جاء بقرص مخدر من لبنان وقيم إدارية شرقية.. كيف سقط المدير المتألق في وادي السيليكون؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
جاستن تسو، المدير الشريك المؤسس لشركة \"إيترابل\" بمنزله في سان فرانسيسكو   - المصدر: بلومبرغ
جاستن تسو، المدير الشريك المؤسس لشركة "إيترابل" بمنزله في سان فرانسيسكو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان جاستن تسو، الرئيس التنفيذي لشركة التسويق الرقمي الناشئة "إيترابل" (Iterable)، يسير في شارع برودواي بسان فرانسيسكو في 26 أبريل، عندما استُدعي إلى مؤتمر عبر الهاتف جرى خلاله- وبشكل مفاجئ- طرده من منصبه. لقد أبلغه الشريك المؤسس "أندرو بوني"، وكل أعضاء مجلس الإدارة، بالاستغناء عن خدماته، بسبب تناوله جرعة من مخدِّر "إل إس دي" (LSD) قبل اجتماع كان قد عُقد في عام 2019.

هذا ما حدث بالفعل. فقد أراد تسو كما يقول، تناول جرعة صغيرة لتحسين مستوى تركيزه، إلا أنَّه تناول جرعة كبيرة من دون قصد. مع ذلك، لم يكن هذا السبب الوحيد لطرد تسو، بل هناك أسباب أخرى أيضاً.

خلافات قديمة

خلال الأشهر العشرة الماضية، كان تسو يتحدَّث إلى مراسل من "بلومبرغ بيزنس ويك" عن تجربته كرئيس تنفيذي، وعن تحديات كونه صيني الجنسية في وادي السيليكون، إلى جانب نزاعاته مع اثنين من المستثمرين الرئيسيين في "إيترابل". وبرغم طلب المستثمرين إليه إنهاء الموضوع، ظلَّ يتحدَّث عن الأمر، وهذا باعتقاده، كان القشة الأخيرة في نزاع طويل الأمد.

تطورت قضية طرد تسو إلى قصة أكبر تثير مسائل أخرى لها علاقة بالثقافة السائدة في وادي السيليكون، مثل عدم تصرف مؤسسي الشركات هناك كرجال أعمال تقليديين، أو مسألة البحث عن طرق لزيادة القدرة الإنتاجية عبر تعاطي المخدرات، فضلاً عن حساسية أو مخاطر الحديث علناً عن ضغوط العمل التي يتعرَّض لها الموظفون. إنَّها أيضاً قصة مرتبطة بالصميم، بالسياسة العرقية المتوترة التي تعكِّر صفو المجتمع التكنولوجي، والمجتمع الأمريكي بشكل عام.

غريب الأطوار

فيما يتعلَّق بالمستثمرين من أصحاب رأس المال المخاطر، يقول تسو البالغ من العمر 31 عاماً: "في الأيام الأولى، كانوا يبحثون عن شخص غريب الأطوار". لقد حوَّل تسو "إيترابل" من مجرد فكرة إلى شركة تقدَّر قيمتها بنحو ملياري دولار، وهو نجاح مذهل بكل المقاييس. لكن عند بلوغ الشركة هذه المرحلة، بات شعارها الجديد كما يقول تسو هو "الحدُّ من المخاطر".

بدأ تسو حياته المهنية كمهندس برمجيات لدى "تويتر" في عام 2011، وبعد عامين، وضع هو وشريكه المؤسس بوني، البالغ من العمر 32 عاماً، مدخراتهما في شركة "إيترابل" الناشئة الجديدة. هذه الشركة التي أطلقت حملات تسويقية، وإشعارات تستهدف العملاء بطرق مناسبة جداً، مثل البريد الإلكتروني، أو الرسائل النصية لإعلام العملاء بحالة طلبيات توصيل الطعام.

بدأت الشركة في جذب العملاء قبل فترة طويلة، وطالب المستثمرون بوضع استثماراتهم فيها. وبحلول نهاية عام 2016، قُدِّرت قيمة "إيترابل" بـ125 مليون دولار.

يُظهر تسو مدى غرابة شخصيته بطريقة تتناسب مع التحرر الفكري لوادي السيليكون. ففي غداء عمل مؤخراً، ارتدى كنزة قطنية مزينة بالكواكب والنجوم، اشتراها لأنَّها تذكره كما يقول برواية "الأمير الصغير" للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري. وهو يحب مناقشة "لا أخلاقية الرأسمالية"، ومبدأ "الدين الكوني"، وحاجة العالم إلى مزيد من الحب.

