إدمان الأطفال لألعاب الفيديو يشعل دعاوى قضائية في أميركا

محامون أميركيون يسعون لعرض دعاوى تتعلق بإدمان ألعاب الفيديو أمام قاضٍ اتحادي في جلسة تُعقد يوم 30 مايو

time reading iconدقائق القراءة - 21
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تقول كوشانيل دونرسون إن ابنها اليافع أسرف بالانخراط في ألعاب الفيديو "كول أوف ديوتي" (Call of Duty) و"إن بي إيه 2 كيه" (NBA 2K) و"غراند ثيفت أوتو 5" (Grand Theft Auto V) وألعاب "روبلوكس" (Roblox) على مدى الأعوام التسعة الماضية لدرجة أنها تسببت بضرر وجلطة في الدماغ ونوبات صرع، قبل أن يبلغ من عمره 14 عاماً.

أما جاكلين أنجيليلي، فتقول إن ولدها يلعب ألعاب الفيديو تلك "بوتيرة متزايدة يصعب ضبطها" منذ 3 أعوام حين كان في السادسة وقد خلص أطباء إلى أنه أصيب بعدد من الاضطرابات النفسية.

شاركت كل من دونرسون وأنجيليلي في موجة دعاوى قضائية تتهم صناعة ألعاب الفيديو بتحقيق مكاسب من الترويج المتعمد للإدمان الجماعي. بدأت الشكاوى تتكدس منذ العام الماضي، حين حصلت مئات الأسر الأخرى على أحكام قضائية تتيح مطالبات مشابهة ضد كبرى منصات التواصل الاجتماعي. بعد عقود من تعرض شركات التبغ لسيل من الدعاوى القضائية المتعلقة بالإدمان، تواجه أعداداً أكبر من كبرى شركات التقنية لحظة حساب في المحاكم.

وقالت غايا برنستين، الأستاذة بكلية القانون في جامعة سيتون هول ومؤلفة كتاب عن التقنيات التي تسبب الإدمان: "الأمر منطقي جداً لأن هذه كلها نفس التصاميم التي تسبب الإدمان".

دعاوى في الطريق

يسعى محامو الأُسر لأن يجمعوا أكثر من 12 دعوى تتعلق بإدمان ألعاب الفيديو لعرضها جمعاً على قاضٍ اتحادي واحد في جلسة استماع تُعقد في 30 مايو في سولت ليك سيتي. رغم أن الحكم لصالح أولياء الأمور في المحكمة قد يكون بعيد المنال، فإن التهديد الذي تواجهه شركات الألعاب حقيقي.

إن اتجه مسار الدعاوى القضائية ليحذو حذو الدعاوى الضخمة ضد منصات التواصل الاجتماعي، فقد يواجه القطاع نظرياً مطالب بتعويضات قيمتها مئات ملايين الدولارات، حتى لو لم تكن بحجم التسوية التي دفعتها شركات التبغ قبل 25 عاماً، وبلغت 206 مليارات دولار.

وقد تدفع مطارق القضاة مطوّري ألعاب الفيديو لأن يجعلوا ألعابهم أقل استحواذاً على ألباب مستخدميها، ما قد يقلص زمن مقابلتهم الشاشات، وبالتالي يزيد احتمالات خفض إنفاقهم على منتجات الألعاب التي يمكن تنزيلها وعلى المدفوعات المربحة التي يقبلون عليها داخل اللعبة، وهو أمر على القدر ذاته من الأهمية.

الإدمان والتلاعب النفسي لا يقتصران على عمر معين

تستهدف دعاوى دونرسون وأنجيليلي شركات "مايكروسوفت" و"نينتندو أوف أميركا" (Nintendo of America) و"سوني إنتراكتيف إنترتينمنت" (Sony Interactive Entertainment) و"روبلوكس" (Roblox) و"إبيك غيمز" (Epic Games) التي طوّرت "فورتنايت" (Fortnite) وغيرها من مطوّري الألعاب. تُعتبر تلك الشركات جزءاً من صناعة تشير التوقعات إلى أن إيراداتها عالمياً ستتخطى 200 مليار دولار بحلول 2026.

