بلومبرغ
ربما تكون شريحة السيارات الرياضية متعددة الأغراض الصغيرة هي الأكبر نمواً في سوق السيارات الأميركية، إلا أن نظيراتها متوسطة الحجم ما تزال لاعباً أساسياً على طرقات الولايات المتحدة، فهي تتسع لما يصل إلى ثمانية أشخاص وبها مساحة كبيرة للمنقولات، زد على ذلك خاصية الدفع الرباعي الاختيارية. كما أنها من بين المساهمين الرئيسيين في تحقيق أرباح صانعي السيارات، وتقدم ميزات تناسب من بلغوا فئة عمرية لا تكتفي بما تقدمه سيارات "فورد اسكيب" (Ford Escape) أو"هوندا سي آر- في" (Honda CR-V).
ينبغي أن تكون "تويوتا"، أكبر صانعة سيارات في العالم، من المستفيدين بقوة من استمرارية هذه الفئة، لا سيما وأن مالكي سيارات الدفع الرباعي المدمجة من طراز "راف فور" (RAV4) الأكثر مبيعاً يتطلعون لاستبدالها بأخرى أكثر رحابة. مع ذلك، تواجه طرازات مثل "فور رنر" (4Runner) و"هايلاندر" (Highlander) منافسة شديدة من سيارات توفر قدراً كبيراً من الراحة مثل "هيونداي باليسايد" (Hyundai Palisade) و"جيب غراند شيروكي" (Jeep Grand Cherokee).
اقرأ أيضاً: السيارات تقود صادرات اليابان للارتفاع للشهر الثالث على التوالي
كانت "تويوتا" قد انزلقت من المركز الثاني من حيث مبيعات سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم، لتحل رابعةًً خلف "ستيلانتس"، صانعة سيارات "جيب"، و"هيونداي" و"فورد"، وفقاً لبيانات نشرتها شركة "كوكس أوتوموتيف" (Cox Automotive).
يشكل تحديث المواصفات القديمة جزءاً من المشكلة، إذ لم تخضع سيارة "فور رنر" من "تويوتا" لتعديل شامل منذ 15 عاماً، أي قرابة ضعف الوقت الذي ينتظره المصنعون تقليدياً لتطوير منتجاتهم.
ثلاثية النجاح
بالتالي، تحرص "تويوتا" على إصلاح هذا الحال، وقد كشفت في 9 أبريل عن سيارة "فور رنر" الجديدة كلياً وهي مزودة بأحدث تقنيات المحركات، فضلاً عن عوامل جذب مثل التصميم المنحوت ولوحة القيادة المطورة. كما تخطط "تويوتا" للبدء بتسليم سيارات من طراز "لاند كروزر"، التي عاودت إنتاجها هذا الربيع، وتعمل على زيادة إنتاج سيارتها الفسيحة "غراند هايلاندر"، التي بدأت ببيعها في 2023.
تهدف الشركة لاستعادة زخم المبيعات المفقود واللحاق بركب المنافسة على ظهر هذه الثلاثية المطورة من سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم. مع ذلك، قد تكون طريق العودة إلى المنافسة وعرة نظراً إلى أن القدرة الشرائية تأتي على رأس أولويات كثير من المستهلكين.
ما تزال النسخة الحالية من "فور رنر" هي السيارة الرياضية متعددة الأغراض متوسطة الحجم الأكثر مبيعاً من "تويوتا"، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرة هذا الطراز على اجتياز الطرق الوعرة. مع ذلك، تقف عوامل مثل صغر شاشة العرض التي يصل قطرها إلى 8 بوصات، وبدائية ناقل الحركة خماسي السرعات، واكتظاظ لوحة القيادة بمفاتيح التحكم، وراء عزوف بعض المستهلكين عن اقتناء هذا الطراز.
تعمل سيارة "فور رنر" الجديدة، التي تتوقع "تويوتا" طرحها للبيع في أواخر 2024، على تحسين هذه المواصفات واستقطاب المستهلكين، عبر إتاحة اختيار شاشة لمس أكبر، وناقل حركة ثماني السرعات، وتصميم أكثر أناقة. كما تأمل أن يكون لإدخال محركات هجينة تعمل بالبنزين والكهرباء نفس التأثير على مبيعات سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم مثل طراز "راف فور" وغيره من الطرز المطورة في أسطولها، ومن ثم زيادة حجم المبيعات ومنحها أفضلية سعرية أكبر.
