بلومبرغ
توصيل الكهرباء إلى المنازل والشركات يُفترض أن يكون عملية رتيبة ومتوقعة. وعلى الرغم من النمو السكاني في الولايات المتحدة وما تبعه من زيادة في الأجهزة الكهربائية، لا يزال بالإمكان موازنة هذا التوسع في استهلاك الكهرباء بفضل التحسينات المستمرة في كفاءة المباني والمصانع والأجهزة.
في الواقع، لم يطرأ تغيير كبير على كمية استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة منذ بداية القرن الحادي والعشرين. ولكن يبدو أن ذلك على وشك أن يتغير.
ارتفاع الطلب
فجأة، أصبح الأميركيون بحاجة لمزيد من الكهرباء لتلبية متطلبات مصانعهم ومنازلهم ومركباتهم الكهربائية وتأمين التدفئة، ولكن أيضاً من أجل تشغيل مراكز البيانات وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي.
هذه الزيادة في الطلب على الكهرباء غير مسبوقة منذ عقود، ربما منذ أيام الحرب العالمية الثانية، ما قد يصعّب الانتقال المتعثر أصلاً للبلاد نحو الطاقة النظيفة، في حين تهدد عودة دونالد ترمب الوشيكة إلى البيت الأبيض بعرقلة هذا التحول أكثر. تشير كل التقديرات إلى أن قطاع الكهرباء ليس مستعداً لهذا التحدي. ويقول تيموثي فوكس، المحلل لدى "كلير فيو إنيرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners) إن "تأثير الذكاء الاصطناعي على الشبكة الكهربائية كان سريعاً جداً...والتوقعات بزيادة الأحمال غير مسبوقة".
يتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة بنسية تقارب 16% خلال السنوات الخمس المقبلة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف التقديرات قبل عام، بحسب الشركة الاستراتيجية "غريد ستراتيجيز" (Grid Strategies) ومقرها في العاصمة واشنطن. وهذا تحول كبير نظراً لأن الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة لم يسجل أي ارتفاع يزيد عن 1% سنوياً على مر العقدين الماضيين. وبحسب الشركة فإن الأحمال ستنمو بنسبة تقارب 3% خلال 2024.
على عكس القطاعات الأخرى التي يمكنها التكيف بسرعة مع النمو المتسارع، الوضع مختلف في قطاع الكهرباء. فالمشاريع الضخمة، مثل محطات توليد الطاقة وخطوط النقل، قد يتطلب إنجازها عقداً كاملاً، ويمتد عمرها التشغيلي إلى نصف قرن أو أكثر.
عودة إلى الفحم
لنأخذ ما يجري في ولاية جورجيا على سبيل المثال، إذ تحتضن قاعدة صناعية قوية، وعدداً لا ينفك يتزايد من مراكز البيانات الضخمة، يتجاوز عددها الخمسين بالإجمال. خلال العام الماضي، رفعت أكبر شركة كهرباء في الولاية توقعاتها في ما خص الطلب من العملاء الحاليين والمحتملين الذين يبنون مشاريع ضخمة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء. وكانت شركة "جورجيا باور" (Georgia Power) أعلنت في 2023 أن هذه المشاريع ستحتاج إلى 17 جيغاواط من الكهرباء بحلول منتصف العقد المقبل، ولكنها عادت وعدّلت هذا الرقم إلى أكثر من 36 جيغاواط. وللتوضيح فإن جيغاواط واحد يكفي لإمداد نحو 750 ألف منزلاً بالكهرباء.
في ظل هذا الارتفاع بالطلب، اضطرت شركات الكهرباء وعملاؤها الأكثر استهلاكاً لاتخاذ بعض القرارات غير المتوقعة. بعد أن كانت معامل الكهرباء العاملة على الفحم تغلق أبوابها جماعياً لسنوات في إطار السعي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، تراجعت بعض شركات المرافق عن تعهداتها المناخية. فبسبب الطلب المتزايد على الكهرباء، أصبح المشغلون مضطرين إلى إبقاء محطات الفحم الأكثر تلويثاً قيد التشغيل لفترة أطول مما كان مخططاً له.
تعتزم شركة "فيرست إنرجي كورب" (FirstEnergy Corp)، ومقرها في آكرون بولاية أوهايو، مواصلة تشغيل محطتي "فورت مارتن" و"هاريسون" لتوليد الكهرباء بالفحم في ولاية فرجينيا الغربية، متخلية عن تعهدها السابق بوقف استخدام الفحم بحلول عام 2030. كما أن العديد من المحطات العاملة بالفحم على امتداد الولايات المتحدة التي كان يفترض أن تغلق أبوابها خلال السنوات المقبلة، ستبقى قيد التشغيل لفترة أطول، فيما تتكيف شركات المرافق مع تنامي الطلب.
