هل ستُخفض الطائرة مثلثة البدن استهلاك الوقود إلى النصف؟

شركة ناشئة تسعى لإحداث تغيير جذري بعالم الطيران بتمويل جزئي من البنتاغون

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة تعبيرية عن عودة الطائرات الضخمة بعد اقصاءها - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن عودة الطائرات الضخمة بعد اقصاءها - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

على مدى قرن منذ نشوء الطيران التجاري، بدءاً من طائرة "فورد" ثلاثية المحرك في عشرينات القرن الماضي إلى طائرات "بوينغ" و"إيرباص" الضخمة الحديثة، استمر ثابت أوحد هو أن الطائرات بدنها أسطواني يبرز منه جناحان تحتهما محركات ولها أذيال تكسبها التحكم والثبات. كما أن الطائرات تتشابه من الداخل، فهي تأتي بممرين اثنين مع صفوف من المقاعد، وفي بعض الحالات تجد إضافات فخمة مثل سلالم أو صالات لركاب الدرجة الأولى.

لكن شركة "جيت زيرو" (JetZero) الناشئة تطرح مشروعاً من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في هذا التصميم، فهو يتمحور حول صنع طائرات مثلثة البدن تشبه سمكة شيطان بحر ضخمة تحلق في السماء. يأتي تصميم هذه الطائرة ببدن أقصر ولكنه واسع بما يكفي لتتمكن من الارتقاء والتحليق، كما يستغني عن الذيل بمحركين متراكبين يحققان أغراض الدفع والثبات في آن واحد.

محاولات سابقة

تقول "جيت زيرو" إن تصميمها يضم مزايا عدة يفوق عبرها الطائرات التقليدية، فطائرتها ستكون أقل ضجيجاً وأكثر ثباتاً كما أن كفاءة استخدام مساحاتها الداخلية أعلى، إذ إن مقصورتها المثلثة تضم ثلاثة ممرات، فيخفف ذلك الازدحام لدى استقبالها الركاب. كما أنها أخف وزناً، ولا تحتاج إلى محركات أكبر من تلك التي تدفع الطائرات ذات الممر الأوحد. تقول الشركة الناشئة إن طائرتها ذات الجناح المدمج، كما تسميها، تتسع لـ250 شخصاً، أي ما يوازي سعة طائرة ذات بدن واسع مثل "بوينغ 767"، لكنها تستهلك نصف كمية الوقود.

يعود المفهوم الأساسي لهذه الطائرة إلى أكثر من قرن حين سجل هوغو يانكرز الألماني براءة اختراع جناح طائر بعدما أدرك أن شكل بدن الطائرة وذيلها يشكلان حمولة ثقيلة لا تساعد في الرفع. خلال الحرب العالمية الثانية، بنت القوات الجوية الألمانية (لوفتفافه) بعض النماذج عن طائرات مشابهة حملت اسم "هورتن هو 229" (Horten Ho 229)، لكنها لم تبلغ قط مرحلة الإنتاج الواسع. كما أن البنتاغون اعتمد قاذفة "بي 2" الخفية منذ عام 1997، ويجري حالياً اختبارات على خليفتها "بي–21".

درست كل من "بوينغ" و"إيرياص" مفاهيم مستقبلية تدمج بين المقصورة والجناح، ولكنهما ليستا على عجلة من أمرهما لطرح مثل هذه النماذج في السوق. تقول "جيت زيرو" إنها ستبدأ طلعات تجريبية لنموذج حجمه ثُمن حجم الطائرة المستهدفة في ديسمبر، وتسعى لبناء نموذج بالحجم الحقيقي في غضون أربع سنوات.

قال الرئيس التنفيذي للشركة توم أوليري، وهو مدير مبيعات تنفيذي سابق في "تسلا" سبق أن عمل أيضاً في شركة مركبات الأجرة الطائرة "بيتا تكنولوجيز"، إن رواد القطاع اعتبروا أن الوقت غير ملائم لمثل هذه الطائرات، ولكن "موقفنا هو أن الآن هو الوقت المناسب ونحن مسرورون لأننا سنمهد هذا الدرب".

الشركات الناشئة تستعد للتحليق في عالم الطائرات الكهربائية

كسر هيمنة "إيرباص" و"بوينغ"

تهمين "إيرباص" و"بوينغ" على قطاع الطيران منذ عقود، وكسر احتكارهما للقطاع ليس مهمةً سهلةً. مع ذلك، تمكّن بعض اللاعبين من إثبات وجودهم، مثل "إمبراير" (Embraer) البرازيلية المتخصصة بالطائرات الأصغر حجماً، إلا أن عدد موظفيها أكبر بكثير من منسوبي "جيت زيرو"، الذي لا يتجاوز 75 موظفاً. كما حاولت الصين دخول السوق من خلال "كوماك سي 919" (Comac C919)، وكانت هناك محاولة روسية مع طائرة "سوخوي سوبر جت" (Sukhoi Superjet)، ولكن لم تتمكن أي منها بعد من تحقيق نجاحات واضحة.

بعدما شارفت شركة "بومباردييه" (Bombardier) على الإفلاس بسبب طائرات "سي- سيريز" (C-Series) التي تقدم بديلاً أصغر حجماً لطائرات الممر الواحد من صنع "بوينغ" و"إيرباص"، فباعت الشركة الكندية المشروع إلى "إيرباص" مقابل دولار واحد عام 2017.

