بلومبرغ
في صبيحة يوم في مايو، كانت جسيكا غوتيريز تكشط طيناً تراكم أمام مدخل منزلها؛ فيما كانت شانون هول تُخرج مفروشات إلى الشارع. وفي الباحة الأمامية تجد فرناً وزوج كراسي مكتبية وعدداً من الأبواب الداخلية تضررت بفعل فيضانات اجتاحت بلدة ريفر بلانتيشن التي تبعد نحو 30 دقيقة إلى الشمال من هيوستن.
كانت تلك أول مرة تطال فيها الفيضانات التي سببها المطر الغزير منزل السيدتين منذ انتقلتا لتقيما فيه قبل ثماني سنوات، برغم أنهما كادتا تتعرضان لكارثة مشابهة في يناير بعدما ضربت عاصفة أخرى المنطقة. تتولّى هول وغوتيريز رعاية صبيين صغيرين وقد تبنيتا طفلاً ثالثاً قبل فترة وجيزة، وهم الآن يقيمون جميعاً في منزل مجاور بانتظار انتهاء أعمال التنظيف والصيانة التي قالت هول إنها قد تستغرق عدّة أشهر، هذا إن لم يتعرّض الحيّ إلى فيضانات أخرى "مع كلّ هذه الأعاصير المفاجئة وعواصف البرَد".
أحداث مناخية متداخلة
ضرب الطقس المتطرف تكساس هذا العام. بين فبراير ومارس، اندلعت حرائق غابات هي الأكبر في تاريخ الولاية، وقد أتت على مليون فدان في منطقة بانهاندل. وفي مايو، تلت الفيضانات عاصفة عاتية سببت تحطم زجاج ناطحات سحاب في هيوستن، فيما تساقطت حبّات برد بحجم أطباق صغيرة قرب مدينة لوبوك. كما تسببت العاصفة الاستوائية "ألبرتو" في يونيو بإغلاق مرفأ "كوربوس كريستي" وأغرقت بلدات شاطئية مع اقترابها من الشاطئ.
يأتي استفحال غضب الطبيعة في سياق ظاهرة آخذة بالانتشار نتيجة التغير المناخي تُسمى "الأحداث المركبة"، إذ تتوالى الاضطرابات الجوية في فترات متلاحقة أو متداخلة. وقد تنتمي هذه "الأحداث المركبة" إلى النوع نفسه من الطقس الخطر، مثل إعصار يلي آخر، أو إلى أنواع متباينة، مثل أن تتزامن موجة حرّ مع موجة جفاف.
أُعلنت عشرات من مقاطعات تكساس مناطق منكوبة مع توالي مفاعيل الطقس السيئ، وتقدم حاكم الولاية غريغ أبوت بطلب لإضافة مزيد من المناطق إلى تلك القائمة. فيما تفاقم هذه الكوارث "المركبة" حجم الأضرار، فهي تعيق جهود الاستجابة المجتمعية ومساعي التعافي من الكوارث.
لم تكن كاليفورنيا أو فلوريدا أكبر ضحايا الأحوال الجوية المتطرفة في الولايات المتحدة؛ بل كانت تكساس. منذ عام 1980، حلّت بالولاية 176 كارثة مناخية سببت كلّ منها أضراراً بلغت مليار دولار أو أكثر، بحسب المراكز الوطنية الأميركية للمعلومات البيئية، أي بواقع 50 كارثة مناخية أكثر من ولاية جورجيا التي تليها مباشرة في الترتيب، وأكثر من ولايات ألاسكا وهاواي وماين ونيفادا ونيوهامشر وداكوتا الشمالية وفيرموت ووايومنغ مجتمعة.
كما تكبدت تكساس أكبر تكلفة مالية ناجمة عن الطقس المتطرف، حيث بلغت قيمة الأضرار خلال هذه الفترة نحو 300 مليار دولار على أقلّ تقدير. وتعدّ مقاطعة هاريس التي تضمّ مدينة هيوستن الأكثر عرضة لمخاطر الطقس السيئ منذ 1980.
تأثير اقتصادي
يفاقم التغير المناخي المخاطر التي تهدد الولاية، ويمتد تأثيره إلى الاقتصاد المحلي. فقد ارتفع متوسط درجات الحرارة في تكساس بمقدار 1.1 درجة مئوية على الأقل منذ القرن التاسع عشر، بحسب تقييم لمناخ الولاية صدر في أبريل.
وأظهر تحليل من بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أنه مقابل كلّ زيادة بمقدار 0.55 درجة مئوية في متوسط الحرارة صيفاً، يتباطأ نموّ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي السنوي في الولاية بواقع 0.4 نقطة مئوية. وقال معدّو التقرير إن الطقس الحار في الصيف الماضي ربما أسهم "في خفض نموّ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بمقدار نقطة مئوية عام 2023، أي ما يوازي نحو 24 مليار دولار".
