بلومبرغ
أصبح آدم شوارتز، وهو مدير صندوق تحوط، ثرياً في 2020 بعد أن تنبأ بدورة انتعاش وركود في سوق سندات الشركات، وهو يراهن الآن بأغلب استثمارات الصندوق وبأمواله شخصياً، على أن شركات اقتربت مواعيد استحقاق قياسية لسنداتها ستطلق موجة من التخلف عن السداد.
يعتبر هذا الرهان محور استثمارات صندوق "بلاك بير فاليو بارتنرز" (Black Bear Value Partners)، الذي يبلغ حجمه 40 مليون دولار ويديره شوارتز، المدير السابق لـ"فير تري" (Fir Tree)، في بوكا راتون بولاية فلوريدا. تتكون أغلب محفظة شوارتز من مجموعة شركات تتحدى السائد بأن لا ديون لها أو أن قروضها ضئيلة. أما باقي محفظته، فهو مستثمَر في مراكز مكشوفة تراهن على أجزاء من أسواق الائتمان يعتقد شوارتز أنها مقبلة على تصحيح.
لا تعتبر فكرة ازدياد حالات التخلف عن السداد حين تحلّ آجال استحقاق سندات ذات فائدة شديدة الانخفاض أُصدرت خلال جائحة كورونا، بالجديدة. لكن شوارتز قال إن العوائد لا تحتسب احتمال قفزة أكبر من المتوقع في الإفلاسات. وبيّن أن الأوضاع تبدو سيئة على نحو خاص إن فكرنا بأن جزءاً كبيراً من الديون كان مقترضاً بشروط تُقلّص المبلغ الذي يمكن للمستثمرين أن يستردوه في حالة تخلف الشركات عن السداد.
في إشارة إلى الأعوام الـ15 الماضية، قال شوارتز: "لديك هذه البيئة حيث لم تتخلف شركة عن السداد منذ زمن بعيد... هذا يشبه غرفة انتظار لدى طبيب. وحال هذه الشركات كان يشبه حال مرضى غادروا غرفة الانتظار ليكسبوا بعض الوقت، لكنها في نهاية المطاف ستضطر لإعادة التمويل بأسعار فائدة أعلى".
جدار استحقاق الديون
أثر فورة الاقتراض خلال الجائحة مهيأ لأن يضرب الشركات بقوة هذا العام، ويراهن كثير من صناديق التحوط على أن هذا سيحفز إنهاء الشركات المثقلة بالديون. طبقاً لبعض التقديرات، فإن ما يُسمى "جدار استحقاق الديون" بلغ أكبر حالاته الآن. خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ستواجه الشركات الأميركية والأوروبية استحقاق سندات إجماليها نحو ثلاثة تريليونات دولار، أي نحو 26% من الإجمالي العالمي، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ. أصدرت تلك الشركات أقل بقليل من ثلث إجمالي هذه السندات بين 2020 و2021.
اقرأ أيضاً: عوائد صناديق التحوط الضخمة تشعل الطلب على سندات الكوارث
لكن الأسواق ماضية في تعاملاتها ومن دون اكتراث لأي من هذا. لقد باعت شركات أميركية تصنيفاتها من الدرجة الاستثمارية، سندات قيمتها 189 مليار دولار في يناير، وهو رقم قياسي لهذا الشهر. وبلغ وسطي الفروق لسندات تلك الشركات نحو 95 نقطة أساس فوق سندات الخزانة، مقترباً من أدنى مستوى منذ بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة.
يراهن أغلب المستثمرين على أن خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة هذا العام سيجلب فرصة لإعادة التمويل، وكان أحد أسباب هذه الزيادة التي ظهرت في يناير أن بعض الشركات راهنت على ذلك، فيما خفضت موجة تفاؤل مفاجئة تكاليف الاقتراض.
لكن شوارتز وغيره من المتشائمين قالوا إن أسعار الفائدة قد لا تنخفض بالسرعة أو بالقدر الذي تتوقعه السوق، وذلك إما بسبب التضخم المستمر أو تباطؤ الاقتصاد. دعم هذه الحجة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في 1 فبراير حين حطّم الآمال بأن خفض الفائدة سيبدأ في وقت قد يكون قريباً لدرجة أنه قد يحدث في مارس، فتهاوت أسعار السندات جراء ذلك.
سيناريو متفائل
إن السيناريو المتفائل لا يأخذ في الحسبان أن قسطاً كبيراً من سندات الدين القائمة اليوم صدرت بأسعار فائدة منخفضة تاريخياً، لدرجة أن أي تكاليف إعادة التمويل ستكون أعلى بكثير، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة هذا العام.