تأثير ترمب
من المتوقع حدوث المزيد من التراجع عن الأهداف المناخية في عام 2025، مع إيلاء الهيئات الناظمة أهمية أكبر لـ"ثبات" الإمدادات، ما يعني الحرص على تأمين ما يكفي من امدادات الكهرباء عبر الشبكة من أجل الحفاظ على الإنارة وتشغيل مراكز البيانات.
قال رئيس "غريد ستراتيجيز" روب غرامليتش: "سيتعذر الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالكربون في ظل هذا النمو المستجد للأحمال. أضاف أنه "من الجميل" أن يكون لدينا أهداف تتعلق بالكربون، ولكن "حين يقع الفأس بالرأس، ستركز الولايات على ضمان أن يتوفر لديها إمدادات كهربائية ثابتة بأسعار ميسورة".
إلى ذلك، يُتوقع أن تفاقم إدارة ترمب المقبلة هذا التراجع عن الأهداف المناخية. فالرئيس العتيد الداعم للوقود الأحفوري سبق أن وصف التغير المناخي بالخدعة، وتعهد بالتراجع عن بعض أجزاء من قانون المناخ المعروف باسم "قانون الحدّ من التضخم" الذي تبناه الديمقراطيون، بعد أن وصفه بـ"الخدعة البيئية الجديدة". وستكون عدة أدوات تحت تصرفه والتي قد تخدم شركات المرافق التي تعيد النظر في خططها المتعلقة بإغلاق معامل الفحم.
لم توضع بعد السياسات النهائية التي ستحدد طريقة المطالبة ببعض الحوافز الضريبية بموجب قانون الحد من التضخم، كما أن التشريعات المتعلقة بالتلوث الصادرة عن وكالة حماية البيئة قابلة للتعديل. على الأرجح، ستتراجع الإدارة الجديدة عن العديد من القوانين البيئية، منها تلك التي تعترض عليها شركات المرافق والجهات الداعمة لتوليد الكهرباء بواسطة الفحم والولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون. ستكون محطات طاقة الرياح البحرية التي لطالما أثارت حفيظة ترمب أكبر المتضررين، بما أنها تخضع بشكل رئيسي إلى الوكالات الفيدرالية.
على الرغم من أن الولايات تتمتع بسلطة واسعة لتنظيم محطات الطاقة، وقد اتخذت بالفعل العديد منها الإجراءات الصارمة للحد من الانبعاثات، إلا أن الرئيس يمتلك نفوذاً واسعاً في هذا المجال. قال تيموثي فوكس من "كلير فيو": "يمكن أن يمنع ترمب فرض قيود جديدة، وقد يسعى لإلغاء بعض القيود الحالية".
ازدهار الطاقة النووية
الطاقة النووية هي واحدة من القطاعات المرشحة للازدهار، بعد أن زاد الاهتمام بها من قبل الشركات التقنية الباحثة عن مصادر طاقة نظيفة، وأيضاً من قبل الناشطين البيئيين الذين باتوا ينظرون بإيجابية أكثر إلى المفاعلات التي تؤمّن طاقة كهربائية على مدار الساعة من دون التسبب بانبعاثات الكربون. وهذه التقنية لطالما حظيت بتأييد الحزبين في الولايات المتحدة، ويدعمها ترمب أيضاً.
كانت كبرى شركات التقنية، منها "ألفابت" و"أمازون" و"ميتا" أعلنت خلال العام الماضي أنها تخطط للاستعانة بمحطات نووية من أجل تلبية احتياجات مراكز البيانات الضخمة.
وافقت "مايكروسوفت" على شراء الكهرباء من مفاعل تخطط شركة "كونستيليشن إنيرجي" (Constellation Energy) في بالتيمور لإعادة تشغيله في جزيرة ثري مايل في بنسلفانيا التي شهدت أسوأ حادثة نووية في التاريخ الأميركي عام 1979.
كما أن وجود داعم للطاقة النووية في البيت الأبيض قد يساعد على تسريع بناء الجيل الجديد من المفاعلات النووية المعيارية، حيث أن التقدم في هذا المجال لا يزال بطيئاً.
قال فرينزل: "أحاول تبني لغة الإدارة الجديدة: اجعلوا الشبكة عظيمة مجدداً".