بلومبرغ
باتت "إنفيديا" (Nvidia) أشبه بشجرة بلوط ضخمة انبثقت من جوزة صغيرة.
قبل أن يمر وقت طويل على انفجار "فقاعة الإنترنت" في عام 2001، التي ألقت بثقلها على قطاع التكنولوجيا، كان لزاماً على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" سد فجوة كبيرة. في تلك الفترة، واجهت شركة "إنرون" موجة من الفضائح وكانت على وشك الإقصاء من المؤشر الرئيسي، مما أثار التساؤل حول الشركة البديلة. وقع اختيار "ستاندرد آند بورز" على صانعة رقائق غير معروفة تدعى "إنفيديا".
وبعد عقدين أصبحت "إنفيديا" في طليعة الطفرة التي شهدها مجال الذكاء الاصطناعي جاذبةً المستثمرين ومجتاحةً الأسواق عالمياً.
تحتل الشركة، التي تتخذ من مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا مقراً لها، صدارة الإنتاج العالمي لرقائق الغرافيكس اللازمة لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي تقنية تعد بقلب العالم رأساً على عقب، كما فعلت الكهرباء والإنترنت. وحققت صانعة الرقائق وحدها ثلث التقدم المحرز في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" هذا العام.
قفزة هائلة
كان تقرير أرباح "إنفيديا" الأخير، الذي أكد الثقة في طفرة الذكاء الاصطناعي مجدداً، وراء ارتفاع القيمة السوقية للشركة بمقدار 277 مليار دولار، وهي أكبر مكاسب تحققها أي شركة خلال يوم واحد. ولخص أحد المتخصصين التكتيكيين في بنك "غولدمان ساكس" آراء الكثيرين أواخر الشهر الماضي عندما وصف "إنفيديا" بأنها أهم سهم في العالم.
إريك ديتون، الرئيس والمدير العام لـ"Wealth Alliance"، يقارن النجاح الهائل لبعض الشركات باللهاث وراء الذهب في القرن التاسع عشر، مشيراً إلى أن "إنفيديا" تقود قطاع الذكاء الاصطناعي بفعالية. مؤخراً، انضمت "إنفيديا" إلى النادي النخبوي للشركات الأميركية بقيمة سوقية تتجاوز تريليوني دولار، حيث تمكنت من الوصول إلى هذا الإنجاز في 180 يوماً فقط، مقارنةً بأكثر من 500 يوم لشركتي "أبل" و"مايكروسوفت".
"العظماء السبعة"
لم تكن "إنفيديا" وحدها في تحقيق هذا النجاح، إذ شهدت قيمة شركة "سوبر مايكرو كومبيوتر" (Super Micro Computer)، والتي ستدرج قريباً في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، زيادة بنسبة 284% هذا العام. كذلك، مجموعة العظماء السبعة، التي تضم كبرى شركات التقنية ("أبل" و"مايكروسوفت" و"ميتا بلاتفورمز" وألفابيت" و"تسلا" و"أمازون" إلى جانب "إنفيديا")، شهدت ارتفاعاً بنسبة 9% هذا العام.
هل تتخوف بشأن تفويت فرصة الاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي؟ إذن، عليك تفقد محفظتك الاستثمارية. إذا كانت معظم استثماراتك تتم عبر صناديق المؤشرات المرتبطة بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، فأنت فعلياً تمتلك أسهماً في "إنفيديا" وبقية مجموعة "العظماء السبعة". يتم احتساب قيمة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وفق القيمة السوقية. لذلك عندما تزيد قيمة أحد مكوناته، يتعين على الصناديق الخاملة التي تتبع المؤشر شراء المزيد من أسهم الشركات المدرجة في المؤشر. تمثل "إنفيديا" 5% من المؤشر، ارتفاعاً من 1.8% في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
تذكرنا الطفرة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي بحالات الصعود الحاد والمفاجئ في قيمة الأسهم خلال السنوات المئة المنصرمة، مثل الحماس الذي اجتاح الأسواق إبان عشرينيات القرن العشرين، أو هوس مؤشر "نيفتي 50" (Nifty 50) للشركات الهندية الكبرى المدرجة في البورصة المحلية في الستينيات، أو "فقاعة الإنترنت".
