بلومبرغ
كان الكابتن "كريشنان كانثافيل" يتابع شروق الشمس فوق البحر الأحمر الممتد عبر الضباب الغباري. وكانت الرياح التي تزيد سرعتها عن 40 ميلاً في الساعة تلفح الصحراء المصرية وقد حولت السماء إلى اللون الأصفر الشاحب. من مستوى نظره في قمرة القيادة، كان من الممكن رؤية الخطوط العريضة الداكنة للسفن الـتسع عشرة الأخرى الراسية في خليج السويس، في انتظار دورها لدخول القناة الضيقة التي تتسلل إلى الداخل باتجاه البحر الأبيض المتوسط.
بحسب الجدول المقرر، كانت سفينة الحاويات التي يقودها كانثافيل هي الثالث عشرة التي تبحر شمالاً عبر قناة السويس في 23 مارس 2021. وكانت سفينته واحدة من أكبر السفن في صف الانتظار، ومن أحدث السفن وأكثرها قيمة، حيث لم تخرج من حوض البناء إلا منذ سنوات قليلة.
برز اسم "إيفر غيفن" (Ever Given) المرسوم بأحرف كبيرة وباللون الأبيض الناصع على مؤخرة السفينة ذات البدن الأخضر. وبعد بزوغ الفجر بوقت قصير، اقتربت طائرة صغيرة تحمل الملاحين البحريين المحليين، ممن سيرشدا السفينة خلال رحلتها التي تستغرق 12 ساعة بين البحرين (الأحمر والأبيض المتوسط).
عبور مرهق
يُعتبر عبور قناة السويس مرهقاً للأعصاب أحياناً. توفر القناة وقتاً يعادل ثلاثة أسابيع من الالتفاف حول إفريقيا، لكنها ضيقة، ويبلغ عرضها حوالي 200 متر (656 قدماً) في بعض الأجزاء، وعمقها 24 متراً فقط. وعلى النقيض من ذلك، فإن السفن الحديثة ضخمة وتزداد حجماً.
تبلغ المسافة بين قوس (مقدمة) سفينة "إيفر غيفن" حتى مؤخرتها نحو 400 متر، بينما يبلغ عرضها حوالي 60 متراً، أي أنها تعادل غالباً العرض المعتاد لمباني مدينة مانهاتن، وطولها يساوي ارتفاع مبنى إمباير ستيت تقريباً.
وفي طريقها من ماليزيا إلى هولندا، تم تحميلها بحوالي 17600 حاوية ذات ألوان زاهية. وكانت عارضة السفينة على بعد أمتار قليلة فقط من قاع القناة، وهذا لم يترك مجالاً كبيراً للخطأ.
بعد الصعود على متن السفينة، تم اصطحاب الملاحين المصريين إلى قمرة القيادة لمقابلة القبطان والضباط وقادة الدفة، وجميعهم من الهنود، مثل بقية أفراد الطاقم. ووفقاً للوثائق التي تم تقديمها بعد أسابيع في محكمة مصرية، كان هناك نزاع في وقت ما حول ما إذا كان ينبغي للسفينة أن تدخل القناة أصلاً أو لا، نظراً لسوء الأحوال الجوية، وهو نقاش ربما لم يتم فهمه بشكل كامل؛ بسبب حقيقة أن الإنكليزية لم تكن اللغة الأولى لدى أي طرف من الاثنين. كانت أربعة موانئ قريبة على الأقل قد أغلقت بالفعل بسبب العاصفة، وقبل ذلك بيوم قرر قبطان ناقلة غاز طبيعي تبحر من قطر أن الجو عاصف للغاية ويحول دون اجتياز السويس بأمان.
المصلحة في عبور القناة
على غرار الطائرات، تحمل السفن الحديثة مسجلات بيانات الرحلة، أو ما يسمى بالـ"في دي آر" (VDRs)، وهي أجهزة الصندوق الأسود التي تسجل المحادثات في قمرة القيادة. ولم تصدر الحكومة المصرية التسجيل الكامل لما حدث في قمرة قيادة إيفر غيفن؛ لذلك ليس من الواضح بالضبط ما قاله الملاحون وطاقم السفينة عن الظروف. لكن الضغوط التجارية على الكابتن كانثافيل، وهو بحار متمرس من ولاية تاميل نادو في أقصى جنوب الهند، كانت على الأرجح هائلة، حيث كانت سفينته تحمل ما يعادل مليار دولار من البضائع تقريباً، بما في ذلك أثاث من أيكيا، وأحذية رياضية من نايكي، وأجهزة كمبيوتر محمولة من لينوفو، و100 حاوية لسائل غير معروف قابل للاشتعال.
كان للعديد من الكيانات التجارية الأخرى أيضاً مصلحة في إيصال حاويات إيفر غيفن بسرعة إلى أوروبا. ومن بينهم "شوي كيسن كايشا المحدودة" (Shoei Kisen Kaisha Ltd.)، مالكة السفينة، وهي شركة تركز على قطاع الشحن البحري، تسيطر عليها عائلة يابانية ثرية، ومجموعة "إيفرغرين" (Evergreen)، وهي عبارة عن تكتل تجاري تايواني يدير السفينة بموجب عقد تأجير طويل الأجل. في غضون ذلك، يعمل الطاقم لصالح شركة "بيرنهارد شولت لإدارة السفن"، وهي شركة ألمانية تزود السفن التجارية بالبحارة، وتشرف على عملياتهم. وكان كل تأخير يومي من شأنه أن يضيف عشرات الآلاف من الدولارات في التكاليف، إن لم يكن أكثر.
يقول الملاحون المخضرمون بهذا القطاع إنهم لا يملكون في كثير من الأحيان ما يكفي من حرية الاختيار عند الإبحار في السويس وسط ظروف سيئة، حيث يقال لهم أحياناً:
افعلها وإلا سنجد شخصاً آخر يفعلها
لكن السفن الحديثة تحتوي على رادار وأجهزة استشعار إلكترونية تسمح من الناحية التقنية بالملاحة في القناة، حتى في حال انعدام الرؤية. وكان كانثافيل، الذي وصفه زميل سابق له بأنه ضابط هادئ وواثق، لديه خبرة واسعة في الإبحار بالسويس.
من قمرة القيادة، كان بمقدور كانثافيل رؤية حوالي نصف ميل إلى الأمام. وكانت السفن الأخرى في القافلة المتجه شمالاً تتحرك وتنزلق متجاوزة الرافعات العالية عند مصب القناة. كان القبطان ما زال بإمكانه أن يرفض المضي قدماً، لكن مع تصريح كامل من الهيئة التي تدير الممر المائي، وتلهف الجميع إلى العبور سريعاً، واصل كانثافيل طريقه. انحنى الملاح المصري الأساسي على جهازه اللاسلكي، وأجرى محادثة قصيرة باللغة العربية، وكان الطرفان يتبادلان الحديث وسط حالة من السكون. بعدها، أمر الملاح الأساسي طاقم قمرة القيادة بتوجيه طاقة السفينة نحو الأمام. وبعدما تناثرت السفن المستقرة حول الميناء أصبح الطريق يشبه الصحراء الخالية، فأبحرت سفينة إيفر غيفن، ومرت من أمام لافتة كبيرة كُتب عليها: "مرحباً بكم في مصر".
