بعد كورونا.. طفرة في نشاط توصيل الطلبات تجذب رأس المال المغامر

time reading iconدقائق القراءة - 9
أدت أزمة كورونا إلى طفرة في الطلب على شركات توصيل الطلبات والبقالة وجذبت مزيداً من اللاعبين في هذا السوق - المصدر: بلومبرغ
أدت أزمة كورونا إلى طفرة في الطلب على شركات توصيل الطلبات والبقالة وجذبت مزيداً من اللاعبين في هذا السوق - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في شارع هادئ بحي "شورديتش" الذي يتطور بسرعة في لندن، تضيء واجهة متجر صغيرة بألوان تشبه إضاءة الديسكو، وفي داخل المحل يتنقل العمال الذين يرتدون السترات السوداء ويستخدمون أجهزة الكمبيوتر اللوحية من ممر إلى آخر، وهم يقومون بتعبئة الأكياس بأشياء مثل: البيرة، والأفوكادو، والآيس كريم.

وبمجرد امتلاء الأكياس، يقوم عمال توصيل الطلبات بركوب دراجاتهم الكهربائية، لنقل تلك الأغراض إلى العملاء، الذين قاموا بطلب هذه الأشياء قبل أقل من 10 دقائق.

تطور سريع

تم تأسيس مركز الإيفاء بالطلبيات الإلكتروني، هذا مكان متجر سابق لحقائب اليد، وهو واحد من أكثر من 60 مستودعاً من نفس النوع تنتشر في 4 بلدان، وتديرها شركة "غوريلاس"، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال التسليم الفوري للطلبات، ويقع مقرها الرئيسي في برلين، وبدأت العمل في الولايات المتحدة في 30 مايو 2021.

وحول العالم، بدأت عشرات الشركات في الدخول إلى هذا المجال سريع النمو، بما في ذلك الشركات الجديدة على القطاع مثل: "غوباف"، التي يقع مقرها في فيلادلفيا، وشركة "غيتير" التركية، و"ديجا" في لندن، بالإضافة إلى شركات العمالة المؤقتة في هذا القطاع مثل: "أوبر تكنولوجيز" و"ديلفري هيرو".

وعلى الرغم من اختلاف طريقة تلك الشركات في العمل، إلا أنهم جميعا يسعون إلى الاستفادة من كسل المستهلكين ونفاد صبرهم، عبر توصيل البقالة والسلع الأخرى في دقائق معدودة إليهم، وهي راحة اعتاد عليها الكثير من المستهلكين أثناء فترة الوباء.

البقالة الإلكترونية

ويقول كاغان سامر، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة غوريلاس: "كل أزمة تُسرِّع تبني نماذج معينة في المجتمع، وهذه الأزمة سرَّعت من اختراق التجارة الإلكترونية لقطاع البقالة".

وأضاف: "بعض من هذا التبني السريع سيتراجع بسبب العودة إلى البيع بالتجزئة التقليدي، لكن جزءً كبيراً من هذه الانتعاشة القياسية سيبقى، بسبب سهولة تلك الطريقة في التسوق."

وعلى مدار العام الماضي، قام الناس بإغلاق أبوابهم بسبب عمليات الإغلاق الوبائي، التي شجعت الاعتماد على التسوق عبر الإنترنت، وأدت إلى ارتفاع توصيل بضائع البقالة ووجبات المطاعم إلى معدلات عالية للغاية.

اللحاق بالركب

وتسبب الطلب المتزايد في تشجيع كلاً من مجموعة "أوكادو بي إل سي" البريطانية القديمة المتخصصة في توصيل البقالة، وشركة "إنستاكارت" في الولايات المتحدة، على تطوير أنفسهم، عبر تقديم خدمة توصيل أسرع، كما تهدف أحدث مجموعة من الشركات الناشئة الآن إلى التميز، من خلال إتاحة عمليات توصيل سريعة لكميات أصغر حجماً، في أقل من 30 دقيقة.

ماذا بعد كورونا؟

والسؤال الآن هو: هل سيستطيع هذا القطاع أن يواصل الازدهار، بينما يتكيف العالم مع حياة ما بعد الجائحة؟.

