بلومبرغ
هناك ثلاثة أمور نعرفها عن الاقتصاد الأمريكي: الأغنياء يزدادون ثراءً، والجميع دونهم مدينون، وأسعار الفائدة باتت منخفضة. فهل هناك صلة تربط هذه الأمور الثلاثة ببعضها؟ نعم، وهناك آثار لهذا الربط على السياسة المالية والنقدية.
في ورقة بحثية بعنوان "الطلب المثقل بالديون"، نشرت في أعدها في وقت سابق من هذا العام، كتب عاطف ميان من جامعة برينستون، ولودفيج ستراوبط من جامعة هارفارد، وأمير صوفي من جامعة شيكاغو، أنَّه من خلال دفع أسعار الفائدة إلى الانخفاض، يؤدي عدم المساواة في توزيع الثروة إلى الدفع بالاقتصاد الأمريكي نحو "فخ ديون"، يكون من الصعب الهروب منه باستخدام أدوات الاقتصاد الكلي التقليدية. وقد دعا الاقتصاديون الثلاثة إلى اتخاذ تدابير غير تقليدية، مثل إقرار سياسات ضريبية لإعادة توزيع الثروة بما يسهم في تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
تخمة المدّخرات
تتطابق هذه الورقة البحثية مع ما قام به رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق "بن برنانكي" الذي عرَّفَ بمفهوم تخمة المدخرات العالمية، وما قام به وزير الخزانة السابق "لورانس سمرز" الذي أعاد إحياء فكرة الركود العلماني في حقبة الكساد. وتدور مساهمة ميان، وستراوب، وصوفي حول نظرية الطلب المدين، التي كتبوا أنَّها تتلخَّص في "فكرة أنَّ أعباء الديون الكبيرة تخفِّض الطلب الكلي، وبالتالي معدل الفائدة الطبيعي".
وبحسب الورقة البحثية، فإنَّ الفكرة العامة هي أنَّه لا يمكن للأثرياء أن ينفقوا كل ما يكسبونه، ولذلك نجدهم يدَّخرون كثيراً. من الناحية النظرية، يمكن إعادة تدوير هذه المدخرات في استثمار منتج، لكن في الممارسة العملية، يتمُّ استخدام الكثير من المدخرات لتمويل الإقراض - أي الإنفاق - من قبل الأشخاص في أسفل سلَّم الدخل. وكتب الاقتصاديون الثلاثة مستشهدين بعملهم السابق: "لقد تمَّ تمويل قدر كبير من الإقراض للأسر في قاعدة الـ90% الأفقر بحسب خريطة توزيع الثروة من خلال الأصول المالية التي ادخرها الـ1% الأغنى".
أما الإقراض من الأغنياء إلى الفقراء، فيمكن أن يكون غير مباشر. على سبيل المثال، لنفترض أنَّ شخصاً ثرياً اشترى أسهماً أصدرتها إحدى الشركات. فتقوم الشركة بادخار العائدات في أحد البنوك. ثم يقوم البنك بدوره، بإقراض شخص غير ثري لشراء سيارة أو منزل، إذ ينزع المقترضون إلى الإنفاق أكثر من المقرضين، مع أنَّ لديهم أموالاً أقل للإنفاق نظراً لذهاب جزء من دخلهم لخدمة الدين.
أسعار الفائدة
يؤدى فائض المدخرات المرغوب فيها عن الاستثمار المرغوب فيه، إلى الدفع بأسعار الفائدة إلى الانخفاض أكثر فأكثر إلى أن تبلغ الحد الأدنى الفعلي الذي يقارب الصفر. ولا يمكن أن تصل الأسعار إلى ما دون الصفر بكثير، لأنَّ المدَّخرين لن يتحمَّلوا ذلك، لأنَّهم يفضِّلون وضع أموالهم تحت وساداتهم في غرف النوم بدلاً من الحصول على عائد سلبي عليها.
وبحسب ما كتبه الاقتصاديون، فإنَّ أيَّ سياسة تحاول إصلاح الأمور من خلال تشجيع المزيد من الاقتراض، من شأنها أن تجعل الأمور أفضل على المدى القصير. أما على المدى الطويل، فالأمور تصبح أسوأ بسبب تزايد أعباء الديون على كاهل المقترضين من القطاع الخاص أو الحكومة، التي سيتعيَّن عليهم سدادها في نهاية المطاف.
لهذا السبب، يفضِّل الاقتصاديون إعادة توزيع الثروة من خلال ضرائب الدخل أو الضرائب على الثروات، التي من شأنها زيادة القدرة الشرائية لـ90% من المواطنين. وكتبوا يقولون: "يمكن لسياسات الإعفاء من الديون لمرة واحدة انتشال الاقتصاد من فخِّ الديون، لكن يجب دمجها مع سياسات أخرى، مثل سياسات التحوُّط الكلي، لمنع العودة إلى فخِّ الديون مع مرور الوقت".
بالطبع لا يتفق الجميع مع هذا الرأي. ففي مقال حول هذه الورقة البحثية نشر في العدد الأخير من مجلة "شيكاغو بوث ريفيو"، وهي إحدى إصدارات "كلية بوث للأعمال" في جامعة شيكاغو، نقل الكاتب عن ستيفن كابلان من كلية بوث، قوله إنَّ فرض ضرائب على الثروة أمر تمَّت تجربته في أوروبا دون جدوى. وقال كابلان للمجلة أيضاً، إنَّ معدلات عدم المساواة في توزيع الثروة كانت تتقلَّص قبل جائحة كورونا.
وردَّ صوفي من جامعة شيكاغو على ذلك المقال بالقول: "أي انخفاض في معدلات عدم المساواة من 2017 إلى 2019 كان ضئيلاً مقارنة بارتفاعاتها منذ الثمانينيات، وستؤدي أزمة (كوفيد-19) بشكل شبه مؤكَّد إلى تعزيز عدم المساواة في المستقبل".