بلومبرغ
بقلم: Deena Shanker
لا شك في أن 2021 كان أفضل عام لمن يديرون شركات أغذية ناشئة. كان الوباء في نهاياته، لكن السفر لقضاء إجازة أو حتى الخروج لتناول العشاء في مطعم كان ما يزال مخاطرةً. في ذلك الحين، بدا قليل من القطاعات التي تتطلب تعاملاً مباشراً مع العملاء واعداً بقدر قطاع الأغذية، بما يشمل متاجر البقالة الإلكترونية وتطبيقات خدمات التوصيل وانتاج المأكولات.
كانت القناعة التي يتبناها المستثمرون هي أن الناس بحاجة لأن يأكلوا مهما كان يعتري العالم، كما كانت معدلات الفائدة أدنى إلى الصفر حينئذ.
أسفر ذلك عن ازدهار في المنتجات المبتكرة، فاجتاحت اللحوم النباتية رفوف المتاجر ومعها الألبان المصنوعة من المكسرات والفطر، حتى أن بعض أنواع تلك الألبان صٌنع من فطر معدل وراثياً ليضم نسخاً عن الحمض النووي للأبقار. جمعت الشركات المختصة بالبروتينات البديلة تمويلاً حجمه 4.8 مليار دولار، بواقع ضعفيّ التمويل الذي حصلت عليه في العام السابق، فيما قفز حجم رأس المال الاستثماري المخصص للمأكولات والمشروبات التقليدية الجاهزة للاستهلاك بمليار دولار، بحسب الشركة البحثية "فابيد" (Fabid).
عوائق الاستحواذ
إلا أن طفرة التمويل هذه أصبحت ذكرى من الماضي. فمع اشتداد تضخم أسعار الغذاء، تحوّل شراء البقالة من وسيلة لاستكشاف مأكولات ممتعة وغريبة وصحية إلى واجب محبط، كما ارتفعت أسعار الفائدة لتتجاوز 5%. وبحسب بيانات أعلنتها شركة "بيتش بوك" (PitchBook)، انخفض الرأسمال الاستثماري المخصص لصفقات المأكولات والمشروبات من 1.9 مليار دولار في الفصل الرابع من 2021 إلى أقل من ربع ذلك المبلغ خلال الفترة عينها من 2023.
وخفّضت كبرى الشركات الغذائية إنفاقها على الاستحواذ على الشركات الناشئة الجديدة البارزة. قال الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال ميلز" (General Mills) جيف هارمينينغ في مؤتمر خاص بالقطاع عُقد حديثاً إن شركته نظرت في عدد من الاستحواذات المحتملة خلال السنوات القليلة الماضية إلا أن "الأسعار المتوقعة كانت متباعدة جداً بين الشراة والباعة"، بمعنى آخر، ترى العلامات التجارية المستقلة أن قيمتها أعلى ممّا تقبل الشركات الكبرى أن تدفعه.
يضع كلّ ذلك العراقيل في وجه رواد الأعمال. فالشركات الكبرى التي تشكل بوابة الخروج المثالية للشركات الغذائية الناشئة لا تريد أن تكون مسؤولة عن كارثة تشبه ما حل بشركتي "هيرشي" (Hershey) و"كرايف" (Krave)، حين اشترت شركة الشوكولاتة الضخمة "هيرشي" شركة "كرايف" الصانعة للحوم المجففة مقابل 232 مليون دولار في 2015، لتعود وتبيعها بعد خمس سنوات لمؤسسيها بسعر "مغر"، حسب وصفه، لأن العلامة التجارية لم تلق إقبالاً في السوق المتخمة.
علّق مايك غرازيانو، مدير استشارات الصفقات في الشركة الاستشارية "آر إس إم يو إس" (RSM US) على التوجهات الحالية لشركات الأغذية العملاقة قائلاً "بدل القيام بـ10 رهانات، ما عادت اليوم قادرة إلا على القيام برهانين". تبحث الشركات الكبرى عن شركات ناشئة أنضج، وتفضل أن تكون رابحةً وواسعة الانتشار وتجلب إيرادات سنوية بنحو 100 مليون دولار، حسب جون ليفيرت، المدير الإداري لقسم البيع بالتجزئة في شركة "سولومون بارتنرز" (Solomon Partners). من حيث المبدأ، حين تصبح علامة تجارية ناشئة جذابة للشركات الغذائية الكبرى، تكون باتت قادرةً على الاستمرار ذاتياً.
