بلومبرغ
شهد العمال في الولايات المتحدة انتعاشاً ملموساً في السنوات الأخيرة بعد عقود من التحديات، لكن انتخاب دونالد ترمب رئيساً جديداً قد يهدد المكتسبات التي حققوها.
حقق العمال في عهد الرئيس جو بايدن مكاسب غير مسبوقة، من أبرزها توقيع عقود نقابية تاريخية مع كبرى شركات صناعة السيارات واستوديوهات هوليوود وشركتي "يو بي إس" و"بوينغ". كما نجحوا في تأسيس نقابات جديدة في عمالقة التكنولوجيا والمطاعم مثل "أبل"، و"أمازون"، و"مايكروسوفت"، و"تشيبوتلي"، و"ستاربكس".
في بداية جائحة كورونا، واجه العمال تحديات كبيرة، مما جعل التغيير أمراً ضرورياً، خصوصاً مع نقص العمالة الناجم عن ظروف الوباء. وقد لعبت إدارة بايدن دوراً بارزاً في دعم هذه التحولات، حيث اتسم بعض المسؤولين الذين عينهم بايدن بصرامة غير معهودة في مواجهة الشركات، وجاءت السياسات الصناعية داعمة لمصالح العمال.
حتى أن بايدن شارك شخصياً في أحد الاعتصامات العمالية، مما أتاح فرصاً جديدة للعمل النقابي، وهي مكاسب قد يسعى ترمب إلى التراجع عنها.
رئيس صاحب خبرة
حذّر دانيال فيسينتي، المدير الإقليمي لاتحاد عمال المركبات من أن كل هذه المنجزات "عرضة للخطر... لأن كل شيء سيزداد صعوبة، من التنظيم إلى التفاوض على عقود أقوى، وصولاً إلى الإضرابات".
ولأن ترمب اكتسب خبرة من الممارسة، يُتوقع أن يكون أسرع في إحداث مزيد من ذلك مع "تركيز على التخفيف من القيود الناظمة"، حسب رأي بول ديكامب، المحامي المتخصص في شؤون الشركات الذي تولى الإشراف على إنفاذ سياسات الأجور وساعات العمل في إدارة جورج دبليو بوش. أضاف ديكامب: "إن أفضل إعداد لتولي الرئاسة هو أن تكون قد شغلت هذا المنصب سابقاً".
أصدر بعض المسؤولين الذين عيّنهم بايدن قوانين تهدف إلى إلغاء اتفاقيات عدم المنافسة، وزيادة العمال المؤهلين للاستفادة من الأجر الإضافي، واقترحوا أيضاً تشريعات لحماية العمال من التعرض للحرّ. لكن إن تولى إدارة الهيئات الناظمة مسؤولون مقربون من الشركات، ودعمهم قضاة ذوو عقلية مشابهة، فإن هذه الجهود ستصبح على الأرجح في خبر كان.
يتضمن "مشروع 2025"، وهو خطة أعدها مستشارون ومسؤولون سابقون من إدارة ترمب الأولى، مقترحات لتخفيف القوانين المتعلقة بالسلامة والتمييز وعمالة الأطفال، بالإضافة إلى اقتراح بإلغاء النقابات العمالية في القطاع العام.
وقد أشار ترمب خلال حملته الانتخابية إلى أنه سيمنح صديقه إيلون ماسك فرصة لخفض الميزانية الاتحادية، ما يعني حتماً خفض عدد الموظفين. كما أن تشدد ترمب المتوقع في التعامل مع قضايا الهجرة قد يمنح أصحاب العمل نفوذاً أكبر في كف تذمر العمال.
محاربة النقابات
سواء قُدّر للجمهوريون أن يسيطروا على مجلس النواب أم لا، فإن من يعينهم ترمب يمكنهم تغيير مسار تشريعات الطاقة الخضراء التي تبناها بايدن، وقد جلبت مئات مليارات الدولارات على هيئة إعفاءات ضريبية وقروض ومنح مصحوبة بضمانات تهدف إلى تعزيز النقابات، أو على الأقل الوظائف اللائقة. وتعتمد قوة هذه الضمانات إلى حد كبير على اختيار الوكالات الاتحادية لكيفية تطبيقها، أو عدم تطبيقها.
يستطيع ترمب أن يقلّم بسرعة مخالب المجلس الوطني لعلاقات العمل، وهي الهيئة الاتحادية الوحيدة الموكلة بفرض معظم حقوق العمال بالانتظام النقابي أو الاحتجاج على ظروف عملهم.
