بلومبرغ
بعد عشرات السنوات من بداية الصراع مع الجماعة الإسلامية المتمردة "بوكو حرام"، توشك نيجيريا أن تحصل على أسلحة جديدة؛ وهي زوج من الطائرات المُسيّرة من طراز "وينج لوونج II" من الصين. هذه الصفقة هي جزء من عدد متنامٍ من المبيعات الخاصة بشركة "صناعة الطيران الصينية" (افيك)، وهي شركة مملوكة للدولة الصينية، التي صدّرت بالفعل العشرات من هذه الطائرة؛ وقد استخدمت تلك الطائرات خلال الحرب الأهلية في ليبيا، وكذلك استخدمتها مصر ضد الجماعات المسلحة في سيناء، وكذلك استخدمات القوات التي تقودها السعودية في اليمن، طائرات “أفيك” المسيّرة في معارك مختلفة، فالطائرات المُسيّرة الخاصة بالشركة "تم اختبارها في المعارك بالفعل"، على حدِّ وصف هيذر بيني، الزميلة بمعهد ميتشل لدراسات الفضاء – وهو مؤسسة بحثية مقرّها مقاطعة أرلنجتون بولاية فيرجينيا الأمريكية – التي استطردت قائلةً: "لقد تمكَّنوا من استخلاص بعض الدروس وتطبيقها في عملياتهم التصنيعية".
من المقرر أن تحصل نيجيريا من شركة “أفيك” على الجيل الجديد من طائرة "وينح لوونج" (ويعني اسمها "الزاحفة المُجنحة")، القادرة على الطيران بسرعة 230 ميلاً في الساعة بارتفاع يصل إلى 30 ألف قدم، في حين تحمل حمولة من عشرات الصواريخ. كانت الشركة قد طرحت هذا النموذج الحديث في عام 2015، ومنذ ذلك الحين، أنتجت منه 50 طائرة مسيّرة للتصدير، بالإضافة إلى عدد غير معروف لصالح جيش التحرير الشعبي الصيني. وحالياً، تعمل الشركة على تطوير طائرات أكثر تقدُّماً، لتكون درونز مقاتلة "شبح" بتصميم جناح طيران يُشبه قاذفة القنابل الأمريكية بي-2. وبفضل برنامج الطائرات المسيّرة، إلى جانب شحنات الطائرات المقاتلة، وطائرات التدريب، والناقلات، والمروحيات الهجومية، استطاعت شركة “أفيك” الوصول بسرعة إلى المراتب العليا في تجارة الأسلحة العالمية. كما باعت الشركة في عام 2019 معدَّات عسكرية بلغت قيمتها 22.5 مليار دولار أمريكي، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri)، لتحتل الشركة بذلك المرتبة السادسة على مستوى العالم، بعد خمس شركات أمريكية.
هناك ميزتا بيع مغريتان للطائرات المسيّرة التي تصنّعها "أفيك": "فهي أقلّ تكلفة من الطائرات المماثلة التي تصنِّعها الولايات المتحدة أو إسرائيل (وهما الدولتان الرئيسيتان الأخريان المُصنِّعتان للطائرات المسيّرة المُقاتلة)، كما أنَّ الصين لا تبالي كثيراً في مجال استخدام الطائرات، على حدِّ قول أولريكي فرانك، الزميلة بالسياسة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، التي أضافت قائلةً: "الصين مستعدة لتصدير الطائرات المسيّرة المُقاتلة لأيِّ أحد تقريبًا". ولم تتلقَ بلومبرغ أي ردٍّ على طلبات التعليق من طرف شركة “أفيك”.
220 طائرة لـ 16 دولة
وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، سلَّمت الصين 220 طائرة مسيّرة لـ 16 دولة خلال العقد الماضي، مما دفع الدول الأخرى إلى تعزيز قدراتها بالمجال، بحسب مايكل هورويتز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، إذ تعكف اليابان، وكوريا الجنوبية، وبيلاروسيا على تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، في حين ورَّدت تركيا الطائرات المسيّرة التي ساعدت أذربيجان على هزيمة أرمينيا في صراعهما في مرتفعات قره باغ العام الماضي، ووافقت روسيا في شهر يناير الماضي على إرسال الطائرات المسيّرة إلى ميانمار، وتعمل حالياً على نماذج بعيدة المدى. بينما صرَّحت كلٌّ من صربيا وباكستان عن اعتزامهما استخدام الطائرات المسيّرة التي اشتروها من الصين كنواة لتطوير برامجهما الخاصة لتصنيعها. تعليقاً على ذلك، قال هوروتيز: "صار انتشار الطائرات المسيّرة المُقاتلة أمراً لا مفرَّ منه، والصادرات الصينية هي السبب".
من جانبها، صرَّحت المتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينج بأنَّ الحكومة الصينية ترفض الاتهامات الموجهة إليها بأنَّها تشعل فتيل سباق تسلُّح، وتردُّ أنَّ هدفها الوحيد هو تحسين القدرات الدفاعية لعملائها، وأنَّها تمتنع عن التدخل في شؤونهم الداخلية، بعكس ما تفعله الولايات المتحدة، قائلةً: "إنَّنا نتحلى بالحكمة والمسؤولية في تصدير الأسلحة، وهذا مختلف تماماً عمَّا تفعله الولايات المتحدة".
لا شكَّ أنَّ دفع الصين للطائرات المسيّرة يمثِّل تحدياً للرئيس الأمريكي بايدن، خاصةً وهو يحاول تجاوز سياسة إدارة الرئيس السابق ترمب الخارجية القائمة على الاستقلالية في العمل؛ ففي خريف العام الماضي، اعتبر ترمب شركة “أفيك” والشركات التابعة لها جزءاً من الجيش الصيني، وقيَّد قدرتها على الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، لكنَّه في الصيف الماضي أعاد تفسير "نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف" (وهي اتفاقية أٌبرمت عام 1987 بمشاركة أكثر من 30 دولة، إذ كثيراً ما أبقت صادرات الولايات المتحدة من الطائرات المسيّرة طي الكتمان) على أنَّها تسمح ببيع العديد من هذه الطائرات.
مبيعات الولايات المتحدة من الطائرات المسيرة
يرغم انتقادات الديمقراطيين له، وافق ترمب على بيع 18 طائرة مسيّرة من طراز "جنرال أتومكس إم كيو-9 ريبر" لدولة الإمارات العربية المتحدة. كما وافقت الإدارة الأمريكية في شهر نوفمبر الماضي على صفقة بقيمة 600 مليون دولار أمريكي لتزويد تايوان بأربع طائرات مسيّرة من طراز "ريبر". وبعدها بشهر، أخطرت وزارة الخارجية الأمريكية تحت إدارة ترمب الكونغرس بإبرامها عقداً لبيع أربع طائرات مسيّرة طراز "ريبر" للمغرب بعد إرسائها لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. ومع أنَّ بايدن صرَّح أنَّه عاكف حالياً على مراجعة البيع لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ فإنَّ الصفقات الثلاث تسير حسب الجدول الزمني للإتمام.
من الناحية الأخرى؛ فإنَّ شركة “أفيك” تعتبر في صميم حملة أوسع من جانب الصين لتطوير قطاع الطيران بما فيها، المدني والعسكري على حدٍّ سواء. فقد باعت شركة “علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية” طائرات مسيّرة مُقاتلة لمصر، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وصربيا (وهي أول مرة تستخدم فيها دولة أوروبية طائرات بدون طيار من الصين). في حين انتهت شركة “صناعات شمال الصين” في شهر نوفمبر الماضي من تطوير مسيّرة مروحية تحمل اسم "غولدن إيجل"، وصفتها صحيفة "غلوبال تايمز" التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي بأنَّها "مصمَّمة لتلبية احتياجات تجارة الأسلحة". في حين تعمل شركة “الطائرات التجارية الصينية"، المملوكة بنسبة 12% لشركة “أفيك”، على تطوير طائرة نفاثة تنافس طائرة "بوينج 737 "و"إير باص ايه 320". فضلاً عن أنَّ شركة “أفيك” لديها مشاريع مشتركة مع 10 شركات متعددة الجنسيات في أعمال تجارية مدنية تركِّز على الصين، على غرار مكوِّنات الطائرات، وإلكترونيات الطيران.
يرى بافل باتشاك مدير برنامج "تشانيا مونيتور" لمراقبة الصين في معهد وارسو، وهو مؤسسة بحثية مقرّها العاصمة البولندية – أنَّ خبرة شركة “أفيك” بدأت تؤتي ثمارها من جهة تحسُّن الجودة. صحيح أنَّ الطائرات المسيّرة التي تُصنِّعها لا تُقارن بأفضل العروض المُقدَّمة من الشركات الأمريكية والإسرائيلية، إلا أنَّها بدأت تنافسها شيئاً فشيئاً بفرق سعري كبير: يتراوح سعر أفضل طائرة مسيّرة التي تُقدِّمها شركة “أفيك” ما بين مليون، و2 مليون دولار أمريكي للقطعة الواحدة، مقابل أكثر من 15 مليون دولار أمريكي لنموذج أمريكي مماثل؛ وهو ما علَّق عليه باتشاك بقوله: "قد
لا تكون الطائرات المسيّرة الصينية بجودة الطائرات الأمريكية، ولكن 15 طائرة مسيّرة صينية بسعر طائرة واحدة أمريكية، وبدون إثارة أيِّ ضجة حول حقوق الإنسان، يعدُّ ذلك عرضاً مغرياً".