بلومبرغ
لم تقتصر أقدار حرب روسيا في أوكرانيا على ما أحرزته القوات من تقدم على أرض جبهات القتال، بل كانت للأجواء أهمية لا تقل عنها. ورغم اعتماد الجانبين المتزايد على المسيّرات القتالية، ما تزال صواريخ كروز والصواريخ الباليستية أساسيةً في شنّ هجمات فتاكة.
ثمة وجه شبه بين صواريخ كروز والطائرات المسيرة، فهي تحلّق على ارتفاع منتظم، وتتمتع بقدرة على المناورة وتغيير المسار. أما الصواريخ البالستية، فهي عادةً أسرع وليست موجّهة، تنطلق بمحركات صاروخية، وترتفع في مسار قوسي قبل أن تنقض بحدة نحو هدفها.
بعدما استعانت روسيا بقوات كورية شمالية لدعم جيشها، سمحت الولايات المتحدة في نوفمبر لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، لتردّ روسيا بإطلاق صاروخ بالستي تجريبي قوي، استهدف مدينة أوكرانية.
فيما يلي نظرة تفصيلية على أنواع الصواريخ التي يستخدمها طرفا النزاع المستمر، وكيفية عملها وتأثيرها على مسار الحرب. وقد قدم المحللان الدفاعيان لدى "بلومبرغ إنتليجنس" واين ساندرز وويل لي التفاصيل التقنية لهذه الأسلحة.
أوكرانيا:
"أتاكمز" (ATACMS)
صواريخ " أتاكمز" التكتيكية المصنوعة في الولايات المتحدة هي من نوع أرض-أرض بالستية موجّهة تفوق سرعتها سرعة الصوت، يبلغ مداها حوالي 300 كيلومتر، قادرة على حمل ذخائر تقليدية أو عنقودية.
تُنتج هذه الصواريخ شركة "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin)، ويمكن إطلاقها من منصة "هيمارس" (HIMARS) التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة، أو منصة (MLRS M270) التي زودتها بها دول عدة، منها المملكة المتحدة.
قبل أكثر من عام، منحت الولايات المتحدة أوكرانيا إذناً لتستخدم نوعاً من صواريخ "أتاكمز" مداه أقصر في استهداف مواقع داخل مناطق أوكرانية تسيطر عليها روسيا. وأعلنت كييف أن هذه الضربات كان لها تأثير كبير على مجريات المعركة. في يونيو، اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صاروخ "أتاكمز" لاستهداف شبه جزيرة القرم، التي تعتبرها موسكو جزءاً من أراضيها بعدما ضمّتها.
وفي سبتمبر، أفاد البنتاغون بأن روسيا نقلت 90% من طائراتها التي تستخدمها في شن الهجمات على أوكرانيا، إلى مواقع خارج مدى صواريخ "أتاكمز".
وسمحت الولايات المتحدة لأوكرانيا في نوفمبر بشن هجمات على أهداف داخل روسيا باستخدام هذه الصواريخ. وكانت منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية أول تلك الأهداف. حتى أواخر نوفمبر، كانت إمدادات أوكرانيا من هذه الصواريخ محدودة، إذ يتجاوز سعر الصاروخ الواحد مليون دولار.
"ستورم شادو" (Storm Shadow)
طُوّر هذا الصاروخ من نوع كروز في المملكة المتحدة وفرنسا، حيث يُعرف فرنسياً باسم "سكالب" (SCALP)، ويبلغ مداه الأقصى حوالي 250 كيلومتراً، وهو يُطلق عادة من الطائرات، ويحلّق على ارتفاع منخفض لتفادي اكتشافه.
تصنع هذا الصاروخ شركة الأسلحة الأوروبية متعددة الجنسيات "إم بي دي إيه" (MBDA)، ويتميز بدقة استثنائية بفضل نظام توجيهه المتقدم، وهو فعّال في اختراق التحصينات ومخازن الذخيرة. أما سعره فيقارب مليون دولار.