النصيحة المدمِّرة

حتى مع ازدهار "إيترابل"، يقول تسو، إنَّه كان يشعر في بعض الأحيان بالنفور والحزن. كان يعتقد أنَّ اهتمامه واهتمام الشركة عموماً، كان مركَّزاً بشكل كبير على المبيعات والمال على حساب الأهداف المؤثِّرة. لدى حضوره حفل زفاف أحد مستثمري الشركة في لبنان عام 2019، التقى تسو برائد أعمال اقترح عليه تناول جرعات صغيرة من عقار "إل إس دي" لتحسين تركيزه ومزاجه بشكل عام. بحث تسو في صحة هذا الأمر، ووجد أنَّ هناك دراسات تربط بين تناول الجرعات الصغيرة، وتحسُّن مستوى التركيز، والتخلُّص من الضغوط النفسية.

بالعودة إلى سان فرانسيسكو، كان تسو يستعد لاجتماع مهم مع مجموعة من المستثمرين البارزين. وبرغم أنَّه لم يكن قد سبق وجرَّب عقار "إل إس دي"، قرر تناول جرعات صغيرة منه معتقداً أنَّها ستساعده على تحسين أدائه في الاجتماع. وهكذا كان، فقد تناول ما اعتقد أنه كمية صغيرة من "إل إس دي"، وذلك قبل الاجتماع بوقت قصير.

لكن ما حصل بعد ذلك، لم يكن في الحسبان. عندما حاول تقديم عرض عن التوقُّعات المالية أمام المستثمرين المحتملين، نظر تسو إلى الشاشة فلم يستطع تمييز الأرقام والصور على الإطلاق، ثم شعر وكأنَّ جسده يتلاشى. حينها اضطر إلى التوقف بشكل محرج، وحاول زميل له إنقاذ الموقف. بعدها، تناول تسو رشفة من الشاي، وقرر متابعة تقديمه، لكن هذه المرة بناءً على ما يتذكره من معلومات وبيانات. انتهى العرض من دون تحقيق مبتغاه في جذب أي استثمارات إلى الشركة.

توتر مع المستثمرين

أصبحت علاقة تسو بالمستثمرين الفعليين في الشركة متوترة. وخلال اجتماع مع شركة "جيوديسك" (Geodesic)، وهي شركة استثمارية أسسها السفير الأمريكي السابق لدى اليابان جون روس، جاء تسو مرتدياً سروالاً قصيراً وتي شيرت. قال له أحد أعضاء مجلس إدارة "إيترابل" بعد الإجتماع، إنَّ "جيوديسك" لن تستثمر في الشركة، ملمِّحاً إلى أنَّ السبب في ذلك يعود في جزء منه إلى حضور تسو بهذه الملابس غير الرسمية. مع ذلك، يقول شخص على دراية بطريقة تفكير "جيوديسك"، طالباً عدم ذكر اسمه أثناء مناقشة المسائل الخاصة للشركة، إنَّ زيَّ تسو لم تكن له أي علاقة بقرار "جيوديسك" عدم الاستثمار.

في اجتماع آخر للمستثمرين، علَّق تسو بالقول، إنَّ (AI) التي هي اختصار لـ(Artificial Intelligence) أو الذكاء الاصطناعي، تشبه كلمة "حب" بلغة الماندرين الصينية. بعد ذلك، سأله أحد الزملاء عمَّا إذا كان "قد أصبح آدم نيومان"، في إشارة إلى الرئيس التنفيذي لشركة "وي ورك" (WeWork) الذي أطيح به، والمعروف بحديثه عن موضوعات مشابهة. وقال، إنَّه سمع أحد المستثمرين يتساءل لاحقاً عما إذا كان تسو منتشياً أثناء الاجتماع. لكن تسو يقول، إنَّه لم يكن كذلك، مؤكِّداً أنَّه لم يتناول جرعة ولو صغيرة في مقر العمل سوى مرة واحدة. كما أنَّ شريكه بوني أخبره أنَّه يفضِّل النسخة الأكثر حذراً من تسو. وباستخدام اسمه الصيني، يقول تسو، إنَّه ردَّ بأنَّه استطاع إظهار تسو هاوران الحقيقي أخيراً.

