أسدل الستار على فعاليات مؤتمر الأطراف "كوب 28" في دبي قبل شهر تقريباً، وحان الوقت الآن لنتطلع إلى "كوب 29".
في العام المنصرم، عُقد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرون المعني بتغير المناخ في إحدى الدول النفطية بالشرق الأوسط، وتقرر عقد قمة هذا العام في دولة نفطية أخرى، لكن هذه المرة في أذربيجان إلى أقصى الشمال. إن لم يكن ذلك كافياً، فإن مختار باباييف، وزير البيئة والموارد الطبيعية في البلاد والمدير التنفيذي السابق لشركة النفط الوطنية "سوكار"، سيخلف سلطان الجابر، رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، كرئيس لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين.
كيف انتهى بنا الأمر إلى أذربيجان؟ لم يكن فوز هذه الدولة باستضافة المؤتمر بالأمر السهل. بعد الاستقرار على انعقاد المؤتمر في أوروبا الشرقية، جاءت المفاوضات صعبة: فقد استخدمت روسيا حق النقض ضد أعضاء الاتحاد الأوروبي، فيما عرقلت أذربيجان وأرمينيا بعضهما بعضاً على خلفية صراع طويل الأمد. كما زادت الحاجة إلى مرافق كبيرة بما يكفي لاستضافة قمة دولية -ومن دون أن تكون الدولة المضيفة منخرطة في حرب قائمة- من صعوبة عملية الاختيار. لذلك، تأخر القرار إلى الأيام الأخيرة من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، حتى وافقت أرمينيا على دعم طلب أذربيجان في إطار الجهود الرامية لإبرام اتفاق سلام.
اختيار مثير للجدل
كان وضع أذربيجان كدولة نفطية استبدادية خرجت لتوها من حرب مع جارتها، كفيلاً بأن يجعلها خياراً مثيراً للجدل حتى قبل ترشيح باباييف لرئاسة المؤتمر. ستتجه الأنظار هذا العام إلى الدولة الصغيرة، التي لا تضاهي كثافتها السكانية بعض المدن بإجمالي عدد سكان يناهز 10 ملايين نسمة، ما يضعها أمام تحدٍ هائل دون خبرة كبيرة في مجال دبلوماسية المناخ متعددة الأطراف.
لنبدأ بالحجم، والذي يشكل تحدياً لوجستياً هائلاً. تتمتع دبي كوجهة سياحية شهيرة بوفرة في المرافق تؤهلها لاستضافة مندوبي مؤتمر الأطراف البالغ عددهم 85 ألف شخص، والذين وصلوا إلى أراضيها في ديسمبر 2023، وبنهاية العام كان لا يزال لدى المدينة نحو 154 ألف غرفة فندقية متاحة. بينما تشير بيانات شركة "ستاتيستا" (Statista) لأبحاث السوق والمستهلكين، إلى أن أذربيجان كان لديها 50,700 سرير فقط في 2020، مع العلم أن السرير المزدوج يحسب بسريرين. وبالتالي، إما أن يشعر الحضور بالراحة، أو أن تتقلص الوفود المشاركة في القمة.
سيرحب الكثيرون بعقد مؤتمر الأطراف المصغر في العاصمة الأذربيجانية باكو. فقد توسع المؤتمر بمرور الوقت، متجاوزاً نطاق المداولات الأساسية ليتحول إلى معرض تجاري ضخم، أو بعبارات أقل لطفاً "ساحة للتلاعب". على سبيل المثال، ألقي باللائمة على التضخم في صرف الانتباه عن المفاوضات بالغة الأهمية، فيما سُمِحَ للغسل الأخضر والمصالح المناهضة للمناخ بالتسلل إلى ساحة المفاوضات، على الرغم من أن النمو يعكس تغيراً في المواقف تجاه قضية المناخ التي يُنظر إليها باعتبارها غير ذات أهمية وأكثر ارتباطاً برفاهية الاقتصاد العالمي.
