بلومبرغ
على الرغم من أن واشنطن تؤيد الاستقلال في مجال الطاقة وتحذر حلفاءها الأوروبيين من الاعتماد الكبير على موسكو، فإن مصافي النفط الأمريكية تشتري النفط الروسي أكثر من أي وقتٍ مضى.
إن ناقلات النفط التي ترسو في مصفاة باي تاون في تكساس تبدو تمامًا مثل العديد من الناقلات الأخرى التي تجوب مياه قناة هيوستن للسفن، بيد أن داخل مخازنها الواسعة تختبئ شحنة غير اعتيادية ألا وهي: النفط الروسي.
لم تكن المنشأة مترامية الأطراف، التابعة لشركة إكسون موبيل، المصفاة الأمريكية الوحيدة التي تتلقى شحنات من النفط الروسي، إذ هناك مصنع شيفرون كورب في موبيل في ألاباما، بالإضافة إلى منشأة فاليرو إنرجي كورب الواقعة في سانت تشارلز في لوس أنجلوس، وهم عملاء أيضًا.
بعد أن تم حرمانها من النفط الخام الفنزويلي نتيجة العقوبات الأمريكية على نظام نيكولاس مادورو، ومواجهة انخفاض الشحنات من الدول الأعضاء في منظمة أوبك بعد أن خفضت المنظمة الإنتاج، اتجهت مصافي النفط الأمريكية في 2020 إلى النفط الروسي من أجل سد هذه الثغرة. دفعت موجة الشراء هذه بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في الشحنات السعودية بروسيا إلى المركز الثالث بين مصاف أكبر موردي النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي. كان صعود روسيا إلى هذا المركز هو الحديث الرئيسي في سوق النفط، غير أن هذا الأمر المثير للدهشة لم تتم مناقشته كثيرًا في الأوساط الدبلوماسية. وقد ذكر بوب ماكنالي كبير المستشارين السياسيين في البيت الأبيض سابقًا، والذي يدير مجموعة رابيدان إنرجي، وهي شركة استشارية في واشنطن، "إن انتقال روسيا إلى المركز الثالث لم يحظَ بأي اهتمام في واشنطن".
التعارض مع الدبلوماسية
يتعارض الاعتماد الأمريكي المتزايد على النفط الروسي مع دبلوماسية الطاقة الأمريكية. فخلال العامين الماضيين، قام المشرّعون في واشنطن بالضغط على الدول الأوروبية من أجل التخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، وهو خط أنابيب بقيمة مليارات الدولارات لنقل الغاز السيبيري إلى ألمانيا، وذلك خوفًا من أن يكتسب الكرملين مزيدًا من النفوذ على حلفاء الولايات المتحدة. (شكّل الغاز الروسي حوالي 45% من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي في عام 2019). وذهب الكونغرس العام الماضي إلى حد السماح باستخدام العقوبات على الشركات المعنية بالمشروع. ولم تُشر إدارة بايدن إلى ما إذا كانت تفكر في اعتماد هذا الخيار.
والأهم، ربما، كما يقول مارك فينلي، وهو محلل النفط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، والذي يعمل في معهد بيكر في جامعة رايس في هيوستن، أن الارتفاع الهادئ في واردات النفط الروسية يُظهر عدم فائدة شعار استقلال الطاقة الذي دافع عنه الرئيس الأمريكي السابق ترمب. تباهى ترمب خلال حملته الانتخابية العام الماضي في تكساس بأن الولايات المتحدة كانت "دولة عظمى لا تضاهى في مجال الطاقة" ولن تضطر مرة أخرى إلى الاعتماد على الموردين الأجانب من "الخصوم". يقول فينلي: "هناك الكثير من الجهود من أجل الهيمنة على الطاقة".
في شباط من العام الماضي، قامت إدارة ترمب بإدراج شركة تجارية فرعية تابعة لشركة روزنفت التي تديرها الدولة على القائمة السوداء، وهي أكبر شركة نفط روسية، مدّعيةً بأنها توفر طوق نجاةٍ مالي لحكومة مادورو. غير أنه لم يتم استهداف أي كيانات روسية أخرى، ما يعني أنه يمكن للشركات الأمريكية الاستمرار في شراء النفط الخام الروسي ومنتجاته المكررة.