استبدال المدير

في أواخر عام 2019، بعد أن نجحت "إيترابل" في جمع 60 مليون دولار إضافية، قام اثنان من المستثمرين بالشركة، وهما الشريك العام في "تشارلز ريفر فنتشرز" (CRV) مورات بيكر، والشريك في "إنديكس فنتشرز" (Index Ventures) شاردول شاه، باصطحاب تسو معهما لتناول العشاء للاحتفال. وعلى طاولة جانبية في مطعم "هاكاسان"، وجَّه المستثمران حديثهما ليتناول موضوع قيادة الشركة. تفاجأ تسو بالأمر، وسألهما عمَّا إذا كان هناك تفكير في استبداله كمدير تنفيذي. ومع ذلك، يقول تسو، إنَّ بيكر حاول طمأنته، وقال له: "هذه ما تزال شركتك"، لكنَّه طلب منه أيضاً التفكير في مزايا اختيار قائد أكثر خبرة.

تذكر تسو، الذي ولد في شنغهاي، محادثة سابقة مع مستثمر آسيوي قال له، إنَّه يوماً ما، قد يُطلب منه التنحي عن منصبه لمدير تنفيذي آخر من أصحاب البشرة البيضاء. مع ذلك، قال تسو للمستثمرين، إنَّه يريد البقاء في منصبه، وإنَّ أحد أسباب ذلك هو أنَّه يريد أن يكون مثالاً يحتذى به للمهاجرين الآخرين إلى أمريكا من شرق آسيا. يتذكر ذلك الحديق ويقول: "لم أشعر بأي تفهم للأمر، وكان الرد فقط: حسناً، ثم قام بيكر بتغيير الموضوع".

رفضت "إنديكس فنتشرز" التعليق عبر المتحدِّثة باسم الشركة على أسئلة دارت حول ذلك العشاء، وعلى تفاصيل أخرى متعلِّقة بحساب تسو. بالإضافة إلى أنَّ "تشارلز ريفر فنتشرز" لم تستجب بدورها لطلبات متكررة للتعليق على الأمر، في حين لم يعلِّق بيكر بنفسه أيضاً.

اجتماع في الحديقة

في الأيام الأولى لتفشي وباء كورونا، حصل تسو على قرض بقيمة 30 مليون دولار للحفاظ على شركته في حال تردي الأوضاع الاقتصادية. ولتقديم القرض، أراد البنك شخصاً مرجعياً من مجلس إدارته. يقول تسو، إنَّ شاه ماطل في هذا الأمر.

في النهاية، طلب شاه مقابلة تسو والمؤسس المشارك "بوني" وبيكر في ساوث بارك في سان فرانسيسكو، المركز المهم لأنشطة رأس المال المغامر، التقى الثلاثة في الهواء الطلق، وجلسوا على مقاعد في الحديقة، وطُرحت مرةً أخرى، فكرة إيجاد مدير تنفيذي جديد للشركة.

يتذكر تسو أنَّه قال خلال اللقاء: "أنتم من ذوي الأنماط المتطابقة ليس أكثر. آخر 20 مديراً تنفذياً تمَّ الإعلانُ عنهم، هم جميعهم على الأرجح جميعاً قوقازيون".

لم يكن هذا تأكيداً فظاً، فالرؤساء التنفيذيون في وادي السيليكون معظمهم من الرجال البيض، وكثيرون منهم من الهند، وقلة من الصين، أو اليابان، أو كوريا. ومع ذلك، تمَّ دعم الرؤساء التنفيذيين البارزين في شرق آسيا من قبل كلٍّ من "إنديكس فنتشرز"، و"تشارلز ريفر فنتشرز". فهذه الأخيرة كانت من أوائل المستثمرين في شركة توصيل الطعام الأمريكية "دور داش" (DoorDash) التي يقودها توني شو المولود في مدينة نانجينغ الصينية، في حين استثمرت "إنديكس فنتشرز" في شركة "زورا" (Zuora)، وشركات أخرى يديرها مديرون تنفيذيون من شرق آسيا.

اختلافات ثقافية

يبدو أنَّ بعض الاختلافات التي شعر بها تسو بينه وبين شاه تأتي بسبب خلفيته الثقافية في شرق آسيا. إذ يعتقد تسو أنَّ تفضيله السعي لإجماع الآراء، بدلاً من تجاهل الآراء المخالفة، أو الانخراط في مناقشات صاخبة، سمة ثقافية يفسرها المستثمرون على أنَّها ضعف. وتعدُّ وجهة النظر هذه صورة نمطية عن شرق آسيا، وأشار إليها الباحثون الأكاديميون كسبب لنقص تمثيل الشرق آسيويين في المناصب القيادية في الولايات المتحدة.