فمع تلقي المزيد من رواد المطاعم للقاح الفيروس، وعودة الناس إلى الحانات والمقاهي، يراقب المستثمرون عن كثب علامات الانزلاق المحتملة في القطاع.

وتشهد بعض التطبيقات بعض البطء في النمو، كما هددت المطاعم الراقية بالابتعاد عن متاعب ورسوم شركات التوصيل، بعد امتلاء طاولاتها بالزبائن مجدداً.

وتراجعت أسهم شركة "ديلفيرو" لطلب الأكل، التي تتخذ من لندن مقراً لها، بأكثر من الثلث منذ طرح أسهمها للاكتتاب العام لأول مرة شهر مارس الماضي، وسط مخاوف بشأن الأرباح، واعتماد الشركة على العمالة المؤقتة.

نموذجي عمل

وفي قطاع التسليم الفوري، يظهر نموذجان للعمل، الأول: وتتبعه شركات: "غوريلاس"، "غيتير"، "زاب" التي يقع مقرها في لندن، و"فلينك" الألمانية، والعديد من الشركات الجديدة الأخرى في القطاع، حيث يقومون جميعاً في هذا النموذج ببناء مراكز تسليم للبضائع الإلكترونية أو مستودعات صغيرة، والتي تعرف باسم "المتاجر المظلمة"، بحيث يقوم عمالهم بتعبئة أكياس الطلبيات فيها، وانتظار موظفي التوصيل.

أما النموذج الثاني: فتستخدمه المجموعات التجارية الأكبر حجما، مثل: أوبر، ديلفرو، و"جاست إيت تيك أواي دوت كوم"، التي يقع مقرها أمستردام. وفي هذا النموذج يتم التعاون مع محلات السوبر ماركت لتلبية الطلبات، بينما تنقل هذه الشركات البضائع إلى منازل المستهلكين.

ويقول غايلز ثورن، المحلل في شركة "جيفيريز"، إنه بالنسبة لأي شخص يعمل في مجال التوصيل، فإن البقالة أمر لابد منه. ويضيف: "إذا لم تكن تقدم هذه الخدمة، فستقوم جهة أخرى بتقديمها".

طفرة بالشراء عبر الإنترنت

وحسب تقديرات شركة "مينتل" لأبحاث السوق، ينفق الأمريكيون حوالي 800 مليار دولار سنوياً على البقالة. وعلى الرغم من أن 4٪ فقط من هذه المبيعات تم طلبها من على الإنترنت قبل الوباء، إلا أن بنك "يو بي إس" للاستثمار يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 22٪ بحلول عام 2024، حيث يصبح الناس أكثر ارتياحاً مع فكرة طلب الطعام عبر النقر على شاشات أجهزتهم الذكية.

وبسبب تفشي الوباء، يقول "ميكي كوسي"، الرئيس التنفيذي لشركة "فولت" الفنلندية الناشئة لتوصيل الوجبات، والتي تضيف متاجر البقالة إلى قائمة خدماتها: "من المحتمل أن تحدث طفرة في القطاع لمدة ثلاث أو حتى خمس سنوات مستقبلاً"، وأضاف: أن "النمو سيكون جيداً بشكلٍ غير معقول".

ماذا عن الأرباح؟

وليس من الواضح مقدار الأموال التي يمكن أن تكسبها هذه الشركات، في ظل ارتفاع التكاليف الأولية لجذب العملاء وإنشاء المواقع.

وتمتلك شركة "غوريلاس" حوالي 12 مستودعاً في لندن، لكن كل منها يخدم دائرة يبلغ نصف قطرها أكثر قليلاً من ميل. وعادة ما يكون لبضائع محلات البقالة هوامش أرباح أقل من وجبات المطاعم، مما يعني أن الشركات الناشئة تعتمد على العملاء لإنفاق المزيد على كل عملية شراء.

وحسب تقديرات شركة "مورنينغ ستار"، فإن هذه الشركات ستواجه صعوبة في جني الأرباح من الطلبات التي تقل قيمتها عن 30 جنيها إسترلينياً (ما يعادل 42 دولاراً)، وهو هدف ليس سهلاً للأعمال التجارية المبنية على عمليات الشراء الاندفاعية للوجبات الخفيفة، حتى لو تم رفع الأسعار بنسبة تزيد على 10٪ تقريباً مقارنة برسوم متاجر السوبر ماركت.