يتم تعيين الملاحين في السويس من قبل هيئة القناة التي قامت بإدارة الممر المائي منذ أن سيطرت الحكومة المصرية على القناة في عام 1956. ويكون هؤلاء الملاحون عادة من ضباط البحرية السابقين، ولا يقومون فعلياً بتوجيه السفن العابرة بأنفسهم، إنما تتمثل مهمتهم في إعطاء التعليمات للقباطنة وقادة الدفة، والتواصل مع بقية القافلة، وبرج المراقبة التابع لهيئة قناة السويس، والتأكد من عبور السفن بأمان، وهو ما يفعلونه في الغالب.
على الرغم من ذلك، فبالنسبة لبعض الزوار يمكن أن تكون المواجهات مع هيئة قناة السويس مصدراً للتوتر. فبالرغم من أن القبطان يظل مسؤولاً من الناحية التقنية، إلا أنه – سواء كان رجلا أو امرأة- يتنازل عن قدر كبير من السيطرة للغرباء الذين يرتدون الزي الرسمي، ممن تختلف درجات مهنيتهم وكفاءتهم. بالإضافة إلى الملاحين، قد يأتي أيضاً كهربائيون من هيئة قناة السويس، واختصاصيو الإرساء، ومفتشو الصحة على متن السفينة. وكل واحد منهم يطلب بعض الأوراق، والطعام، والمساحة، والإشراف. قد يطلبون أيضاً عبوات من السجائر، وهي مشكلة دفعت مجموعة بحرية متخصصة في مكافحة الفساد خلال عام 2015 إلى إنشاء حملة تحمل عنوان "قل لا"، كانت تحث خطوط الشحن على رفض تسليم أي مطالب إضافية. (ونفت هيئة قناة السويس في الماضي مثل هذه المزاعم).
مشاحنة على ظهر السفينة
أبحر "كريس غيلارد" في القناة مرة واحدة شهرياً تقريباً في الفترة من عام 2008 حتى 2019، حيث كان يعمل كضابط مع شركته السابقة، وهي عملاق الشحن الدنماركي "ميرسك". وبسبب عمله مع الملاحين والتحديات الملاحية التي واجهها، أصبحت لديه رهبة من العبور. وقال في مقابلة:
أُفَضّل عمل منظار للقولون على عبور السويس
وبالرغم من أن الوضع تحسن في السنوات الأخيرة، لكن الأمر لا يزال محفوفاً بالمخاطر.
على بعد أميال قليلة من مسار عبور إيفر غيفن، بدأت السفينة تنحرف بشكل مخيف من الميناء إلى الميمنة ثم تعود مرة أخرى. وكان شكلها الضخم يتحرك كشراع عملاق تضربه الرياح. استجابة ذلك -وفقاً لدليل تم تقديمه في الإجراءات القانونية- بدأ ملاح هيئة قناة السويس الأساسي بالصياح موجهاً تعليمات إلى قائد الدفة الهندي، وصرخ لتحريك السفينة بقوة إلى أقصى اليمين ثم إلى أقصى اليسار. واستغرق بدن إيفر غيفن الضخم وقتاً طويلاً للاستجابة، حتى أنه بحلول الوقت الذي بدأت فيه بالتحرك، كان الملاح بحاجة إلى تصحيح المسار مرة أخرى. وعندما اعترض الملاح الثاني، دخل الاثنان في مشاجرة. وربما تبادلا بعض السباب باللغة العربية. (لم تفصح هيئة قناة السويس عن أسماء الملاحين ونفت أنهما كانا مخطئين فيما أعقب ذلك).
ثم أعطى الملاح الرئيسي أمراً جديداً، وهو: "التقدم للأمام بالكامل"، وأدى ذلك إلى رفع سرعة إيفر غيفن إلى 13 عقدة، أو ما يعادل 15 ميلاً في الساعة، وهو معدل أسرع بكثير من الحد الأقصى للسرعة الموصى بها في القناة، والبالغة حوالي 8 عقد. حاول الملاح الثاني إلغاء الأمر، وتبادل الاثنان المزيد من الكلمات الغاضبة. وتدخل كانثافيل، ورد الملاح الرئيسي عليه بالتهديد بمغادرة السفينة، وفقاً لأدلة المحكمة.
مبدأ الضغط
كان المتوقع أن الزيادة في القوة ستوفر للسفينة مزيداً من الاستقرار في مواجهة العاصفة، لكنها أدت أيضاً إلى ظهور عامل جديد في اللعبة، حيث ينص "مبدأ برنولي" (Bernoulli’s principle)، الذي سمي على اسم عالم رياضيات سويسري من القرن الثامن عشر، على أن ضغط السائل ينخفض عندما ترتفع سرعته. وكان على مئات الآلاف من الأطنان من مياه القناة -التي كانت السفينة تزيحها- أن تنضغط لتمر من خلال الفجوة الضيقة بين بدن السفينة وأقرب شاطئ. ومع اندفاع المياه عبر هذه الفجوة، فإن الضغط سينخفض، ويؤدي إلى سحب سفينة إيفر غيفن أكثر نحو الضفة. وكلما سارت السفينة بشكل أسرع، زادت قوة السحب. وقال غيلارد: "الإسراع إلى نقطة معينة يكون فعالاً حتى نقطة معينة، ثم يصبح تأثيره عكسي"، مضيفاً: "لن تتمكن من القيادة في خط مستقيم مهما فعلت".
فجأة، أصبح من الواضح أن إيفر غيفن كانت على وشك الاصطدام. على الرغم من عدم نشر أي لقطات للحادث في العلن، إلا أن الثواني القليلة الأخيرة لوقوع الحادث كانت تشبه على الأرجح انهيار مبنى ببطء رهيب، مثله كمثل جسم هائل يستسلم لقوى غير مرئية. ووفقاً لشخص مطلع على ما جاء في تسجيل بيانات الرحلة، كان رد فعل الكابتن كانثافيل مشابه لما قد يقوم به أي شخص في نفس الموقف، حيث صرخ قائلاً: "اللعنة!".
ضع في اعتبارك كل عنصر على بعد 10 أقدام منك الآن: الأحذية، والأثاث، والألعاب، والأقلام، والهواتف، وأجهزة الكمبيوتر. فإذا كنت تعيش في أوروبا أو أمريكا الشمالية، فإن كل هذه الأشياء على الأرجح وصلت لك بعد نقلها بحراً عبر قناة السويس. فالقناة تعد رابطاً أساسياً بين الشرق والغرب، وهو انقسام ثنائي استقر في الخيال الشعبي منذ قرون، ويرجع ذلك جزئياً إلى صعوبة العبور من أحدهما إلى الآخر. قبل وجود قناة السويس، كان على البحارة أن يتحدوا القراصنة والعواصف العنيفة، من خلال الإبحار حول رأس الرجاء الصالح، بينما كان التجار الذين يسافرون براً يخاطرون بتعرضهم للسرقة، أو ما هو أسوأ من ذلك أثناء عبورهم للصحراء.
تم رفض فكرة وجود طريق مباشر عبر برزخ السويس باعتبارها أمراً خيالياً حتى القرن التاسع عشر، عندما تبنى الفكرة تاجر نبيذ فرنسي يرتدي ملابس غير مصممة لجنس محدد، ويدعى "بارتليمي-بروسبر إنفانتين" (Barthélemy-Prosper Enfantin). كان إنفانتين اشتراكياً طوباوياً ومن أوائل المدافعين عن المساواة بين الجنسين، وكان يعتقد أن للشرق جوهر أنثوي، بينما للغرب جوهر ذكوري. أما مصر، وبصفة خاصة قناة السويس، فيمكن أن تكون بمثابة "فراش الزوجية" لهما، وأن تصبح موقعاً للمصالحة بين ثقافات العالم العظيمة.
وصلت أفكار إنفانتين إلى "فرديناند دي ليسبس"، وهو دبلوماسي فرنسي كان يعمل في القاهرة، والذي حشد لدعم القضية. في نهاية المطاف، أسس "دي ليسبس" كياناً يسمى شركة قناة السويس، وأقنع الحاكم المصري سعيد باشا، والإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث بدعم المشروع. اشترت الحكومة المصرية 44% من أسهم الشركة، واستحوذ المستثمرون الأفراد الفرنسيون على النسبة الباقية. بدأ عشرات الآلاف من الفلاحين المصريين في حفر القناة يدوياً، ثم تلقوا مساعدة لاحقاً من الآلات التي تم استيرادها من أوروبا.
في عام 1869، اكتملت المعجزة التي يبلغ طولها 120 ميلاً في الصحراء. وسرعان ما أصبحت شرياناً تجارياً حيوياً، خاصة بالنسبة للقوى الأوروبية، التي توسع إمبراطورياتها الاستعمارية في آسيا.
في أيدي المصريين
لم يحصد المصريون سوى القليل من الفوائد، حيث ثبت أن بناء القناة تسبب في تدمير البلاد مالياً، واضطرت مصر لبيع أسهمها للحكومة البريطانية؛ لإرضاء الدائنين. ثم، في عام 1882، استخدمت بريطانيا الانتفاضة الوطنية ذريعة لإرسال أكثر من 30 ألف جندي إلى مصر، وتحويلها إلى دولة عميلة، والاستيلاء على القناة. وأصبحت السويس أحد الأصول التي لا يمكن للقوى الأوروبية أن تتحمل خسارتها.
تفاقم الغضب من هذا العمل العدواني الإمبريالي، وفي عام 1956 قام الزعيم المصري جمال عبد الناصر بتأميم الممر المائي. وفشلت المحاولة الأنجلو- فرنسية لاستعادتها بدعم من إسرائيل فشلاً ذريعاً، حيث انهارت بعد أن أوضح الرئيس الأمريكي آنذاك "دوايت أيزنهاور" تماماً أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع إعادة استعمار قطعة من الشرق الأوسط. منذ ذلك الحين، بقت القناة في أيدي المصريين.
في عام 2015، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي توسعة بقيمة 8.5 مليار دولار، مما أدى إلى زيادة السعة وتقليص أوقات الترانزيت. وقالت اللوحات الإعلانية في القاهرة عن هذه التوسعة إنها: "هدية مصر للعالم".
تمر في الوقت الحالي 19 ألف سفينة سنوياً عبر القناة، وهي محملة بأكثر من مليار طن من البضائع، مع رسوم يمكن أن تصل إلى مليون دولار لأكبر السفن، حيث تدر هيئة قناة السويس لمصر حوالي 5 مليارات دولار سنوياً. وتفتخر حكومة البلاد بدورها المركزي في التجارة البحرية، كما أن لديها حساسية شديدة بشأن أي اقتراح مفاده إنها ليست الوصي المثالي على واحد من أهم أصول الاقتصاد العالمي.
الرجل الصارم
في وقت مبكر من يوم 23 مارس، كان الكابتن محمد السيد حسنين قد بدأ للتو نوبته في برج المراقبة أعلى مقر هيئة قناة السويس في الإسماعيلية، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال موقع إيفر غيفن. وبعدما أجرى الملاحون اتصالاً لاسلكياً ليقولوا إن السفينة رقم 13 في القافلة المتجه شمالاً جنحت، تم عرض النتائج التي تم التقاطها بواسطة كاميرات المراقبة التلفزيونية التي تحيط بالممر المائي على شاشة وامضة أمام مركز قيادة السيد. لم ير أي شخص في برج المراقبة شيئاً مثل هذا من قبل، حيث كانت السفينة مثبتة بشكل مائل عبر القناة. وعندما تم تكبير عدسة الكاميرا، استطاع السيد أن يرى شكل كانثافيل البائس وهو يقف في قمرة قيادة إيفر غيفن.
و"السيد" هو كابتن بحرية سابق، ورجل صارم، ويأخذ وظيفته كرئيس للملاحين على محمل الجد. تمت ترقيته إلى هذا المنصب قبل عامين، بعد ما يقرب من 40 عاماً من الخبرة البحرية وعقد كامل من العمل في هيئة قناة السويس. يتمتع السيد بملامح ناعمة، مع خطوط عميقة حول عينيه، ويرتدي زياً أبيضاً مكوياً، مع شارات على الكتف باللونين الأسود والذهبي، ومظهره نظيف بلا أي بقع حتى حذائه الأبيض.
يشرف السيد على أربع قوافل يومية، اثنتان من الجنوب ومثلهما من الشمال. وجزء من وظيفته هو تصميم حركة المرور البحرية، إذا أن أكثر من نصف القناة ضيق جداً، بحيث لا تستطيع السفن الكبيرة تجاوز بعضها البعض بأمان. وهذا هو السبب في أن السفن ترتحل في قوافل، وتنتظر في إحدى البحيرات أو القنوات الجانبية، حتى تمر المجموعة التي تسير في الاتجاه الآخر.
قال السيد في مقابلة إنه كان من الواضح أن سفينة إيفر غيفن علقت في موقع من أسوأ المواقع على الإطلاق، وهو قسم ذو اتجاه واحد من القناة. قرر السيد أن يلقي نظرة بنفسه، وبعد رحلة قصيرة بالسيارة، استقل قارباً صغيراً وتوجه إلى سفينة الشحن. لكن حتى بالنسبة لشخص اعتاد على السفن التجارية الضخمة، كان حجم إيفر غيفن مذهلاً، وبدا كجبل معدني يرتفع من القناة البراقة.
تحت خط الماء، انغرس القوس المنتفخ مثل خنجر في عمق الصخور والرمال الخشنة. وبطريقة ما، كانت خلفية السفينة قد جنحت أيضاً، واستقرت في الضفة المقابلة، تاركة السفينة بزاوية 45 درجة من الشاطئ. لم يسمح هذا الوضع بمرور أي شيء، كما أدت قوة الاصطدام إلى دفع القوس لأعلى بمقدار ستة أمتار. لا يتم تصميم سفن الحاويات للارتكاز على شكل زاوية، ومع التخلص من توزيع الوزن في إيفر غيفن، ووجود أمتار قليلة فقط من المياه تدعم القسم الأوسط من السفينة، اعتقد السيد أن هناك احتمالاً حقيقياً لانشطار السفينة إلى نصفين.
