مشكلات سلسلة الإمداد العالمية إلى مزيد من التعقيد

time reading iconدقائق القراءة - 10
مشكلات سلسلة الإمداد العالمية  - المصدر: بلومبرغ
مشكلات سلسلة الإمداد العالمية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يبدو أن أزمة سلسلة الإمداد التي كان يفترض أن تكون مؤقتة، ستمتد حتى العام المقبل، بعد أن قوّض تفشي سلالة "دلتا" المتحوّلة عمليات الإنتاج في المصانع الآسيوية وعرقل عمليات الشحن، ما بات يهدّد بالتسبب بالمزيد من الصدمات للاقتصاد العالمي.

في غضون ذلك، يضطر الصناعيون الذين يعانون أصلاً من نقص في بعض المكونات الرئيسية وارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة، إلى الدخول في حرب مزايدات من أجل توفير مساحة لمنتجاتهم على متن السفن، ما رفع أسعار الشحن إلى معدلات قياسية، وأجبر بالتالي بعض المصدّرين على رفع أسعارهم، أو حتى إلغاء شحناتهم من الأساس.

قال كريستوفر تسي، الرئيس التنفيذي لشركة "ميوزيكال إلكترونيكس" (Musical Electronics) في هونغ كونغ التي تصنع المنتجات الاستهلاكية من مكبرات الصوت البلوتوث إلى مكعبات روبيك: "لا يمكننا الحصول على ما يكفي من المكونات، ولا يمكننا توفير الحاويات. لقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير جداً".

يشرح تسي، أن تكلفة المغناطيسات التي تستخدم في لعبة الأحجية روبيك، ارتفعت بنسبة 50% منذ مارس، ما رفع تكلفة الإنتاج بنسبة 7%. وقال: "لا أدري ما إذا بإمكاننا أن نحقق ربحاً من مكعبات روبيك، بما أن الأسعار تتغير باستمرار".

إقرأ أيضاً: ارتفاع تكاليف الشحن البحري الجاف في مسار متصاعد يتجه للاستمرار

ضربة جديدة لسلاسل التوريد العالمية بسبب انتشار "دلتا" في آسيا

في ظلّ تصميم الصين على القضاء على فيروس كورونا، يمكن لأي عدد مهما كان صغيراً من حالات الإصابة أن يتسبب بعرقلة ضخمة لحركة التجارة. وكانت الحكومة الصينية قد أغلقت مؤقتاً في وقت سابق هذا الشهر، جزءاً من ثالث أكبر ميناء حاويات في العالم في مدينة نينغبو لمدة أسبوعين، بعد رصد إصابة عامل واحد فقط بالسلالة المتحولة "دلتا" عند رصيف الميناء. وفي وقت سابق من هذا العام، تم توقيف العمل بعدد من أرصفة ميناء في مدينة شينزين، بعد اكتشاف عدة إصابات بفيروس كورونا.

قال هسييه هوي تشوان، رئيس شركة "إيفيرغين مارين" (Evergreen Marine) في تايوان، سابع أكبر شركة خطوط حاويات في العالم في إحاطة للمستثمرين في 20 أغسطس، إن "اكتظاظ الموانئ ونقص سعة حاويات الشحن، قد يستمران إلى الربع الأخير من هذا العام، وربما حتى منتصف عام 2022". وأضاف: "في حال تعذر احتواء الوباء بشكل فعّال، فإن اكتظاظ الموانئ قد يصبح هو الوضع الجديد المعتاد".

استئناف استقبال السفن بميناء نينغبو الصيني بعد إغلاق لمدة أسبوعين

بحسب مؤشر "دروري وورلد كونتينر" (Drewry World Container)، فإن تكلفة إرسال حاوية من آسيا إلى أوروبا ارتفعت 10 مرات بالمقارنة مع مايو عام 2020، فيما زادت تكلفة إرسال حاوية من شانغهاي إلى لوس أنجلوس بأكثر من ستة أضعاف. وحذّرت مجموعة "إتش إس بي سي هولدينغز" في مذكرة، من أن سلسلة الإمداد العالمية باتت ضعيفة جداً، لدرجة أن أي حادث صغير "ستكون آثاره مضاعفة".

