بلومبرغ
فيما يعدُّ هدفاً رئيسياً للبيت الأبيض، طرح الرئيس جو بايدن خطة جديدة للبنية التحتية بقيمة 2.25 تريليون دولار، التي تهدف إلى تنشيط الاقتصاد الأمريكي، جنباً إلى جنب حزمة إغاثة كورونا البالغة 1.9 تريليون دولار. ومع ذلك، قد تؤدي الطفرة الاقتصادية المتوقَّعة أيضاً إلى تفاقم أكبر صراع تواجهه الإدارة حتى الآن؛ ألا وهو التعامل مع العدد المتزايد من المهاجرين العابرين للحدود الجنوبية.
وارتكزت حملة بايدن الرئاسية على وعد بكبح وباء كورونا، وتنشيط الاقتصاد الذي تضرر بسببه، وعلى ما يبدو أنَّ بايدن مستعد للوفاء بتعهداته برغم المخاوف من فيروس كورونا. ويتوقَّع مجلس الاحتياطي الفيدرالي نمو الاقتصاد الأمريكي بأسرع معدل خلال أربعة عقود، ليرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.5% هذا العام، في حين يتوقَّع بنك "غولدمان ساكس" نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8%، إلا أنَّ الأمور في الدول الأخرى لا تسير بشكل جيد تقريباً.
وهذا ما ساعد على زيادة عدد المهاجرين عبر الحدود الأمريكية- المكسيكية، بالإضافة إلى أنَّ غالبية الوافدين الجدد ينتمون واقعياً إلى فئة البالغين الباحثين عن عمل، برغم تركيز القنوات الإخبارية بشكل رئيسي على محنة طالبي اللجوء من الأطفال والأسر من أمريكا الوسطى، الذين يفوق عددهم السعة الاستيعابية لمنشآت الاحتجاز الأمريكية.
مزيد من المشاكل
تشير بيانات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية إلى أنَّ 82% ممن تمَّ القبض عليهم مؤخراً ينتمون لفئة البالغين غير المتزوجين، وينتمي60 % منهم إلى المكسيك.
وتقول بيا أورينيوس، كبيرة الاقتصاديين في الاحتياطي الفيدرالي بدالاس: "لقد أنجزنا الكثير من العمل فيما يتعلَّق بمحدِّدات الهجرة، وخصوصاً الهجرة غير المصرَّح بها من المكسيك إلى الولايات المتحدة،" مضيفةً أنَّ:" نمو العمالة والأجور في الولايات المتحدة تلعب دوراً مهماً في إحداث هذا التدفُّق من الهجرة.".
وإذا نجح بايدن والديمقراطيون في تمرير خطة البنية التحتية بقيمة عدة تريليونات من الدولارات؛ فإنَّ إغراء الاقتصاد الأمريكي المتصاعد سيزداد قوة، مما قد يخلق مزيداً من المشاكل للإدارة التي تسعى جاهدة لمعالجة المستوى الحالي للهجرة، التي تتلقى انتقادات من الجمهوريين الذين يلومون بايدن على التسبُّب في هذه الأزمة، من خلال تخفيف بعض القيود التي فرضها الرئيس السابق ترمب.
ولم تكن السياسات السخية المالية، أو الخاصة بالهجرة من قبل الديمقراطيين الدافع الوحيد وراء هذا التدفُّق في الهجرة فقط، فقد ارتفع عدد العابرين شهرياً من المكسيك منذ إبريل من العام 2020، أي قبل انتخاب بايدن بفترة طويلة.
دوافع الهجرة
تعاني المكسيك بشدة من وباء كورونا، وتتخلَّف جهودها الخاصة بالتطعيم كثيراً عن الولايات المتحدة، إذ يتمُّ تطعيم أقل من 1% من المكسيكيين بشكل كامل، في حين يسافر بعضهم إلى الولايات المتحدة للحصول على التطعيم. ويقول برايان كادينا، الاقتصادي بجامعة كولورادو في بولدر، الذي يدرس عن العمالة المهاجرة، لـ"بلومبرغ نيوز": "تعدُّ الظروف النسبية بين المكسيك والولايات المتحدة الدافع وراء الهجرة. كما لا تعدُّ الطفرات الاقتصادية الأمر الأهم. فمن المهم أيضاً أن يكون تأثير الصدمة المماثلة أقل بكثير".
