
بلومبرغ
بعدما شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة، فرضت عدّة دول مصدرة للسلاح مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا، قيوداً على صادراتها العسكرية إلى إسرائيل في محاولة لدفع حكومة بنيامين نتنياهو على تبني حل دبلوماسي للنزاع. لكن على أرض الواقع، سرّعت هذه الخطوات وتيرة الإنتاج الدفاعي الإسرائيلي الذي وصل إلى أعلى مستوياته.
واليوم، يسعى المصنّعون الإسرائيليون لزيادة الصادرات العسكرية، بما يشمل أسلحة مما شمله التقييد، أما قائمة المشترين فتضم بعضاً من نفس الدول التي فرضت القيود.
تعزيز الصناعات العسكرية المحلية
زادت شركات الأسلحة الإسرائيلية، وعديدها بالعشرات، وتيرة إنتاجها. مثلاً، تعمل شركة "إلبيت سيستمز" (Elbit Systems)، المدرجة في بورصتي تل أبيب ونيويورك، على إنشاء خطوط إنتاج للقنابل الجوية زنة طن من طراز (MK84)، بالإضافة إلى نماذج أصغر من السلسلة نفسها، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين طلبوا عدم كشف هوياتهم لتطرقهم إلى مسائل حساسة.
أبرمت "إلبيت" ووزارة الدفاع الإسرائيلية في أغسطس عقوداً تقارب قيمتها 2.5 مليار شيكل (700 مليون دولار) لتعزيز إنتاج الأسلحة والمركّبات الكيميائية المستخدمة في الذخائر. وقال بيزهاليل مخلِس، الرئيس التنفيذي للشركة: "يجب أن تكون إسرائيل أكثر استقلالية في إنتاج الأسلحة".
اقرأ أيضاً: لجنة إسرائيلية توصي بزيادة إنفاق الحرب 3.6 مليار دولار سنوياً
كانت الوزارة أبرمت على مدى العام الماضي عدة اتفاقيات لتكفي الجيش من حيث الإمدادات. في مايو، أعلنت عن عقد بقيمة 2.8 مليار شيكل (756.8 مليون دولار) مع شركة "إلبيت" لتوريد قذائف هاون وصواريخ ومقذوفات أخرى.
وفي أكتوبر، وافقت على صفقة بقيمة ملياري شيكل (541 مليون دولار) مع "إلبيت" وشركة "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة، المملوكة للدولة، لتوسيع إنتاج "الشعاع الحديدي"، وهو نظام اعتراض صاروخي يعتمد على الليزر طورته "رافائيل". قال زئيف زيلبر، كبير اقتصاديي وزارة الدفاع في كلمة ألقاها في تل أبيب في فبراير: "تعلمنا بالطريقة الصعبة أن ما ليس لدينا في إسرائيل، غالباً لا يمكننا الحصول عليه من مكان آخر".
زيادة الإنفاق العسكري بعد الحرب
الحرب التي بدأت إثر تسلل مسلحي حركة حماس عبر الحدود من قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 في هجوم أسفر عن مقتل وخطف أكثر من 1400 إسرائيلي، ألقت بعبء ثقيل على الاقتصاد. فقد ارتفع الاقتراض الحكومي في 2024 إلى رقم قياسي بلغ 278 مليار شيكل (75.3 مليار دولار)، فيما ارتفع عجز الموازنة إلى 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض النمو إلى 0.9%، وهو أدنى مستوى منذ عقود.
رغم الثمن الاقتصادي والأضرار الجسيمة التي لحقت بسمعة إسرائيل بعدما دمرت قطاع غزة، حيث تشير أرقام وزارة الصحة التابعة لحركة حماس إلى مقتل ما لا يقل عن 50000 شخص، دعم غالبية الإسرائيليين الحرب.
وحين انخرطت ميليشيات مدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان في الصراع مع حماس، ونزوح عشرات آلاف الإسرائيليين عن منازلهم، تزايد شعور إسرائيل بفقدان الأمن وبخطر وجودي.
يعتبر المسؤولون الآن أن تعزيز القدرات العسكرية، خاصة عبر زيادة الصادرات الدفاعية، سيعود بالنفع على إسرائيل. قال زيلبر: "تدفع الصادرات نمو التجاري، ما ينتج عنه نمواً في الاقتصاد الإسرائيلي".
اقرأ أيضاً: فاتورة الحرب تلهب تكاليف معيشة الإسرائيليين في 2025
أظهرت البيانات الحكومية أن وزارة الدفاع ضاعفت ميزانيتها في العام الماضي مقارنة بفترة ما قبل الحرب، لتصل إلى 154 مليار شيكل (41.7 مليار دولار). كما التزمت بتخصيص 220 مليار شيكل (59.6 مليار دولار) لشراء ذخائر وأسلحة ووقود وغير ذلك من المستلزمات خلال السنوات المقبلة. سيُنفَق أكثر من ثلثي هذا المبلغ محلياً، أي ما يعادل أربعة أضعاف المستوى الذي كان عليه قبل الحرب. وقالت الوزارة في بيان في فبراير إن هذه الأموال ستسهم بشكل كبير في "تعزيز قاعدة الدفاع الصناعي للبلاد وتقليص الاعتماد على الخارج".