تمنع عن البيع
برأيي، على الشركات الغذائية الناشئة أن تستغل هذه الفرصة لتواصل ما تجيد فعله، أي إنتاج مأكولات لذيذة صحية وكسب المال من ذلك، وهذا يفترض أن يكون بديهياً لكنه لم يكن يحصل في فترة تدفق الأموال.
لنأخذ على سبيل المثال شركة "تشمبس" (Chomps) التي تصنع وجبات خفيفة من أصابع لحم أبقار تغذت على العشب ولحم الغزال النيوزيلندي والحبش الخالي من المضادات الحيوية. لقد حصلت الشركة على تمويل قدره 80 مليون دولار من مستثمر مباشر في يناير 2022، فيما بلغت مبيعاتها السنوية 100 مليون دولار.
في ذلك الوقت، كانت "تشمبس" تنظر في عدد من الخيارات المحتملة، من بينها أن تستحوذ عليها بالكامل شركة كبرى. إلا أن مؤسسي الشركة فضلوا الاستمرار بتوسيعها بأنفسهم، وهي تتوقع أن تبلغ مبيعاتها 500 مليون دولار خلال 2024.
وقال رشيد علي، المؤسس الشريك للشركة: "الوقت الأفضل للبيع هو حين لا تحتاج لذلك"، وهو ما يزال يرى مع المؤسس الشريك بيت مالدونادو كثيراً من فرص النموّ، في حين أصبحت استقلالية الشركة إحدى نقاط قوتها. قال علي: "الأصالة قيّمة جداً الآن".
تبرز هذه الميزة أكثر حين تنظر إلى مبيعات البقالة من حيث الحجم.
في حين تقلّص عدد المواد الغذائية المباعة بشكل عام، ويعزى ذلك جزئياً إلى التضخم، إلا أن هذا التراجع كان أقل حدّة على العلامات التجارية المستقلة، بالأخص التي تنتج المواد الغذائية "الطبيعية". فيما تراجعت مبيعات الشركات الكبرى 6.7%، بلغ التراجع 1.1% على صعيد الشركات المستقلة، بحسب بيانات شركة متابعة مبيعات التجزئة "سبينز" (Spins).
تخوف الشركات الكبرى
فيما تستمر العلامات التجارية الكبرى بالهيمنة على المتاجر، يمكن ملاحظة توجسها كلما دخلت السوق علامات تجارية أصغر. أي متسوق في متجر "كروغر" يرغب بشراء صندوق يحتوي على ستّ عبوات "كوكا كولا" قد يقع على عرض بديل من "بوبي" (Poppi)، وربما هذا سبب سعي عملاقة المشروبات الغازية لشراء "بوبي".
كما يمكن لمتسوّق يتبع حمية كيتو أن يقصد أحد متاجر "تارغيت" فيشتري علبة حبوب الإفطار "ماجيك سبون" (Magic Spoon) التي يراها في المتجر بدل شبيهتها "إيت يور ماوث أوف" (Eat Your Mouth Off) من "دبليو كيه كيلوغ" (WK Kellogg). كلا صنفي حبوب الإفطار غني بالبروتين يأتي في علب زاهية، وتُستخدم فيه محليات بديلة ويتفاخر بخلوّه من السكر. لكن يبدو أن حبوب "كيلوغ" تبذل جهداً لإقناعك بجاذبيتها، فعبوتها تبدو كما لو أنها تقول إن آخر ما تعيره بالاً هو أن تبدو رزينةً.
