بلومبرغ
بعد أن تحولت من متجر إلكتروني لبيع الكتب إلى شركة ضخمة للحوسبة السحابية، باتت شركة أمازون واحدةً من أكبر الشركات في اقتناء الشرائح الحاسوبية التي تشغل مراكز البيانات. بينما يتزايد تركيز الشركة على تصميم شرائحها الخاصة بدلاً من شرائها وذلك في ظل توسع أعمالها في مجال الحوسبة السحابية. وقد يترتب على هذا التحول تبعات بالغة على مجال هام في قطاع التكنولوجيا، كما أنه ربما يهدد الشركات التقليدية المصنعة للشرائح مثل إنتل وأدفانسد مايكرو ديفايسز.
بدأت أمازون بالتلميح عن نواياها عام 2015 عندما استحوذت على أنابورنا لابز، وهي شركة إسرائيلية ناشئة تُصمم الشرائح الحاسوبية. ومنذ ذلك الحين، حرصت الشركة على تطوير الشرائح المصممة خصيصًا لمراكز البيانات التابعة لخدمات أمازون السحابية. يقول نافع بشارة، الشريك المؤسس في أنابورنا ونائب الرئيس الحالي في خدمات أمازون السحابية "هذا العمل تأسيسي- فعندما نطور المعدات يتطور كل ما يعتمد عليها". ويذكر أن عدد الموظفين في أنابورنا قد ارتفع بمقدار عشرة أضعاف منذ عملية الاستحواذ.
أفادت شركة سماغ ماغ (Smugmug)، لعرض الصور عبر الإنترنت، والتي تستعين بخدمات أمازون السحابية لعرض مليارات الصور على مستخدميها كل يوم، أنها خفضت تكاليف الحوسبة بنسبة 40% بمجرد تحولها إلى استخدام الشريحة التي تطورها أمازون واسمها "غرافيتون". وما زالت خدمات أمازون السحابية تعتمد على شرائح إنتل، إلا أن أمازون تتقاضى من سماغ ماغ أجرًا أقل بنسبة 20% مقابل استخدام معداتها الخاصة، بينما تتمكن سماغ ماغ من شراء قدرات أقل من الحوسبة السحابية لأن شرائح أمازون تستغرق وقتًا أقل بنسبة 20% لتنفيذ مهامها. وفي هذا الصدد أوضح الرئيس التنفيذي في سماغ ماغ دون ماكاسكيل، قائلاً: "ينتج عن ذلك فاتورة أقل بكثير دون أن نفعل أي شيء".
شرائح قليلة الاستهلاك للطاقة
تعمل كل من مايكروسوفت وألفابت وغوغل على تطوير شرائح متخصصة. إذ يعكس هذا التوجه مدى التباين بين شركات التكنولوجيا العملاقة والمشغلين الأقدم لمراكز البيانات الذين لم تتوفر لديهم مئات الملايين من الدولارات لضخها في تصميم شرائحهم الخاصة.
وهناك أيضًا توجه تقني على وشك الحدوث مهّد له صعود الهواتف الذكية. فبينما كانت كل من إنتل وإيه إم دي تصنّعان الشرائح لمراكز البيانات التي وضعت السرعة أولوية لها، تطلبت الهواتف النقالة معالجات تستهلك أقل قدر من الطاقة حتى لا تنطفئ الأجهزة قبل نهاية اليوم. ومع الارتفاع السريع والمفاجئ في الطلب على هذه الأجهزة، برز دافع شديد لتطوير الشرائح قليلة الاستهلاك للطاقة الأمر الذي أغلق الفجوة في أداء شركات مراكز البيانات التي اعتمدت على السرعة.
فيما تزايد الاهتمام بمجال كفاءة الطاقة؛ إذ من المتوقع أن تستهلك مراكز البيانات 15% من الكهرباء في العالم بحلول عام 2025، مقارنةً بحوالي 2% العام الماضي، وذلك حسب أبلايد ماتيريلز أكبر شركة مصنعة لمعدات تصنيع الشرائح. وبالنسبة لمالكي مراكز البيانات، أصبح تخفيض استهلاك الطاقة هو الأهم وليس تكلفة الشرائح بحد ذاتها.
ضغوط سلاسل التوريد
قامت شركة آرم المحدودة وهي شركة بريطانية تصنع أشباه الموصلات بتطوير تكنولوجيا شرائح الهاتف الذكي، وبالتالي فإنها تصدر تراخيص باستخدامها ولا تصنّعها بنفسها. أما أمازون ومايكروسوفت فتستخدمان تكنولوجيا شركة آرم كأساس لتصاميم الشريحة الداخلية. فقد استُخدمت شرائح "غرافيتون" في حالات محددة فقط ولكنها تطورت لتصبح أول شرائح قائمة على تقنية شركة آرم تنافس بكل ثقة منتجات إنتل الموجهة لمراكز البيانات ذات الاستخدام العام. وعلى حد وصف جون باثغيت، المستثمر في شركة إن زي إس التي يقع مقرها في كولورادو الأمريكية: "إنها نهضة أشباه الموصلات".
ومع تنافس أمازون وغوغل ومايكروسوفت على عملاء الخدمات السحابية، ستكون الخصائص التي تقدمها شرائحهم حافزًا لشرائها، إذ يقول ماكاسكيل من شركة سماغ ماغ: "سيكون الأمر مثيرًا للاهتمام عندما يبدأ مزودو الخدمات السحابية بالتميز عن بعضهم أكثر فأكثر".
لا تقوم أي من هذه الشركات بتصنيع الشرائح الجديدة التي تصممها، بل تعتمد على سلسلة التوريد العالمية التي اتضح أنها ترزح تحت ضغوطات بسبب جائحة فيروس كورونا. وفي حال استمرار هذا الركود، فإن تقدمها سيصبح بطيئًا وستتآكل أرباحها.
لا ننسى هنا الاستحواذ الوشيك على شركة آرم من قبل شركة إنفيديا التي تصمم الشرائح المستخدمة في بعض مراكز البيانات. فقد قطعت إنفيديا وعدًا بالحفاظ على الوصول المفتوح إلى تكنولوجيا شركة آرم وتوضّح أنها لا تنوي عكس ذلك. بينما عبَّر بعض عملاء شركة آرم عن مخاوف للجهات التنظيمية متعلقة بالموافقة على الصفقة. ورغم الطبيعة السرية لهذه الشكاوى، إلا أن تقارير بلومبرغ نيوز ذكرت أن غوغل ومايكروسوفت وكوالكوم من بين الشركات المشتكية.
من شأن صعود الشرائح المصممة حسب الطلب أن يساهم في الحد من تكاليف منتجات الحوسبة السحابية المتقدمة وتحفيز الابتكارات، وهو أمر يصب في مصلحة الجميع أو الأغلبية. ومن جهتها، بدأت إنتل بشراء الشركات الناشئة التي تصنّع شرائح الذكاء الاصطناعي المخصصة لتبقى متقدمة على الشركات الجديدة في السوق، بينما خصصت أموالاً كبيرة لتعزيز فاعلية منتجاتها في مجال الحوسبة السحابية وقدمت مزايا التصميم المخصص لكبار عملائها. إلا أن باثغيت، المستثمر في شركة إن زي إس ذكر أنها ستواجه صعوبات في البقاء بالمقدمة، محذرًا: "إنها مشكلة وجودية بالنسبة لإنتل".