لماذا يصعب قياس تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية؟

تحديد ما إذا كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تختصر الوقت أو تفرض ضريبة وقت يتطلب بيانات أكثر

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة تعبيرية لأدوات قياس - بلومبرغ
صورة تعبيرية لأدوات قياس - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

من عبارات عالم الشركات المألوفة مقولة "الوقت يعني المال". ومثل ذلك من العبارات الشائعة، فهي غالباً ما تُستخدم رغم أنها نادراً ما تؤخذ على محمل الجد. لكن في سياق الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الإنتاجية الاقتصادية، أصبح الوقت، وتحديداً توفير الوقت، أحد أهم معايير الحكم على جدوى الاستثمارات الضخمة في هذه التقنية.

تأخر تأثير التقدم التقني على الإنتاجية

تعتمد قدرة أي تقنية على تحسين مستويات المعيشة على مدى إسهامها في تعزيز ما يُعرف اقتصادياً بإنتاجية إجمالي العوامل، أي إتاحتها الحصول على قيمة أكبر من جميع الموارد المستخدمة في إنتاج السلع أو الخدمات. وقد باتت الإنتاجية الشغل الشاغل لقادة الأعمال وصنّاع القرار، نظراً لتباطؤ نموها بشكل ملحوظ في العقود الماضية، رغم التقدم التقني بالغ السرعة.

فيما تظهر نماذج ذكاء اصطناعي جديدة ذات قدرات مذهلة كل أسبوع تقريباً، واعدة بمساعدة الشركات على تحسين أدائها أو خدماتها، إلا أن ما تروّج له من مكاسب على صعيد تحسين الكفاءة لم ينعكس بعد عبر الأرقام الاقتصادية. 

اقرأ أيضاً: هل يدفع الذكاء الاصطناعي نحو طفرة إنتاجية؟

تشير الاستطلاعات إلى أن شركات كثيرة بدأت بتجريب الذكاء الاصطناعي. إذ أظهر استطلاع جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن ما يتراوح بين 20% و40% من موظفي الشركات يستخدمون الذكاء الاصطناعي، فيما أظهرت دراسة أخرى أن نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي في الشركات الأوروبية بلغت 13.5%. 

حين تُنشأ ما كانت تسمى تقنيات الأغراض العامة فيما مضى، دائماً ما كانت الفوائد الإنتاجية تستغرق وقتاً لتنعكس في الإحصاءات الوطنية. ومن الأمثلة على ذلك، وجدت دراسة معروفة أن التأثير الإنتاجي لإمداد المصانع الأميركية بالكهرباء في بداية القرن العشرين تأخر نحو خمسين عاماً ليظهر. وذلك نظراً إلى حاجة الشركات للاستثمار ليس فقط في المعدات الكهربائية، بل أيضاً في إعادة تصميم مصانعها. إذ أن المصانع التي تعمل بدفع البخار تبنى على عدة طوابق لضمان كفاءة استخدامها الطاقة، بينما يتطلّب خط التجميع الكهربائي تصميماً مسطحاً.

وصف فريق من الاقتصاديين، بقيادة إريك برينجولفسون من جامعة ستانفورد، هذه الظاهرة بـ"منحنى الإنتاجية على شكل حرف (J)"، إذ تنخفض الإنتاجية عند تبني تقنية جديدة قبل أن تباشر الارتفاع.

أهمية الابتكار في أساليب العمل

من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تأخر انعكاس المكاسب الإنتاجية في البيانات هو صعوبة قياسها، لا سيما في قطاعات لا تنتج سلعاً عادية سهلة الإحصاء، مثل الغسالات وقطع السيارات. لننظر مثلاً إلى الاستشارات الإدارية أو الخدمات القانونية. يمكن لوكالات الإحصاء أن تجمع بسهولة البيانات حول إيرادات هذه الشركات، لكن ما هو حجم إنتاجها؟

لا يمكن قياس الإنتاج بعدد شرائح العروض التقديمية أو صفحات نصوص المرافعات القانونية. صحيح أن أسعار هذه الخدمات تعكس جودتها إلى حد ما، لكن كيف يمكن للإحصائيين قياس جودة الاستشارات الإدارية أو القانونية؟

تجني "جوجل" مليارات الدولارات من خدمة البحث التي تقدمها مجاناً من خلال تلقي المال عن الإعلانات التي ترونها إلى جانب النتائج. مع ذلك، فإن قياس القيمة الاقتصادية الناتجة عن ذلك- وهو ما تسعى الإنتاجية إلى تحديده- ليس بمثل بساطة حساب إيرادات "جوجل". فما هو دور مزودي خدمات الإنترنت، ومشغلي مراكز البيانات، ومنتجي المحتوى في هذه المعادلة؟

اقر أ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سيحفّز الإنتاجية.. فهل سيستفيد العمال؟

قياس الوقت المستغرق، أي كمية الوقت ومن يستخدمه، مؤشر أدق في تتبّع تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية. فبرغم أننا غالباً ما نربط التقنية بالأجهزة الجديدة والاختراعات، فإن معظم التحسينات الإنتاجية عبر التاريخ أتت من تمكين العمال من إنجاز مهامهم بسرعة أكبر، ما يتيح مزيداً من الوقت لمهام أخرى. باختصار، الابتكار في أساليب العمل أكبر أثراً من الابتكار في المنتجات.