في ورقة بحثية نُشرت العام الماضي، كتب أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وزملاؤه أنَّ "سقف الخيزران" يعكس "قضية ذات أهمية ثقافية".

وفي مكالمة هاتفية معه مؤخراً، قال تسو، إنَّ شاه طلب منه أن يلتزم خلال إدارته اجتماعات مجلس الإدارة بـ"حضور أكبر" و"قيادة أقوى"، وهي من العادات التي لم تكن يوماً من طبيعته. كما أراد معظم أعضاء مجلس الإدارة من تسو الالتزام بالمحافظة على المقاييس الرئيسية للشركة، كجزء من خطة تحسين الأداء. مضى تسو قدماً في الخطة، ووافق شاه على القرض، لكنَّ المحادثات لم تكن على نحو جيد مع تسو. فهو يقول: "أنا أدير الشركة بقيم شرقية، وهذا لا يعني أنَّني لست مؤهلاً لأن أكون المدير التنفيذي".

يقول تسو، إنَّ الخلاف وصل إلى حدِّ التمييز العنصري، حتى لو لم يكن الأمر مطابقاً للصورة النمطية للتحيز العنصري. فقد نشأ بيكر في تركيا، أما شاه فهو من أصل جنوب آسيوي. وعندما طُرد تسو، استبدله مجلس الإدارة بشريكه "بوني"، الذي كان يرأس "إيترابل" الذي يأتي من أصل شرق آسيوي مثل تسو. كما يشكِّك تسو في أنَّ مجلس إدارة الشركة يرى بوني نائباً، وسيتمُّ استبداله أيضاً.

انعدام الثقة

بحلول أواخر صيف عام 2020، ازدهرت الأعمال التجارية في "إيترابل" مرة أخرى، فالوقت كان قد حان لجمع مزيد من الأموال. لكن مع الوصول إلى هذه المرحلة، كان تسو يشعر بانعدام الثقة تجاه شاه، وأراد خفض مستوى مشاركته في الصفقة.

وبالتعاون مع شاه، نظَّم تسو عمليات شراء شركة الاستثمار "سيلفر ليك"(Silver Lake) لحوالي نصف أسهم "إنديكس فنتشرز"، وشغل مقعداً في مجلس إدارة شاه، وهو جزء من جولة تمويلية من شأنها تقييم "إيترابل" بـ 2 مليار دولار.

دخلت قضية التحيز والعنف تجاه الآسيويين محادثات وطنية بعد مقتل ثمانية أشخاص في أتلانتا في مارس الماضي.

مايزال تسو يتذكَّر هروبه من المتنمِّرين في فناء المدرسة، وضربهم له، ومطالبتهم بعودته إلى الصين. لذا شارك تسو في تنظيم حملة "ادعم الأمريكيين الآسيويين"، تلك الجهود التي حصلت على تعهدات بالدعم من جانب 7500 من قادة وحلفاء الأعمال الآسيويين الأمريكيين.

رواية القصة

أصبح تسو أكثر اقتناعاً بحاجته إلى سرد قصته. فقد أخبر مجلس إدارته، الذي لم يعد يضمُّ "إنديكس فنتشرز"، أنَّه تحدَّث مع مراسل في "بلومبرغ"، وأخبره للمرة الأولى عن واقعة الجرعات الصغيرة من مخدِّر "إل إس دي". وطلب منه مجلس الإدارة ألا يناقش أو يتداول الأمر مع المستثمرين. لكنَّ تسو قال، إنَّه يرغب في سرد الأمر برمته، حتى لو وضع منصبه في خطر. وأوضح أنَّ "السبب الوحيد لمشاركة هذا الأمر هو مساعدة المؤسسين الذين يعانون، وأي شخص يمر بأمور مماثلة لتلك التي أعاني منها".

في أواخر إبريل، طلب المستثمرون من تسو مرة أخرى عدم التحدُّث مع الصحافة. وبعدها بفترة وجيزة، تلقى مكالمة لإعلامه بأنَّه طُرد من منصبه، ثم جلس في حديقة الحي المالي بسان فرانسيسكو لاستيعاب ما قد سمعه للتو. يقول: "هذا هو ثمن العدالة هذه الأيام. مع ذلك، أفضل أن أروي القصة حتى لو تمَّ طردي".

تصنيفات

قصص قد تهمك