بلومبرغ
تواصل حفنة من مديري صناديق نشطين يتبنون استراتيجيات غير تقليدية، تفوقها على السوق حتى فيما يتمسك خبراء القطاع بقناعتهم بأن الاستثمار الخامل منخفض الرسوم هو سبيل يُعول عليه لبناء الثروات.
عادة ما يدير هؤلاء عملياتهم بهدوء وبصبر نادراً ما تجده في أسواق هذا الزمن، إذ يضعون رهانات كبيرة على عدد محدود من الأسهم استناداً إلى بحث وتحليل مكثفين.
استثمار طويل
يلتزم نديم رزق، مؤسس شركة "باينستون أسيت مانجمنت" (PineStone Asset Management)، مبدأً بسيطاً هو التركيز على نحو عشرين سهماً فقط، والإبقاء عليها لعقد أو أكثر.
يقول رزق، الذي تدير شركته ثلاثة صناديق بقيمة إجمالية تداني 70 مليار دولار كندي (52 مليار دولار أميركي): "نحتفظ بالأسهم لفترة طويلة جداً. وعندما أقول طويلة جداً فإني أعني ذلك تماماً، إننا نحتفظ بالأسهم لمدة تتراوح بين 20 و25 عاماً".
أشار رزق، فيما يستعرض كرة سلة تحمل توقيع وارن بافيت في مكتبه، إلى أن هذه الفكرة عززت ثروة بافيت المعروف باسم عراف أوماها، لكنها تعد استثنائية في عالم يشهد تنفيذ كثير من المديرين لمئات الصفقات يومياً. لم يستبدل رزق سوى عدد قليل من الأسهم في محفظته على مدى السنوات الخمس الماضية، ويقول: "إن أفضل السنوات هي التي لا نفعل فيها أي شيء، لأن ذلك يعني أن أداء الشركات التي نملك أسهمها جيد".
حقق أكبر صناديق رزق، الذي يركز على الأسهم العالمية، متوسط عائد سنوي قدره 15.4% منذ إطلاقه إبان ذروة الأزمة المالية في 2009، متفوقاً على مؤشر "إم إس سي أي العالمي" (MSCI World Index) . تشمل أهم مقتنيات الصندوق أسهم شركات "مايكروسوفت" و"تايوان سيميكوندكتر مانيوفاكتشرينغ" (TSMC) و"إل في إم إتش" (LVMH) ووكالة "موديز" (Moody’s).
اقرأ أيضاً: الاستثمار النشط في مواجهة نظيره الخامل
"وسام شرف"
اتبع راجيف جين، المؤسس المشارك لشركة "جي كيو جي بارتنرز" (GQG Partners) في فلوريدا، نهجاً مشابهاً، فقد تركزت رهاناته على حفنة أسهم. كان أكبر صناديق شركته، وهو محفظة قيمتها 42 مليار دولار يوزع حصصها بنك "غولدمان ساكس" وتضم شركات الطاقة القديمة مثل "توتال إنرجيز" وشركة التقنية الشهيرة "إنفيديا"، وقد حقق أرباحاً بلغت 13% سنوياً منذ إطلاقه في 2016، وهي ضعف مكاسب المقياس المرجعي للأداء.
اشترى جين أسهم "أداني غروب" بكثافة العام الماضي، فيما كان الآخرون يتخارجون منها وسط اتهامات للمجموعة بالاحتيال المحاسبي أطلقتها شركة بيع على المكشوف. وقد آتى رهانه الذي ناقض السائد ثماره، إذ زادت قيمة استثماره خمسة أضعاف عندما تمكن أداني من تجاوز الأزمة. قال جين: "عملنا ينطوي على المخاطرة. لابد أن تشعر بالتوتر في بعض الأحيان. إذا كانت استثماراتك تماهي مؤشراً ما طوال الوقت، خمّن ماذا سيحدث؟ ستحصل على عوائد مشابهة لذلك المؤشر".
