بلومبرغ
استوقفني أمر مثير للاهتمام في المكان الذى أتردد عليه لتناول الطعام خلال استراحة الغداء. كان مطعم "ديغ" (Dig) للوجبات السريعة، الذي اعتدت أن اشتري منه أطباق الورقيات الطازجة مع البروكلي المشوي والتوفو المقرمش، أو سمك السلمون حين أميل للبذخ بعض الشيء، أضاف صنفاً غير متوقع على قائمة الطعام: شطيرة دجاج مقرمش.
تقدّم سلسلة مطاعم "ديغ" تشكيلة تكاد أن تكون بلا نهاية من المكوّنات المتنوعة، بشرط أن تتسع لها أطباقها التي تأتي على شكل زبديات، لذا كان تقديم شطيرة دجاج ضخمة بها قدر سخي من تتبيلة خاصة، "توجهاً مثيراً للاهتمام"، حسب تعبير رئيسة السلسلة التنفيذية تريسي كيم.
وأشارت إلى أن هذا الصنف يحظى بإقبال طلاب المدارس الثانوية، والأهم هو أن السلسلة التي تضم نحو ثلاثين مطعماً في شمال شرق الولايات المتحدة كانت تستجيب بذلك لطلب الزبائن. قالت: "نتلقى طلباً كبيراً على المأكولات التي تؤكل باليد، بالأخص عند طلب تعهدات الطعام للمناسبات".
كان بإمكان "ديغ" طرح أنواع شتى من الأطعمة التي تؤكل باليد، مثل سندويش جبن هافارتي مع الديك الرومي المشوي على خبز شيباتا بالزيتون، أو الخبز الرقيق مع صلصة بيستو والخرشوف، أو تاكو بارباكوا مع ملفوف بنفسجي، وكلّها كانت لتنسجم أكثر مع صورة العلامة التجارية.
بدل ذلك، فضلت أن تسلك انعطافة حادة نحو أحد الأصناف المفضلة في الوجبات السريعة. وعلى الرغم من أن نسخة "ديغ" من السندويش معدّة من دجاج خالٍ من المضادات الحيوية، وتقدمه مشوياً بدل أن يكون مقلياً، فقد أضاء ذلك على أمر آخر هو أن حرب شطائر الدجاج المقلية قد عادت، هذا إن كنّا قد سلمنا بأنها رفعت أوزارها في ما سلف.
سندويشات دجاج متنوعة
يجوز القول إن سلسلة مطاعم "تشيك–فيل–إيه" (Chick-fil-A) أطلقت الرصاصة الأولى في هذه المعركة عام 2015، مع توسع سلسلة المطاعم التي نشأت في أتلانتا نحو مدينة نيويورك، ما اضطر سكان المدينة ذات الأغلبية الديمقراطية الساحقة للاختيار بين قيمهم الليبرالية وشطائر الدجاج المقلي الشهية، وقد اختار النيويوركيون الشطيرة. بعدها بأربع سنوات، التحق مطعم "بوبايز" (Popeyes) بالركب مطلقاً تغريدة يكشف فيها عن شطيرة الدجاج الجديدة، ممهداً لتجاذبات علنية بين المطعمين المتنافسين.
في نهاية المطاف، بدا أن مطاعم الوجبات السريعة كافةً دخلت المنافسة، فقدمت كل من سلاسل "ماكدونالدز" و" كي اف سي" و"شيك شاك" و"وينديز" و"برغر كينغ" شطائر الدجاج بلمسات خاصة وبعروض محدودة، كانت في الماضي تقتصر على البرغر.
في سبتمبر 2021، طرح "شيك شاك" شطيرة دجاج معدة على الطريقة الكورية بصلصة غوتشوجانغ التي تجمع نكهات حلوة ولاذعة مع سلطة كيمتشي في فروعه بالولايات المتحدة. وما لبث أن رد "بوبايز" بشطيرة من توقيعه معدة من دجاج بتتبيلة تضفي عليه لون الشواء مع صلصة بوفالو رانش، ثمّ قدم في الخريف شطيرة دجاج حار بالكمأة معدة بنوع من المايونيز الفاخر الحار تدعمه كيم كاردشيان.
لكن أحداً لم يتفوّق على شطيرة الدجاج مع الناتشوز من توقيع "وينديز" التي جمعت بين الصنفين المحبوبين بأسلوب أبهر البعض وأثار امتعاض البعض الآخر. قال "ماكدونالدز" في اتصال لمناقشة الأرباح في فبراير إن شطيرة الدجاج التي يقدمها أصبحت حالياً علامة تجارية بقيمة مليار دولار، ثمّ بعد شهرين أعاد تقديم الشطيرة التي كان قد طرحها قبل ثلاث سنوات بحلّة جديدة مع صلصة كاجون، وأطلق عليها اسم "ماكريسبي".
