إيلون ماسك محق بشأن "أوبن إيه آي" لكن دوافع استهدافها باطلة

ثاني أغنى رجل في العالم يتهم سام ألتمان بوضع الأرباح على حساب مصلحة البشرية

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا تتوقف مبالغات شركات التقنية سريعة النمو، وهذا لا يعني بالضرورة أن الكذب هدفها. لكن ما يساعد المرء حين يسعى لجمع مبالغ كبيرة يمول بها شركته، أن يقدم صورة انطباعية عن حالها المستقبلية بدل رسم صورة واقعية. من قبيل ذلك كان حديث مؤسسي "غوغل" عن أنها ستنظم "معلومات العالم" قبل بلوغها مرتبة أنجح محرك بحث أتى من جامعة "ستانفورد".

كما حاجج مؤسسو "إير بي إن بي" بأن تأجير المساكن للعطلات سيضع حداً للكراهية من دون تقديم سبب يُدرَك. أما "وي ورك" (WeWork)، فكانت محاولة لتقديم شركة ناشئة تقليدية إلى حد كبير في قطاع العقارات إلى علامة تجارية تقدم أسلوب حياة شبه روحاني.

هذا النوع من الهراء ليس مؤذياً في أغلب الأحوال، لكنه قادر على خلق نقاط ضعف حين يُستخدم بإفراط أو حين تجد شركة ما بالغت سابقاً في التلاعب بالحقيقة نفسها في مواجهة ندٍّ لها على الدرجة ذاتها من البراعة. هذا هو حال "أوبن إيه آي" (Open AI)، وهي أكثر الشركات الناشئة شهرة في وادي السيليكون ومطوّرة "تشات جي بي تي".

في 29 فبراير، رفع إيلون ماسك دعوى ضد "أوبن إيه آي" التي يحمل ضغينة ضدها منذ أمد، وهو ملياردير ذو باع طويل في تقديم عروض مبيعات طموحة بشكل مفرط وفي المشاكسة عبر الإنترنت.

منطق ماسك

تركز شكوى ماسك على التفاوت بين صورة "أوبن إيه آي" كمختبر أبحاث غير هادف للربح يعمل على الحيلولة دون وقوع الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، وحقيقة أنه أيضاً الشركة المهيمنة على تصنيع برامج تجارية للذكاء الاصطناعي من خلال شركة تابعة ربحية تدعمها "مايكروسوفت" وتُقدّر قيمتها بـ86 مليار دولار.

قدّم ماسك تمويلاً أولياً للشركة غير الهادفة للربح في 2016، لكنه انفصل عن المنظمة في الوقت الذي اتجهت فيه لتحقيق أرباح، وأعرب ماسك لفترة طويلة عن غضبه بشأن هذا التباين. قال ماسك في مقابلة تلفزيونية العام الماضي: "إن هذا يشبه مثلاً أنك أسست منظمة لإنقاذ غابة الأمازون المطيرة، لتجد أن المنظمة تحولت إلى شركة أخشاب عوضاً عن ذلك".

اقرأ أيضاً: ماسك يقاضي "أوبن إيه آي" و"ألتمان" بسبب انتهاك المهمة الأساسية للشركة

أشارت "أوبن إيه آي" في مدونة إلى أن رواية ماسك ليست كل ما هنالك، وإلى أنه انقلب عليها فقط حين قاومت الشركة غير الهادفة للربح محاولاته للاستحواذ عليها. في مذكرة داخلية، أشارت الشركة أيضاً إلى أن ماسك افتعل الخلاف بدافع الغيرة.

بدايات "أوبن إيه آي"

وفقاً للدعوى، لدى ماسك وسام ألتمان، رئيس "أوبن إيه آي" التنفيذي، تاريخ يرجع إلى نحو عقد، حين حذّر الرجلان بقوة من المخاطر التي يمثلها ما يُسمى بالذكاء العام الاصطناعي. كان ما يخشيانه من حيث الأساس هو سيناريو على غرار فيلم "ماتريكس" (Matrix) بحيث تُطوّر الكمبيوترات ذكاءً خارقاً وتهدد بإبادة البشرية.

يعتقد كثير من الخبراء أن ذلك يصرف الانتباه عن التهديدات التي يمثلها الذكاء الاصطناعي، ولا ترقى لأن تكون محور أفلام سينمائية، لكن ماسك وألتمان واصلا مسيرتهما وأسسا "أوبن إيه آي" في 2015 كمؤسسة غير ربحية تعِد "بتطوير الذكاء الرقمي بالطريقة الأرجح نفعاً للبشرية"، وفقاً لما جاء في إعلانها آنذاك.

كانت الفكرة هي أن تسارع "أوبن إيه آي" لتطوير ذكاء عام اصطناعي إيثاري (قبل أن تتجه شركة برمجة أخرى أقل موثوقية لتطويره أولاً) ودرء الخطر المتخيل من سعي برمجيات خارجة مارقة للسيطرة على الأمور.

