بلومبرغ
خلال ذروة جائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، كانت السيارات تقبع بلا عمل في المواقف، وبدت شوارع المدن وكأنها مهجورة. وخلال فترة الحجر المنزلي، بينما كان رواد هذه الطرقات يعملون بشكل كبير عن بعد، ومن على أسرّتهم في كثير من الأحيان، كان العثور على مكان شاغر في مواقف السيارات، أمراً يسيراً جداً.
شكّلت كل هذه الأمور أخباراً مدمرة للكيانات الصغيرة المتمثلة بشركات التقنية الناشئة المختصة بمساعدة الأشخاص بالعثور على أماكن لركن سياراتهم، وحجزها.
وفي هذا الإطار، تراجعت أعمال شركة "سبوت هيرو" المطورة لتطبيق يساعد قائدي السيارات على تحديد أماكن لركن السيارات، بنسبة 90% في أبريل 2020، مقارنة بشهر فبراير من العام نفسه، وهو ما دفع الشركة لتسريح نصف موظفيها، و"لقد كان وقتاً عصيباً حقاً بالنسبة لنا"، بحسب قول مارك لورانس، الرئيس التنفيذي للشركة.
والآن، عاد سائقو السيارات إلى الشوارع، وعادت الممارسة الأمريكية الشهيرة والمتمثلة بالبحث عن مكان لركن السيارات، حيث ارتفعت حركة المرور في البلاد بنسبة 55% في أبريل الماضي، مقارنة بنفس الشهر من عام 2020، وذلك وفقاً للإدارة الفيدرالية للطرق السريعة.
وعلى الرغم من أن الطرق داخل المدن كانت أبطأ في استعادة معدلات الازدحام من نظيراتها في الضواحي، إلا أن حركة المرور في مدن مثل شيكاغو ولوس أنجلوس، ونيويورك، وواشنطن، بلغت في يونيو مستويات ما قبل الوباء مرة أخرى، وذلك وفقاً لشركة "إنريكس" (Inrix) المختصة بتحليل بيانات حركة النقل.
أثرت عودة الحركة المرورية بشكل مباشر على "سبوت هيرو" وغيرها من الشركات في المجال، فباتت تتلقى الكثير من العملاء الجدد. وبدأت الحجوزات عبر الشركة بالارتفاع خلال يناير الماضي، وتسارعت من ذلك الحين، إذ يقول لورانس: "كانت العودة بطيئة، ثم نشطت فجأة الآن، وأصبحت الشركة الناشئة تحقق أرباحاً لأول مرة منذ 10 أعوام، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الزيادة في ملكية السيارات، مدفوعة من الأشخاص الذين يتجنبون النقل العام".
من جهتها، فإن شركة "فلاش باركينغ"، التي تمتلك تطبيقين لإيجاد أماكن شاغرة لركن السيارات، والتي تعمل أيضاً بمساعدة شركات إدارة الأحداث والمرائب على تنسيق توافر الأماكن الشاغرة للسيارات، باتت هي الأخرى تتلقى الآن طلباً على خدماتها، بشكل أعلى مما كان عليه الوضع ما قبل الوباء في بعض المدن.
كذلك فإن شركة "سبوت إنجيلز"، التي تستخدم مدخلات الحركة المرورية لإنشاء خرائط للأماكن الشاغرة القريبة، قالت إن إيراداتها الشهرية تضاعفت منذ أن سجلت ارتفاعاً في فبراير 2020، لتتضاعف ثلاث مرات بحلول مايو 2021.
ويقول لورانس من "سبوت هيرو": "من المثير للاهتمام أن نرى كيف كانت الأمور قاتمة، وكيف يمكن أن يبدو الوضع.. ثم بعد ذلك، لديك مثل هذا التفاؤل الحالي".
يذكر أن الصناعة كانت تمر بأزمة قبل انتشار الوباء، بحسب قول إيران بن جوزيف، أستاذ التخطيط الحضري في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، ومؤلف كتاب "أعد التفكير: التصميم والثقافة في المواقف".