كان الطريق لروسيا لكي تصبح المورد الرئيسي للنفط للولايات المتحدة ممهدًا بذكاء السوق، الحظ، وقدرة الكرملين على إثبات كفاءته في تحويل السياسات في واشنطن لمصلحته. وفقًا لحسابات بلومبرغ نيوز، فإن الواردات الأمريكية السنوية من روسيا من النفط والمنتجات المكررة كانت تمثل 0.5% فقط، غير أن روسيا زادت من حصتها بشكل ثابت خلال العقد الماضي لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 7% العام الماضي. حيث بلغ متوسط واردات الولايات المتحدة من روسيا حوالي 538 ألف برميل يوميًا في عام 2020، بينما بلغ متوسط الواردات من المملكة العربية السعودية حوالي 522 ألف برميل يوميًا.
وقد تأتى جزء كبير من مكاسب البلاد على حساب فنزويلا. تُعد مصفاة إكسون في باي تاون واحدة من عدة مصافي في الولايات المتحدة مجهزة بوحدات خاصة تم تصميمها لتفكيك النفط الخام الكثيف عالي الكبريت مثل الذي تنتجه فنزويلا. عندما فرضت إدارة ترمب العقوبات على شركة بتروليوس دي فنزويلا في عام 2019، تعطلت سلاسل التوريد الخاصة بالمصافي. يقول إدي إمسيروفيتش، وهو زميل في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة والرئيس العالمي السابق لتجارة النفط في شركة غازبروم الروسية العملاقة، أن "مصافي التكرير الأمريكية في خليج المكسيك تُعتبر من أكثر المصانع تطورًا في العالم. وبعد أن خسروا النفط الخام الفنزويلي وبدأوا في مواجهة مواد أولية أكثر تكلفة من موردي أوبك التقليديين، فإنهم أصبحوا زبونًا رئيسيًا للنفط الروسي كبديل."
الواردات الأمريكية من روسيا
ما تشتريه مصافي التكرير الأمريكية من روسيا ليس نفطًا خامًا في أغلب الأحيان، هو عبارة عن زيت وقود شبه مكرر يُعرف باسم مازوت 100 الذي يتميز بقوامه اللزج. إنه إرثٌ من أيام الاتحاد السوفييتي، يتم حرقه في المنازل من أجل توليد الحرارة. بينما يتم إعطاؤه لوحدات التكسير الخاصة في الولايات المتحدة من أجل إنتاج البنزين. إن أكبر مستورد للنفط الروسي في الولايات المتحدة هي شركة فاليرو بحوالي 55 مليون برميل، تليها إكسون بمعدل 50 مليون برميل. وفقًا لبيانات الجمارك فإن الشركتين تمثلان ما يقرب من 50% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط الروسي.
تضاعفت مشكلات الإمداد الناتجة عن نقص الخام الفنزويلي بسبب الانخفاض في إنتاج أوبك، خصوصًا بعد قرار المملكة العربية السعودية بخفض الشحنات إلى الولايات المتحدة العام الماضي إلى أدنى مستوًى لها منذ عام 1985 في محاولةٍ منها لتقليل فائض النفط الخام الذي تراكم خلال الوباء.
يقول المستشارون والمحللون وأعضاء مجموعات الضغط الذين يعملون في تكرير النفط إنهم لم يلاحظوا أيّ قلق في واشنطن يتعلق بزيادة الواردات الروسية، غير أن ذلك الموقف قد يتغير. في شهر آذار، وصف الرئيس بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "قاتل" وحذّر بأنه سوف يدفع ثمن تدخله في الانتخابات الأمريكية. ويقول ماكنالي إن البيت الأبيض قد يفكر في فرض حظر على واردات النفط الروسية كجزء من مراجعة أكبر للعقوبات الروسية في وقتٍ لاحق هذا الصيف، على الرغم من أن القليلين في مجال تكرير النفط يرون ذلك على أنه احتمال حقيقي.
إذا قامت المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاجها في الأشهر القليلة المقبلة، كما هو متوقعٌ من الغالبية، فمن المحتمل أن تحلّ براميلها مكان البراميل الروسية، بالإضافة إلى نفط العراق والكويت. وإلا فإن المصافي الأمريكية سوف تبقى بحاجة إلى إيجاد بعض النفط الخام الكثيف لكي تسدّ جوعها. يُعتبر النفط الخام من الرمال النفطيّة الكندية أحد الخيارات؛ بيد أن مصافي التكرير الأمريكية تشتري على الأرجح ما هو متاح.
في الوقت الذي تنتقد الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين لاعتمادهم على صادرات الطاقة الروسية، بلغت حصة روسيا من واردات النفط الأمريكية أعلى مستوياتها على الإطلاق.