بلومبرغ
ثمة تهديد قائم في مقرات العمل، حتى في ظل عمل كثير من الأشخاص من المنزل. وهذا التهديد يتمثل في التعاون، بل إن التعاون المفرط هو التهديد الحقيقي.
يقول روب كروس، الأستاذ المشارك في القيادة العالمية في "كلية بابسون" (Babson College)، وهي كلية إدارة الأعمال الخاصة في ويليسلي بولاية ماساتشوستس الأمريكية، إن مستوى التعاون المفرط كان يرتفع بالفعل قبل الوباء، وقد تصاعد تدريجياً حتى تحوّل إلى فائض هائل من اجتماعات "زووم" وإرسال نسخ طبق الأصل من مستند أو بريد إلكتروني، وما إلى ذلك.
تتبّع كروس هذه الظاهرة على مدى 20 عاماً من خلال "كونكتد كومونز" (Connected Commons)، وهو ائتلاف يضم أكثر من 100 شركة مثل "سيتي غروب" و"جنرال ميلز" و"مايكروسوفت". كان هذا الائتلاف يساعد كروس على تتبع عادات العمل الخاصة بأصحاب الكفاءات العالية، فضلاً عن تتبع تفاعلات مئات الآلاف من الموظفين من خلال تحليل الشبكات الاجتماعية.
جلس كروس، الذي أصدر كتاباً جديداً بعنوان "ما وراء أعباء التعاون المفرط: كيفية العمل بذكاء، والمضي قدماً، واستعادة رفاهيتك"، للحديث عن المشكلة. جرى تحرير المحادثة واختصارها في ما يلي:
ما الأمر السيئ بشأن التعاون؟
التعاون ليس أمراً سيئاً في حد ذاته، بل حجمه الهائل. قبل الوباء، كان الناس يقضون 85% تقريباً من وقت العمل على الهاتف أو البريد الإلكتروني أو في الاجتماعات. لكن بعد أن مررنا بالوباء ارتفع هذا المعدل بنحو خمس إلى ثماني ساعات في الأسبوع، إذ يتعاون الأفراد في أنشطتهم على البريد الإلكتروني، وتطبيق "سلاك"، والتطبيقات الخاصة بالمؤسسات. كما أن الموظفين يعملون في وقت مبكر من الصباح وفي وقت لاحق من الليل بشكل أكثر من أي وقت مضى.
ما سبب الارتفاع الذي شهدناه قبل الوباء؟
تحوّلت المؤسسات لتصبح أكثر نشاطاً ومرونة من الناحية الهيكلية، فقد ألغت مستويات من التسلسل الهرمي، وبسطت عملية اتخاذ القرار. لكن هذا الأمر، مع التقنيات التي تربط الناس بشكل فوري، خلق مطالب أكثر للتعاون، وبشكل لم نرَه من قبل.
ألم يعمل الناس معاً منذ عقود طويلة؟
لقد انتقلنا من جدولة اجتماعات مدتها 45 إلى 60 دقيقة، إلى محاولة تحويلها إلى سلسلة من الاجتماعات التي تستغرق 30 دقيقة، وهو الأمر الذي يعني أنها يجب أن تكون أكثر كثافة مع التحول بين المجالات المختلفة، ثم ينتهي بك المطاف مع قوائم مهام أطول في نهاية اليوم. وبالتالي فإن كلاً من حجم المهام والمطالب يعتبر كبيراً وبشكل أكثر من اللازم.
كنت أعتقد أن التفاعل مع زملاء العمل من المفترض أن يكون صحياً.
كثير من زملاء العمل هم أشخاص إيجابيون للغاية ومن نوع الأشخاص الذين نحبهم، لكنهم يقولون كل ما يجول في خاطرهم في غضون 30 ثانية، ثم يمضون قدماً لتبدأ بعدها بالتفكير في الأمر لمدة ثلاث ساعات. وفي بعض الأيام تواجه 20 أو 25 أو 30 من هؤلاء الأشخاص، ثم تعود إلى المنزل وأنت منهك وطاقتك مستنزفة تماماً.
هل يتعاون أصحاب الكفاءات العالية بشكل مختلف؟
نعم، يميل أصحاب الكفاءات العالية عادةً إلى أن يكونوا أكثر كفاءة بنسبة تتراوح بين 18% إلى 24% تقريباً، وهو ما يوفر لهم يوم عمل تقريباً في الأسبوع. إنهم متحمسون للغاية في طريقة مشاركتهم، وهذا يسمح لهم بتحقيق تعاون أفضل.
لماذا يشير كتابك إلى أن التعاون المفرط هو مصدر استنزاف الطاقة في الغالب؟
تزداد احتمالية انفصال الفرد عن المؤسسة أو مغادرتها بشكل كبير مع تسارع مقدار التعاون حتى يتجاوز حدوداً معينة.
ما الأمر الأهم هنا؟
جميعنا يميل إلى اقتناص الفرص، حتى عندما ندرك تماماً أنه لا ينبغي علينا فعل ذلك، ثم نقنع أنفسنا بخمسة أسباب يتعين علينا القيام بها، وبعد شهر نشعر بالإنهاك، وننسى أننا نحن من قررنا اقتناص هذه الفرص.
إذن يكمن الحل الأمثل لمشكلة التعاون المفرط في داخلنا حقاً؟
عندما بدأت كنت مقتنعاً بأن العدوّ كان خارجياً تماماً، مثل البريد الإلكتروني والمناطق الزمنية ورؤساء العمل السيئين، لكن كل هذه المقابلات أسهمت في إقناعي بأن ما نسبته 50% أو أكثر من ذلك من المشكلة يكون فينا نحن.
خلاصة القول هي أن التعاون بين الموظفين ارتفع من خمس إلى ثماني ساعات أسبوعياً خلال فترة تفشي الوباء، وهذا يؤدي إلى إنهاك العمال.