كان زوج من قوارب السحب التابعة لهيئة قناة السويس في مكان الحادث بالفعل، وكان الغواصون في المياه يفحصون بدن السفينة بحثاً عن أضرار. صعد السيد سلماً ليقابل كانثافيل في قمرة القيادة. وكان القبطان يهتز بشكل واضح، وحاول السيد إبقائه هادئاً. وقال: "كل شيء سيحل إن شاء الله".
سأل السيد كانثافيل عن بدن إيفر غيفن، ووزن حمولتها، وكمية المياه الموجودة في خزانات الصابورة. إذا تمكنوا من تخفيف حمولتها، فقد يساعد الطفو الإضافي في رفع السفينة بعيداً عن الضفة. أجرى السيد بعض العمليات الحسابية الذهنية السريعة، وكانت نسبة الحمولة إلى التعويم 201 طن لكل سنتيمتر. أي أن تحريك السفينة من الماء على بعد متر واحد سيتطلب إزالة أكثر من 20 ألف طن من البضائع، وهي مهمة هائلة، حتى لو تمكنت هيئة قناة السويس من العثور على رافعة عالية بما يكفي للوصول إلى الحاويات المكدسة على ارتفاع يزيد عن 50 متراً فوق السطح.
لماذا سمحت لها بالدخول؟
قامت القاطرتان بتوصيل الكابلات بإيفر غيفن، وبدأتا بسحبها في محاولة لتحريرها، حيث كانت محركاتهما تعمل على تمويج المياه وتحويلها إلى أشكال حلزونية. لكن السفينة لم تتزحزح. ارتجل السيد خطة بالتعاون مع مديره أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، وهي: عمل مناوبات لمدة 12 ساعة تحت إدارتهما، مع التبديل بين الحفارات على الشاطئ لإزالة التربة الصخرية حول قوس السفينة ومؤخرتها، وشد القاطرات بأكبر قوة ممكنة. كانت الحفارات ستنحت إلى أسفل أثناء انخفاض المد، بينما تستغل القاطرات الطفو الإضافي الذي يوفره المد العالي للسحب. ولمساعدة الحفارات، استدعى السيد اثنتين من كراكات هيئة قناة السويس، وصنادل بحرية عائمة بأسنان معدنية دوارة يمكن إنزالها في الماء لطحن قاع القناة. وكان من المقرر أن يصلوا في وقت لاحق من ذلك اليوم.
كان أول ما ظهر في مكان الحادث هو حفار أصفر وحيد أرسله مقاول يعمل في مكان قريب. اقترب السائق بعصبية وبدأ في تجريف كميات صغيرة من التربة الصخرية من حول قوس السفينة. وكان السائق مرعوباً من أن تنقلب السفينة المعدنية العملاقة التي تلوح فوقه أو تحول اتجاهها، مما يتسبب في تحطيمه، وفقاً لمقابلة أجراها لاحقاً مع صحيفة "إنسايدر" (Insider). تم التقاط صورة فرق الحجم الكبير الكوميدي بين الاثنين من قبل فريق الاتصالات في هيئة قناة السويس، والتي كان لديها مصور تحت إمرتها، حتى يُظهر للعالم أن الهيئة تبذل كل ما في وسعها لفتح القناة مرة أخرى. وبعد انتشار صورة الحفار الوحيد، أصبحت السويس-لأول مرة في تاريخها- ممراً تجارياً حيوياً، و"ميم" إنترنت.
بعد تقديم روايتهما الخاصة عن الحادث إلى السيد، استعد الملاحان البحريان من هيئة قناة السويس اللذان كانا في قمرة قيادة إيفر غيفن للنزول من السفينة. أثناء قيامهما بذلك، استمرا في المشاجرة، وفقاً لأدلة الدعوى القضائية المتنازع عليها من قبل هيئة قناة السويس. وقال الملاح البحري الرئيسي: "هذه السفن لا يفترض بها أن تدخل".
فرد زميله: "لماذا سمحت لها بالدخول؟".
كان "كيث سفندسن" (Keith Svendsen) يقود سيارته إلى العمل عندما رن هاتفه المحمول. كان المتصل هو أحد زملائه من شركة "إيه بي أم ترمينالز"، وهي شركة مشغلة لموانئ الحاويات مقرها هولندا، وكانت متابعة للأخبار. التفاصيل المتاحة كانت قليلة، لكن ما كان معلوماً هو أن هناك مشكلة ما في السويس. وكان الموظفون في "ميرسك"، الشركة الأم لـ"ايه بي ام تي" (APMT) يسارعون لمعرفة المزيد.
إذا كانت تكتلات الشحن مثل مجموعة إيفر غرين تحافظ على حركة التجارة البحرية عبر المحيطات، فإن "ايه بي ام تي" توفر رابطاً بين البر والبحر، حيث تقوم بتحميل وتفريغ حوالي 32 ألف سفينة سنوياً في لوس أنجلوس، ومومباي، وغوتنبرغ، وقرابة 70 موقعاً آخر، ليلاً ونهاراً، فيما يشبه رقصة الباليه التي لا تتوقف للرافعات والصناديق المعدنية. كما أنها تشارك في ملكية ميناء "تانجونغ بيليباس" (Tanjung Pelepas) الماليزي، الذي كان آخر محطة مرت بها إيفر غيفن قبل للسويس.
عندما وصل سفندسن -وهو دانماركي يتميز بصراحته في الحديث، ويعمل كرئيس تنفيذي للعمليات في "ايه بي ام تي"- إلى مكتبه في لاهاي، لم يكن قلقاً للغاية. فالحوادث المؤسفة لم تكن أمراً جديداً على السويس، ويمكن حلها غالباً في غضون عدة ساعات. وخلال عمله كبحار ومدير تنفيذي في قطاع الشحن البحري لثلاثة عقود، تعامل سفندسن مع أكثر بقليل من بعض المكالمات المشابهة، وبعضها كان عن ذلك الممر المائي بالذات، وكانوا عادة ما يتوصلون لحل للمشكلة.
رغم ذلك، سرعان ما اتضح لسفندسن أن حادثة إيفر غيفن خارجة عن المألوف، وسيكون لها تداعيات خطيرة، حيث يعتبر قطاع الشحن البحري الحديث للبضائع عمل يجب القيام به في الوقت المناسب تماماً، مثله كمثل تصنيع السيارات وتوزيع البضائع في السوبر ماركت. كما يتمحور حول توقع وصول البضائع في الوقت المحدد بدقة عند الحاجة.
المخاطر على سلاسل التوريد
قبل تبني الاعتماد على الحاويات على نطاق واسع في السبعينيات، كان من الممكن أن يستغرق الأمر أسبوعاً أو أكثر لتفريغ سفينة كبيرة، ثم إعادة تعبئتها. اليوم، قد تقضي السفن التي تحمل 10 آلاف حاوية أو أكثر بضع ساعات فقط في ميناء معين، ويتم تفريغها باستخدام رافعات آلية موجهة بواسطة خوارزميات تخطيط متطورة. ويعد ذلك نموذجاً فعالاً، حيث يوفر في التخزين والمخزون، لكنه نموذج هش، حيث يمكن أن تتسبب مشكلة واحدة فقط بسلسلة التوريد في توقف عمل كل شيء.
