بلومبرغ
بقلم Kai Schultz
خلال أسبوع عاصف من الاضطرابات وأعمال العنف، سقطت حكومة في بنغلاديش تحت وطأة التظاهرات الشعبية العارمة، وفرّت رئيسة الوزراء على متن مروحية تاركة أحد أهم الاقتصادات الناشئة في العالم تخيّم على مستقبله سحابة سوداء.
تعيش بنغلاديش، التي تضمّ 170 مليون نسمة، حالة غليان بعد أسابيع من التظاهرات الضخمة، احتشد خلالها آلاف المواطنين في شوارع العاصمة داكا للتعبير عن غضبهم تجاه رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، ما أسفر عن وقوع مواجهات دامية مع قوات الأمن أسفرت عن سقوط نحو 400 شخص.
كانت الشيخة حسينة واحدة من الزعماء الأطول حكماً في آسيا، ويُعزى لها فضل كبير في نهضة البلاد الاقتصادية. لكن مع إحكامها لقبضتها على السلطة، تبنت حكومتها نهجاً استبدادياً، وفقاً لمنتقديها الذين يتهمونها بسجن المعارضين والبطش بالصحافيين وناشطي المجتمع المدني.
لم تهدأ شوارع داكا حتى بعد استقالة رئيسة الوزراء الاثنين الماضي لتطوي بذلك صفحة حكم دام 15 عاماً. لقد اقتحم المتظاهرون قصرها الفخم، ونهبوا محتوياته وهشموا صور والدها، أول رؤساء بنغلاديش، حتى أن منهم من التقطوا صوراً لأنفسهم وهم يحملون ملابسها الداخلية.
كما أضرم المتظاهرون النار في مراكز الشرطة ومنازل الوزراء، واعتدوا على معابد الأقلية الهندوسية، واقتحموا قاعات البرلمان الذي حُلّ بعد مغادرة الشيخة حسينة إلى الهند، حيث تدرس خطواتها التالية.
بداية جديدة
أثارت هذه الأحداث مخاوف الكثيرين حيال بنغلاديش. في حين يقرّ مؤيدو الشيخة حسينة بأنها ارتكبت بعض الأخطاء، إلا أنهم يرون أنها قائدة عالية الكفاءة، نجحت في انتشال الملايين من براثن الفقر بفضل صادرات الملابس، وأتقنت تحقيق توازنات في علاقات بلادها مع الهند والصين، كما أبقت الإسلامويين تحت السيطرة في واحدة من الدول الإسلامية القليلة التي تعتمد الديمقراطية نظاماً للحكم.
كما أنهم يبررون حكمها بقبضة من حديد بالقول إن القادة الضعفاء لا يستمرون طويلاً في بنغلاديش، وما سيرة حياة الشيخة حسينة إلا دليل على ذلك. فقد قُتل جميع أفراد عائلتها تقريباً في انقلاب في سبعينات القرن الماضي، ونجت هي نفسها من عدّة محاولات اغتيال، بينها هجوم دموي بالقنابل اليدوية استهدف تجمعاً شعبياً لها.
في حين لم تتضح بعد الخطوات المقبلة التي ستتخذها بنغلاديش، يرى المتظاهرون، وأغلبهم من الطلاب، أن نهاية حكم الشيخة حسينة يمهد لبداية جديدة، ويتيح الفرصة لإعادة بناء بلادهم على أسس أكثر حرية وإنصافاً. تدخل الجيش لاستعادة شيء من النظام، فيما يستعد حزب المعارضة الرئيسي لخوض انتخابات جديدة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
رئيس حكومة مؤقت
عُيّن الاقتصادي البنغلاديشي محمد يونس، الفائز بجائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده في مكافحة الفقر، رئيساً للحكومة المؤقتة الثلاثاء الماضي.
ويُرجح أن يكون على موعد مع تحديات كبرى، فقد تباطأ اقتصاد البلاد في الآونة الأخيرة، ما دفع بصندوق النقد الدولي للتدخل عبر تقديم حزمة إنقاذ، واستقال حاكم المصرف المركزي، وما يزال عمل المحاكم معطلاً. أمّا الهند التي طالما كانت حليفة للشيخة حسينة، فهي قلقة من أن تؤجج الفوضى التطرف الديني في بنغلاديش، الذي قد يتسرّب عبر الحدود المتداخلة بين البلدين.
خلال زيارتي إلى داكا قبل فترة قصيرة، قضيت بعض الوقت برفقة يونس في منزله وفي مكتبه. لم يبد الرجل في حينها اهتماماً يذكر بدخول عالم السياسة، مفضلاً التركيز على عمله في الشأن الاجتماعي المتعلق بالتمويل الصغير ومكافحة الفقر. قال لي وقتها: "أنا لست رجل سياسة، هذا مجال لن أخوضه". لكن تغيرت الأمور كثيراً خلال أشهر قليلة.