وكان مسؤولون روس قد أفادوا بأن جسراً رئيسياً يربط شبه جزيرة القرم بالجزء المسيطر عليه من منطقة خيرسون الأوكرانية، تعرض لضربة في 23 يونيو بواسطة صاروخ "ستورم شادو"، فيما لم تعلق أوكرانيا على الحادث بشكل مباشر.
ويمكن أن تكون أوكرانيا قد استخدمت صواريخ "ستورم شادو" أيضاً لاستهداف مقر أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا في سبتمبر 2023.
سمحت بريطانيا في نوفمبر 2024 لأوكرانيا باستخدام صواريخ "ستورم شادو" ضد أهداف داخل روسيا. وفي الأيام التالية، عُثر على حطام صاروخ "ستورم شادو" في منطقة كورسك الروسية شمال شرقي أوكرانيا. كما زعم جيش روسيا أنه اعترض صاروخين فوق مدينة ييسك المطلة على بحر آزوف في منطقة كراسنودار الجنوبية، وذلك وفق ما ذكرته قناة "ريبار" على تليغرام التي لها صلات بالجيش الروسي. ولم يمكن التحقق من هذه المعلومات بشكل مستقلّ.
"نيبتون" (Neptun)
صاروخ "آر-360 نيبتون" (R-360 Neptun) هو صاروخ كروز مضاد للسفن أوكراني الصنع، وقد طُوّرت نسخة لاحقة منه لتستخدم في الهجمات البرية.
تزعم أوكرانيا أن مداه يصل إلى 300 كيلومتر، ويمكن إطلاقه من السفن والطائرات والمنصات الأرضية. استخدمت كييف صاروخ "نيبتون" في هجومها على طراد الصواريخ الروسي "موسكفا" في أبريل 2022، ما أسفر عن غرق السفينة التي تحمل اسم عاصمة روسيا، في واحدة من أبرز رموز المقاومة الأوكرانية منذ بدء الحرب الروسية الشاملة في فبراير 2022.
ألحق صاروخ "نيبتون"، إلى جانب المسيرات البحرية الأوكرانية الضرر أيضاً بسفن روسية أخرى، ما أجبر موسكو على سحب أسطولها في البحر الأسود لمسافة كافية، مكّنت أوكرانيا من استئناف تصدير بعض السلع.
باليانيتسيا (Palianytsia)
كشف رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي خلال الصيف عن أحدث سلاح يُطلق براً من صنع بلاده. هذا السلاح بعيد المدى، وهو هجين يجمع صفات طائرة مسيرة وصاروخ مصمم لضرب مطارات داخل الأراضي الروسية. وما تزال معظم تفاصيله التقنية سرية.
صواريخ الدفاع الجوي
تعتمد أوكرانيا بشدة على أنظمة الدفاع الجوي الغربية مثل أنظمة "باتريوت" و"هوك" (Hawk) الأميركية، و"ناسامز" (NASAMS) النرويجية، و"إيريس-تي" (Iris-T) التي طوّرتها مجموعة أوروبية بقيادة ألمانيا، و(SAMP/T) التي طوّرتها شركة "إم بي دي إيه" التي تتخذ في فرنسا مقراً لها.
وقد أثبتت أنظمة "باتريوت" الأميركية فعاليتها العالية، إذ مكّنت أوكرانيا من إسقاط صاروخَي "كينجال" (Kinzhal) و"تسيركون" (Zirkon) الروسيين، اللذين ادعت روسيا أنه لا يمكن اعتراضهما.
وتسعى أوكرانيا الآن للحصول على مزيد من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، مثل "ثاد" (THAAD) و"إيجيس" (Aegis) لتعزيز قدرتها على التصدي للصواريخ الباليستية الروسية بعيدة المدى، مثل صاروخ "أوريشنيك" الذي استُخدم في ضرب مدينة دنيبرو الأوكرانية في 21 نوفمبر.