إن الإغلاق المطول للسويس يهدد بسلسلة من التأخيرات، التي يمكن أن يشعر ملايين الناس-إن لم يكن مليارات- بتأثيرها على التجارة اليومية، ويستمر أثرها لعدة أشهر. ولن يؤدي عدم وصول السفينة حسب الجدول المقرر لمحطة "ايه بي ام تي" في ولاية نيوجيرسي إلى حدوث مشكلة لدى الشركات الأمريكية التي تنتظر شحنتها وحسب، إنما قد يعني ذلك أيضاً تكويم جميع الحاويات التي كان من المفترض أن تلتقطها السفينة لتصديرها. وفي النصف الثاني من العالم، فإن المصانع في الصين أو ماليزيا -التي تعتمد على نفس السفينة للحصول على بضائعها بعد بضعة أسابيع- ستحتاج إلى إيجاد خيارات بديلة، والتي قد لا تكون موجودة أيضاً، نظراً للاضطراب.
قامت "ايه بي ام تي" بتشكيل فريق إدارة أزمات، وبدأت في التخطيط لسيناريوهات مختلفة. وتساءلت: ماذا سيحدث لموانئها إذا أغلقت القناة لمدة 24 ساعة، أو ثلاثة أيام، أو أسبوعين؟ كل زيادة في التأخير كانت تعني المزيد من السفن والبضائع التي تنتظر العبور، إلا إذا سلكت منعطفاً آخر يبلغ طوله آلاف الأميال البحرية.
قال سفندسن في مقابلة: "كانت مهمتنا معرفة متى سنصل إلى وضع نقطة الانهيار". وخلص الفريق إلى أن فترة أسبوعين ستشكل كارثة على التجارة العالمية. وأي فترة أقل من أسبوع سيكون قابلة للإدارة، لكنها ستمثل تحدياً. ولم يكن بمقدور سفندسن سوى أن يأمل في أن يقوم شخص ما بسحب "إيفر غيفن" وتحريرها قبل ذلك الحين.
إصدار أول بيان
بعدما علقت السفينة بالأرض بفترة وجيزة، التقطت مهندسة على متن سفينة "ميرسك" -التي كانت تقف خلف إيفر غيفن مباشرة في القافلة المتجهة شمالاً- صورة مذهلة للسفينة، حيث كانت تقف في وضع مائل بالقناة في مواجهة عاصفة رملية مروعة في الخلفية. وكتبت على الصورة التي نشرتها على إنستغرام: "سنعلق هنا لفترة على ما يبدو".
استغرقت هيئة قناة السويس حوالي 24 ساعة لإصدار أول بيان علني لها، والذي قالت فيه إن سفينة إيفر غيفن فقدت السيطرة في الطقس السيئ. وألقت شركة "إيفر غرين"، التي رفضت إتاحة أي من مسؤوليها التنفيذيين لإجراء مقابلة، باللوم على "رياح قوية مفاجئة مشتبه بها"، بينما أشار وكيل بحري محلي إلى "انقطاع التيار الكهربائي". بحلول نهاية يوم 24 مارس، كانت هناك 185 سفينة راسية في مكان قريب تنتظر العبور، وتحمل الإلكترونيات، والاسمنت، والمياه، وملايين من براميل النفط، وعدة آلاف من رؤوس الماشية. وقدرت صحيفة متخصصة في مجال الشحن البحري أن ما تصل قيمته إلى 10 مليارات دولار من حركة المرور البحرية كانت تتراكم يومياً.
وصول المنقذ البحري
كانت المساعدة في طريقها من أوروبا، حيث تم تعيين فريق من "سميت سالفاج" (SMIT Salvage)، وهو جزء من التكتل البحري الهولندي "رويال بوسكاليس وستمنستر" (Royal Boskalis Westminster)، من قبل مالكي سفينة إيفر غيفن في اليابان. يُعتَبَر المنقذون البحريون كخدمة إنقاذ على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في أعالي البحار. فعندما تبدأ السفن السياحية في الغرق أو تشتعل النيران في ناقلة نفط، تندفع أطقم الإنقاذ إلى مكان الحادث لاستعادة الأشخاص، والبضائع، والمعدات. وهي واحدة من أكثر المهن الحماسية المفعمة بالأدرينالين في العالم. يستخدم المنقذون جميع أنواع المركبات على غرار أسلوب "ثندربيردز" (Thunderbirds) لإنجاز المهمة، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر، والقاطرات عالية الطاقة، ومن بينها أسماء مثل: "سي ستاليون" و"نورديك جاينت". ويمكن أن يكون هذا العمل مربحاً للغاية، فبموجب الشروط القياسية، تتلقى الأطقم نسبة مئوية من قيمة كل ما ينقذونه، ويحتمل أن يكسبوا عشرات الملايين من الدولارات. لكن إذا فشلوا؛ قد لا يحصلوا على أي شيء.
بعد وصول فريق سميت في 25 مارس، أجرى أعضاؤه استطلاعاً على إيفر غيفن، ثم التقوا بالسيد وزملائه في هيئة قناة السويس على متن السفينة. كان فريق سميت موجوداً هناك لتقديم المشورة، وليس لتولي زمام الأمور، لأن عمليات الإنقاذ في السويس تندرج تحت اختصاص هيئة القناة. لكن الخبراء الهولنديين كانت لديهم خطة. فإذا لم ينجح سحب السفينة -كما أخبروا السيد على مدار عدة اجتماعات- فسيكون من الضروري تخفيف حمولتها. وحددوا بالفعل موقع رافعة كانت طويلة بما يكفي للوصول إلى سطح إيفر غيفن، وقادرة على إزالة خمس حاويات في الساعة، ممن تم تحميلها بحمولة ثقيلة، حتى تصبح السفينة أخف وزناً بمقدار 10 آلاف طن. ويمكن أن تصل الرافعة إلى هناك في الأسبوع التالي، لكنهم كانوا بحاجة فقط لاستئجار سفينة للإبحار بها.
سأل السيد: "أين ستضع الحاويات؟". فقال أحد المديرين التنفيذيين في "سميت سالفاج" إنه سيتم إنزالها إلى قارب أصغر سيذهب إلى بحيرة على بعد أميال قليلة فوق القناة، ليتم نقل الحاويات بواسطة رافعة أخرى إلى قارب آخر. اعتقد السيد أن ذلك سيستغرق ثلاثة أشهر على الأقل، فقال: "ليس لدينا وقت". لكن فريق سميت جادل بالقول إنه من الحكمة أن يكون هناك خيار احتياطي. وفي النهاية اتفق الجميع على ضرورة الاستمرار في التجريف والجر، إلى أن تصل الرافعة العملاقة. وإذا لم تكن هناك حركة بحلول ذلك الوقت، فسيبدؤون في نقل الحاويات.