بالإضافة إلى ذلك، تندفع الزيادة في الهجرة غير الشرعية جزئياً بالجهود الحثيثة التي بذلتها إدارة ترمب لإغلاق قنوات الهجرة القانونية، التي تجلب عادة العمال إلى البلاد.
وتقول لورا كولينز، مديرة مبادرة النمو الاقتصادي في معهد "جورج دبليو بوش- إس إم يو": " هناك شق آخر في الأمر. فقد تمَّ عملياً إغلاق الهجرة القانونية منذ عام تقريباً، ولا يتمكَّن العمال المكسيكيون الذين كانوا يحصلون على تأشيرات عمل مؤقتة عادة، من الحصول عليها حالياً، لأنَّنا لا نسمح لأيِّ شخص بالهجرة.".
وبرغم أنَّ ذلك سيُشكِّل تحدياً لوجستياً خطيراً بالنسبة إلى إدارة بايدن، إلا أنَّ التدفُّق المتزايد للعمال غير المسجِّلين، الذين تجذبهم الوعود بوظائف البنية التحتية، لن يكون بالضرورة مرهقاً للمسؤولين الأمريكيين، مثل الموجات السابقة من الأطفال والأسر، لأنَّ البالغين الباحثين عن وظائف لا يطلبون اللجوء في كثير من الأحيان، و
لايحتاجون إلى رعاية خاصة، أو جلسات استماع مطوَّلة في المحاكم.
الخيار الأفضل
وتقول أورينيوس إنَّه يمكن إعادة المحتجزين المكسيكيين سريعاً، "لأنَّ لديهم منازل هناك، والأمر لا يتعلَّق بمأساة إنسانية.".
ومع ذلك، تشير أورينيوس إلى أنَّ الزيادة الأخيرة في العمالة المكسيكية تستحق المتابعة، لأنَّها تمثِّل تغييراً عن النمط المعتاد في العقد الماضي، عندما كان صافي معدل الهجرة من المكسيك "صفراً في الأساس.".
وتقول: " تختلف هذه الزيادة المفاجئة حقاً عن الماضي القريب، ولكنَّها تتماشى مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في المكسيك، وتحسُّن الظروف في الولايات المتحدة."
ولدى البيت الأبيض عدَّة أدوات محتملة للتخفيف من ارتفاع عدد العمال غير المسجَّلين على الحدود، فمع انحسار الوباء، يمكنه استئناف تأشيرات العمل المؤقتة، وتقليص القيود المفروضة المرتبطة بكورونا في عهد ترمب، ومساعدة المكسيك على تطعيم سكانها، وإنعاش اقتصادها. ويرى الاقتصاديون في إصلاح قوانين الهجرة خياراً أفضل، برغم احتمالية عدم جدواه من الناحية السياسية.
ويقول دوغلاس هولتز إيكين، رئيس منتدى العمل الأمريكي وكبير الاقتصاديين السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين تحت إدارة جورج دبليو بوش: "ما لم يقم فريق بايدن بالتعامل مع الهيكل العام لقوانين الهجرة لدينا، فإنَّه سيواجه مشكلة سواء وجدت خطة للتحفيز المالي أو لم توجد.".
وفي ظلِّ وجود نسبة مناصفة قدرها (50-50) في مجلس الشيوخ، والسيطرة الضئيلة للغاية على مجلس النواب؛ فإنَّ فرصة بايدن في تنفيذ إصلاح شامل للهجرة أمر بعيد المنال. وعلى ما يبدو أنَّ الأمر يحلو للعديد من الجمهوريين الذين يرون في انتقاد طريقة تعامل بايدن مع الحدود فرصة نادرة لتوحيد الحزب الجمهوري حول قضية واحدة، في الوقت الذي مايزال يصارع فيه من أجل تجاوز مرحلة ترمب.
ومن ناحية السياسة البحتة، يقول هولتز إيكين: "من الواضح أنَّ بعض الجمهوريين يحاولون التركيز على هذا الأمر، ويسعون إلى إلصاقه بشكل مباشر بالرئيس، قبل استخدامه كجزء من حملة منتصف المدة. إنَّه أمر واضح كضوء النهار بالفعل.".