بلومبرغ
من كان ليتخيل أنّ تقنية جديدة تستخدم للتلاعب بالضوء قد تكون نعمةً للزراعة على كوكبنا، وربّما على غيره أيضاً؟
فالسرّ لتوفير طعامٍ أفضل على كوكب المريخ قد يكمن في إحدى التقنيات الجديدة التي ينحصر استخدامها الرئيسي حالياً في تحسين الألوان على شاشات التلفزيون.
تعدّ الجسيمات النانوية، أو "كوانتوم دوت"، جزيئات صغيرة من صنع الإنسان يمكن التلاعب بخصائصها لتشعّ منها ألوان معينة عند تعرّضها للضوء. وتستخدم هذه الجزيئات في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية لصنع شاشات أعلى سطوعًا وأكثر كفاءةً في استخدام الطاقة. أمّا في الزراعة، فيمكن دمج الجسيمات النانوية في غشاءٍ يحوّل أشعة الشمس إلى أضواء برتقالية وحمراء، وهي ألوان تعزّز كفاءة عملية التمثيل الضوئي.
وبحسب دراسة نشرت مؤخرًا في مجلة "كوميونيكايشنز بيولودجي" (Communications Biology)، فقد أدّى توجيه الضوء من مصابيح عالية الكثافة عبر غشاءٍ مغلف بجسيمات نانوية إلى زيادةٍ بنسبة 13% في محصول وحجم أوراق نوعٍ من الخس الروماني الأحمر يدعى Outredgous. هذه الأغشية قد تحسّن احتمالات حصد المحاصيل الزراعية خارج كوكب الأرض بشكلٍ كبير، من خلال تحويل الأشعة ما فوق البنفسجية الموجودة في الفضاء إلى ضوءٍ يعتبر مغذيًا لنباتات الأرض. وبذلك، تضاف نظرةٌ جديدة على الافتراض السائد بأنّ السبيل الوحيد لتحقيق المزيد من المحاصيل الزراعية هو زيادة الضوء، إذ أصبح بإمكان المزارعين الآن تحويل الضوء الموجود بالفعل إلى ما هو أفضل.
الزراعة على سطح القمر
وبتمويل من وكالة ناسا، أجريت الدراسة من قبل جامعة أريزونا وشركة يوبي كيو دي (UbiQD)، وهي الشركة الناشئة التي تصنع الغشاء الذي يحول الضوء، ومقرها نيو مكسيكو. وبحسب جين جياكوميللي، الذي أشرف على الدراسة، فإن هذه التقنية مثيرة للاهتمام لأنها لا تحتاج إلى الطاقة للعمل بل إلى مواد خفيفة الوزن فقط، كما أنّه يمكن تركيبها بسهولة. وأبدى الأستاذ في هندسة البستنة في الجامعة ثقته بأنّه يمكن استخدام هذه التقنية لزراعة المواد الغذائية على سطح القمر، حيث يتصوّر صفوفًا مكتظة من الخس القمري. وتوقع جياكوميللي أنّ هذه المزروعات "قد تنمو إلى طول قدمٍ واحد"، أي حوالي 30 سنتمتر، مضيفًا أنّه في حال أصبحت الحياة على سطح القمر أو المريخ محتملة، "فأنا متأكد تمامًا من أنّ النباتات سوف تنمو وتنتج المحاصيل".
في الوقت الراهن، لا يوجد عددٌ كافٍ من البشر الذين يعيشون في الفضاء ليزدهر سوق المزروعات غير الأرضية. وبانتظار أن يحدث ذلك، تنحصر قائمة زبائن شركة يوبي كيو دي بالمزارعين الموجودين على كوكب الأرض، ومنهم أكبر مزارع خيار في أمريكا الشمالية، ومزارع طماطم في إسبانيا أبلغ عن زيادةٍ في المحصول بنسبة 20% في موسمٍ واحد. وتأتي هاتين التجربتين في إطار 60 تجربة أجرتها الشركة.
وفيما يبلغ عرض لفائف الأغشية التي تنتجها الشركة حوالي 4 أقدام، تعمل الشركة حاليًا على إصدار أغشية بعرض 60 قدمًا ستكون أكثر فائدة في العمليات الزراعية واسعة النطاق. ولهذا الغرض، أبرمت يوبي كيو دي شراكة مع شركة سولفاي أس.أي. (Solvay SA) الرائدة في قطاع إنتاج الأغشية المستخدمة للزراعة، وحصلت في ديسمبر الماضي على تمويل أولي بقيمة 7 ملايين دولار، بمشاركة شركة نانوسيس (NanoSys Inc.)، وهي أكبر مصنّع للجسيمات النانوية، كمستثمرٍ استراتيجي.
من يذهب إلى ما هو أبعد من كوكبنا يكون في الصدارة
ويقول هنتر ماكدانيال، مؤسس ورئيس مجلس إدارة يوبي كيو دي وعالم المواد السابق في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو: "أعتقد أن المواد المتقدمة تشكّل حجر الأساس وراء كل تقدّم تكنولوجي في تاريخ الحضارات". ويأمل ماكدانيال بالاستفادة من احتمالية الزراعة في الفضاء لجعل الجسيمات النانوية جزءًا أساسيًا من أي عملية تقدّم جدية. ويتساءل: "ما الهدف النهائي من الوجود المطلق إن لم يكن الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا الكوكب؟" مضيفًا: "من يذهب إلى ما هو أبعد من كوكبنا يكون في الصدارة".
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها وكالة ناسا أبحاثًا تستهدف الزراعة على كوكب الأرض. فقد كانت الوكالة سبّاقة في تمويل اختبارات الأضواء الثنائية الباعثة للضوء (LED) التي اعتمدتها المزارع العمودية، وهي مزارع داخلية تتكون من طبقاتٍ مكدسة فوق بعضها بعضا. وبحسب شركة إيمرجين ريسيرش (Emergen Research)، أنفق أصحاب المزارع العمودية أكثر من 1.2 مليار دولار على الأضواء الثنائية الباعثة للضوء في العام 2019.
ونظرًا لتدني هوامش الربح في قطاع الزراعة، تعتبر التقنيات التي قد تحقق عائدات إضافية جذابة بالنسبة للمزارعين، ولكنّ العديد منهم يتخوفون من النفقات الرأسمالية الجديدة. أمّا بالنسبة إلى أغشية يوبيكويتي، فهي تكلّف حوالي 3 دولارات للقدم المربع الواحد، من دون أي تكاليف تشغيلية. ولذلك، يقول مكدانيال، سيحقق معظم الزبائن عائدات استثماراتهم في غضون عامين، أو حتى في موسمٍ واحد للمحاصيل الأكثر ربحية، مثل نبات القنب.
وعلى الرغم من بطء عملية إقناع المزارعين بالاستثمار في الجسيمات النانوية نظرًا للطابع المحافظ والتقليدي لقطاع الزراعة، تعتقد شركة يوبيكويتي أنّ السوق قد يكون أضخم ممّا يُتوقع. من جانبه، أنجز جياكوميللي حوالي نصف العمل على دراسة لوكالة ناسا تختبر أصنافًا معينة من الضوء يتم ضبطها خصيصًا لأنواع المحاصيل المختلفة. ويقول العالم: "ستكون هناك وصفة محددة لمختلف أنواع وأصناف وأعمار النباتات".
الخلاصة: أظهرت الأبحاث أنّ الجسيمات النانوية قد ترفع كفاءة التمثيل الضوئي، وهي تقنية يمكن أن تكون مفيدة في الفضاء كما هي على الأرض.