في هذا الإطار، حذّر شوا هاك بن، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة البحوث التابعة لـ"مايبانك كيم إنغ" (Maybank Kim Eng) في سنغافورة، من أن ارتفاع أسعار الشحن وأشباه الموصلات قد يسهم في تفاقم التضخم. في غضون ذلك، أعلن منتجون، من بينهم شركة "جاينت مانوفاكتشورينع" (Giant Manufacturing)، أكبر صانع دراجات هوائية في العالم، أنهم سيزيدون الأسعار بما ينسجم مع ارتفاع التكلفة.

انعكاسات على التضخم

في الولايات المتحدة، خفّض محللون اقتصاديون توقعات النموّ لهذا العام، ورفعوا توقعات التضخم حتى عام 2022، بحسب الاستطلاع الأخير الذي أجرته "بلومبرغ" للخبراء الاقتصاديين. وبالمقارنة مع العام السابق، يتوقع أن يرتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 4% في الربع الثاني من العام وبنسبة 4.1% في الربع الرابع، أي بواقع ضعفَي الهدف الذي كان قد حدده الاحتياطي الفيدرالي، والبالغ 2%.

لا يتوقع إيريك تشان، وهو صانع ماكينات قهوة في هونغ كونغ، أن تُحلّ الأزمة قبل أشهر، فيما يحاول إدارة خطّ إمداد يشمل مئات المكوّنات من أجل تلبية الطلب المزدهر على أدوات المطبخ.

قال تشان، الرئيس التنفيذي لشركة "تاون راي هولدينغز" (Town Ray Holdings) التي توجّه 90% من مبيعاتها إلى شركات علامات تجارية رائدة في أوروبا: "نحن نخزّن مكونات أساسية لسنة من الاستخدام. فإذا واجهنا نقصاً في مكوّن واحد، لن نتمكن من صناعة المنتجات".

في ظلّ تفشي سلالة "دلتا" المتحولة، وبالأخص في منطقة جنوب شرق آسيا، فإن الكثير من المصانع تواجه صعوبات كبرى في القيام بأي عمليات تشغيلية. ففي فيتنام، ثاني أكبر منتج للأحذية والملابس في العالم، أصدرت الحكومة أوامر بالسماح للعمّال بالنوم في المصانع التي يعملون فيها، لضمان عدم توقف الصادرات.

حتى أن عملاق صناعة السيارات اليابانية، شركة "تويوتا موتور" تأثرت بالأزمة. فقد حذرت الشركة في وقت سابق من أغسطس من أنها تعتزم تعليق الإنتاج في 14 معملاً في اليابان، وخفض إنتاجها بنسبة 40% بسبب عرقلة الإمدادات، بما فيه نقص الرقائق.

في الجانب الآخر من العالم، تواجه المملكة المتحدة انخفاضاً قياسياً في المخزون، فيما تسجل أعلى وتيرة ارتفاع في أسعار التجزئة منذ نوفمبر 2017.

كذلك، تواجه عملية التعافي في ألمانيا تحديات، حيث تراجع مقياس أساسي لثقة قطاع الأعمال في أكبر اقتصاد في أوروبا بمعدل أكبر ممّا توقعه الخبراء الاقتصاديون بحسب التقرير الذي أصدره يوم الأربعاء معهد "إيفو" في ميونخ. ويعزى ذلك في جزء منه إلى النقص في المعادن والمنتجات البلاستيكية وأشباه الموصلات وغيرها من السلع.

إقرأ أيضاً: بسبب مشكلات الإمداد.. ارتفاع التضخم المستورد بألمانيا لأعلى مستوى في 40 عاماً

ما الذي يقوله الخبراء الاقتصاديون لدى بلومبرغ؟

من الصعب تخيل التوصل إلى حلّ لمشكلات سلسلة الإمداد قريباً، حيث يواجه بعض كبار المصدرين، بما فيهم إندونيسيا وفيتنام، صعوبات في احتواء تفشي سلالة "دلتا". وقد يستمر تأثير "دلتا" على التعافي العالمي من خلال إبطاء عملية الإنتاج وزيادة التكلفة، إلا أنه لن يؤدي إلى حرف التعافي عن مساره.

ويكمن مأزق النقل في صلب هذه الضغوط على الأسعار.

