بلومبرغ
في مساء 6 فبراير 2020، جمع "توماس غوت شتاين" كبار مساعديه في مكتبه في زيورخ لإعلامهم بالسر الذي يخفيه عنهم، الذي يكمن في أنَّه في غضون ساعات قليلة، سيتمُّ تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "كريدي سويس". لقد تبادلوا عناقاً جماعياً، وهنأوا بعضهم، وقال الرئيس الجديد، إنَّه سيشتري المزيد من الأسهم في البنك.
شهدت المؤسسة المالية خلال فترة ولاية "غوت شتاين" منذ ذلك الحين خضَّةً أصابتها في الصميم. ففي غضون أسابيع قليلة في مارس، تورَّط بنك "كريدي سويس" في إحداث فوضى مذهلة، بما في ذلك سقوط شركة تمويل سلسلة التوريد "غرينسيل كابيتال"، وخسائر تجارية كبيرة لشركة "آركيغوس كابيتال مانجمنت" (Archegos Capital Management). ظلَّ البنك السويسري قوياً من الناحية المالية، لكنَّه اضطر إلى إعادة تقييم مخاطره، ودعم دفاعاته الرأسمالية عبر جمع ملياري دولار من المستثمرين. تراجعت أسهم بنك "كريدي سويس" منذ تولي "غوت شتاين" منصب الرئيس التنفيذي، مما جعل السهم واحداً من الأسهم القليلة الخاسرة مؤخَّراً.
مشكلات قديمة
يعود أصل المشكلة إلى ما قبل تثبيت "غوت شتاين" على رأس المؤسسة التي يبلغ عدد موظفيها 49 ألف موظف. مع ذلك؛ فإنَّ الأمر متروك للمصرفي البالغ من العمر 57 عاماً، ليفعل ما لم يستطع أسلافه القيام به خلال كل هذه السنوات من القرن الحالي، وهو تحقيق الأرباح من دون تعريض اسم البنك للخطر.
ومع تولي "أنطونيو هورتا أوسوريو" منصب رئيس مجلس الإدارة في نهاية شهر إبريل، كانت هناك تكهنات كثيرة حول ما يمكن أن يحدث في المرحلة المقبلة، بدءاً من إعادة هيكلة النشاطات مرة أخرى لتقليل دور الخدمات المصرفية الاستثمارية، مروراً ببيع وحدة إدارة الأصول، ووصولاً حتى إلى الاندماج مع منافسته السويسرية مجموعة "يو بي اس ". هناك تغيير واحد على الأقل الآن قيد التنفيذ. ففي 22 إبريل، قال البنك إنَّه سيخفِّض إقراضه لبعض الصناديق، مثل "أرشيغوس".
رياح معاكسة
خرج بنك "كريدي سويس" من الأزمة المالية العالمية في 2008 بطموحات واضحة لمنافسة الشركات الأمريكية العملاقة، لكنَّه واجه رياحاً قوية معاكسة، فقد استمر الاقتصاد الأوروبي في التدهور مقارنة بتعافي الاقتصاد الأمريكي، فيما أدَّى حرص الهيئات التنظيمية السويسرية على تجنُّب تكرار ما حدث في عام 2008، إلى تشديد المتطلَّبات الصارمة لكفاية رأس المال.
حاول البنك تحسين مراكزه في عمليات التداول، لكن ولسوء الحظ، خسرت واحدة من أفضل وحداته، وهي الأسهم، حصَّتها لصالح بنوك "وول ستريت" التي كانت تنفق مليارات الدولارات في تكنولوجيا التداول.
تولى "تيدجان ثيام"، سلف "غوت شتاين"، منصبه في عام 2015، ووضع خطةً للحدٍّ من هواجس بنك "كريدي سويس" بشأن منافسيه الأكثر قوة في "وول ستريت". كانت استراتيجيته تقوم على جعل بنك "كريدي سويس" الوجهة الأولى لإقراض أصحاب المليارديرات في العالم، بمن فيهم أولئك الذين جعلوا من إدارة الثروات محوراً لأعمالهم، وذلك بهدف تقوية وتعزيز أنشطة الوحدات الأخرى التابعة للبنك.
مع صعود "غوت شتاين"، أصبح لدى "كريدي سويس" مدير تنفيذي جديد، لكنَّ استراتيجيته لم تتغير.