البحث عن أقوى القاطرات
أطلقت سميت دعوة لشركائها ومقاوليها سعياً للوصول إلى أقوى القاطرات التي يمكنهم العثور عليها. وتضمنت القاطرات المتاحة قارباً كبيراً ذا ملكية إيطالية، يحمل اسم "كارلو ماغنو" (Carlo Magno)، وكان في طريقه بالفعل إلى مصر من البحر الأحمر، على بعد أيام قليلة. وهناك "ذي ألب غارد" (The Alp Guard)، وهو عملاق هولندي بقدرة سحب تبلغ 280 طناً، وكان على بعد بضعة أيام أيضاً.
بحلول ذلك الوقت كان السيد يعيش في إيفر غيفن. ويقضى هو وربيع، الذي كان يمكث في جرافة، الكثير من وقتهما وهما يتحدثان عبر جهاز اللاسلكي، في محاولة للحفاظ على معنويات طواقمهما مرتفعة. لم يكن أي من البحارة، والمهندسين والسائقين التابعين لهيئة قناة السويس يحصلون على كثير من النوم في خيام الجيش، التي أقيمت على طول القناة. وبعد قضاء يوم مرهق في توصيل الكابلات، والضغط للحصول على دورات إضافية من عمل المحركات التي تم استنفاد طاقتها، أو تشغيل الحفارات، يكتشفون أن إيفر غيفن حولت اتجاهها بمقدار متر واحد فقط. فكان السيد يقول لهم: "هذه علامة جيدة". مضيفاً: "لقد تحركت. وغداً ستتحرك لمسافة أكبر".
لكن بينه وبين نفسه، كان السيد خائفاً من أن يتأذى شخص ما، كما أن أحد ابنائه كان يعمل على واحدة من القاطرات. خلال نوبات السحب، كان يصطف ما يصل إلى خمسة من القوارب الأصغر حجماً التابعة لهيئة قناة السويس، وتدفع بمقدمتها عكس اتجاه الجانب الذي تقف فيه إيفر غيفن، في محاولة لرفع القوس، بينما يقوم آخرون بالسحب باستخدام الكابلات. إذا تم تحرير السفينة فجأة، فإن القوارب الأصغر كانت ستتناثر مثل الألعاب، مما قد يؤدي إلى حادث مميت. أيضاً، بعدها، كانت هناك مخاوف من أن يتأرجح قوس إيفر غيفن بشكل جانبي، ويصطدم بالضفة المقابلة، وينتقل من موضع جنوح إلى آخر. طلب السيد من طاقم السفينة استخدام أربعة حبال طولها 100 متر تمتد حتى البر، بحيث يمكنهم تثبيت السفينة لمنع القوس من التحرك بعيداً جداً إذا تم تحريرها فجأة. وكان السيد يأمل في أن يكون ذلك كافياً.
ظهور البدر والقاطرة " ذي ألب غارد"
ظهرت قاطرة "ذي ألب غارد" في المشهد لأول مرة يوم الأحد 28 مارس، بعد ستة أيام تقريباً من توقف إيفر غيفن. وكان هناك قمر عملاق في تلك الليلة، ويبدو مكتملاً وقريباً بشكل غير معتاد من الأرض، وجاذبيته ستسحب مد البحر الأحمر إلى مستوى أعلى من كل ما كان أو سيكون عليه لعدة أسابيع. إذا كانت أطقم الإنقاذ ستحرر إيفر غيفن دون تفريغها، فهذه هي اللحظة المناسبة.
ثم اقترح السيد فكرة جديدة، وهي: أنه بدلاً من استخدام القاطرات فقط عند المد العالي، يمكنهم أيضاً السحب مع انحسار المد، على أمل أن يساعد التيار في تحرير إيفر غيفن. لم تكن تلك الفكرة معتادة في مجال الإنقاذ، الذي يفضل ارتفاع المياه على حركة المد والجزر، لكن بعد صراع التيار لعدة أيام، اعتقد السيد وفريقه أن تلك الخطة قد تنجح.
ظهرت ذروة حركة المياه في منتصف الليل. وفي الساعات الأولى من يوم 29 مارس، قام أفراد الطاقم بتمرير كابل من السفينة إلى "ألب غارد". وكانت القاطرة قوية للغاية إلى درجة أنهم احتاجوا إلى لف الكابل حول أربعة أعمدة معدنية مثبتة في بدن إيفر غيفن لمنع نقاط الربط من التصدع تحت الضغط. ثم بدأت "ألب غارد" في السحب.
مع بزوغ الفجر وانخفاض المد، أدرك بعض قباطنة القاطرات أنهم لم يعودوا يطؤون فوق المياه، بل كانوا يتحركون ببطء شديد. وكانت النهاية الخلفية لإيفر غيفن تنجرف بصمت، بوصة وراء بوصة، بعيداً عن الضفة. وظل القوس مثبتاً في الرمال، لكن السفينة كانت نصف عالقة فقط.
بعد فترة وجيزة، وصلت "كارلو ماغنو"، القاطرة الكبيرة الثانية، وانضمت إلى "ألب غارد" في السحب من الخلف. لعدة ساعات، بذلت القاطرتان قصارى جهدهما، وكانتا تضربان المياه فتتحول إلى رغوة بيضاء، لكنهما كانتا تعملان ضد حركة المد، واستسلمتا بحلول وقت الغداء، بعدما لم تتمكنا من إحراز أي تقدم ملحوظ.
ثم اقترح فريق سميت أن تأخذ إيفر غيفن 2000 طن من مياه الصابورة إلى مؤخرة السفينة، حتى يرتفع قوسها بضع بوصات إضافية، بعيداً عن الطمي. وفي حوالي الساعة 2 ظهراً، أمر السيد كل القاطرات بالمحاولة مرة أخرى. وانقلب المد، وأصبح حليفهم. وحسبما اعتقده السيد، كان ذلك ما يحتاجونه بالضبط.
كان السيد في قمرة إيفر غيفن مع الكابتن كانثافيل عندما بدأ القوس في التحرك ببطء في البداية، ثم انتقل بكل قوته مرة واحدة، بعدما سمع الربان صراخ قباطنة القاطرات ممن يشرف عليهم عبر جهاز اللاسلكي. ومع ابتعاد السفينة عن الضفة، انقطع أحد الحبال التي تربط القوس بالشاطئ، مما أحدث صوتاً مثل طلقة بندقية. ثم انقطع آخر، فآخر. لكن الأخير صمد لفترة طويلة بما يكفي لمنع إيفر غيفن من التأرجح عبر القناة. وطلب السيد من كانثافيل تشغيل المحركات، وجعل السفينة تتحرك في مسار ثابت؛ حتى تتمكن من عبور سفن الإنقاذ بأمان.
هتفت أطقم عمل القاطرات وأطلقوا أبواقهم عندما شاهدوا إيفر غيفن تتحرك باستخدام قوتها الدافعة الخاصة. وفي قمرة القيادة، وصرخ الضباط الهنود واحتضنوا منقذي سميت. واتصل ربيع بالرئيس السيسي ليبشره بالأخبار السعيدة.