ويتساءل أيوانيس بونتيكيس، المحلل في شركة "مورنينغ ستار" عن هذا الأمر، بقوله: "هل هذا حقاً سوق كبير؟".

وأضاف: "لست متأكداً بنسبة 100٪ من الكيفية التي ستتمكن بها كل شركات التوصيل الناشئة هذه، التي تشبه شركة "غوريلاس" وأمثالها، من بناء نماذج عمل مستدامة".

ويراهن المستثمرون على أن الربحية ستتحقق مع اعتياد العملاء على هذه الخدمات، والبدء في عمل طلبيات أكبر.

"موضة قديمة"

ويقول ديفيد بوتريس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "جاست إيت"، وشريك في مشروع "83 نورث" لرأس المال المغامر، الذي استثمر في شركات البقالة الناشئة، إن أكثر من نصف الأشخاص الذين يجرِّبون خدمات توصيل البقالة، يتحولون إلى عملاء مخلصين للشركة، وهي نسبة أعلى من أولئك الذين يستخدمون خدمات توصيل الوجبات.

وأشار "بوتريس" إلى أن "المتاجر المظلمة" يمكن أن تصبح مربحة إذا قامت بتسليم 350 طلباً تقريباً في اليوم. وقد يعزز مخزونها المحدود من كفائتها، حيث يحتوي موقع "غوريلاس" على حوالي ألفي عنصر، مقابل 30 ألف عنصر تكون موجودة في محل بقالة نموذجي. واستطرد بوتريس: "محلات السوبر ماركت باتت موضة قديمة وعفا عليها الزمن".

وأضافت شركة "دور داش"، أكبر شركة توصيل في الولايات المتحدة، منتجات البقالة لقائمة خدماتها خلال الصيف الماضي، حيث عملت الشركة مع المتاجر في جميع أنحاء البلاد، حتى تتمكن من تسليم الطلبات في أقل من ساعة.

قطاع واعد

وتقول شركة "ديلفرو"، إن مبيعات البقالة قفزت بنسبة 700٪ خلال العام الماضي، بينما تقول شركة "أوبر" إن أعمالها في توصيل البقالة، التي تم إطلاقها الصيف الماضي، تقترب من تحقيق 3 مليارات دولار سنوياً من الطلبات التي يتم تسليمها في 32 دولة.

ويقول بيير ديمتري غور كوتي، نائب رئيس شركة "أوبر" لشؤون توصيل الطلبات: "هذا المجال بالتأكيد يعد قطاعاً واعداً في محفظتنا الاستثمارية العالمية".

رأس المال الجرئ

وحتى مع وجود الكثير من الشركات المؤسسية القائمة في هذا المجال، يدعم المستثمرون عدداً كبيراً من الشركات الناشئة.

وأبرم أصحاب رأس المال المغامر الاستثماري 66 صفقة في القطاع بلغت قيمتها الإجمالية 7.4 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، وفقاً لشركة الأبحاث "بيتش بوك"، ارتفاعاً من 222 مليون دولار في العام السابق.

وفي الجولات الاستثمارية المقبلة لجمع التمويلات، تستهدف شركتا "غوريلاس" و"غيتير" الحصول على تقييمات أعلى من 6 مليارات دولار.

أما الخبر السار بالنسبة للمستهلكين فهو أنه سيكون هناك الكثير من عروض التوصيل المجاني التي ستتاح أمامهم؛ لأن الشركات تنفق كل هذه الأموال، في محاولة لكسب عدد كافٍ من العملاء، حتى تتمكن من الاستمرار قبل هبوب الرياح المعاكسة في القطاع، والتي ستأتي بالتأكيد.

ويقول راهول ميهتا، الشريك الإداري في شركة "دي إس تي غلوبال"، التي استثمرت في شركات توصيل الطعام الناشئة: "يفهم الجميع قيمة التواجد في مجال البقالة". واختتم: "هذا المجال أكبر من أن نتجاهله، ولكن ليس من السهل الدخول والاستمرار فيه".

تصنيفات

قصص قد تهمك