بلومبرغ
تزايد إقبال المستهلكين في الهند على تقنيات الدفع عبر الهاتف النقال بسرعة استثنائية، وذلك حتى قبل وقوع الجائحة، بيد أن مشكلة واحدة تتمثل في فشل كبرى شبكات البنوك في الهند بمواكبة هذا التطور وتعطّلها مراراً وتكراراً.
وحسب محللين ومسؤولين تنفيذيين، تكشف حوادث التعطل هذه عن سنوات من تدنّي الاستثمار في التكنولوجيا وغياب صادم للجاهزية. وقد تسببت هذه الحوادث في الإحراج لبنك "إتش دي إف سي" على وجه الخصوص، فهو البنك الأكبر من حيث القيمة في البلاد. واستمر هذا البنك في التباهي بخدماته الإلكترونية، إلى أن واجه هجوماً شديداً على تويتر شنّه مستخدمون محبطون من خدماته، فيما منعته هيئة تنظيم البنوك في الهند من تقديم منتجات رقمية جديدة حتى إصلاح تقنياته المعطلة.
تعجز البنوك عن مواكبة التطورات في ظل سوق شديدة المنافسة. وحسب تقديرات البنك المركزي الهندي، ارتفع عدد التعاملات عبر الإنترنت بنسبة 500% خلال السنوات الخمس الماضية. مما دفع حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الدعوة لطرح حلول محلية من أجل سد الفجوة الرقمية في البلاد. ويأتي ذلك في ظلّ الدخول القوي للشركات خارج البلاد إلى مجال الدفع الإلكتروني، إذ ضخّ كل من "أمازون" و"فيسبوك" و"غوغل" مليارات الدولارات لإنشاء منظوماتها الخاصة من التطبيقات التي تربط بين المدفوعات وشبكة التجزئة لآلاف المتاجر الصغيرة والمستقلة. وتمكنت هذه الشركات من الاعتماد على "واجهة الدفع الموحد المبتكرة" (Unified Payments Interface) في الهند، وهي منصة لمدفوعات التجزئة تسهّل التفاعل بين البنوك والتطبيقات.
في ظلّ القطاع المالي الذي يخضع لتشريعات صارمة في الهند، تحتاج شركات التكنولوجيا المالية إلى البنوك لإتمام تعاملاتها وتقديم خدمات أخرى كالقروض، إلا أن البنوك في الهند تخاطر بتكرار ما حصل في الصين، إذ تحوّل اهتمام وولاء العملاء من البنوك التقليدية إلى شركات التكنولوجيا المالية. وفي هذا الصدد يقول ماهيش رامامورثي مدير الحلول المصرفية في شركة "إف آي إس الهند": "ستكون البنوك في الواجهة الخلفية لتسوية هذه التعاملات بدلاً من أن تتعامل مباشرةً مع العملاء عبر الإنترنت".
عطل مفاجئ
مساء 21 نوفمبر توقفت التعاملات الإلكترونية لعملاء بنك "إتش دي إف سي" البالغ عددهم 56 مليون إثر انقطاع المصدر الأساسي للكهرباء وتَعطُّل المولدات الاحتياطية التي تعمل بالديزل في مركز البيانات التابع للبنك الواقع في أطراف العاصمة المالية مومباي. واستمر هذا الانقطاع لعدة ساعات وتسبب في توقف خدمات بعض عملاء "Google Pay" شريك البنك في مجال الدفع الإلكتروني.
وكان موظفو بنك "إتش دي إف سي" حذّروا من المخاطر التي قد تقع بسبب البنية التحتية التقنية غير الكافية منذ أوائل عام 2017، وذلك بعد أن لاحظوا فترة توقف قصيرة ولكن متكررة للخدمة حسب مصادر مطّلعة. إلا أن بنك "إتش دي إف سي" استغرق أكثر من ثلاث سنوات للتحول إلى مركز بيانات جديد، ويُقال إنه لم يكُن أنجز هذه النقلة عند وقوع حادثة الانقطاع في نوفمبر.
كانت حادثة الانقطاع هذه واحدة من 14 حادثة تَعطُّل تقني شهدها بنك "إتش دي إف سي" على مدار 12 شهراً، فيما تعطلت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وعبر الهاتف النقال للبنك الوطني الهندي 68 مرة خلال تلك الفترة، في حين سجّل ثاني أكبر بنك خاص في البلاد 21 حالة انقطاع، حسب بيانات نشرها موقع "Down Detector"، كما سجلت 10 بنوك ضمن قائمة أكبر 30 بنكاً في الهند تَعطُّل تعاملات الدفع بنسبة 3% في سبتمبر 2020، وذلك حسب تقرير صادر عن شركة "بي دبليو سي".
من جهته قال الرئيس التنفيذي لبنك "إتش دي إف سي" إن البنك يستعدّ "لحالة حرب" بهدف تعزيز قدراته التقنية، فيما سيحدّد تحقيق يُجريه البنك المركزي توقيت رفع الحظر عن المنتجات الرقمية الجديدة للبنك. وأضاف متحدث باسم البنك في تصريح عبر البريد الإلكتروني: "لقد استفدنا من هذا الوقت، لا لتعزيز منصتنا فحسب بل وللتخطيط الاستراتيجي للقوى العاملة وإعادة تزويدها بالمهارات".
تحقيقات المركزي الهندي
أجرى بنك الاحتياطي الهندي، وهو البنك المركزي في البلاد وأعلى هيئة تنظيمية مالية، تحقيقاً مع البنك الوطني الهندي حول حوادث التعطل المُبلَغ عنها في خدماته الإلكترونية وتطبيقاته عبر الهاتف النقال، وذلك حسب مصادر مُطّلعة. وأفادت هذه المصادر بأن البنك الوطني الهندي يستثمر مزيداً من الموارد في السحابة الخاصة به وتوسيع قدرات مراكز البيانات التابعة له، في حين لم يرُدّ البنك على الرسائل الإلكترونية التي تطلب منه التعليق. كما لم نتلقَّ أي ردّ من البنك المركزي على الأسئلة المتعلقة بحوادث التعطل. إلا أن شاكتيكانتا داس حثّ البنوك على تعزيز الأمن السيبراني والبنية التحتية التقنية التي تملكها، وذلك خلال اجتماع مغلق للمعنيين بالقطاع عُقِد في مارس.
ورغم كل تلك المشكلات، من المتوقع أن تواصل التعاملات الإلكترونية نموَّها السريع، وبالتالي على البنوك أن تنفق مزيداً من الأموال على التقنيات المتطورة. وعلى وصف فيفيك بيلغافي، الشريك المسؤول عن التكنولوجيا المالية في "بي دبليو سي"، "يبدو الأمر كأن غرفة المعيشة كانت تُرتَّب على الدوام، ولكن العلية تعمّها الفوضى. على البنوك أن تعيد ترتيب أولوياتها وتصلح الأعطال في بنيتها التحتية الأساسية، فالحاجة الأساسية الآن هي الإصرار والسرعة في التنفيذ".