لننظر مثلاً إلى انتشار السفن البخارية. لقد أسهمت تحسينات سابقة، مثل تغليف جسد السفينة بالنحاس، في زيادة سرعة السفن الشراعية، لكن اعتماد السفن البخارية هو ما أحدث التحول الكبير في السفر والتجارة في نهاية القرن التاسع عشر. 

ومن الأمثلة الحديثة على الابتكار في أساليب العمل انتشار تقنيات التصنيع "في الوقت المناسب"، التي قادتها اليابان خلال ثمانينات القرن الماضي. وبفضل التحسينات في سلاسل الإمداد، تمكّنت قطاعات، من صناعة السيارات إلى الأزياء، من مواءمة الإنتاج مع الطلب بدقة أكبر، ما حدّ من مخاطر تراكم المخزون غير المباع.

توفير الوقت

في حالة بعض التقنيات، المنافع الاقتصادية قد لا تكون واضحة تماماً. خذ مثلًا أكشاك الدفع الذاتي المنتشرة في كثير من المتاجر. صحيح أنها توفر على أصحاب المتاجر أجور الموظفين الذين تحلّ مكانهم، ما قد يرفع إنتاجية قطاع التجزئة بحسب القياسات المعتمدة، لكنها في المقابل تستهلك وقت الزبائن الذي لا يجنون شيئاً من ذلك، ما يثير تساؤلات حول حجم الإنتاجية التي تساعد على تحقيقها بشكل عام.

وبالمثل، تفرض بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضريبة وقت على المستهلكين لصالح الشركات. فكّر في الوقت والجهد والازعاج المصاحب للتعامل مع مراكز خدمة العملاء التي ليس فيها أي موظف يجيب الإتصالات الهاتفية، أو في التعقيدات التي تواجه المستهلكين عند إرجاع منتجات عبر مواقع التجارة الإلكترونية.

اقرأ أيضاً: مسؤول أسترالي: الذكاء الاصطناعي قد يعالج أزمة إنتاجية البلاد

لذلك، يُعد الوقت مقياساً اقتصادياً بالغ الأهمية مع بدء إحداث الذكاء الاصطناعي تحولات في حياتنا. للأسف، لا توجد بيانات كافية حول كيفية تخصيص الأفراد لساعات يومهم، سواء في العمل أو خارجه. بعض وكالات الإحصاء الوطنية التي تعد استبيانات حول استخدام المستهلكين للوقت بدأت تتضمن أسئلة عن الأنشطة عبر الإنترنت.

لكن هذه الاستطلاعات نادرة، ويصعب تحديد ما إذا كانت الأنشطة الرقمية تجعل الحياة أكثر راحة وكفاءة، أو أنها تفرض "ضريبة وقت" بسبب المعروضات المعقدة على الإنترنت، ما يحمّل الفرد عبء العمل.

أثبت الذكاء الاصطناعي فائدته في أتمتة المهام المستهلكة للوقت، مثل تلخيص السوابق القانونية وتنسيق العروض التقديمية وكتابة أجزاء من الشيفرات البرمجية. إذاً على الشركات أن تتناول الإنتاجية انطلاقاً من طريقة قضاء موظفيها وقتهم اليوم وكيف يمكن أن يمضونه بطرق أكثر قيمة في المستقبل.

بمعنى آخر، يتيح الذكاء الاصطناعي تحديد الأنشطة أو المهام التي تستنزف الوقت بشكل غير مفيد. أكيد أن الموظفين يعرفون الإجابة، رغم أنهم قد يترددون في مشاركة هذه المعلومات مع رؤسائهم خوفاً من فقدان وظائفهم. (أشار تقرير من "غولدمان ساكس" في 2023 إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يلغي 300 مليون وظيفة بدوام كامل في جميع أنحاء العالم، لكن لا يمكن تأكيد ذلك بعد).

من ناحية أخرى، يجب على الاقتصاديين والإحصائيين التفكير في أنواع جديدة من الاستطلاعات وطرق مبتكرة لجمع البيانات، مثل تتبع استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وذلك للمساعدة في سد بعض الثغرات. فكيف نخصص الساعات الأربع والعشرين الثمينة في اليوم هو المعيار الأهم للقيمة، والطريقة التي سيثبت فيها الذكاء الاصطناعي جدواه اقتصادياً.         

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.