تفوّق على الهمبرغر
لكن شطيرة الدجاج المقلي ما عادت حصراً على عمالقة الوجبات السريعة، بل باتت صنفاً أساسياً على قوائم طعام 47% من المطاعم، بحسب شركة "تيكنوميك" (Technomic) للبحوث والاستشارات، فيما يندرج الهمبرغر في 41% من قوائم الطعام فقط، وهي نسبة تتجه نحو انخفاض ولو كان طفيفاً. سُجّلت القفزة الكبيرة التي حققتها شطائر الدجاج في الفترة بين نهاية 2020 ونهاية 2021 التي ازداد خلالها عدد شطائر الدجاج على قوائم الطعام بنسبة 10%.
تقول شركة "سيركانا" (Circana) المختصة بأبحاث السوق إن الطلب على البرغر ما يزال أعلى بمرتين من شطائر الدجاج، ولكن بعد سنوات من التعامل مع الدجاج كأمر ثانوي، اكتشفت المطاعم أخيراً أن لشطيرة الدجاج المقلي جاذبيتها الخاصة، حيث يقبل عليها الزبائن الذين ربما لا يرغبون بتناول الهمبرغر أو السلطات.
قال ديفيد بورتالاتين، محلل الطعام لدى شركة "سيركانا" (Circana): "يرغب الطهاة بإضفاء لمساتهم الخاصة على كافة مستويات فنّ الطهي... أينما تذهب، ستجد أصنافاً بلمسات خاصة ولكن جميعها في نهاية المطاف هي شطائر دجاج مقلي". في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس العام الماضي، قدّم أحد الطهاة من مطعم في مانهاتن يحظى بتصنيف ميشيلان نسخته من السندويش الذي أعدّه من الدجاج المتبّل بالليمون والزنجبيل مع صلصة مايونيز حارة.
إلى ماذا يعزى هذا الارتفاع في شعبية الدجاج؟ في العادة، يعزى ذلك إلى عاملين مرجحين: إن الدجاج صحي أكثر من اللحم البقري، ولكن أحداً لا يظنّ أن الوعي الصحي هو ما يقود السوق نحو الدجاج المقلي بالزيت والمقدّم على خبز أبيض مدهون بالمايونيز، وكذلك فارق السعر الذي لم يتخط 76 سنتاً على قوائم الأطعمة، بحسب البيانات الصادرة عن شركة "ريفينيو مانجمنت سولوشن" (Revenue Management Solutions). وفيما أن فارق السعر هذا ليس كافياً للتأثير على الزبائن، فهو يساعد ملاك المطاعم على موازنة التكاليف في ظل ارتفاع أسعار اللحم البقري.
إقبال الجيل زد
لكن بحوث "ريفينيو مانجمنت سوليوشنز" تشير إلى عامل ثالث، يتمثل بأبناء الجيل "زد" الذين يحبون الدجاج، سواء في السندويشات أو التاكو. الأكثر من ذلك، هم يعشقون الصلصات، لحدّ أنه ربما الأحرى بنا الحديث عن حرب الصلصات. إذ من المنطقي أن تلعب الصلصة دوراً مهماً جداً في تسويق الدجاج، وهو مجرد غذاء بروتيني يفتقر للنكهة تضاف إليه تتبيلة.
حتى أن كبرى مطاعم الوجبات السريعة أصبحت تروّج لصلصاتها أيضاً. "تشيك–فيل-إيه" مثلاً يبيع زجاجات من صلصاته في المتاجر على امتداد البلاد، حيث تتنافس مع صلصة شيبتوليه الكريمية من "تاكو بيل" وصلصلة هورسي من "أربيز" (Arby’s) وصلصلة الفلفل الكريمية من "واتابرغر" (Whataburger).
لتبيان مدى اشتداد هذه الحرب، تكفي الإشارة إلى أن عرّاب الدجاج المقلي "كي أف سي" لا يكاد يجاري المنافسين، فقد طرح سندويش الدجاج الجديد في 2021، ولكن الإقبال عليه لم يرق إلى مستوى سندويش "بوبايز" على كل المعايير في الفصل الأول من 2024، حسب ما أفادت به مجلة "ريستورنت بيزنيس" (Restaurant Business). وعزا الرئيس التنفيذي للشركة الأم "يام! براندز" (Yum! Brands) السبب بجزء منه إلى المنافسة. فحتى عودة شطيرة "دابل داون" (Double Down) المثيرة للجدل وهي مكوّنة من قطعتَي دجاج بدل الخبز، مع الجبن والمايونيز، لم تساعد على تحسين الأمور لصالح "كي أف سي".
مع ذلك، لم يستسلم "كي أف سي"، ففي نهاية مارس أعلن عزمه طرح ناغيت الدجاج بالصلصة، فهذا الصنف يأتي مع أفضل ما في سندويش الدجاج، إذ يؤكل باليد وهو مشبع بالصلصة. ربما ليست هذه إلا محاولة لإعادة طرح ناغيت الدجاج بحلّة جديدة، ولكن وفق ما أخبرني به المحلل لدى "بلومبرغ إنتلجنس" مايك هالين، فإن سلسلة مطاعم "وينديز" اقتبست هذه الخطوة. قال: "غمرها بالصلصة له أهمية كبيرة في عالمي".