لا تقتصر تبعات الاحترار العالمي على تأجيج موجات الحرّ والجفاف وحرائق الغابات، فهي تتسبب أيضاً بتوليد عواصف أعتى وأغزر أمطاراً نتيجة تلاقي الهواء الدافئ مع سطح المحيط.
قالت عالمة المناخ كاثارين هيهو، الأستاذة في جامعة تكساس للتقنية التي تقيم في الولاية منذ 17 سنة، خلال مقابلة ضمن بودكاست "زيرو" عبر "بلومبرغ غرين" إن تكساس تقدم "المثال النموذجي عن تأثير الطقس المتطرف علينا اليوم... نحن نشهد عدداً قياسياً من الأعاصير وارتفاعاً كبيراً بغزارة الهطولات، وحرّاً شديداً لدرجة تكاد لا تُصدّق".
من جهته، قال فيكتور ميرفي، مدير برنامج الخدمات المناخية في "خدمة الطقس الوطنية" ضمن المناطق الجنوبية إن مساحة تكساس الشاسعة قد تكون إحدى الأسباب التي جعلتها بؤرة استقطاب للطقس المتطرف، أمّا السبب الآخر فربما يرجع أساساً إلى موقعها.
شرح ميرفي أن موقع الولاية على خليج المكسيك يعني أن الهواء المشبع بالرطوبة يتجه شمالاً، فيصطدم بأنظمة العواصف التي تعبر أميركا الشمالية من الغرب إلى الشرق، فيولّد ظروفاً مواتية لتشكل الأعاصير والعواصف الرعدية العاتية وحبات البرد الضخمة. زد على ذلك أن موقعها على خليج المكسيك يجعلها أكثر عرضة للأعاصير، ومنها هارفي وآيك، وكذلك عاصفة غالفستون التي ضربت تكساس في عام 1900 فحصدت أكبر عدد من الضحايا في تاريخ الولايات المتحدة.
ارتفاع أسعار التأمين
اعتبرت جنيفر فرانسيس، عالمة المناخ في مركز وودويل للبحوث المناخية في فالماوث بولاية ماساتشوستس، أن تكساس هي "ساحة المعركة المناخية"، بما أنها تقع في مرمى موجات الحرّ المتنامية براً وبحراً.
الولاية عرضة للجفاف وللفيضانات في آن معاً، فنظراً لندرة الأمطار على طرفها الغربي، تزيد احتمالات اندلاع حرائق الغابات هناك. من ناحية أخرى، تغطي السهول العظمى مساحات شاسعة من أراضيها، فيما تمتد سلسة جبال الروكي من الغرب، ما يعرِّضها أيضاً إلى موجات برد قارس قطبية تتجه نزولاً نحو القارة دون أن تعترضها حواجز تذكر.
تعدّ تكساس أيضاً الولاية الأسرع نموّاً في الولايات المتحدة، إلا أن اقتران اتساع الضواحي مع الظروف الجوية المدمّرة يحمل مخاطر إضافية لشركات التأمين.
في العام الماضي، سجلت تكساس ارتفاعاً بأقساط التأمين على المنازل فاقت ما سواها من الولايات، بزيادة بلغت 23.3% مقارنة بالعام الذي سبق، بحسب شركة "اس أند بي غلوبال" (S&P Global).
وبين عامي 2019 و2024، ارتفعت أسعار التأمين في تكساس 54.5%، وهي زيادة أعلى بكثير من المتوسط الوطني في الولايات المتحدة وهو 37.8%، حسب تقرير من شركة "ليندينغ تري" (LendingTree) المتخصصة بأسواق القروض عبر الإنترنت.
شرح تيك زاواكي، الخبير الاستراتيجي في قطاع التأمين لدى "اس أند بي غلوبال ماركت إنتلجنس" (S&P Global Market Intelligence) أن شركات التأمين تدرس الخسائر التاريخية المسجلة وتدمجها مع مخرجات نموذج حاسوبي بغرض احتساب أسعار التأمين، مضيفاً: "تنتقل أعباء هذه الزيادة في المخاطر ليتجشمها المستهلك".
التعامل مع عدّة كوارث معاً
يسعى العلماء ومسؤولو شركات التأمين والحكومات إلى فهم مخاطر التغير المناخي، وقد عمدوا في الماضي إلى تقسيم مخاطر الاحترار العالمي إلى أنواع منفصلة من التهديدات.
وقال يايكوب تسشايشلر، رئيس قسم المخاطر البيئية المركبة في مركز هيلمهولتز للبحوث البيئية في لايبزيغ بألمانيا: "عادةً ما يكون التخطيط لمواجهة أحداث متفرقة، فتفكر مثلاً بما ينبغي فعله إن وقع حريق كبير أو فيضان صخم، وتعدّ خططاً مستقلة للتعامل مع كلّ منها".