روسيا:
"أوريشنيك" (Oreshnik)
يعتمد تصميم هذا الصاروخ متوسط المدى على التقنية المستخدمة في الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات، القادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
ومن هذا المنطلق، فُسّر الهجوم على دنيبرو كتحذير روسي للغرب بشأن استعدادها لاستخدام بعض من أقوى الأسلحة في ترسانتها. يمكن أن يصل مدى صاروخ "أوريشنيك" إلى 5000 كيلومتر، ما يعني أنه قادر على بلوغ معظم بقاع أوروبا والساحل الغربي للولايات المتحدة انطلاقاً من الأراضي الروسية.
"خ – 101" (Kh-101)
تمتلك روسيا ترسانة ضخمة من صواريخ كروز يبدأ اسمها بحرف "خ" التي تختلف في ما بينها من حيث السرعة، ويمكن إطلاقها من قاذفات استراتيجية تحلق على بعد مئات الكيلومترات في الأجواء الروسية.
غالباً ما تعلن أوكرانيا عن إسقاطها صواريخ من نوع "خ – 59/69" و"خ -101" بالعشرات عند تعرضها لهجوم واسع.
"إسكندر إم" (Iskander-M)
هو نظام صواريخ باليستية قصيرة المدى يمكن نقلها براً، يصل مداه إلى 500 كيلومتر. غالباً ما تستخدم روسيا هذا النوع من الصواريخ لشنّ هجمات فتاكة على أوكرانيا، حيث تطلقها من أراضيها المتاخمة للحدود. ويمكن لقاذفات "إسكندر" حمل صاروخين على مركبة واحدة.
صاروخ "كينجال" (Kinzhal)
هو صاروخ باليستي من الجيل الجديد يُطلق من الجوّ، ويعني اسمه "الخنجر". يتميز هذا الصاروخ بسرعته الفائقة التي تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الصوت، وبصعوبة اعتراضه.
استخدمت روسيا هذا الصاروخ لأول مرة في المعركة في مارس 2022، بعد أسابيع قليلة على بدء الحرب. ومنذ ذلك الحين، استمرت في استهداف المنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا باستخدام هذه الصواريخ. في 2023، أعلنت شركة "روستيك" (Rostec) الروسية، المصنعة لهذا السلاح، عن بدء إنتاجه بكميات كبيرة.
"توشكا – يو" (Tochka-U)
هو نسخة محسّنة عن صاروخ "توشكا" الباليستي الذي يصل مداه الأقصى إلى 120 كيلومتراً. يعود هذا السلاح إلى الحقبة السوفيتية، وقد صُمّم من أجل ضرب أهداف تكتيكية، مثل مراكز القيادة والمطارات والبنى التحتية. تملك كلّ من روسيا وأوكرانيا مخزوناً من هذه الصواريخ التي توقف إنتاجها، وقد استخدمتاها مراراً خلال النزاع الحالي.
القنابل الطائرة
استخدمت روسيا عدداً ضخماً من هذه الأسلحة الرخيصة نسبياً التي تطلق من الجوّ من أجل مهاجمة الخطوط الأمامية والمناطق الحضرية مثل خاركوف، متسببة بدمار واسع ووقوع كثير من الضحايا.
تعود المكونات المتفجرة لهذه القنابل إلى الحقبة السوفيتية، وقد زُوّدت بأجنحة وأنظمة تحديد موقع (GPS) بغرض تحسين مداها ودقتها.
صواريخ الدفاع الجوي
تُعد منظومة "إس-400" أرض–جوّ المتنقلة بعيدة المدى، العمود الفقري للأنظمة الدفاعية الروسية. دخلت هذه المنظومة المصممة لاعتراض الصواريخ والطائرات، في الخدمة عام 2007، وما تزال تُصنف ضمن أكثر الأسلحة الدفاعية الروسية فعالية.
ولدى روسيا منظومة "إس-500" الأحدث، التي دخلت ترسانتها قبل ثلاث سنوات، وتتميز بمدى أطول وقدرة على التعامل مع الصواريخ فرط الصوتية. تنشر روسيا هذه الأنظمة في تشكيلات تتداخل نطاقاتها لضمان استمرار الكشف عن التهديدات الآتية، حتى إن تعرض أحد المواقع لهجوم.