أما كين جيسوديان، المؤسس المشارك في شركة "كريمزون أسيت مانجمنت" (Crimson Asset Management)، فيدير صندوقاً يركز على الشركات ذات رأس المال الصغير التي يعتقد أن أسهمها تُتداول بأقل من قيمتها الحقيقية ويغفل عنها كثيرون. حقق الصندوق، الذي يضم أسهم قرابة 20 شركة مثل شركتي بيع الأثاث بالتجزئة "لوف ساك" (Lovesac) و"واي فير" (Wayfair) ورائدة الأقمار الاصطناعية "إيريديوم كوميونيكشنز" (Iridium Communications)، عائدات بمتوسط 10.2% سنوياً منذ إطلاقه في 2018، أي نحو ضعف أداء مؤشر "راسل 2000" لأسهم الشركات ذات رأس المال المحدود. قال جيسوديان: "لا نهتم بكوننا نبدو مختلفين عن المؤشر، بل نعتبر ذلك بمثابة وسام شرف".
خلاف أيديولوجي
ولد رزق، 49 عاماً، في لبنان وانتقل إلى مونتريال في التسعينيات سعياً لماجستير إدارة الأعمال من جامعة "مكغيل". بدأ مسيرته المهنية كمحلل لدى الذراع الاستثمارية لشركة السكك الحديدية الوطنية الكندية. وحصل لاحقاً على وظيفة في شركة "فييرا كابيتال" (Fiera Capital) في مونتريال، حيث ارتفعت أرباح الصناديق التي أشرف على إدارتها من 300 مليون دولار كندي في 2009 إلى 60 مليار دولار، وهو إنجاز كبير ونادر لمدير الأموال الكندي.
أنشأت "فييرا كابيتال" شركة "باينستون أسيت مانجمنت"، التي تولت نحو ثلث أصوله "فييرا" الخاضعة للإدارة في ذلك الوقت، وأدى ذلك إلى تخارجات حادة من أسهمها. لكن "فييرا كابيتال" لا تزال تملك معظم الأصول الأساسية، وقد أحالت إدارتها إلى "باينستون أسيت مانجمنت"، وهي صفقة ساعدت في دعم موارد "فييرا" المالية، ومنحت رزق حرية أكبر لمتابعة استراتيجيته الاستثمارية.
قال جيان غي ديجاردن، الرئيس التنفيذي لشركة "فييرا كابيتال": "توقعت السوق أننا سنخسر كل هذه الأصول أو معظمها، بما في ذلك الدخل، ثم أرباح ذلك الدخل، وهذا كله لم يحدث بالطبع".
اقرأ أيضاً: حسابات السوق المعقدة هي سر إخفاق منتقي الأسهم
يضع جين، الذي انتقل إلى الولايات المتحدة في 1990 قادماً من الهند، رهانات ضخمة على شركات ميزانياتها قوية وتنمو أرباحها بشكل مقبول. لكنه، على عكس رزق، قد يغير رأيه بسرعة عندما تتغير ظروف السوق، ولا يتحسب إن شاء تصفية مركزه في شركة إن ظن أن أفقها ليس كما يجب. قال جين: "مهمتنا هي كسب المال لعملائنا، وهي ليست ممارسة أيديولوجية. إننا لا نسعى لتغيير العالم".
تتمثل إحدى الاستراتيجيات الرئيسية لشركة جيسوديان في العثور على شركات لا يزال مؤسسوها جزءاً من إدارتها، ما يجعلهم يفكرون كمساهمين وليس كمديرين تنفيذيين التحقوا بالعمل لديها حديثاً، إذ إن التنفيذيين قد يقدمون على "عمليات استحواذ لإرضاء غرورهم فقط بهدف تعظيم شركاتهم".
جمع جيسوديان فريقاً من المحللين للعثور على هذه الأسهم، وهم يتحركون بسرعة لتقييم أحجام الشركات ومجال أعمالها. قال: "تخيل فرقة تدخل سريع يمكنها الذهاب والبحث عن هذه الأفكار، وليس ما يشغلها تشكيل محفظة استناداً إلى المؤشرات".