من ناحية أخرى، ما تزال الأموال متوفرة ، فقد جمعت علامة "غودليس" (Goodles)، المتخصصة بصنع المعكرونة بالجبنة الغنية بالألياف، 13 مليون دولار في جولة تمويل أولى في سبتمبر، كما جمعت شركة "سيرينيتي كيدز" (Serenity Kids) لصناعة طعام أطفال في عبوات على شكل أكياس، 52 مليون دولار في جولة تمويل ثانية في مارس، في حين جمعت شركة "وايلد" (Wilde) لصناعة رقائق صدور الدجاج المناسبة لحمية كيتو 20 مليون دولار الشهر الماضي. لكن مع تقلص حجم جولات التمويل وتراجع عددها، على الشركات الناشئة أن تفكر أكثر من أي وقت مضى بالسبب الذي يدفعها لجمع الأموال في الأساس.
إذا كانت الغاية هي بيع الشركة الناشئة في نهاية المطاف، فإن استخدام الأموال للاستثمار في أمور مثل بناء عملية إنتاج كفوءة أو تعزيز منتج مربح، أفضل من إنفاق الأموال على منتجات إضافية بخسارة.
تصبح الشركة الناشئة في قطاع المأكولات التي لا تجني الأموال صيداً سهلاً للشراة الكبار بسعر منخفض، بحسب جيسون كارب، الذي باع شركته التي تصنع الشوكولا الفاخرة "هو" (Hu) لشركة "مونديليز إنترناشونال" (Mondelēz International) وأسس شركة "هيومانكو" (HumanCo) القابضة، التي لديها عدة علامات تجارية أصغر تابعة لها.
فرص نجاح كبيرة
أمّا الشركات الجديدة الأذكى، مثل شركة "سييتيه فاميلي فودز" (Siete Family Foods) للرقائق والتورتيا الخالية من الحبوب، فلا تمانع الحصول على بعض الأموال الإضافية، لكن ذلك ليس أساسياً لاستراتيجية نموّها. حصلت "سييتيه" حديثاً على مبلغ لم تُعلن مقداره من الممثلة إيفا لانغوريا، لكنها لم تعقد أي جولات تمويل كبرى منذ عام 2019، بحسب "بيتش بوك". تقول الشركة التي تتخذ في مدينة أوستن في تكساس مقراً لها إن مبيعاتها ارتفعت من 150 مليون دولار في عام 2020 إلى 400 مليون دولار بعد ثلاث سنوات.
يقف جون فوراكير وشريكته نجمة السينما جنيفر غارنر خلف شركة "وانس أبون إيه فارم" (Once Upon a Farm) المدرّة للأرباح والمتخصصة بصناعة الفاكهة والخضار المهروسة المبردة المناسبة للأطفال وألواح الفاكهة والخضار والوجبات المثلجة والعصائر. يقرّ فوراكير أنه في نهاية المطاف "قد ينتهي بنا الأمر على الأرجح كجزء من إحدى الشركات الكبرى"، لكنه لا يتعجل ذلك، مؤكداً أنه "يرغب بالحفاظ على الاستقلالية لأطول وقت ممكن".
لعلّ فوراكير هو أكثر من يتقن هذه الحسابات، إذ سبق أن كان رئيساً تنفيذياً لشركة "آنيز" (Annie’s) المتخصصة بصناعة المعكرونة بالجبن، التي ما تزال تعتبر واحدة من أنجح الاستحواذات في مجال العلامات التجارية في إنتاج مأكولات تعتبر أفضل للصحة بعد مضي عقد على شراء "جنرال ميلز" لها . وقد أسهمت في زيادة مبيعات عملاقة الصناعات الغذائية بنسبة 60% في فئة المأكولات العضوية والطبيعية حين إبرام الصفقة.
يرى فوراكير أن حظوظ نجاح شركة مستقلة متخصصة بالمأكولات الطبيعية المفيدة للصحة أفضل ممّا كانت عليه قبل عشرين سنة. فالمستهلكون يريدون هذه المنتجات، وتبذل الشركات جهدها لتوفيرها. وكما أظهرت شركة "تشمبس"، سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بتسهيل بناء علاقات مباشرة مع المستهلكين أكثر من أي وقت مضى. ويقول: "إن نجح إنطلاق العلامة التجارية، فقد تكون فرص نجاحها واتساعها أكبر من أي وقت مضى"، فلماذا تبيع الآن وتفوّت كل هذه المتعة؟