قال كيتا موريتسو، مدير الفريق الهندسي القائم على تطوير "فور رنر" المقبلة، إن الطراز المحدث يجمع بين الأداء المتميز والتصميم العصري. تابع موريتسو: "إن الشبكات الأمامية وخطوط السقف الخلفية المصممة على هيئة شبه منحرف تحيي تراث السيارة. فهي تتمتع بمظهر جديد بوجه عام وليست حبيسة الماضي".
تنوع واسع
تستأنف "تويوتا" إنتاج سيارة "لاند كروزر" المعاد تصميمها بالكامل، والتي كانت قد علقت إنتاجها في الولايات المتحدة في 2021 على خلفية خسائر المبيعات. أعادت الشركة اليابانية تصميم هذه السيارة عبر طراز هجين مع لمسات عصرية مثل إضافة براد مشروبات بين المقعدين الأماميين، بسعر يبدأ من 55950 دولاراً، ما يجعلها أرخص بنحو 30 ألف دولار من الجيل السابق.
بذلك، تسيطر "تويوتا" على أربعة طُرُز من سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم ضمن أسطولها، بما فيها "هايلاندر" القياسية، فضلاً عن "غراند هايلاندر" التي تتميز بمساحة نقل رحبة ومقاعد تتسع لما يصل إلى ثمانية ركاب.
اقرأ أيضاً: شركات السيارات اليابانية بحاجة للتحرك بسبب سرعة تغير القطاع
قال كودي ويلهايد، مدير تسويق هذا الطراز في "تويوتا": "لقد اعتدنا الاعتماد على سيارة (فور رنر) وحدها لتناسب جميع الاحتياجات. لكن الآن بات لدينا تنوع في سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم".
يحذر بعض المحللين من أن توقيت الدفع بمنتجات "تويوتا" إلى السوق قد يكون سيئاً في ظل استمرار معاناة مشتري السيارات من وطأة أسعار الفائدة المرتفعة، وسنوات من تضخم أسعار الطرز الجديدة. لذلك، يختار كثير من المستهلكين الأميركيين سيارات الدفع الرباعي المدمجة، التي عادة ما تكون أرخص بآلاف الدولارات من نظيراتها الأكبر حجماً.
غير أن اتجاه المبيعات لا يظهر أي أعراض على التباطؤ. يعتبر تشارلي تشيسبرو، كبير المحللين الاقتصاديين لدى "كوكس أوتوموتيف"، أن سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم "هي المجموعة المثالية في الصناعة. فالجميع يريد اقتناء واحدة. لكن الارتفاع الكبير في حصة مبيعات سيارات الدفع الرباعي المدمجة قد لا يكون بالضرورة مؤقتاً".
لا يشكل التحول نحو سيارات الدفع الرباعي المدمجة تهديداً وجودياً لشركة "تويوتا"، إذ أن سيارة "راف فور" التي تنتجها هي الأكثر مبيعاً في هذه الفئة عالمياً؛ لكن فقدان الزخم الذي حظيت به سياراتها متوسطة الحجم له أهمية استراتيجية. ويراهن صانعو السيارات على الطرز متوسطة الحجم للإبقاء على زبائنهم الأوفياء الراغبين باستبدال سياراتهم من جهة، وعلى اعتبارها بوابةً للترويج للسيارات الفاخرة الكبيرة من جهةٍ أخرى.
طبيعة المنافسة
لا تدر سيارات الدفع الرباعي متوسطة الحجم أرباحاً مماثلة للطرز الكبيرة، لكنها ما تزال تحقق هوامش أرباح قوية نظراً لزيادة حجم مبيعاتها. كما تساعد ميزات مثل فتحات الأسقف والمقاعد الجلدية، وغيرها من الميزات الإضافية الأخرى، على زيادة أرباح مبيعات السيارات متوسطة الحجم.
بلغ الجيل الحالي من "فور رنر" نهاية دورة المنتج التقليدية في منتصف العقد الماضي. آنذاك، كانت "تويوتا" تنفق مليارات الدولارات على سيارات ذات جاذبية عالمية أكبر، خاصة المصممة لتناسب السوق الصينية سريعة النمو.
كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تركز على رفع معايير كفاءة استهلاك الوقود، ما يصعب تبرير الاستثمار في سيارة صنفت بين الأسوأ في فئتها من حيث ذلك المعيار. مع ذلك، ظلت مبيعات "فور رنر" ثابتة، وقد جنبها ذلك وقف الإنتاج على الرغم من تكهنات الصناعة بأن تقرر "تويوتا" ذلك.