معارضة من القطاع

تعارض منظمة برمجيات الترفيه، التي تضم في عضويتها "مايكروسوفت" و"نينتندو" و"سوني" و"إبيك غيمز"، مزاعم الدعاوى القضائية بأن الألعاب ضارّة.

قالت المنظمة في بيان: "نحن نعطي الأولوية لتقديم تجارب إيجابية لمجتمع اللاعبين بأكمله ونوفر أدوات سهلة الاستخدام للاعبين والآباء ومقدمي الرعاية لكي يتمكنوا من إدارة جوانب مختلفة للألعاب. إن المزاعم التي تدّعي غير ذلك ليس لها أساس من الصحة وتتجاهل حقيقة أن مليارات من مختلف الفئات العمرية والخلفيات عبر العالم يلعبون ألعاب الفيديو بطريقة صحية ومتزنة".

استعاضت "مايكروسوفت" عن التعليق بالإحالة إلى بيان منظمة برمجيات الترفيه، ورفضت "إبيك غيمز" التعليق. أما "نينتندو" و"روبلوكس" و"سوني إنتراكتيف" فلم تجب طلبات التعليق.

ستستفيد الدعاوى ضد شركات ألعاب الفيديو من الأحكام المبكرة الصادرة في قضايا منصات التواصل الاجتماعي التي أحدثت ثغرات في الدرع القانوني الذي استندت إليه شركات الإنترنت لعقود، وهو المادة 230 من قانون آداب الاتصالات.

وفي الخريف، خلص قاضٍ في إحدى محاكم كاليفورنيا في لوس أنجلوس وقاضٍ اتحادي في أوكلاند، ينظران في أكثر من ألف دعوى، أن القانون الاتحادي لعام 1996 الذي يحمي المنصات من دعاوى تستند لمحتوى تنشره أطراف خارجية، لا ينطبق على الخوارزميات المصممة لتحفز المستخدمين على أن يزوروا مواقعها على الإنترنت.

لكن حتى لو نجح أصحاب الدعاوى مثل دونرسون وأنجيليلي في تخطي عقبة المادة 230، ما تزال هنالك عقبات أخرى.

عقبات قانونية

سعياً لرد دعوى في أركانسا، حاججت كل من "مايكروسوفت" و"روبلوكس" في وثائق قدّمتاها في مارس أن أولياء الأمور الذين يدينون ألعابهما باعتبارها "انغماسية بإفراط مفرط" لا يدركون أن المحتوى محمي باعتباره شكلاً من أشكال حرية التعبير بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي.

ترى الشركتان أن الدعاوى القضائية "تضاهي، على صعيد رقمي، مقاضاة مكتبة فيديو لتوزيعها أفلام بزعم أنها تسبب الإدمان أو استوديو تسجيل لأنه وفر مكاناً ومعدات لإنتاج موسيقى جذابة بأكثر مما يجب".

يواجه أولياء الأمور تحدياً آخر هو أن القوانين التي تحكم دعاوى الإصابات الشخصية لم تتغير بالسرعة التي يتغير بها المشهد في قطاع التقنية. وُضعت قوانين مسؤولية المنتج بحيث تتعامل مع السلع الملموسة، مثل النيكوتين الذي يتسبب في إدمان السجائر، وليس مع البرمجيات التي تدعم المنصات الترفيهية. إضافة لذلك، سيضطر الآباء لإثبات أن الأضرار التي يعانيها أطفالهم تتأتى مباشرةً من استخدامهم للتقنيات وليس من مؤثرات أخرى في حياتهم.

وفي ذلك المشهد القانوني الجديد، فإن الادعاء الرئيسي لأصحاب الدعاوى هو أن الخوارزميات التي تصممها الشركات تعمل كما ماكينات القمار التي تقدم "الجوائز الكبرى" بين فينة وأخرى، وهي تشابه مكافآت تُصرف في أوقات محددة في ألعاب الفيديو أو "الإعجابات" على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

قارنت أوراق قُدمت في قضايا منصات التواصل الاجتماعي بين الأطفال والفئران في تجارب بورهوس فريدريك سكينر الشهيرة، من حيث إن الفئران كانت تجنح لأن تضغط على رافعة حين كانت مكافآت ذلك عشوائية وليست مستمرة.