سمح السيد لنفسه بأقصر لحظة من الاحتفال. وهمهم قائلاً: "الحمد لله". ووقف على مضض لالتقاط بعض الصور، ثم عاد إلى العمل. وكانت أكثر من 400 سفينة تنتظر دخول القناة.
خيارات قليلة
سرعان ما فقد بقية العالم الاهتمام بالسويس بمجرد تحرير إيفر غيفن. لكن بالنسبة للسيد وملاحيه، كانت نهاية الأزمة لا تزال بعيدة للغاية. وكانت هناك نسبة كبيرة من التجارة الدولية تعول على تحرير السفن المتراكمة. وعمل فريق هيئة قناة السويس ليلاً ونهاراً لتسهيل عبورهم، حيث كان يمرر ما يصل إلى 80 سفينة يومياً. علم السيد أن وجود ملاحين مرهقين ويعملون لساعات إضافية في الخدمة يزيد من مخاطر وقوع الحوادث، لكنه شعر أنه ليس أمامه خيارات كثيرة. وبعد أيام قليلة من إطلاق سراح إيفر غيفن، غرق قارب تابع لهيئة قناة السويس وتوفي موظف، مما يوضح مخاطر العمل في قلب اختناق بحري تحت ضغط شديد.
استغرق تحرير كل السفن الموجودة على قائمة الانتظار ستة أيام. بعد ذلك، عاد السيد إلى منزله في الإسكندرية لرؤية أسرته، وكانت هذه هي أول استراحة له منذ أكثر من أسبوعين.
في لاهاي، كان سفندسن، المدير التنفيذي لشركة "ايه بي ام تي"، يستعد لموجة ضخمة من شحن البضائع، ويحاول زيادة السعة بأي طريقة ممكنة. واتفقت الشركة مع النقابات على تمديد ساعات العمل، وتأجيل الصيانة، التي من شأنها أن توقف عمل الرافعات لبعض الوقت، مع تفريغ مساحة التخزين لاستيعاب آلاف الحاويات الإضافية. فمن شأن تسريع شحن البضائع أن يقلل من هامش الخطأ الضئيل بالفعل لدى شركة إيه بي أم. وقال سفندسن:
الأمر يشبه لعبة إكمال التروس مع بعضها البعض، حيث لا توجد مساحة فارغة
ظهرت أكبر مشكلة في فالنسيا بجنوب إسبانيا، حيث كانت مناطق التخزين بالميناء ممتلئة تقريباً بالكامل، ومكدسة بالبضائع الإسبانية التي تنتظر الشحن البحري. مع دخول الحاويات، أصبح حجم الصناديق غير قابل للإدارة. لبعض الوقت، كان على "ايه بي ام تي" تنشيط الخيار الأخير أمامها، وهو: إخبار العملاء أن بمقدورهم أخذ البضائع الصادرة قبل الموعد المقرر لتحميلها على متن أي سفينة مباشرة. وسيتطلب هذا الأمر نوبات شهرية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، حتى يتم إعادة محطة فالنسيا إلى وضعها الطبيعي.
من هو المخطئ؟
لم يحظ أي من هذا باهتمام كبير في الصحافة الدولية. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تحسر الناس على فقدان مصدر الإلهاء المرحب به بعيداً عن أزمة كوفيد-19. وكان هاشتاغ "بوت إيت باك" (#PutItBack) أو "أعيدوها مجدداً" تريند شائع على تويتر. وبالنسبة لمعظم الناس، عادت قناة السويس إلى كونها نقطة ارتكاز غير مرئية إلى حد كبير للتجارة العالمية. رغم ذلك، فداخل قطاع الشحن، وبعد أن تلاشت نشوة الفرحة بعملية الإنقاذ، تحول الحديث نحو إلقاء اللوم. وظهرت أسئلة: من كان المخطئ في الحادث؟ ومن سيدفع ثمن الأضرار المادية والاقتصادية؟
كان القبطان كانثافيل وطاقمه لا يزالون على متن سفينة إيفر غيفن، في انتظار الإذن من السلطات المصرية للمغادرة. وكانت السفينة راسية في البحيرة المرة الكبرى، التي ظلت عبارة عن طبقة ملح صحراوية لمعظم تاريخها، إلى أن حولها تدفق القناة إلى منطقة انتظار لحركة المرور البحرية. ورغم أن كانثافيل لم يقل هذا علناً، إلا أنه كان لديه سبب وجيه للقلق. فبعد وقوع حادث بحري كبير، يمكن للقباطنة توقع فحص الطب الشرعي لأفعالهم. (قالت بيرنهارد شولت لإدارة السفن، الشركة التي أمدت إيفر غيفن بالطاقم البحري، في بيان حول كانثافيل إنها: "تحافظ على ثقة مطلقة في قائدها، الذي تصرف بمهنية واجتهاد طوال هذه الفترة".)
حجز السفينة
وفي 13 أبريل، حصلت هيئة قناة السويس على أمر من محكمة مصرية "بالتحفظ على"، أو مصادرة سفينة إيفر غيفن. وقالت الهيئة إنها تسعى للحصول على ما يقرب من مليار دولار من شركة "شوي كيسن كايشا"، مالكة السفينة، التي رفضت التعليق على هذا المقال. وفي الملفات القانونية، قالت هيئة قناة السويس إنها قادت "عملية فريدة وغير مسبوقة" لتحرير السفينة ويجب الدفع لها مقابل جهودها، وحددت مبلغ 272 مليون دولار تحت بند النفقات، ومكافأة إنقاذ قدرها 300 مليون دولار، و 344 مليون دولار أخرى كتعويض عن الأضرار التي تعرضت لها، بما فيها "الخسائر المعنوية". وحتى يتم تسوية الديون، لن يُسمح لإيفر غيفن وحمولتها وطاقمها بالذهاب إلى أي مكان.
في 22 مايو، اجتمع محامو هيئة قناة السويس مع "شوي كيسن كيشا" لحضور جلسة استماع في قاعة محكمة مزدحمة بالإسماعيلية. وكان هناك الكثير على المحك، بالنسبة لعدد كبير من الأطراف. فإذا تم دفع مطالبة بقيمة مليار دولار تقريباً لشركة هيئة قناة السويس على الإطلاق، فمن المحتمل ألا تقع المسؤولية على عاتق الشركة اليابانية، لكن على مجموعة من تكتلات التأمين البحري في جميع أنحاء العالم. وكل واحد من هذه التكتلات يريد أن يكون له رأي في أي تسوية. وكان هناك أيضاً أكثر من 17 ألف حاوية شحن لا تزال عالقة في البحيرة المرة الكبرى. وأرسلت "نايكي" و"لينوفو" محامين إلى الإسماعيلية لمراقبة الإجراءات.
