بلومبرغ
قد يتلكأ الأطباء بالتطرق إلى إخفاق الطب التقليدي في علاج مريض. إذ قد يبدو طرح تقديم عناية تلطيفية أو رعاية ما قبل الاحتضار استسلاماً بعد بذلهم الجهود لإنقاذ المصابين بأمراض تهدد الحياة أو لتأخير وفاة من يعانون مرضاً عضالاً.
لكن تلك الخيارات قد تحسن من نوعية حياة المريض أو تخفف معاناة مراحلها الأخيرة جذرياً حين لا يجدي الطب التقليدي نفعاً، ويتطلب اعتمادها أن يدرك المرضى والأطباء هذا الأمر في الوقت المناسب.
قال ميهير كامدار، وهو طبيب في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن ويرأس وحدة الصحة السريرية في شركة "تيوسداي هيلث" (Tuesday Health) الناشئة للرعاية التلطيفية، إن بعض مزودي خدمات الرعاية الصحية لا يدركون أن النهاية اقتربت حتى تغدو قاب قوسين أو أدنى. أضاف: "حين تتدهور حالة إنسان ما بشكل ملحوظ يمكنك أن تلاحظ ذلك، لكن الصعب هو أن تتنبأ بذلك قبل وقوعه".
هل يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي أن تتفوق على البشر في التنبؤ ببلوغ هذه المرحلة؟ هذه هي الفكرة وراء "سيريوس إيلنس كير كونكت" (Serious Illness Care Connect)، أداة البرمجيات التي يختبرها نحو 150 طبيباً في برنامج تجريبي في "هاكنساك ميريديان هيلث" (Hackensack Meridian Health)، أكبر شبكة رعاية صحية في نيو جيرسي.
إن "سيريوس إيلنس كير كونكت"، التي طورها فريق ينتمي للشبكة من علماء البيانات ومقدمي الرعاية في مراحل الاحتضار، هو نموذج إحصائي قائم على بيانات مدة عام عن مرضى "هاكنساك ميريديان" تُستخدم دون إشارة لهوياتهم. تُدخل البيانات في الأداة التي يستخدمها الأطباء لمراجعة وتحديث بيانات المرضى، فتحسب احتمالات وفاة المريض خلال ستة أشهر، وهو مقياس طبي شائع الاستخدام لاتخاذ مثل هذه القرارات.
تقديم توصيات
إذا كانت احتمالات الوفاة خلال تلك الفترة 70% أو أكثر، فإن "سيريوس إيلنس كير كونكت" ستوصي بتقييم لتقديم رعاية تلطيفية. تتسم تلك الحسابات بالموضوعية، لكن الأطباء يأملون أن تجلب راحةً أكبر للمرضى المتألمين، إذ إن الرعاية الطبية في مراحل الاحتضار تشمل عادةً خدمات نفسية وروحانية إلى جانب الرعاية الصحية. أما إذا كانت الاحتمالات تتراوح بين 30% و69%، فإن البرنامج يقترح إجراء محادثة عن الرعاية التلطيفية، وهو نهج شامل للتعايش مع الأمراض المزمنة.
قال الفريق المسؤول عن تطوير "سيريوس إيلنس كير كونكت" إنه لم يحصل بعد على بيانات وافية عن أداء البرنامج، إذ أن مرحلة الاختبار الحالية بدأت في يونيو. واجهت أشكال أخرى من تقنيات التنبؤ بعض التحديات في مجال الطب، إذ تواجه شركات التأمين "يونايتد هيلث" (UnitedHealth) و"سيغنا" (Cigna) و"هيومانا" (Humana) دعاوى تزعم أنها استخدمت خوارزميات لترفض طلبات تغطية خدمات رعاية صحية دون وجه حق.
آفاق صفقات الدمج والاستحواذ بقطاع الصحة الأميركي في 2023
رداً على ذلك، بيّنت "يونايتد هيلث" و"هيومانا" إن اتخاذ رفض التغطية التأمينية لا يُتخذ دون تدخل بشري، أما "سيغنا" فقالت إن هدف الأداة التي طورتها باستخدام الذكاء الاصطناعي قد أُسيء توصيفه. أكد الفريق من "هاكنساك ميريديان" أن الأداة لا تتخذ أي قرارات، وهي ستبدأ مرحلة تجريبية أكبر في مطلع 2024.
قالت لورين كونياريس، رئيسة وحدة المعلوماتية الطبية في "هاكنساك ميريديان": "عليكم أن تنظروا إليها كما تنظرون إلى العلامة التي تنبهكم لضرورة فحص محرك سيارة. إنها دفعة بسيطة لمساعدتنا على رعاية مرضانا بأفضل الطرق".
تطوير مستمر
في هذه الأثناء، يُحض الأطباء والمطورون على أن يأخذوا بالاعتبار الانحياز الذي يدخل عادةً دون تعمد في تصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي. إن فاعلية الأدوات تأتي على قدر كفاءة البيانات المدخلة، لذا يهدف المطورون لاستخدام البيانات من مجموعة متنوعة من المرضى لتفادي ميل النتائج لصالح عرق أو سن أو جنس معين أو أي سمة أخرى.
لقد كشفت دراسات عدة أن التباينات تكثر في الرعاية التلطيفية. في 2020، كان 48% من مرضى "ميديكير" (Medicare) الذين توفوا مسجلين لتلقي رعاية المحتضرين حين جاءتهم المنية، وفقاً لتقرير حديث أصدرته المنظمة الوطنية للرعاية في مراحل الاحتضار أو الرعاية التلطيفية. لكن عند تقسيم المرضى عرقياً، يتبين أن أكثر من نصف المرضى البيض استخدموا خدمة الرعاية في مراحل الاحتضار مقابل نحو ثلث المرضى السود وذوي الأصول اللاتينية.
هفوة في قواعد الرعاية الصحية تخلق مخاطر قانونية
قال سامير سيثي، نائب الرئيس الأول وكبير مسؤولي البيانات والتحليلات في "هاكنساك ميريديان"، إن تحليل فريق التطوير لـ"سيريوس إيلنس كير كونكت" أظهر أن النموذج لم يُظهر أي انحيازات محددة حتى مايو 2023. أضاف سيثي أن الفريق يواصل اختبار ما إذا كان البرنامج يقدم توصيات معينة لفئة من الناس دون سواها.
إن تمكن مهندسو القطاع من تخطي هذه التحديات، سيجدون زبائن كثيرين في أوساط الأطباء المثقلين بأعباء العمل في الولايات المتحدة. كما قال كامدار إنه يتوقع أن يشهد دخول مجموعة متنوعة من منتجات الذكاء الاصطناعي إلى هذا المجال خلال الأعوام المقبلة، مثل الأدوات التي تسهل على المرضى تتبع الأعراض.
قد يصعب التطرق إلى الخيارات المتاحة في آخر مراحل الحياة على المرضى وكذلك الأطباء، لكن التلكؤ في ذلك خيار أسوأ. قد يكون استيعاب البيانات بغرض التوجيه استخداماً جيداً للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، لكن البشر وحدهم يستطيعون أن يضمنوا عدالة النتائج.