بلومبرغ
وجهت شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research)، المتخصصة بأبحاث البيع على المكشوف، اتهامات لمجموعة "أَداني" في العام الماضي بالتلاعب بالأسهم والاحتيال المحاسبي، فتسببت بهبوط شديد في سعر سهمها وأثارت شكوكاً حول اعتبار أسواق الهند فرصةً استثماريةً.
عاودت "هيندنبرغ" التي تتخذ في نيويورك مقراً لها إثارة الشبهات مجدداً هذا الصيف، فقد زعمت أن مادهَبي بوري بوش، رئيسة الهيئة التنظيمية للأسواق في الهند، متورطة في تضارب للمصالح، واتهمتها بإعاقة إطلاق تحقيق شامل في قضية "أَداني".
إلا أن المخاوف التي أحدثها تقرير "هيندنبرغ" الصادر في 24 يناير 2023 لم تدم طويلاً، فما لبثت قيمة سوق لأسهم الهندية أن زادت بقدر 1.6 تريليون دولار لتداني هونغ كونغ في تقدمها نحو المرتبة الرابعة عالمياً. ويقترب مؤشر "نيفتي 50" من تحقيق عام تاسع من المكاسب القياسية، مسجلاً عوائد إجمالية تقارب 250% بالعملة المحلية منذ 2015. يعزى جلّ هذا النجاح إلى كون الهند أسرع الدول الكبرى نمواً في العالم، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن تتفوق على اليابان وألمانيا لتصبح ثالث أكبر اقتصاد وطني بحلول 2027.
اتهامات بالاحتيال
عملت مجموعة "أَداني" على امتداد معظم 2023 على الحدّ من الأضرار التي واجهتها بعد نشر تقرير "هيندنبرغ"، فسددت ديونها، وأجّلت بعض النفقات الرأسمالية، وهدّأت مخاوف المستثمرين عبر جولات ترويجية في المراكز المالية العالمية. اليوم، عاودت المجموعة التوسع، إذ تجمع تمويلاً لتقيم مشاريع منها مصنع رقائق بقيمة 10 مليارات دولار قرب مومباي وميناء بحري في فيتنام، بالإضافة إلى شراء عمليات موانئ عالمية أخرى.
وصف أنيرود غارغ، الشريك في شركة إنفاسيت (Invasset) في مومباي، تقرير "هيندنبرغ" بأنه كان "مجرد إزعاج قصير الأجل، وليس عائقاً على المدى الطويل يعترض قصة نمو الهند".
استرعى تقرير "هيندنبرغ"، الذي جاء في أكثر من 100 صفحة حول إمبراطورية "أداني" الواسعة، انتباه المستثمرين حول العالم. إذ كانت "هيندنبرغ" قد بنت سمعتها انطلاقاً من رهاناتها الناجحة ضد شركات مثل "نيكولا" (Nikola) لصناعة السيارات الكهربائية وسهم الميم "مولين أوتوموتيف" (Mullen Automotive). لكن مجموعة "أَداني" هي أكبر أهدافها حتى الآن، وشكلت حملتها ضدها خطوة نادرة من شركة بيع على المكشوف أميركية في السوق الهندية.
اتهمت "هيندنبرغ" مجموعة "أَداني" بالتلاعب "الفاضح" في السوق والاحتيال المحاسبي، ووصفت ما قامت به بأنه "أكبر عملية احتيال في تاريخ الشركات". وذكر التقرير أن المجموعة استخدمت شبكة من الشركات الوهمية تملكها الأسرة في ملاذات ضريبية لتضخيم الإيرادات والتلاعب بأسعار الأسهم. كما زعم أن هذه الكيانات سهّلت عمليات الفساد وغسل الأموال وسرقة أموال دافعي الضرائب، فيما حوّلت بشكل غير قانوني الأموال من الشركات المدرجة في البورصة التابعة للمجموعة.
اتهامات للهيئة الناظمة في الهند
هذا الصيف، أرسلت هيئة الأوراق المالية والبورصات الهندية رسالة إلى "هيندنبرغ"، أبلغتها فيها أن تقريرها يحتوي على معلومات غير دقيقة تهدف إلى تضليل متلقيه. وردت "هيندنبرغ" برسالة مطوّلة أخرى، انتقدت فيها الهيئة لعدم اتخاذ أي إجراءات تجاه مجموعة "أَداني". وقد امتنعت "هيندنبرغ" عن الإدلاء بتعليق عند إعداد هذا التقرير.
وأصدرت "هيندنبرغ" تقريراً جديداً في أغسطس زعمت فيه أن رئيسة الهيئة مادهَبي بوش وزوجها استثمرا في صناديق خارجية مرتبطة مع فينود أَداني، شقيق مؤسس المجموعة. وقد اعترفت بوش بهذا الاستثمار، لكنها نفت ارتكاب أي مخالفة، مشيرة إلى أنها باعته في 2018، أي قبل أربع سنوات من توليها منصب رئيسة الهيئة.
قالت الهيئة إن قواعدها تلزم الأعضاء بالإفصاح عن أي تضارب في المصالح، وهو ما أكدت بوش أنها لطالما التزمت به، بينما ردت مجموعة "أداني" بأن فينود أَداني لا يلعب أي دور في أي من شركاتها المدرجة.
استمرار الأسهم بالارتفاع رغم الاتهامات
في مطلع سبتمبر، قالت "هيندنبرغ" عبر منصة "إكس" إن المدعين العامين في سويسرا يحققون في قضية تتعلق بشخص مرتبط بمجموعة "أَداني" متهم بغسل الأموال. وقد نسبت "هيندنبرغ" ذلك إلى سجلات قضائية تُظهر أن السلطات السويسرية جمدت أكثر من 310 ملايين دولار في إطار تحقيق بدأ منذ سنوات. برغم أن الوثائق أبقت الجهة المعنية سريةً، إلا أن شخصاً مطلعاً على المسألة طلب عدم كشف هويته بسبب حساسية المعلومات، قال إن القضية تتعلق بمجموعة "أَداني"، فيما رفض المدعون العامون في سويسرا التعليق.
وصفت مجموعة "أداني" الادعاءات المتعلقة بالتحقيق السويسري بأنها "بلا أساس من الصحة"، ويبدو أن المستثمرين يتفقون مع هذا التقييم. بينما شهدت بعض أسهم المجموعة تراجعاً بعد الخبر، إلا أن قيمتها الإجمالية الآن تفوق ما كانت عليه قبل تقرير "هيندنبرغ". على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي في الهند إلى حد ما ومن خشية المستثمرين من أن أسعار الأسهم ربما تفوق قيمتها الحقيقية، فإن المؤشر الرئيسي للأسهم استمر في الارتفاع.
وقال فيكاس خيماني، مؤسس شركة "كارنيليان" لإدارة الأصول والاستشارات (Carnelian Asset Management & Advisors) إن "السوق تتعامل مع ادعاءاتهم بقدر من التشكيك".