اقرأ أيضاً: تقرير: إيلون ماسك يدخل على خط الذكاء الاصطناعي لينافس "أوبن إيه آي"

لم يتضح تماماً كيف سينجح ذلك، لكن ماسك قال إنه كان يأمل في إضعاف "غوغل" التي تتمتع بالريادة في السوق والتي ذكر مؤسسها، لاري بيدج، لماسك في محادثة خاصة بينهما أن هيمنة الآلة على البشر ستكون "المرحلة التالية من التطور"، وفقاً للدعوى.

وقد ذكر ماسك في ما مضى صيغاً متباينة من هذا الزعم، ولم يعلق بيدج عليها. رداً على ذلك، يدّعي ماسك أنه تبرع بمبلغ 44 مليون دولار لـ"أوبن إيه آي" وعيّن علماء فيها، كما أنه اختار اسم الشركة ذاته.

تحول للربحية

في 2019، انفصلت المؤسسة غير الربحية عن ذراعها مقيدة الربحية، وأبرمت صفقة مع "مايكروسوفت" تنطوي في نهاية الأمر على إضافة روبوتات الدردشة الخاصة بالشركة إلى محرك بحث "بينغ" (Bing) وفي حزمة أدوات "أوفيس" (Office) واسعة النجاح من إنتاج "مايكروسوفت".

ساهمت الصفقة أيضاً في تمويل "تشات جي بي تي"، الذي بات منتجاً ناجحاً في حد ذاته، فيما أطلق ألتمان مزاعم طموحة عن خطط للاستيلاء على أغلب الثروات في العالم وإعادة توزيعها، كما ألمح إلى احتمال جمع المليارات، وربما حتى تريليونات، لتسريع الأمور.

اقرأ أيضاً: "تشات جي بي تي" يقرب "أوبن إيه آي" من تحقيق مبيعات مليارية

وفقاً لرواية ماسك، يُعد ذلك خيانةً، إذ تحول مشروع خيري "إلى شركة تابعة مغلقة المصدر فعلياً لأكبر شركة تقنية في العالم"، وفقاً للدعوى. في إشارة لألتمان في ما يبدو، تذكر الدعوى: "فيما يرى البعض مثل ماسك أن الذكاء العام الاصطناعي يمثل خطراً وجودياً، يرى آخرون أن الذكاء العام الاصطناعي مصدر لتحقيق الربح والنفوذ".

ثمّة أسباب عدة للتشكيك في منطق ماسك ودوافعه. تزعم الدعوى أن "أوبن إيه آي" انتهكت اتفاقها مع ماسك، لكن ذلك الاتفاق يبدو لا وجود له سوى في ذهن ماسك غالباً. لم يقدم محامو ماسك أي عقد، بل قدموا فقط رسالة مرسلة بالبريد الإلكتروني من ألتمان تذكر أن "أوبن إيه آي" ستعمل "من أجل الصالح العام للعالم" ونسخة من عقد التأسيس.

لدى ماسك أيضاً تاريخ من "حيل غير مدروسة" ودعاوى قضائية مشكوك بها. في اليوم ذاته الذي قدّم فيه ماسك شكواه بخصوص "أوبن إيه آي"، وصف قاضٍ فيدرالي الحجج التي قدمها ماسك في قضية أخرى تستهدف مؤسسة غير ربحية ثانية، وهي مركز مكافحة الكراهية الرقمية، بأن فيها "أحد أتفه تفسيرات القانون التي سمعتها على الإطلاق".

فن التلاعب بالحقائق

من ناحية أخرى، فإن شكوى ماسك محقة في إشارتها إلى أن ألتمان أخذ فن تلميع الصور في وادي السيليكون إلى مستويات جديدة. بدلاً من أن يُجمّل قدرات شركته فحسب، أتى ألتمان بأسلوب لم يُطرق قبلاً، فقد قال إن ما يقدمه متميز لدرجة أنه قد يدمر العالم عن طريق الخطأ، وأن لا مشكلة في ذلك لأن الذكاء العام الاصطناعي كان واعداً جداًًًًًًً. بدأ السباق، وحاجج ألتمان، الذي يصور نفسه على أنه "أوبنهايمر العصر الحالي"، بأن العالم سيكون مكاناً أفضل إذا رجحت كفة "أوبن إيه آي"، بما أنها ذراع لمؤسسة غير ربحية.

حاجج ألتمان بأن السبيل الوحيد لإيقاف رجل شرير لديه روبوت مدمر هو رجل طيب لديه روبوت مدمر، مستعيراً مقولة شهيرة قديمة من حركة حقوق حمل السلاح.