حب المساحة الشخصية
كان قد أدى ظهور خدمات مشاركة الركاب مثل "أوبر" و"ليفت"، إلى اضطرار العديد من مرائب وقوف السيارات في الملاعب وما شابهها، لتعديل جزء من مساحاتها لاستخدامات أخرى، مثل تخصيص مراكز صغيرة لعمليات إرسال الطرود.
على الرغم من ذلك، فإن شركات ركن السيارات في مرحلة ما بعد الجائحة باتت تستفيد، من عودة الحب المتجدد لدى الأشخاص لمساحاتهم الشخصية، حيث يقول بن جوزيف: "لقد تكوّنت في الوقت الحالي مشكلة نفسية صغيرة لدى الأشخاص مع استخدام وسائل النقل العام أو استخدام أوبر".
يعتقد بن جوزيف أيضاً، أن تطبيقات ركن السيارات على وجه الخصوص، قد تستفيد من عدم رغبة الأشخاص بلمس الشاشات الإلكترونية في الأكشاك، أو تسليم الأموال نقداً إلى العاملين بتلك المواقف.
من جهتهم، يبدي المستثمرون استعداداً أكثر للمراهنة على استمرار نشاط مواقف السيارات المدعوم بالتكنولوجيا، فقد نجحت شركة "سبوت هيرو"، التي يمثل اقتطاع حصة من رسوم المرأب مصدر إيراداتها الرئيسي، بجمع استثمارات تبلغ 120 مليون دولار. فيما جمعت شركة "أرايف"، التي تحقق إيراداتها أيضاً عن طريق اقتطاع حصة من رسوم المواقف، نحو 68 مليون دولار، وذلك قبل دمجها مع شركة "فلاش باركينغ" في وقت سابق من هذا العام. كما جمعت "سبوت أنجيلز"، التي تحصد عائداتها من خلال رسوم الاشتراكات، 3 ملايين دولار.
حركة مرورية مُختلفة
تغيرت طبيعة المنافسة على أماكن وقوف السيارات بعد الجائحة، فكما يقول دان رورتي، رئيس قسم الوصول في "فلاش باركينغ": "عادت حركة المرور، لكنها تبدو مختلفة تماماً في شكلها"، فعلى سبيل المثال، يتجاوز الطلب على وقوف السيارات في نيويورك الآن مستويات ما قبل الوباء، لكنه ينتشر على مدار اليوم بدلاً من اقتصاره على أوقات ذروة التنقل. كذلك وجدت "إنريكس" أن الأشخاص في الولايات المتحدة باتوا يسافرون أكثر ما بين الضواحي حول المدن، بدلاً من السفر من الضواحي إلى وسط المدن كما كان الحال سابقاً، مما يشير إلى أن العمل عن بُعد لا يزال يؤثر على أنماط حركة المرور.
كذلك، بات الأشخاص يطلبون أيضاً المزيد من الخدمات عبر الإنترنت، مما يجعل من سائقي التوصيل للمشتريات والأطعمة هدفاً لشركات خدمات المواقف. وهو ما أدى إلى قيام شركتي "أرايف" و"فلاش باركينغ" بالعمل على تقديم خدمة تسهل على سائقي التوصيل العثور على مكان في المرأب، بحيث يمكنهم إيقاف سياراتهم، واستخدام الحمّامات، وشحن مركباتهم أثناء فترات الراحة أيضاً.
ويقول نيل غولسون، نائب الرئيس التنفيذي في "فلاش باركينغ"، إن الطلب على خدمات الراحة هذه قد توسّعت إلى نطاق لم يُسمع به من قبل، بسبب "كوفيد. وستكون هذه الخدمات أحد الفئات من التكنولوجيا التي تقدمها الشركة لمساعدة السائقين في تحديد الأماكن الشاغرة لركن السيارات، والمرافق الأخرى في المرائب. فتقديم بقعة أسفلت خالية لركن المركبة ليس سوى البداية.