أولويات أخرى
قام المدير التنفيذي الجديد بترقية "لارا وارنر" لرئاسة قسم إدارة المخاطر والامتثال، إذ بات من ضمن المهام الرئيسية لهذا القسم "تجنُّب المخاطر". حثَّت "وارنر" مديريها على التوقُّف عن التفكير فقط في الدفاع عن رأسمال البنك، والبدء في التفكير في أولويات العمل الأخرى. لكن "وارنر" لم تصمد كثيراً في منصبها، فقد أقيلت في إبريل.
في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى "بلومبرغ نيوز" في شهر مارس، قال "ديفيد هيرو"، كبير مسؤولي الاستثمار في "هاريس أسوسياشين"، وهو أحد أكبر المستثمرين في "كريدي سويس":
أقول ما هو واضح، وهو أنَّه يجب أن يكون هناك تدقيق وفحص لإدارة المخاطر على كلِّ المستويات في هذا البنك، ومن ثمَّ إجراء التغييرات اللازمة عند ظهور أي خلل حيثما وجد
بعد 10 أسابيع فقط من تعيين "غوت شتاين"، ظهرت إشارات على أنَّ بعض الأمور ستحدث، بما في ذلك انهيار شركة "لوكين كوفي" الصينية. كان "ثيام" قد وصف "لو زينغوا"، مؤسس شركة "لوكين كوفي"، علناً بأنَّه مثال على نوع الشخص الذي يريد البنك التعامل معه.
إقراض بالهامش
قام بنك "كريدي سويس" بإقراض "لو زينغوا" بالهامش، وتولى ترتيب الطرح الأولي لأسهم الشركة في الولايات المتحدة عام 2019. بعد ذلك، جاءت ادعاءات الاحتيال المحاسبي ضدَّ شركة "لوكين"، مما يعني خسائر قروض محتملة لبنك "كريدي سويس"، ثم قدَّمت شركة "لوكين" بعدها طلباً للإفلاس في فبراير من هذا العام.
في أوائل شهر مارس، انهارت الإمبراطورية المزدهرة للمموِّل الأسترالي "ليكس غرينسيل"، ووصلت إلى حدِّ الإفلاس. ساعدت شركة "غرينسيل كابيتال" بشكل أساسي في ترتيب القروض للشركات، التي جمعتها من صناديق تستهدف المستثمرين الباحثين عن عوائد منخفضة المخاطر وجذَّابة. أدار بنك "كريدي سويس" مجموعة من هذه الصناديق، بلغت قيمتها 10 مليارات دولار، لكنَّه قرر في الأول من مارس تعليق سداد الديون بعد أن سحبت شركة التأمين الائتماني الرئيسية لشركة "غرينسيل" تغطيتها.
لكن سرعان ما تدهورت الأمور أكثر، فقد قرر بنك "كريدي سويس" تصفية المحافظ، وهو الآن يحاول بيع العديد من القروض التي اشتراها من شركة "غرينسيل". إنَّ المستثمرين في تلك الصناديق يواجهون خسائر، في حين يقول البنك، إنَّه قد يلقى نصيبه من ذلك أيضاً.
خسائر فصلية
في غضون أسابيع من كارثة "غرينسيل"، انهارت شركة "آركيغوس" التي يسيطر عليها المستثمر الغامض "بيل هوانغ"، وذلك تحت وطأة قروض الهامش عندما بدأت بعض أسهم التكنولوجيا والإعلام التي راهنت عليها بالتراجع. ويُعدُّ بنك "كريدي سويس" الخاسر الأكبر بين بنوك عديدة تسبَّب "هوانغ" في خسارتها، وقد وصلت خسائره حتى الآن إلى 5.5 مليار دولار. ومع إطفاء الخسائر عبر أرباح من قطاعات ووحدات أخرى، أعلن البنك عن تسجيل خسائر صافية في الربع الأول بقيمة 252 مليون فرنك سويسري، أي ما يعادل 275 مليون دولار.
التقى "غوت شتاين" مؤخَّراً بالمديرين التنفيذيين الذين هم في حيرة من أمرهم بشأن توجُّهات البنك، لكنَّه رفض إعطاء إجابات مفصَّلة عن تساؤلاتهم، وفضل ترك مصيره مع الآخرين، ليتمَّ إعادة تقييمهم بعد تولي الرئيس الجديد "هورتا أوسوريو" منصبه.