ستة مواقع بحرية من شأنها إعاقة حركة التجارة العالمية

بعض أكبر مضائق العالم البحرية تواجه تحديات سياسية واقتصادية ومناخية من شأنها أن تؤثر على حركة البضائع

time reading iconدقائق القراءة - 15
عدد من سفن الشحن في انتظار عبور قناة بنما - المصدر: أ.ب.
عدد من سفن الشحن في انتظار عبور قناة بنما - المصدر: أ.ب.
المصدر:بلومبرغ

لو تركز الإنتاج في موقع واحد من العالم لتحققت وفورات هائلة سواء كان المنتج أحذيةً أو تلفزيونات أو قضبان الفولاذ، شريطة التمكن من شحن البضائع بأمان وتكلفة منخفضة إلى مواقع الاستهلاك.

امتحنت الجائحة هذا الطرح، فقد سببت الإغلاقات التي اتخذت لمكافحة فيروس كورونا، بتعطيل سلاسل الإمداد، فانطلقت موجة تضخم عارمة.

كُبح فيروس كورونا بدرجة أو أخرى، لكن هذا ليس وقتاً مناسباً لنركن إلى الشعور بالارتياح. تواجه التجارة البحرية العالمية أكبر مجموعة مخاطر تجتمع في آن واحد منذ أجيال، إذ تستعر حربان في أوكرانيا وغزة، وتحتدم المواجهة المتوترة بين الصين وأكبر شريكة تجارية لها وهي الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك الاضطرابات التي تشهدها ممرات مائية رئيسية بسبب تغير المناخ.

إن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في اليمن بالمسيّرات والصواريخ على سفن الشحن التي تعبر البحر الأحمر، وهو أقصر الطرق البحرية بين أوروبا وآسيا، مثال على ذلك.

تُحول مسارات أغلب سفن الحاويات لتبحر حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وقد قفزت أسعار الشحن نتيجة لذلك، فتعقدت مهمة البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة التي تعاني لتقطع الشوط الأخير من مسعى إعادة التضخم إلى مستوياته المستهدفة.

أشارت تقديرات وكالة "فيتش ريتينغز" (Fitch Ratings) في فبراير إلى أن الاضطرابات في البحر الأحمر سترفع على الأرجح أسعار السلع التي تستوردها الولايات المتحدة 3.5 نقطة مئوية بحلول نهاية 2024.

حددت "بلومبرغ نيوز" ست نقاط اختناق، وهي طرق مختصرة أساسية تتعامل مع حصة غير متناسبة من التجارة البحرية، إلى جانب المخاطر التي تواجهها تلك الطرق المختصرة، وذلك باستخدام بيانات من "كلاركسون ريسيرش سيرفسز" (Clarkson Research Services)، وهي وحدة تابعة لأكبر شركة وساطة بحرية في العالم.

نقاط الاختناق التجاري

تواجه كل من هذه النقاط مجموعة فريدة من المشاكل المتداخلة التي قد تجعل أي حادث غير متوقع يتحول سريعاً إلى أزمة أخطر.

اقرأ أيضاً: تضاعف تكلفة شحن الحاويات في يونيو يؤرق التجارة العالمية

لنستذكر مثلاً حادث جنوح سفينة الحاويات "إيفر غيفن" (Ever Given) في قناة السويس في 2021، الذي عطل مرور تجارة عالمية حجمها عشرة مليارات دولار لنحو أسبوع، أو انهيار جسر بالتيمور في مارس متسبباً بإغلاق ميناء بلغت قيمة البضائع التي يتعامل معها 80 مليار دولار في 2023.

البحارة الذين كانوا على مر القرون ضحايا لتيارات متقاطعة وأنواء متقلبة وشعاب مرجانية ومياه ضحلة، سموا الممر المائي المفضي إلى البحر الأحمر باب المندب، وهي كلمة تعني البكاء.

بات الإبحار عبر هذا الممر المائي، الذي يبلغ عرضه 29 كيلومتراً وهو أهم نقطة عبور من وإلى قناة السويس، ويتعامل مع أكثر من 15% من إجمالي التجارة المنقولة بحراً من حيث الحجم، مهمة محفوفة بالمخاطر لأسباب شتى.

