دولية جلبت حبوب الكبتاغون من لبنان وسوريا إلى أوروبا، وذلك بالتنسيق مع نظرائهم في أربع قارات. عصابة المخدرات، التي استخدمت مطعم بيتزا في سالزبورغ كأحد مراكزها، كانت تشحن الكبتاغون إلى السعودية داخل أفران البيتزا والغسالات. وكان المهربون يعتقدون أن إمكانية تفتيش السلطات السعودية للبضائع القادمة من أوروبا ستكون أقل.

ومع تهريب المخدرات عبر طرق جديدة، يحصل بعض الوسطاء على عينات من المخدر نفسه مقابل عملهم، مما يفاقم خطر انتشاره في السوق المحلية، وفق مسؤول كبير على صلة بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

قلق أميركي

يثير توسيع نطاق تجارة الكبتاغون قلق الولايات المتحدة أيضاً. إذ قدّم مشرّعان مشروع قانون في يوليو لإصدار عقوبات جديدة على الأسد، ووصفه أحدهما بأنه "زعيم مخدرات دولي".

وفي يونيو، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجيتها "لتعطيل شبكات الكبتاغون غير المشروعة المرتبطة بنظام الأسد، وإضعافها وتفكيكها"، والتي نص عليها "قانون الكبتاغون" الذي صدر العام الماضي.

وهذا العام، فرضت بروكسل ولندن وواشنطن عقوبات على سوريين ولبنانيين، بينهم ثلاثة أبناء عمومة للأسد، اتهمتهم بإنتاج كميات كبيرة من الكبتاغون.

ظهر المخدر لأول مرة في مطلع الستينيات في ألمانيا كدواء مرخص له تحت الاسم التجاري "كبتاغون". وكان المكوّن الرئيسي فيه هو الفينيثيلين، ويوصف لمجموعة من الحالات منها اضطراب نقص الانتباه، وفرط النشاط، والخدار.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت كل من سوريا ولبنان في الظهور كمركزي إنتاج في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وارتفع الإنتاج بعد أن سحق الأسد الانتفاضة الشعبية المناهضة له بوحشية لتصبح حرباً استقطبت قوى إقليميةً وعالميةً وجماعات متطرفةً. وكانت دول الخليج العربية أكبر سوق للكبتاغون على مدار العقدين الماضيين.

مليار حبة

تبرز المملكة العربية السعودية مثالاً تحذيرياً لما يمكن أن يفعله الكبتاغون لمجتمع.

وقال كرم الشعار، الاقتصادي والباحث السوري الذي يقدم المشورة للحكومات الغربية بشأن اقتصاد الحرب في سوريا، إن أكثر من مليار حبة كبتاغون ضُبطت في السنوات الثلاث الماضية، وكان الجزء الأكبر منها متجهاً إلى المملكة.

وصف طبيب سعودي في وحدة بمستشفى الرياض العام يعالج الإدمان والجرعات الزائدة من المخدرات الوضع بـ"المزري"، حيث يتم نقل مراهقين في كثير من الأحيان إلى المستشفى بعد تناول 10 أو 15 حبة كبتاغون. ومرت على هذا الطبيب حالات انتقل فيها المتعاطون إلى مخدرات صناعية أكثر ضرراً مثل الكريستال ميثامفيتامين. ولم يرد المسؤولون في وزارتي الداخلية والصحة السعوديتين على طلبات التعقيب.

لبنان.. جدل حول جنسية متهم بارز بقضية تهريب "الكبتاغون" للسعودية

وقال مسؤول سعودي كبير طلب عدم نشر اسمه إن عدم التصدي لتعاطي الكبتاغون ولمشكلة المخدرات بشكل عام، قد يشكل تحدياً لخطة التحول الاقتصادي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تعتمد على تعبئة الشباب. ونحو 63% من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاماً. ويشرف الأمير محمد بن سلمان شخصياً على ما تصفه السلطات السعودية بأنها حرب على المخدرات.

أصبح العقار شائعاً خارج السعودية ويُستخدم في بلدان كالإمارات والأردن حيث استعانت السلطات بالجيش لمحاربة تجارة الكبتاغون. تصدّر إنهاء تهريب الكبتاغون من سوريا ولبنان جدول أعمال اجتماع لوزراء خارجية عرب في القاهرة يوم الثلاثاء.

"أداة دبلوماسية"

في مقابلة الأسبوع الماضي، بدا أن الأسد جعل رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا والحصول على أموال لإعادة بناء الاقتصاد، شرطاً مسبقاً لأي تقدم في محاربة الكبتاغون أو السماح للاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم.

وقالت لينا الخطيب، مديرة "معهد الشرق الأوسط" التابع لكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، والتي أدلت بشهادة أمام المشرعين البريطانيين في يونيو، إن الأسد يستخدم الكبتاغون "أداة دبلوماسية" في محاولة لتأمين دعم مالي من السعودية وتخفيف العقوبات الغربية.

ومن جهته يرى ميشيل دوكلوس، السفير الفرنسي السابق في سوريا والذي يعمل حالياً في معهد مونتين والمجلس الأطلسي، أن "الأسد يستخدم الكبتاغون ورقة مساومة تماماً مثلما استخدم والده حافظ الدعم السري للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بين السبعينيات والتسعينيات"، وفقاً لما قاله.

وقال دوكلوس في إشارة إلى عائلة الأسد: "إنهم يُوجدون المشكلة ثم يصورون أنفسهم على أنهم الوحيدون الذين يستطيعون حلها".

تصنيفات

قصص قد تهمك