تضارب المصالح
يعد باباييف ومفاوضه الرئيسي يالتشين رافييف غير معروفين نسبياً في مجال مفاوضات المناخ. أخبرني أليكس سكوت، رئيس برنامج دبلوماسية المناخ في "إي 3 جي" (E3G)، وهي مؤسسة بحثية معنية بتسريع الانتقال العالمي إلى مستقبل منخفض الكربون، أنهما سيواجهان "منحنى تعلم حاد". كما سيشكل تحديد علاقة بلادهما باتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن تغير المناخ، والتي يمكن أن توفر الدعم، عاملاً حاسماً في هذا السياق.
من جانبهم، أعرب العديد من النشطاء عن قلقهم بشأن إشراف من لهم مصلحة في إبطاء التحول عن الوقود الأحفوري على الملتقى السنوي، وهو ما اتُفِقَ عليه العام الماضي. يذكر أن الوقود الأحفوري شكل 91% من إجمالي صادرات أذربيجان لعام 2022، كما أظهرت دراسة أجرتها "كاربون تراكر" (Carbon Tracker)، وهي مؤسسة بحثية مالية مستقلة، أن إيرادات حكومة البلاد تعد واحدة من أكثر الإيرادات عرضة للتأثر بخطر التحول عن النفط والغاز بخطى معتدلة.
كما استفادت أذربيجان في الآونة الأخيرة من الحرب الروسية الأوكرانية في خضم زيادة طلب الاتحاد الأوروبي على صادراتها من الغاز. وبما أن مؤتمر الأطراف السابق فتح الباب أمام إعلان الغاز الطبيعي "وقوداً انتقالياً"، فمن المرجح أن تميل باكو إلى اعتماد هذا الخطاب. لذا، تخطط البلاد فعلياً لزيادة إنتاجها السنوي من الغاز بمقدار الثلث على مدى السنوات العشر المقبلة، وهي فترة حرجة ينبغي خفض استهلاك الوقود الأحفوري خلالها.
التحول العادل
غير أن هذا المسلك ليس حتمياً. فثمة مستقبل لأذربيجان كمصدر للطاقة النظيفة، فهي لا تزال تخطو خطواتها الأولى في مجال تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكن يمكنها الاستفادة بشكل كبير من إمكانات الطاقة المتجددة الوفيرة. لقد بدأت باكو العمل في مشاريع الطاقة النظيفة، بما في ذلك المشروع المشترك مع جورجيا والمجر ورومانيا، والذي سيشهد توليد الطاقة المتجددة في أذربيجان وتصديرها إلى أوروبا. لكنها ستحتاج إلى المزيد من الاستثمارات العامة والخاصة لتحقيق تلك الغاية.
لا يعد وضع أذربيجان كدولة نامية تعتمد على منتجات النفط والغاز استثنائياً، وهو ما يمثل فرصة سانحة لتحقيق المكاسب. يمكن للدولة الصغيرة استغلال هذه المنصة لتوجيه المحادثات نحو الشكل الذي قد يبدو عليه التحول العادل عن الوقود الأحفوري، لا سيما وأن أحد البنود المهمة في جدول أعمال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين سوف يتفق على هدف مالي جديد لتلبية احتياجات البلدان النامية.
لننظر إلى كولومبيا الغنية بالنفط والفحم، والتي تعتمد بشكل كبير على إنتاجها وصادراتها. فقد تعرضت عملتها وتصنيفها الائتماني لضربات قوية لدى انتخاب غوستافو بترو رئيساً في 2022، حيث رفض المستثمرون خطط وقف التنقيب. بالتالي، ستكون الدول النامية الأخرى محقة في التشكيك بنفع الأخذ بزمام المبادرة بعد معاقبة الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية لأنها فعلت الصواب. كانت سوزانا محمد، وزيرة البيئة الكولومبية، قد أوضحت خلال "كوب 28" أنه على الرغم من أن بلادها تؤيد بشكل كامل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إلا أن ذلك يجب أن يقترن بمزيد من الدعم المالي.
عصر الوقود الأحفوري واضح وضوح الشمس. إذا كان باباييف والرئاسة الأذربيجانية يريدان إنجاح مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فعليهما التركيز على ضمان قدرة باكو وأقرانها على جني ثمار عصر الحياد الكربوني.