لكن في الآونة الأخيرة، بدأ العلماء مثل تسشايشلر يولون اهتماماً أكبر للكوارث المتعددة التي تحدث في الوقت نفسه أو بأوقات متقاربة أو بشكل متكرر، أي "الأحداث المركبة". مع ارتفاع حرارة الغلاف الجوي للأرض، تغيرت آليات الطقس، فما عادت مخاطر حدوث فيضانات أو عواصف أو تساقط للبرد أو حرائق غابات أو جفاف منفصلة بعضها عن بعض، وأصبح تقدير احتمال وقوع أي من هذه المخاطر يتطلب أيضاً دراسة تأثيرها على بعضها بعضاً.
مثلاً، يمكن للأمطار الغزيرة في أعقاب حرائق الغابات أن تسبب انهيارات طينية، فيما تسبب العواصف خلال موجات الجفاف فيضانات مفاجئة. ودعا تسشايشلر لأن يشتمل التخطيط للتكيف وللطوارئ على هذه الاحتمالات.
نجمت موجة البرد القارس التي ضربت تكساس في 2021 وقتلت 246 إنساناً عن أحداث مركّبة. فبعد أن وصلت موجة البرد إلى الولاية، التقت مع الرطوبة، فهطلت أمطار متجمدة تسببت بشلل البنى التحتية. قال جون نيلسن غامون، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة "تكساس إيه أند ام" وكبير علماء المناخ لدى الولاية إن "تزامن الرطوبة مع مثل ذلك الهواء شديد البرودة لم يكن معتاداً".
أشار غامون إلى أنه نظراً للهدوء النسبي لناحية الطقس المتطرف في 2022 و2023، كانت الولاية تتوقع أن تشهد ما مرّ عليها من سلسلة أحداث مناخية هذا العام، مع ذلك "بالتأكيد كانت رؤية ما حدث مفاجأة".
في هذا السياق، حذّر غامون من تزامن فيضانات المياه العذبة مع اشتداد العواصف. وقال: "هذا مثير للقلق لأنه غالباً ما تقيّم هذه المخاطر بشكل منفصل... التحدي الذي تطرحه الأحداث المركبة ليس في فهم المخاطر بل بطريقة الاستجابة لها".
الحلّ بوقف حرق الوقود الأحفوري
تتشتت الجهود الرامية لتعزيز دفاعات تكساس ضد العوامل المناخية في ولاية طالما عُرفت بصغر حجم حكومتها وتساهل قواعدها الناظمة. فتولّت المدن زمام المبادرة، حيث وضعت كلّ من أوستن ودالس وهيوستن وسان أنطونيو خططاً للصمود والتكيف. أمّا قوانين البناء فتختلف من منطقة إلى أخرى، وما يزال كثير منها يفتقر إلى المعايير الصارمة التي تتضمنها قوانين البناء الحديثة.
وقال ديف نيوغي، الأستاذ في كلية العلوم الجيولوجية وكلية الهندسة في جامعة تكساس في أوستن: "قد لا يرغب الناس في الحديث عن سبب ما يحدث.... لكن على أرض الواقع، يدرك الجميع أن المخاطر تتنامى، وثمة شعور أنه لا بدّ من فعل شيء حيال ذلك".
يشارك نيوغي في قيادة برنامج مناخ المدن التعاوني المشترك في جامعة تكساس (UT-City Climate CoLab) الذي يشجع العلماء على إنتاج البيانات التي تحتاجها مدينة أوستن من أجل فهم المخاطر المناخية وإدارتها. وتستضيف الجامعة أيضاً مجموعة "بلانيت تكساس 2050" (Planet Texas 2050) التي تضمّ خبراء من مختلف التخصصات- من بينهم نيوغي- يعملون مع المجتمعات المحلية على تصميم مشاريع التكيف المناخي وتطبيقها.
لكن في نهاية المطاف، الدفاع الأفضل في وجه تفاقم الكوارث المناخية هو في التوقف عن حرق الوقود الأحفوري. قالت فرانسيس من مركز وودويل لبحوث المناخ: "لا بدّ من تسريع التخلي عن النفط وغاز الميثان للتخفيف من وطأة الطقس السيئ على تكساس".
قد لا تبدو أكبر ولاية منتجة للنفط والغاز مكاناً بدهياً لحصول ذلك، لكن فرانسيس لفتت إلى أن الولاية التي تعدّ من أكبر الملوثين تاريخياً تقود أيضاً التحول نحو الطاقة النظيفة. فقد زادت سعة إنتاج الطاقة الشمسية أكثر من أي ولاية أخرى "وهي أيضاً أكبر منتج للكهرباء المولدة من طاقة الرياح".
فيما كانت هول وغوتيريز تنظفان منزلهما المتضرر من الفيضانات في مطلع يونيو، كان جورج بارنز من الصليب الأحمر يجول في شارع آخر في المنطقة متنقلاً بين المنازل ليعرض المساعدة. كانت تلك زيارة بارنز الأولى لهيوستن كعامل في المنظمة الإغاثية. قال الرجل الذي أتى من كونيتيكت: "ياله من طقس سيئ. لم يسبق أن شهدت مثل هذا في حياتي من حيث كمّ العواصف والأعاصير والفيضانات".