اقرأ أيضاً: هجوم صاروخي على ناقلة نفط قبالة سواحل اليمن

منذ منتصف نوفمبر، شنّ الحوثيون الذين تدعمهم إيران ويسيطرون على شمال غربي اليمن، سلسلة هجمات على السفن شملت إطلاق صواريخ ومسيّرات. نتيجة لذلك، اختارت أغلب خطوط نقل الحاويات أن تبحر حول أفريقيا بدل أن المرور به، فزاد طول رحلاتها بنحو 9650 كيلومتراً، أو ما يعادل أسبوعين من الإبحار.

في مذكرة توجيهية لعملائها بتاريخ 6 مايو، قالت "إيه بي مولر-ميرسك" (A.P. Moller-Maersk) إن سفنها تستهلك 40% أكثر من الوقود في كل رحلة، وإن أسعار الاستئجار تزيد ثلاث مرات عن مستواها الطبيعي.

مضيق باب المندب

أهمية مضيق ملقا محورية للتجارة منذ قرون، وهو يربط بين المحيطين الهندي والهادئ، وهو أهم نقطة اختناق بحرية في العالم بفارق كبير عن تاليتها.

تبحر سفن تحمل النفط والغاز الطبيعي المسال وغيرهما من السلع عبر المضيق لتصل إلى الصين واقتصادات آسيوية كبرى أخرى، فيما تبحر السفن الناقلة للمنتجات المصنّعة في الاتجاه المعاكس.

اقرأ أيضاً: أكبر شركة موانئ في ماليزيا تبحث عن مستثمرين لتوسعة بـ8 مليارات دولار

تعبر نحو 94 ألف سفينة سنوياً مضيق ملقا، ويتوقف عدد كبير منها في سنغافورة إما لتسليم البضائع أو للتزود بالوقود. يُحوّل ذلك مياه الجزيرة الدولة وجوارها إلى ما يشبه ساحة انتظار هائلة الحجم، إذ تتقاطع مسارات الناقلات الضخمة مع مسارات سفن الصيد، فيرتفع بذلك خطر حوادث الاصطدام.

تحتاج السفن عادةً لأن تبطئ خلال عبور المضيق، ما يزيد سهولة صعود القراصنة على متنها. علاوة على ذلك، تشتهر إندونيسيا ومناطق أخرى قريبة منها بالنشاط البركاني، ما يزيد من احتمالات اضطرار السفن لتحويل مساراتها بسبب ثوران بركان في مرحلة ما.

هنالك خطط أولية لإنشاء قناة جديدة عبر جنوب تايلندا، وسيسمح ذلك لشحنات النفط وغيرها من السلع الهامة بأن تلتف حول مضيق ملقا. في ضوء ذوبان الثلج في البحر المتجمد الشمالي، قد تبدأ بعض سفن الشحن في وقت قريب بتفادي المضيق، بأن تبحر شمالاً نحو أقاصي روسيا، فيخفف ذلك الضغط على المضيق.

مضيق ملقا

لو أخذنا سعر النفط وضاعفناه، ربما يكون ذلك تقييماً محافظاً على المدى القصير لأي سيناريو تنفذ فيه طهران التهديدات التي أطلقتها على مر السنين، بما في ذلك خلال 2005 و2008 و2011 و2019، بإغلاق مضيق هرمز.

لا يُرجّح أن تأخذ إيران مثل هذه الخطوة الحاسمة، وذلك في ضوء أن بعض أكبر اقتصادات العالم تعتمد على النفط الذي يُضخ ويُشحن من المنطقة.

لكن إيران استهدفت السفن التجارية هناك مراراً، إذ احتجزت بعض السفن كوسيلة ضغط في التعامل مع خلافات، أو لمناطحة الولايات المتحدة وإسرائيل في الآونة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: حمولة السفينة المحتجزة في إيران تظهر تأثير التوترات على التجارة العالمية

هذا إلى جانب أن السفن التي تبحر عبر المضيق عرضة أيضاً للألغام بسبب ضحالة المياه، كما أن قرب السفن من اليابسة، وتحديداً إيران، يجعلها عرضة للهجمات من صواريخ منصوبة براً أو لاعتراضها من زوارق الدوريات ومن المروحيات.