زيادة الصادرات العسكرية
لطالما كانت إسرائيل حاسمة في موضوع الاستثمار الدفاعي، فهي تعتبره أولوية غير قابلة للمساومة. قبل حرب الأيام الستة عام 1967، انصاعت فرنسا التي كانت وقتها مورد الأسلحة شبه الوحيد لإسرائيل، لضغوط زعماء عرب وأعلنت حظراً على تزويد إسرائيل بالأسلحة، فدفعت إسرائيل للعمل سريعاً على تطوير الصناعات الدفاعية التي باتت مصدر فخر وطني، وتُوجت قبل عقدين ببناء نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي.
اليوم، تحتل إسرائيل المرتبة الثامنة بين أكبر مصدّري الأسلحة في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي الذي يتتبع تجارة الأسلحة العالمية. فقد بلغت صادراتها العسكرية 13.2 مليار دولار في 2023، أي ما يعادل 6% من إجمالي صادراتها (بحسب أحدث البيانات المتوفرة).
تسعى إسرائيل من خلال جهودها الجديدة إلى ترسيخ مكانتها كرائدة في مجال الابتكار العسكري. في فبراير، أكملت شركات دفاعية إسرائيلية شملت مؤسسات عملاقة وشركات ناشئة اختبار تقنيات متطورة لاعتراض الطائرات المسيرة بمختلف مواصفاتها من حيث المدى والسرعة والارتفاع. وتسعى الحكومة إلى تمويل هذه الأنظمة وإدخالها في الخدمة بأسرع وقت ممكن.
وقالت "إلبيت" إنها تعمل على تطوير أنظمة دفاع تستند إلى الليزر محمولة على الطائرات قد تخفّض بشكل كبير تكلفة اعتراض الصواريخ. كما تتعاون الحكومة مع "إلبيت" على تطوير أنظمة متقدمة لتعزيز حماية مقاتلات "إف -16" وطياريها في المعارك. ومن المرجح أن تُطرح هذه التقنيات للبيع في الأسواق الخارجية.
تحولات جيوسياسية عالمية
يتزامن ذلك مع تصاعد الضغوط على أوروبا لتعزيز إنفاقها العسكري فيما يعصف الرئيس دونالد ترمب بالنظام العالمي، وتتمتع الأسلحة الإسرائيلية بميزة أنها مجربةً ميدانياً على أرض المعارك، وذلك رغم انتقادات بعض المشترين المحتملين إسرائيل على استخدامها لهذه الأسلحة في عملياتها القتالية.
وقال آفي دادون، نائب المدير العام السابق لوزارة الدفاع الإسرائيلية: "السؤال الأول الذي تطرحه أي حكومة عند التفكير في الشراء من إسرائيل هو: هل تستخدم قوة الدفاع الإسرائيلية هذه الأسلحة؟... تواصل الحكومات الشراء منا لأن إسرائيل تقدم منتجات فريدة تقنياتها متطورة".
تعكف إسرائيل على تطوير قدراتها المحلية لإنتاج أنظمة هي مضطرة لاستيرادها راهناً. فهي تزوّد قنابل سلسلة (MK)، التي يعود تصميمها الأميركي إلى خمسينيات القرن الماضي، بأنظمة توجيه محلية وأميركية، لتتحول إلى ذخائر موجهة دقيقة.
ونقلت تقارير إعلامية أن القوات الإسرائيلية استخدمت آلافاً من هذه القنابل المعدلة في غزة، ما دفع إدارة الرئيس السابق جو بايدن لتعليق شحنات هذه الذخائر إلى إسرائيل في مايو بسبب مخاوف حيال تأثيرها على المدنيين.
برغم جهود إسرائيل لتعزيز قدراتها الإنتاجية، يقول مسؤولون دفاعيون إنها ما تزال تحتاج إلى دعم واشنطن. فقد تلقت نحو 17 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، كما أن جميع مقاتلاتها، من طراز "إف- 15" و"إف- 16" و"إف- 35" هي أميركية الصنع. لكن مع التحولات السياسية في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول الشريكة التي كانت تعوّل عليها في السابق، تجد إسرائيل نفسها مضطرة للاستمرار في بناء صناعتها الدفاعية المحلية.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف: أميركا دعمت إسرائيل بـ18 مليار دولار منذ "طوفان الأقصى"
وقال إيال زمير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حديث التعيين، خلال فعالية لوزارة الدفاع في فبراير: "أثبتت هذه الحرب أنه يجب أن نعتمد على أنفسنا. لقد أعدنا تشغيل خطوط إنتاج كانت في سبات، ووسعنا القائمة منها، وأنشأنا قدرات تصنيع جديدة. من شأن تقليل اعتمادنا على الخارج أن يعزز أمننا واقتصادنا وصناعتنا".