في ذلك الصباح، كانت قاعة المحكمة تضج بالأخبار التي تفيد بأن الشركة المالكة لسفينة إيفر غيفن قد أحضرت محامياً بارزاً من الإسكندرية، يدعى أشرف السويفي، وذلك للوقوف في وجه مطالب هيئة قناة السويس. بدأت جلسة الاستماع في تمام الساعة 11 صباحاً. وتدافع حوالي 12 محاميا حول المنبر الموجود أمام أربعة قضاة، وهم واقفون جنباً إلى جنب كما لو كانوا ينتظرون حديثاً حماسياً بين الشوطين. وتناوبوا على التحدث، وكان كل منهم يتبع نفس الروتين المسرحي. أولاً، يأتي المحامي، ويذكر اسمه، ويوضح قضية موكله، ليبني خطاباً ذا وتيرة تصاعدية يتضمن الصراخ والتلويح بيديه. ثم يتحدث الجميع في نفس الوقت، إلى أن يجد المحامي التالي طريقه إلى المنبر ويتم تكرار العملية.
مسجل البيانات ضمن الأدلة
قال محامي هيئة قناة السويس إن الهيئة تولت عملية إنقاذ إيفر غيفن بمفردها تقريباً، وإن طلب مليار دولار ليس بمبلغ كبير. وأضاف بالعربية: "لولا عملية إعادة التعويم لكنا شهدنا كارثة"، وتسلل صوت الأذان إلى قاعة المحكمة عبر نافذة مفتوحة وهو يتحدث.
سرعان ما جاء دور السويفي، الذي كان أكبر سناً بكثير من البقية، ويبدو منحني الظهر ويداه ترتجفان قليلاً. وعلى الرغم من أن المحامين الآخرين كانوا على ارتفاع أعلى منه، إلا أن السويفي كان لديه جاذبية واضحة.
قال السويفي ببطء "لا يمكن لأحد أن يشكك في بطولة هيئة قناة السويس". لكن مدحه كان مقدمة لهجوم مفاجئ. وأوضح أن "شوي كيسن كيشا" حاولت وفشلت في التفاوض على تسوية مع الهيئة. وقال إنه في ضوء تعنت هيئة قناة السويس، لم يكن أمامه خيار سوى تقديم تسجيلات من مسجل بيانات رحلة إيفر غيفن ضمن الأدلة. وقال إن ما اكتشفوه كان "فوضى". حيث جاء في التسجيل: "ادخل، لا تدخل، الريح عالية، والريح ليست عالية"، ودخل الملاحان في جدال وكانا "يسبان بعضهما البعض"، وفي حوار متبادل محتد للغاية هدد أحدهما بمغادرة السفينة، بحسب السويفي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقول فيها أي شخص علانية إن تصرفات هيئة قناة السويس ربما تكون قد ساهمت في وقوع الحادث.
أعلن السويفي، كمصري فخور، أنه يطرح هذه الحجة على مضض. وقال: "لم أرغب في قول هذا، وأخجل أن أصرح بذلك". مضيفاً: "هذا الممر المائي ملكنا جميعاً".
عندما خرج بعد ذلك، احتشد الصحفيون حوله. فنزع القناع عن وجهه، وأشعل سيجارة بإحدى يديه بصبر شديد، وتحدث على الهاتف المحمول باليد الأخرى. ورفض السويفي التعليق عندما تواصلت معه "بلومبرغ بيزنس ويك". وقال بالإنكليزية "لدي مبدأ". مضيفاً: "يتم الإدلاء بجميع أقوالي أمام المحكمة". وعند سؤاله: هل سيتم نشر النسخة الكاملة لصوت مسجل بيانات الرحلة؟ أجاب: "ليس من قبلي".
حل النزاع
في النهاية، حوّل القضاة القضية إلى محكمة أخرى. وخفضت هيئة قناة السويس مطالبتها إلى حوالي 550 مليون دولار، ومع نشر هذه القصة، أعلنت شركات التأمين التابعة المسئولة عن إيفر غيفن أنها توصلت إلى "اتفاق من حيث المبدأ" لحل النزاع، دون الكشف عن شروطه. لكن حتى لو تم الانتهاء من هذه الصفقة، فقد تستمر معركة قانونية مطولة خارج مصر، في المحاكم البحرية في لندن، التي تفصل في أمر معظم القضايا البحرية ذات الأموال الضخمة، وتقدمت "شوي كيسن كايشا" بطلب للحد من المسؤولية القصوى عن أي دعاوى قضائية. ويضم ملف القضية 16 كياناً قد يطالبون بتعويضات عن الخسائر، معظمهم من أصحاب السفن الأخرى، التي كانت متوقفة في السويس أثناء انسداد القناة. وقد تكون هناك أيضاً معارك حول المسؤولية المالية بين المالك وشركات التأمين التي يتعامل معها، وشركات إعادة التأمين الخاصة بهم، ممن يحمون شركات التأمين من المطالبات الزائدة. وقد تستمر جولة التقاضي المرحة هذه لسنوات، وهو أمر سيسعد القطاع القانوني في لندن وربما لا أحد سواه.
بحلول ذلك الوقت، كان الكابتن كانثافيل وطاقمه يسبحون في البحيرة المرة الكبرى منذ حوالي ثلاثة أشهر. ووفقاً للاتحاد الدولي لعمال النقل، وهو ائتلاف من النقابات، فهم لا يزالون يتلقون رواتبهم، ويتم إمدادهم بالمؤن بشكل كبير. وتم السماح لتسعة أشخاص بالعودة إلى الهند. مع ذلك كانت مجموعات البحارة قلقة بشأن رفاهيتهم، وفي مرحلة ما، قال الاتحاد البحري الهندي إنه يشعر بالقلق من احتمال "حبسهم وطلب فدية"، ليصبحوا أوراق مساومة في المفاوضات التي لا علاقة لهم بها. بالتالي، فإن التسوية المحتملة تعد أخباراً ممتازة للطاقم. وبمجرد اكتمالها، يجب أن يتمكنوا هم والسفينة من المغادرة.
عملية بدر
في لقاء مع "بيزنس ويك" داخل المقر الرئيسي لهيئة قناة السويس في مايو، تحدث السيد عن دوره في هذه اللحظة الفارقة من التاريخ البحري. وفي البحرية، درس السيد عملية بدر، وهي خطة بارعة لتحريك القوات المصرية عبر السويس في ست ساعات فقط، مما سمح لهم بمفاجأة القوات الإسرائيلية وبدء حرب يوم الغفران عام 1973. ورغم أنه لم يواكب نفس سرعة عملية بدر، لكن هيئة قناة السويس تمكنت من إعادة تعويم إيفر غيفن في ستة أيام. وقال ضاحكا: "إنه نفس الشيء".
كان الليل قد أظلم بحلول الوقت الذي عرض فيه السيد أن يقود زواره في جولة داخل برج المراقبة التابع لهيئة قناة السويس. وفي الخارج، كانت القناة عبارة عن فسحة مظلمة تحيط بها الأضواء المتلألئة على طول الشاطئ. وكانت فارغة، حيث لم تكن القافلة التالية ستغادر إلا بعد بضع ساعات أخرى. وعلى الشاشات التي تنقل الصورة من كاميرات المراقبة، تم نشر خارطة رقمية للمسار بأكمله عبر 10 شاشات كبيرة. وأشار السيد إلى نقطة صفراء في البحيرة المرة الكبرى، وهي لا تتحرك إطلاقاً على الشاشة، وقال، "أنظر هذه هي سفينة إيفر غيفن؟"