مضيق هرمز

تحتاج السفن التي تنقل ما يقرب من 45% من صادرات روسيا من النفط المنقول بحراً لأن تبحر بالقرب من ساحل الدنمارك في طريقها إلى الأسواق الدولية. مياه تلك المنطقة ضحلة نسبياً وغادرة حين يسوء الطقس، لذا توصي السلطات البحرية الدولية بأن يتولى بحارة محليون من أصحاب الخبرة مهمة إرشاد السفن عبر المنطقة.

اقرأ أيضاً: ناقلات النفط الروسي عالقة في البحر منذ أشهر بعد العقوبات

ازداد خطر وقوع حوادث منذ 2022 حين بدأت روسيا تستخدم ما يُسمى بأسطول الظل من الناقلات، وهي سفن قديمة ذات سجلات سلامة مقلقة وتغطيتها التأمينية غير وافية، للالتفاف حول جهود تقودها الولايات المتحدة لفرض قيود على إيرادات موسكو من صادرات النفط.

يختار عدد من ربابنة هذه السفن باضطرادء أن يعبروا المضائق من دون مساعدة، ما يثير مخاوف المدافعين عن البيئة الدنماركيين.

كانت ناقلة من أسطول الظل الروسي طرفاً في حادث تصادم على مقربة من الدنمارك في مارس. وإذا ما تسببت إحدى تلك الناقلات في كارثة بيئية، فستتعرض الحكومة الدنماركية لضغوط شديدة من جانب الشعب لتحول دون دخول تلك السفن في مياهها، وهو ما قد يتسبب في تضخم أسعار الطاقة.

ساحل الدنمارك

روسيا مستخدمٌ رئيسي لمسارات السفن الضيقة في مضيقي البوسفور والدردنيل في تركيا لنقل نفطها وسلع أساسية أخرى من موانئ على البحر الأسود. قالت حكومة تركيا في السابق إنها تصر على تقديم أدلة واضحة على التأمين للسفن التي تعبر المضيقين.

اقرأ أيضاً: ناقلة نفط روسي تتعطل قبالة تركيا

لكن ملكية أغلب الناقلات التي تبحر عبرهما اليوم ووضعها التأميني مبهمان، وتلك من سمات سفن أساطيل الظل. إذا وقعت حادثة كبرى تهدد قطاع السياحة في تركيا وتؤثر على قيمة العقارات المتميزة التي تقع مباشرة على المضيقين، فإن الحكومة ستغلقهما فوراً. لذا فإن أي نوع من الحوادث الكبرى للناقلات في المنطقة، سيكون له تأثير هائل على تجارة السلع العالمية.

إن كلاً من البوسفور والدردنيل، اللذين يلفهما الضباب وتعصف بهما تيارات قوية أحياناً، عرضة لحوادث السفن. وقد اضطرت الحكومة لأن تغلق المضيقان ليومين في 2023 بسبب حرائق الغابات، لكي تسمح لخدمات الطوارئ بأن تصل إلى المناطق المتأثرة.

البوسفور والدردنيل

تغذي بحيرة غاتون الصناعية الضخمة قناة بنما، إذ تسمح بارتفاع منسوب المياه بما يمكن السفن من العبور بين المحيطين الأطلسي والهادئ.

تسبب تغير المناخ في خفض مستويات المياه في بحيرة غاتون لدرجة أن السلطات التي تشرف على عبور السفن اضطرت للحد من عدد السفن التي يمكنها المرور.

اقرأ أيضاً: قناة بنما تحتاج حتى نهاية العام لتتعافى من الجفاف

تسبب الطقس الجاف العام الماضي باختناق حركة مرور السفن، وكلّف شركات الشحن ملايين الدولارات. بدأت أعداد السفن العابرة يومياً تتعافى من مستوى منخفض بلغ 21 سفينة في أواخر يناير، كما تشير التوقعات إلى أن ظاهرة إل نينيا المرتقبة في أواخر الصيف ستعمل على تحسين الأوضاع.

لكن حركة مرور السفن اليومية ما تزال أقل من متوسط المدى الطويل وهو 35 سفينة يومياً، وستحتاج سلطات القناة إلى الفترة المتبقية من هذا العام على الأقل لتتعافى بالكامل من موجة الجفاف التي ضربتها في 2023.

قناة بنما

تصنيفات

قصص قد تهمك