اقرأ أيضاً: صناديق التحوط تتوج عاماً استثنائياً حافلاً بالأرباح
صدرت أكثر من 40% من السندات المستحقة بين 2024 و2026 والتي لا تبلغ التصنيف الاستثماري خلال الجائحة، حين خفض الاحتياطي الفيدرالي تكلفة الائتمان ويسّره للشركات التي وجدت نفسها في وضع هش، بل إنه تعهد بشراء أنواع معينة من السندات مرتفعة العائد. وفي ضوء أن التضخم يرفع التكاليف على أغلب الشركات، فإن البيئة مهيأة لوقوع حالات تخلف عن السداد.
شوارتز ليس وحيداً في سعيه للمراهنة ضد الشركات التي تواجه مواعيد استحقاق قريبة لسنداتها. حققت صناديق تحوط، مثل "أريني" (Arini) الذي أسسه حمزة لمسوغر، العام الماضي أرباحاً من خلال رهانات على أن المقترضين الذي جمعوا تمويلاً خلال عهد الأموال السهلة، سيواجهون صعوبات في إعادة تمويل ديونهم.
تلمح بعض المؤشرات إلى أن المتشائمين قد يكونون على حق. أفلست أكثر من 200 شركة أميركية كبيرة في 2023، وهو العام الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية، مع استثناء أول 12 شهراً من الجائحة. تتخلف الشركات ذات التصنيف دون الدرجة الاستثمارية عن السداد بأسرع وتيرة منذ مايو 2021، كما أن هناك ارتفاعاً في ترتيبات الدفع العيني من جانب شركات تفتقر للسيولة لسداد ديونها.
فرص هائلة
يرى شوارتز فرصاً هائلةً لمن هم على استعداد لانتهاج استراتيجية تعتمد على تحقيق مكاسب في الأمد الطويل. رفض شوارتز الإفصاح عن الأسهم التي يبيعها على المشكوف، لكن هنالك مزيج من شركات الاستثمار المباشر التي استثمرت في شركات نسبة ديونها مرتفعة وفي متاجر تجزئة إلكترونية ذات سيولة نقدية محدودة.
كان ذلك حسناً حين كانت أسعار الفائدة المنخفضة تعني تكاليف منخفضة، لكنه قال: "لا يمكنك أن تنمو إن كنت تطرح منتجاً مدعوماً جزئياً، ويعتمد على أسعار الفائدة المنخفضة". أعاد شوارتز فتح مركز مكشوف في صناديق متداولة تتتبع مؤشرات ائتمان الدرجة الاستثمارية الكبرى ومؤشرات ائتمان الأسواق الناشئة، وهي حققت مكاسب كبيرة حين تراجعت سندات الشركات في بداية الجائحة، ما ساعد صندوقه على النمو نحو أربعة أضعاف.
اقرأ أيضاً: صناديق التحوط تبيع سندات الخزانة على المكشوف بمستويات قياسية
رغم ذلك، فإن مراكز شوارتز المكشوفة لم تحقق كثيراً من الأرباح إجمالاً لصندوقه، الذي بلغت عائداته 18% العام الماضي، مقابل عائدات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" التي بلغت 24%. أثمرت الرهانات ضد مصرفي "سيليكون فالي بنك" و"فيرست ريبابليك" العام الماضي حين انهار الاثنان بعد تخارج المودعين.
رغم أنه تنبأ بشكل صحيح بحالات التخلف عن السداد خلال الجائحة، يبدو أنه لم يتوقع أن الاحتياطي الفيدرالي سيتدخل ليدعم السوق عبر شراء السندات، فتقلص إجمالي عوائده في 2020. لكن المستثمرين عليهم أن يدفعوا فائدة على المراكز المكشوفة، لذا قد يكون الاحتفاظ بتلك المراكز مكلف على مدى فترة ممتدة. يكمن الأمل في أنه عندما تؤتي هذه المراكز ثمارها، ستغطي الأرباح تلك التكاليف، لكن ليس هناك ما يضمن ذلك.
أهمية توخي الحذر
يُعوّض شوارتز تكلفة المراكز المكشوفة بمجموعة حيازات في شركات ذات ديون محدودة في بعض الحالات لأنها تكون قد خضعت لإعادة هيكلة حديثاً، وفي حالات أخرى لأنها تعمل في قطاعات يتجنبها المقرضون بسبب ضعف مؤهلاتها البيئية.
استثمر شوارتز 87% من محفظته في سبع شركات فقط، منها شركة تنتج الفحم، وأخرى تورد مواد بناء، وثالثة تملك مجموعة من وكالات السيارات. وبين أنه فيما تؤثر أسعار الفائدة الأعلى والتضخم على القوائم المالية الهشة، ستستفيد الشركات التي تتمتع بإدارة جيدة وديون محدودة.
قال: "يعتقد الجميع أنه لمجرد أن العامين الماضيين مرّا بسلاسة، فإن الأعوام الخمسة المقبلة ستمر بسلاسة كذلك... أفضل كثيراً أن نشكك ونتوخى الحذر، نظراً لحجم الدين الهائل الموجود في المنظومة".