في العادة، يبرم كبار بائعي التجزئة عقوداً على المدى الطويل مع خطوط الحاويات، إلا أن الإنتاج في آسيا يعتمد على شبكات من عشرات الآلاف من المنتجين الصغار ومتوسطي الحجم الذين غالباً ما ينسقون عمليات الشحن من خلال شركات لوجستية ووكلاء الشحن. وهم أيضاً يواجهون مشكلات في توفير مساحة لعملائهم، بما أن أصحاب السفن يقومون بالبيع إلى من يعرض أسعاراً أعلى.

يتم إبرام ما بين 60 إلى 70% من صفقات الشحن على الخط آسيا - أمريكا من خلال صفقات فورية أو صفقات قصيرة المدى، بحسب مايكل وانغ، المحلل في شركة "بريزيدانت كابيتال مانيجمنت" (President Capital Management)، مشيراً إلى أن التسعير بأسلوب مشابه للمزاد، قد يستمر حتى رأس السنة الصينية في فبراير 2022.

يوافقه الشراة الرأي. ففي ألمانيا، أكثر من 3 آلاف شركة استطلعت آراءها رابطة غرف الصناعة والتجارة الألمانية، توقعت أن تستمر المشكلات واسعة النطاق في سلسلة الإمداد حتى العام المقبل.

"لا خيار آخر"

يقول جايسون لو، الرئيس التنفيذي لشركة صناعة معدات النوادي الرياضية "جونسون هيلث تيك" (Johnson Health Tech) في تايوان: "الآن، خطوط الحاويات لا توقع اتفاقيات طويلة المدى، ومعظم الصفقات تتم على أساس الأسعار الفورية المتاحة"، مشيراً إلى أنه بات من المستحيل تقدير تكلفة الشحن والقيام بالتخطيط المالي، ولكن "ليس لدينا خيار آخر".

من جانبه، قال كولين سونغ، المدير العام لشركة "وورلد بيتر إنترناشونال لوجستيكس" (World-Beater International Logistics) في مدينة دونغ غوان الصينية، إن أحد عملائه لديه أكثر من 70 حاوية من السلع في مستودع في شينزين، لأن الشاري الأمريكي رفض أن يدفع تكلفة الشحن. وقال سونغ إن بين 60 و70% من عملائه خفّضوا عدد الشحنات بسبب ارتفاع الأسعار.

طفرة الطلب على الخامات تقفز بأسعار الشحن العالمية 50%

بالنسبة إلى المصانع الآسيوية خارج الصين، المشكلة تبدو أسوأ. فالكثير من الشركات الصينية مستعدة لدفع مبالغ أعلى من سعر السوق من أجل تحميل بضاعتها، وفق ما يقوله المتحدث باسم شركة "إتش إم إم" (HMM)، أكبر خطّ حاويات في كوريا الجنوبية. ولذلك، حين ترسو السفن في محطات التوقف في موانئ خارج الصين، تكاد تكون محملة بالكامل مسبقاً.

الشركات الصينية التي أمضت عقوداً في تحويل إنتاج المكونات منخفضة القيمة إلى أسواق اليد العاملة الأرخص في جنوب وجنوب شرق آسيا، تواجه اليوم مشكلة في نقل هذه المكونات إلى المصانع، حيث يمكن تجميعها في منتجات نهائية.

قال ساني تان، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة "لوين تاي إنترناشونال غروب" (Luen Thai International Group) التي تصنع الملابس والحقائب الجلدية للماركات العالمية: "نحن نتحدث عن مبالغ ضخمة من أجل النقل فقط".

وبينما تغلق المصانع أبوابها من أجل الحدّ من تفشي فيروس كورونا، يُجبر المصنّعون على ممارسة ما يشبه لعبة "واك إيه مول" (التي تضرب بها مجسم الحيوان كلما أطل برأسه)، من خلال تحويل وجهة المواد الخام من بلد إلى آخر. وقد لجأ البعض إلى شحن بعض المواد جواً، مثل الجلد من أجل المحافظة على تشغيل خطوط الإنتاج.

في هذه الأثناء، يفكر تان من "لوين تاي"، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس اتحاد الصناعات في هونغ كونغ، كيف سيملأ واجهات العرض الاحتفالية في عيد الميلاد. وقال: "أتمنى أن يقوم المتسوقون بتقبيل منتجاتنا لدى رؤيتها، حين يدركون كم كان من الصعب جلبها إلى الرفوف".

تصنيفات

قصص قد تهمك