يقول آدم سرحان، مؤسس شركة "50 بارك إنفستمنتس" للاستثمارات: "هناك أمل كبير في أن يغير الذكاء الاصطناعي العالم، لكن لا شيء يدوم إلى الأبد في "وول ستريت". سيكون هناك دائماً سهم جديد براق من شأنه أن يحقق مكاسب هائلة في سوق الأسهم".
لا أحد يعرف ما إذا كانت الطفرة التي تقودها شركة "إنفيديا" تمثل بداية دورة نمو مدعومة بالتقنية أم أنها محض فقاعة مآلها الانفجار. لكن هذا ما تبين حتى الآن. فمع وجود الكثير من الأموال المعتمدة على تقنية قد يكون مردودها في المستقبل البعيد، فإن أي تعثر على طول الطريق قد ينفر المستثمرين.
وترى كاثرين كامينسكي، مديرة المحفظة وكبيرة استراتيجيي الأبحاث في مجموعة "ألفا سيمبليكس الاستشارية للاستثمارات أن "التوقعات بأن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة عالمية تنطوي على مخاطر كبيرة، لكن غالبيتها يجب أن تسير في الاتجاه الصحيح، لأنه لا أحد يعلم مدى استدامة هذا الارتفاع".
طفرة أم فقاعة؟
هيمنت شركات التقنية الكبرى على سوق الأسهم لسنوات، حيث انتشلتها من براثن الأزمة المالية في البداية، ثم أعادت الكرّة خلال الوباء، ومن ثم استحوذت على اهتمام المستثمرين بكل ما هو رقمي. تمخض هوس الذكاء الاصطناعي، الذي بدأته شركة "إنفيديا" مدفوعاً بالتفاؤل بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة، عن تضخيم هذا الاتجاه وحسب. بالتالي، لم تعد أسهم "العظماء السبعة" مؤشراً لأداء شركات التقنية الكبرى فقط، بل لأداء الاقتصاد بأسره.
من وجهة نظر البعض في "وول ستريت"، يعيد الهوس الأخير بشركات التقنية الكبرى إلى الأذهان ذكريات الطفرة التي سبقت انفجار "فقاعة الإنترنت"، وهي فترة اتسمت بازدهار مفاجئ في مشاريع اقتصاد الإنترنت التي لم تظهر غالباً أي دلائل على الربحية. غير أن هوس التقنية الحالي يرتكز على شركات تحقق أرباحاً قوية خلافاً لما شهدته تلك المرحلة.
كما تعد تقييمات شركات التقنية الحالية، رغم المبالغة فيها، أكثر عقلانية بكثير من تقييمات الشركات في أواخر التسعينيات. كانت أسهم شركات التقنية قد تداولت بما يعادل 48 ضعف الأرباح المتوقعة خلال ذروة صعود "فقاعة الإنترنت"، أي أكثر من مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمرتين، حسبما تظهر بيانات بنك "سوسيتيه جنرال". وحالياً، أصبح مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية لمؤشر "ناسداك 100"، المثقل بأسهم شركات التقنية العملاقة، أعلى من مضاعف مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 25% فقط.
المكاسب الناشئة عن زيادة الكفاءة، المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، قد لا تعود بالنفع على شركات التقنية فحسب؛ بل أيضاً على القطاعات الرئيسية الأخرى مثل الخدمات المالية والرعاية الصحية والإعلام، والتي يمكن أن تكون مسؤولة مجتمعةً عن تحقيق 30% من أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خلال العام المقبل، حسبما قال محللو أبحاث الأسهم في "مورغان ستانلي".
وقال إيدلستون، الذي يشغل حالياً منصب رئيس قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية في مجال أشباه الموصلات لدى بنك "مورغان ستانلي"، خلال مقابلة أجريت معه في فبراير: "إن الاستنتاج الذي يمكن أن تخلص إليه من دراسة حالة "إنفيديا" فيما يتعلق بجدوى الاستثمار بات الآن جلياً للجميع. من المبرر تماماً أن تحقق الشركات، التي تعمل على تمكين أو الاستفادة من أو تعزيز قدراتها، أداءً جيداً حقاً".