منظور مجتمع الطب

تستند شكاوى ألعاب الفيديو إلى أبحاث تبين أن استخدامها على المدى الطويل ينشط الدماغ بشكل يشابه تأثير المخدرات وأنها قد تلحق ضرراً بالوظائف الإدراكية. تشمل قائمة الاختلالات المزعومة التي تشير إليها الدعاوى القضائية اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة وارتفاع ضغط الدم إلى جانب الاضطراب العاطفي والعزلة الاجتماعية.

وقالت تينا بولوك، محامية أنجيليلي في أتلانتا: "لا يمكنني أن أشتري المشروبات الكحولية أو ما يشابهها على مدار الساعة. إن فكرة وجود هذا في متناول طفل على مدار الساعة صادمة".

يدرس مجتمع الطب على نحو متزايد التأثيرات الممكنة لألعاب الفيديو على الصحة. اعتبرت منظمة الصحة العالمية "اضطراب الألعاب" مرضاً يمكن تشخيصه في 2018، بالتزامن مع ازدياد عدد برامج إعادة تأهيل المهووسين بالألعاب. في 2013، طالبت الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين بمزيد من الدراسات بعد أن نظرت في الموضوع لعدة سنوات، وقالت في 2023 إن البحث والنقاش ما يزال مستمراً.

قد يتطلب التوصل إلى إجماع علمي بعض الوقت في هذا المجال. بعد عقود من القلق من أن ألعاب الفيديو تحفز العنف في الواقع، قالت جمعية علم النفس الأميركية في 2020 إن "الأدلة العلمية ليست كافية لدعم وجود علاقة سببية بين ألعاب الفيديو العنيفة والسلوك العنيف".

استغلال فئات مختلفة

بدأ المحامون يستهدفون تقنيات أخرى يقولون إنها تُستخدم لاستغلال فئات هشة من المجتمع. قال المحامي تيم جيوردانو، الذي رفعت شركته دعوى في عيد الحب ضد "ماتش غروب" (Match Group) بالنيابة عن مستخدمي تطبيقي المواعدة لديها "تيندر" (Tinder) و"هينج" (Hinge)، إن الإدمان والتلاعب النفسي "لا يقتصران على عمر معين". أضاف جيوردانو: "قد يقع أي إنسان ضحية لهما، خصوصاً في تطبيقات المواعدة حين يُضلل باستخدام أقوى إغراء عرفته البشرية وهو الحب".

وفي أوراق قدمتها لمحكمة اتحادية في سان فرانسيسكو الشهر الماضي، قالت "ماتش غروب" إن مستخدمي "تيندر" و"هينج" عليهم أن يلجؤوا للتحكيم الخاص في أي نزاع بدلاً من المحكمة، لأنهم وافقوا على شروط استخدام التطبيقين.

وذكر متحدث باسم "ماتش غروب" في بيان أن نموذج أعمال الشركة ليس مبنياً على مدى انخراط المستخدمين. قال المتحدث: "إن الدعوى القضائية غير معقولة وبلا أساس.. نحن نسعى بنشاط كي يتلاقي الناس يومياً وهذا يبعدهم عن تطبيقاتنا. كل من يقول بخلاف ذلك لا يدرك هدف قطاعنا بأكمله ومهمته".

إضافة لذلك، قال ماثيو لورانس، أستاذ القانون بجامعة إيموري الذي تركز أبحاثه على أنواع الإدمان، إن ضعف مستخدم ما تجاه تطبيقات المواعدة يمثل "فئة مختلفة من الخطورة" عن الأطفال الذين يدمنون مقابلة الشاشات. وقال لورانس: "ليس لدينا تقرير من القائمين على الصحة العامة عن مخاطر تطبيقات المواعدة على الثلاثينيين".

تصنيفات

قصص قد تهمك