قال غريغ بنكيندورفر، وهو مدير تسويق متقاعد لدى "تويوتا" في الولايات المتحدة وساعد في الإشراف على تسويق هذا الطراز: "خفت صوتنا عندما بدأت السوق الصينية تنمو. لكن (فور رنر) كانت تعتبر منتجاً مدراً للدخل، فقد واصلنا بيعها من دون تخصيص ساعات عمل مهندسين مكلفة لتحديث التصميم".
في غضون ذلك، طرحت شركة "هيونداي" سيارات رياضية متعددة الاستخدامات أحدث مبنية على هيكل سيارات عادية مثل "باليسيد" (Palisade) و"كيا تيلورايد" (Kia Telluride)، اللتين ظهرتا للمرة الأولى في 2019. أما أحدث إصداراتها فكانت نسخةً أكبر من سيارة "سانتافي" (Santa Fe) الرائجة، كما طرحت طرازاً هجيناً منها.
ارتفعت صانعة السيارات الكورية الجنوبية، التي تفوقت على "تويوتا" في فئة السيارات متوسطة الحجم في 2022، إلى المركز الثاني بعد "ستيلانتس" من حيث المبيعات. تتضمن قائمة كبار المنافسين الآخرين في هذه الفئة من سيارات الدفع الرباعي "هوندا" بسيارتيها "بايلوت" (Pilot) المعاد تصميمها و"باسبورت" (Passport) المحدثة، وكذلك شركة "فورد" بسيارتيها من طراز "إكسبلورر" (Explorer) و"برونكو" (Bronco) المحدثة.
جذب العملاء
تعكف "تويوتا" حالياً على تهيئة أسطولها الجديد، لكنها قد تواجه تحديات بخلاف ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلكين. يشير بعض المحللين إلى وجود دلالات فعلية على مزاحمة طرازات الشركة لبعضها بعضاً، فيما يبقى السؤال هو ما إذا كانت إتاحة خيارات أكثر أمام المشترين ستؤدي إلى زيادة المبيعات.
اقرأ أيضاً: "تويوتا" تستبدل رئيس "دايهاتسو" بعد فضيحة اختبارات السلامة
قال ديفيد أوكلي، رئيس فريق توقع المبيعات الأميركية لدى "غلوبال داتا" (GlobalData)، وهي شركة أبحاث معنية بشؤون الصناعة: "لقد حققت (تويوتا) أرباحاً جيدة جداً من مبيعات سيارة (غراند هايلاندر) الجديدة، على الرغم من انخفاض مبيعات نظيرتها التقليدية (هايلاندر) خلال نفس الفترة. بالتالي، لم يتأثر صافي أرباح المبيعات الإجمالية تقريباً".
من جانبه، لا يشعر ديفيد كريست، رئيس "تويوتا" في الولايات المتحدة، بالقلق. يقول كريست: "نتوقع أن نتمكن من جذب عملاء جدد لم يكونوا ليفكروا في اقتناء سيارة (فور رنر) اليوم بسبب قدمها... لدينا شعور رائع لأن مجموعة منتجاتنا، رغم تنوعها الكبير، جيدة لنا ولعملائنا".
غير أن هناك أيضاً عشاق "فور رنر" ممن يفضلون أجواء الماضي التي يستحضرها تصميم جيلها الحالي، الذي يعتمد على محرك (V6) موثوق برغم شرهه للوقود. لم يرغب ترافيس هوبارد، 57 عاماً، في انتظار الإصدار الأحدث عندما اشترى حديثاً سيارة "تي آر دي فور رنر" طراز 2024. قال الرجل الذي يعمل كبير مطوري برمجيات في منطقة بالتيمور: "إنها ستعمل للأبد، فحجمها مناسب تماماً وليست بضخامة معظم سيارات الدفع الرباعي، فضلاً عن أن سعرها مناسب".
يثير هذا النوع من الالتزام بعض المخاوف لدى وكلاء "تويوتا"، الذين يعتمدون على مبيعات "فور رنر"، بشأن تعديل الشركة لطرازها الحالي، برغم أنهم نادوا لسنوات بتحديثه.
قال شون كرامر، المدير العام لمعرض "تويوتا" لإقليم الجبال في دنفر، الذي يقول إنه باع قرابة 830 سيارة "فور رنر" العام الماضي: "ينتابني خوف كلما أعادوا تصميم إحدى السيارات الأساسية الأكثر مبيعاً... لكن الحال يصبح أحسن دائماً".