كانت جينيفر أبروزو، المستشارة العامة للمجلس في إدارة بايدن، من أشد الداعمين لحقوق العمال في واشنطن خلال السنوات الماضية. إلا أن ترمب سيكون قادراً على عزلها من منصبها منذ اليوم الأول لتسلمه السلطة، مثلما فعل بايدن مع سلفها.
في غضون ذلك، يحث بعض مؤيدي قطاع الأعمال ترمب على الإقدام على خطوة مشكوك بقانونيتها، تقضي بفصل كافة الأعضاء الديمقراطيين في مجلس علاقات العمل، حتى يتسنّى له إلغاء الأحكام المؤيدة للنقابات بأسرع وقت. ينص القانون على أنه يمكن فصل أعضاء المجلس فقط بسبب "الإهمال أو سوء السلوك"، إلا أن بعض الشركات مثل "سبيس إكس" التي يملكها ماسك تعتبر أن هذه قيود غير دستورية.
وقال مايكل لوتيتو، الرئيس الشريك لقسم العلاقات الحكومية في مكتب محاماة "ليتلر" الذي يميل إلى إدارات الشركات إن "الرئيس ترمب رمز للتفكير من خارج الصندوق... أعتقد أن كل الخيارات واردة".
سيدفع فقدان الحلفاء في واشنطن بعض المدافعين عن حقوق العمال إلى تعزيز جهودهم لتحقيق مكاسب على مستوى الولايات والمدن، مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وإلزامية الإجازات المرضية، أو إلغاء الحضور القسري لاجتماعات مناهضة للعمل النقابي.
وقد أبدى الناخبون في ولايات بينها ميسوري ونبراسكا، وربما ألاسكا (بعد احتساب العدد الأكبر من الأصوات)، تأييدهم لبعض أو كل هذه السياسات الأسبوع الماضي. إلا أن هذه المكاسب قد لا تعمّر طويلاً، فالتوجه اليميني الواسع في القضاء خلال فترة ترمب الأولى، دفع مؤيدي حقوق العمال إلى التردد في تقديم دعاوى أمام مجلس علاقات العمل ضد شركات مثل "أوبر" و"ليفت"، حتى في عهد بايدن.
تعيين القضاة
في يوم الانتخابات، ألغى قضاة استئناف كان قد عيّنهم ترمب خلال ولايته الأولى قراراً فرضه بايدن يلزم المتعهدين الحكوميين بدفع 15 دولاراً في الساعة على الأقل للعمال، معتبرين أن الحد الأدنى للأجور "اعتباطي".
وكما في مجالات أخرى كثيرة، فإن إرث ترمب الأكثر استدامة قد يكون المحكمة العليا. فإذا ما تقاعد القاضيان سامويل ألِيتو وكلارنس توماس خلال ولايته المقبلة، سيصبح ترمب من عيّن غالبية قضاة المحكمة العليا، ويمكن أن يبقوا في مناصبهم لما تبقى من حياة كثير من قراء "بلومبرغ بيزنيسويك".
بعيداً عن التفاصيل، إن تقويض عودة ترمب إلى السلطة لكثير من مكتسبات العمال التي تحققت في عهد بايدن يكاد يكون محققاً. قال نيلسون ليختنستاين، المؤرخ المتخصص في قضايا العمل بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، إن ذلك "سيطلق يد أصحاب العمل لفعل ما يريدون".
لكن من ناحية أخرى، هذه المكتسبات لم تكن هدية مجانية. إذ قالت جينيفر أبروزو، المستشارة العامة لمجلس علاقات العمل، إنه إذا توقف المسؤولون الحكوميون عن دعم العمال، "أعتقد أن العمال سيتولون زمام الأمور بأنفسهم".
اعتبرت أتويا دورا-لاسكي، وهي موظفة لدى "تشيبوتلي ميكسيكان غريل" وكان لها دور قيادي في المفاوضات حول حقوق العمال في مكان عملها في لانسنغ بولاية ميشيغان، أن تزايد التهديدات لحقوق النساء العاملات وذوي الميول المختلفة والمهاجرين في عهد ترمب، أسباب إضافية تدفع إلى تعزيز التضامن. أضافت: "حين يفقد الناس الأمل في المؤسسات السياسية، يفتح ذلك مجالاً للنقابات لتتدخل وتملأ الفراغ".