لم يتضح دائماً ما إن كانت "أوبن إيه آي" قادرة على كبح جماح نفسها، لكن تلك الأسئلة أضحت أكثر وضوحاً العام الماضي حين أقال مجلس إدارة الشركة ألتمان من منصبه بسبب مسألة نزاهة لم يفصح عنها.

اقرأ أيضاً: سام ألتمان انتصر في معركة "OpenAI" والآن عليه تحقيق السلام

بعد أيام، أعاد انقلاب تدعمه "مايكروسوفت" ألتمان إلى منصبه، وساهم في تغيير أغلب أعضاء مجلس الإدارة. تُجري الشركة تحقيقاً داخلياً، كما أن هناك تقارير عن تحقيق من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، لكن يصعب تصديق أن مجلس الإدارة سيشعر بقدر أكبر من التمكين مستقبلاً.

مصالح شخصية

بعيداً عن المسائل المتعلقة بالإشراف، يبدو أن منطق ألتمان يخدم مصالحه إلى حد ما. إن كنت تؤمن حقاً أنك تصنع أحد أسلحة الدمار الشامل، فإن التوقف عن تطويره يبدو رد فعل منطقياً، وليس إقحامه في مئات ملايين النسخ من برنامج "مايكروسوفت إكسل" (Microsoft Excel).

عبر إطلاق تحذيرات عن السيناريوهات الأسوأ، شتت ألتمان الانتباه بعيداً عن إخفاقات "أوبن إيه آي" الأكثر اعتياداً، خصوصاً ميلها لاختلاق بعض الأمور، حتى مع تحذير خبراء علم الأخلاق من أن المحتالين والمروجين سيسيؤون استخدام "تشات جي بي تي".

إن دعوى ماسك تصور ألتمان على أنه منافق يروج لنفسه، وهو وصف قد ينطبق أيضاً على ماسك نفسه، المحنك في إخفاء طموحات ريادة الأعمال تحت عباءة مزاعم عمل الخير المبالغ فيها والذي لديه حافز قوي لتعطيل نشاط "أوبن إيه آي".

اقرأ أيضاً: إيلون ماسك يسعى لجمع مليار دولار لشركة "إكس إيه آي"

تتنافس اثنتان من شركات ماسك مع "أوبن إيه آي"، وهما "تسلا"، التي تعيّن مهندسين من مجموعة المواهب ذاتها مثل "أوبن إيه آي"، و"إكس إيه آي" (XAI)، التي تطرح روبوت دردشة يروج له ماسك على أنه نسخة أقل إدراكاً لقضايا التمييز الاجتماعي من "تشات جي بي تي".

مساعي الاستحواذ

إضافة لذلك، فمن المفارقة أن ماسك هو الذي طرح فكرة أن سيطرة ألتمان على "أوبن إيه آي" تمثل تهديداً لمهمة المؤسسة غير الربحية، إذ إن ماسك نفسه حاول أن يستحوذ على الشركة في 2018، وفقاً لتقرير من "سيمافور" (Semafor)، ولم يبدأ في توجيه انتقادات إلى الشركة إلا بعد أن رفض مجلس الإدارة عرضه.

اقرأ أيضاً: نيويورك تايمز تقاضي مايكروسوفت و"أوبن إيه آي" بسبب انتهاك حقوقها

على عكس بقية إمبراطورية ماسك، فإن "تسلا" شركة مدرجة وتخضع لإشراف مجلس إدارة، رغم أن ماسك في ما يبدو لا يواجه مشكلة تُذكر في تقويضه كلما شعر بالحاجة لذلك. في يناير، حكم قاضٍ في ديلاوير بأن حزمة الأتعاب التي منحتها "تسلا" إلى ماسك، وحجمها 56 مليار دولار، لم تكن قانونية، وذلك لأن ماسك مارس نفوذاً غير مشروع على مجلس الإدارة.

تشير توقعات إلى أن ماسك سيستأنف الحكم، كما أنه طلب في الوقت الحالي مكأفاة أسهم قد تبلغ قيمتها 50 مليار دولار أخرى أو أكثر. قال ماسك إنه لو لم يحصل عليها، سيطور منتجات الذكاء الاصطناعي خارج "تسلا"، أي داخل شركة يتحكم فيها.

تبنّى ماسك في مطالبته بأجر أكبر الخطاب النبيل ذاته عن السلامة الذي استخدمه ألتمان، قائلاً إنه سيشعر "بعدم ارتياح في تطوير (تسلا) لأن تكون رائدة في الذكاء الاصطناعي وعلم الروبوتات" دون أن تكون له حصة في الشركة تبلغ 25% على الأقل.

لكن الدافع الأساسي وراء ذلك هو ذاته الذي يتهم ماسك به ألتمان. يقول الرجلان إنهما يركزان على المخاطر التي يمثلها الذكاء الاصطناعي. لكن أفعالهما توحي بأنهما لا يمانعان في استغلال تلك المخاطر لتحقيق ثروات طائلة.

تصنيفات

قصص قد تهمك