يُعزى جزء من صعوبة دخول السوق إلى القوانين الناظمة المعقدة، حيث تستغرق الموافقة على طائرة نحو عقد، ما يضطر الشركات إلى تكبّد مبالغ طائلة على التطوير فيما تكون مبيعاتها ضئيلة أو معدومة. يضاف ذلك إلى مليارات الدولارات اللازمة لخطوط التجميع وشبكة موردين من حول العالم. كذلك، فإن شركات الطيران اعتادت على بساطة وجود موردين أساسيين فقط، ما يساعدها على ضبط تكاليف التدريب والصيانة.

لكن كما الحال في صناعة السيارات، يوشك قطاع الطيران أن يشهد تغييرات جذرية فيما يسعى المصنعون إلى بلوغ حياد الانبعاثات بحلول 2050. لذا تعج السوق بمستجدين يسعون لإعادة تعريف الطيران التجاري من خلال شركات ناشئة مثل "أرشر أفيايشن" (Archer Aviation) و"جوبي أفيايشن" (Joby Aviation) و"ليليوم" (Lilium)، التي طرحت مركبات الأجرة الطائرة، وهي عبارة عن طائرات كهربائية ما تزال قيد التجربة.

تجرب "إيرباص" استخدام الدفع الهيدروجيني الذي يمكن أن يشغّل يوماً في المستقبل طائرة مدمجة بأجنحتها. قبل نحو عقد، جربت "بوينغ" بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" نموذج جناح مدمج يُعرف باسم "أكس–48"، إلا أنها لم تتقدم نحو المرحلة التجارية، أمّا المهندسون الذين قادوا هذا الجهد فيعملون الآن لصالح "جيت زيرو".

لقد أعلنت كل من "إيرباص" و"بوينغ" أنهما لا تعتزمان طرح أي طرازات جديدة بالكامل قبل منتصف أو نهاية العقد المقبل، كما أنهما تخططان للعمل على تحسينات أقل تكلفة، مثل إضافة محركات جديدة على النماذج الحالية. قال أوليري: "نحن ندخل مرحلة في السوق حيث الطلب مرتفع جداً والعرض معدوم".

"جوبي" تطلق سيارات أجرة طائرة "رخيصة" بحلول 2026

استخدامات دفاعية

تتعاون "جيت زيرو" مع شركاء أقوياء، فهي ستحصل على مساعدة في تصميم نموذجها وبنائه من مجموعة "نورثروب غرومان" (Northrop Grumman) صانعة "بي 2" وطائرة "وايت نايت تو" (WhiteKnightTwo) التابعة لـ"فيرجن أتلانتيك" (Virgin Galactic)، التي تحمل الركاب إلى طبقة الستراتوسفير مقابل المال.

قال ريتشارد أبو العافية، المدير الإداري في الشركة الاستشارية "أيرو ديناميك أدفيزوري" (AeroDynamic Advisory) إنه بين شركات الدفاع الكبرى "(نورثروب غرومان) هي الأكثر تطلعاً إلى الأمام وأعتقد أنها الأكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة، فتبدو الخيار الطبيعي".

وكانت القوات الجوية الأميركية تعهدت بتقديم 235 مليون دولار لتسريع جهود إنجاز المشروع. وفي حال سارت الأمور وفق المخطط المرسوم لها، فإن "جيت زيرو" ستبدأ العمل مع الهيئات الناظمة من أجل ترخيص طائرة ركاب متوسطة الحجم بحلول منتصف الثلاثينيات، ويمكن أن تليها طائرات شحن عسكرية وطائرات للتزود بالوقود، لتحل في نهاية المطاف مكان طائرات الصهريج من "بوينغ" التي تزود طائرات سلاح الجو بالوقود.

يرى قادة البنتاغون المتحمسون لتقنيات تمنح أميركا تفوقاً على الصين في الضجيج المنخفض التي تصدره طائرة "جيت زيرو" ومداها الأطول فوائد لدى استخدامها في المعارك. وقال مساعد وزير الدفاع لشؤون القوات الجوية رافي تشودري عند إعلان الدعم للشركة في أغسطس "لا وقت لنضيعه".

مع ذلك، مسار هذه الطائرات تعتريه عدة عقبات محتملة. إذ يقرّ أبو العافية أن الدعم الحكومي لن يغطي إلا نصف تكلفة النماذج الأكبر حجماً، ما يعني أن على فريق أوليري أن يجد المستثمرين المناسبين لتعويض الفارق. كما أن إقناع شركات الطيران وحتى المسافرين بتغيير الوضع القائم حالياً لن يكون سهلاً، أضف لذلك أن البنية التحتية للمطارات مثل الممرات وأجهزة التحميل معدّة للطائرات أنبوبية الشكل.

أقرّ أوليري أن القطاع محافظ ولا يحبذ التغيير، ولكنه يصر أنه ما إن ترى شركات الطيران والركاب هذه الطائرة تحلق ويفهمون فوائد التغيير الجذري في التصميم، فهم سيغيرون آراءهم بسرعة. قال: "اختبرنا النموذج على مستوى مصغّر ولكن لم يتم بناؤه بعد... عليهم أن يروها بالحجم الحقيقي، ليتثبتوا من أن هذه الطائرة تساعد على التخفيف من استهلاك الوقود ومن الانبعاثات بشكل هائل، وهذا أكثر ما يهمنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك