بلومبرغ
تقول "غوغل" إنها بذلت جهوداً حثيثة منذ بداية غزو أوكرانيا عام 2022 لتحد من قدرة حكومة رئيس روسيا فلاديمير بوتين على استخدام خدماتها من أجل نشر المعلومات المغلوطة، إلا أن خدمة "ديسكفر" (Discover) الرائجة على الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل "أندرويد" تواصل نشر الدعاية المضللة للمتلقين الروس.
تظهر "ديسكفر" على شكل موجز محتوى عبر متصفح "كروم" على أجهزة "أندرويد"، حيث تمتزج تكهنات الأبراج مع الآراء حول ألعاب الفيديو والمقالات الإخبارية، فتُعرض جميعها بأسلوب متشابه، فتظهر صورة كبيرة مرفقة بكتابة بطباعة صغيرة جداً تبيّن المصدر.
إلا أن معظم المواقع التي تظهر هنا لديها أجندات تتعدى الترفيه العادي. في السادس من أكتوبر، قاد رابط عن "نصر صخم" للقوات الجوية الروسية يظهر صورة لتشكيل من مقاتلات "سوخوي" تحلق فوق الكرملين إلى موقع قناة "تسارغراد" (Tsargrad) المعروفة بنشر محتوى يميني متطرف يتضمن أكاذيب فجّة ومعلومات مضللة، منها مقال يحمّل أوكرانيا مسؤولية ضربة روسية قتلت 52 مدنياً في منطقة خاركيف، ومقال آخر يزعم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجنّد مقاتلين من الدولة الإسلامية.
تخارج الشركات الأجنبية من روسيا يتطلب دفع ضريبة جديدة
بلغ متوسط عدد الزيارات التي أُحيلت عبر "غوغل" إلى موقع "تسارغارد" أكثر من 200 ألف يومياً، وهي قناة تابعة لرجل أعمال روسي حليف للكرملين هو قسطنطين مالوفيف، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جراء دوره في تأجيج أعمال العنف المؤيدة لروسيا في أوكرانيا، وذلك قبل زمن طويل من إعلان بوتين الغزو الشامل. كما تظهر وسائل إعلامية أخرى مؤيدة للكرملين عبر "ديسكفر" مثل صحيفة "كومسولسكايا برافدا" (Komsomolskaya Pravda).
منع الدعاية الروسية
قالت "غوغل" إنها استطاعت أن تحد من "العمليات المعلوماتية" الروسية التي تهدف لحشد تأييد الرأي العام المحلي للحرب. وقالت في تقرير قدمته في 26 سبتمبر إلى الاتحاد الأوروبي حول جهودها لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت إن "موسكو استغلت كامل طيف العمليات المعلوماتية، من وسائل الإعلام المدعومة صراحة من الدولة حتى المنصات والحسابات المموهة التي تعمل على تشكيل الرأي العام تجاه الحرب... لقد عطلت (غوغل) 1950 نشاطاً روسياً في مجال العمليات المعلوماتية على منصاتها منذ 2022".
تضمنت الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الشركة حجب ناشرين تمولهم حكومة روسيا، مثل قناة "آر تي" (RT)، من قائمتها الإخبارية وتوقفت عن الدفع لها مقابل المحتوى. في المقابل، وفي إطار التشديد على وسائل الإعلام في وقت الحرب، حظرت حكومة خدمة "أخبار غوغل" في روسيا، في حين ما تزال خدمات أخرى من "ألفابيت" مثل "يوتيوب" وخدمة بحث "غوغل" متاحة. يُستخدم نظام تشغيل أندرويد التابع لـ"غوغل" على أكثر من 80% من أجهزة الهاتف النقال في روسيا وهي تضم خدمة "ديسكفر" التي غالباً ما تضخم الإعلام المؤيد لبوتين.
على الرغم من تسويق "ديسكفر" على أنه منتج للبحث وليس إخبارياً، إلا أن معظم ما يرشحه لكثير من مستخدمين حين يفتحون نافذة كروم على الهاتف الذكي يكون على شكل مقالات، ما يعطيه طابع موجز إخباري. يقبل على هذه الخدمة نحو مليار مستخدم نشط حول العالم، إلا أن "غوغل" لا تقدم معلومات تفصّل انتشار المستخدمين جغرافياً. قال موظف في "غوغل" مطّلع على المنتج طلب عدم الكشف عن اسمه بسب مناقشته مسائل داخلية، إن الخدمات الناطقة بالروسية لم تعد أولوية للشركة بعد انسحابها من روسيا العام الماضي.
المصداقية معياراً
قال الموظف إن خدمة "ديسكفر" تدرّ إيرادات أقل من خدمة البحث من "غوغل"، بالتالي فإن ميزانيتها المخصصة لمنع إساءة الاستخدام أقل. وبيّن موظفان آخران في "غوغل"، طلبا أيضاً عدم كشف هويتهما، أن الشركة أشارت داخلياً إلى أن خدمة "ديسكفر" تطرح مشكلة.
تقول "غوغل" إنها منذ بداية الحرب حدّت إلى درجة كبيرة من الطريقة التي تظهر فيها وسائل الإعلام الممولة من الحكومة الروسية في منتجتاها، بما فيها "ديسكفر". وأشارت المتحدثة باسم الشركة ميغان فرانسوورث إلى أن "المحتوى يأتي من الويب المفتوح، لكننا نهدف لأن يظهر عبرها محتوى تظهر فيه الخبرة والمصداقية والموثوقية... لدينا سياسات صارمة نلزم بها الناشرين حتى يظهروا عبر (ذيسكفر) ، كما يُحذف المحتوى المخالف".
لا تتضح الطريقة التي تعتمد عبرها "غوغل" خياراتها بشأن ما تروجه في روسيا. في 18 مايو، توقفت عن توجيه المستخدمين نحو موقع "كوميرسانت" (Kommersant)، وهي إحدى أقدم الصحف المتخصصة بالأعمال في البلاد، حسب كيريل أوربان، مدير القسم الرقمي في الصحيفة ونائب رئيس تحريرها. يملك الحصة الأكبر في تلك الصحيفة خامس أثرى رجل في روسيا وهو أليشر عثمانوف، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات منذ بداية الحرب، لكن وزارة الخزانة الأميركية أصدرت رخصة عامة لـ"كوميرسانت" تحميها من العقوبات.
قال أروبان إن الصحيفة كانت تتلقى ما معدله 1.1 مليون نقرة يومياً في الشهر الذي سبق إقصاؤها بالكامل، وكانت 40% من الإحالات إلى موقعها تأتي عبر "غوغل". كما أشار في مقابلة عبر الهاتف من موسكو إلى إن "(ديسكفر) مصدر بالغ الأهمية لجلب الزوار، كما أنه نافذة على الإنترنت لكثير من الناس، ولكن لم يكن هناك أي اتصال مع غوغل ولا يمكن طلب مراجعة قرارها".
لا اعتراف بالمشكلة
تحاول "تسارغارد" أن تعزز تواجدها من خلال شبكة مواقع تعيد نشر مقالاتها وعناوينها حرفياً، فقد نشرت مواقع مغمورة مثل "ثيرد ورلد وور" (Third World War) ووكالة "خاكاسيا" (Khakasiya) للإعلام موضوع سلاح الجوي الروسي، ما زاد من انتشار المقال. كما يمكن التلاعب بـ"ديسكفر" بطرق أخرى مثل متابعته إلكترونياً لاكتشاف المفردات التي تستقطب إقبالاً جيداً أو عبر تضخيم عدد الزيارات لموقع محدّد من خلال نقرات مزيفة. لم يستجب متحدثون باسم "تسارغراد" و"كومسمولسكايا برافدا" لطلبات بالتعليق.
تعود بعض الصعوبات التي تواجهها "غوغل" في هذا المجال إلى الموقف المتشدد الذي اتخذته ضد الإعلام الحكومي الروسي الذي يهيمن على المشهد الإعلامي المحلي. بما أن "ديسكفر" لا تقدم روابط لتلك المواقع الحكومية، فهي مضطرة للترويج لما يتبقى، بما يشمل مصادر لا يُعرف من يملكها أو تتضمن محتوى يولّده الذكاء الاصطناعي، حسب ليف غيرشينزون، وهو رائد أعمال من أصل روسي مقيم في برلين كان مديراً للقسم الإخباري في محرك البحث الروسي "يانديكس" (Yandex) حتى عام 2012.
تتبع غيرشينزون أصل المشكلة باستخدام أداة "لايف إنترنت" (LiveInternet) التي تضع عدّادات على المواقع الإلكترونية بغرض تحديد مصدر الزيارات لها. أظهرت هذه العدادات أن خدمة "ديسكفر" حوّلت أكثر من 20 مليون نقرة في اليوم إلى وسائل إعلام روسية، علماً بأن الخدمة تحيل أيضاً مستخدميها إلى مواقع لا تراقبها "لايف إنترنت". وقد أظهرت لقطات شاشة اطلعت عليها بلومبرغ بزنيسويك أن "ديسكفر" تحيل أيضاً مستخدمين إلى موقع "زِن" (Zen) للأخبار الترفيهية الذي باعته شركة "ياندكس" العام الماضي إلى شبكة التواصل الاجتماعي "في كيه" (VK) ،التي يملكها نجل أحد كبار مستشاري بوتين.
الترويج لـ"تسارغارد" صادم أيضاً نظراً لتاريخ "غوغل" مع القناة. كان موقع "يوتيوب" قد حظر مقاطعها المصورة منذ 2020، ما جعل محكمةً روسيةً تغرم الشركة ودفع ذلك بوحدة "غوغل" المحلية لإشهار إفلاسها العام الماضي.
روسيا تشدد الخناق على "غوغل" وتغرمها 98 مليون دولار
مع ذلك، يستمر الموقع بكسب زوار وحضور عبر "ديسكفر"، فيما تقول "غوغل" إن السياسات التي تعتمدها تختلف باختلاف المنتجات. يرى غيرشينزون، الذي أطلق مؤخراً موقعاً لتجميع الأخبار يحمل اسم "ترو ستوري" (True Story) وقد حظرته روسياً فورياً، أن "دور غوغل في نشر الدعاية المؤيدة للحرب يزداد سوءاً... إصلاح المسألة لا يجب أن يكون صعباً، لكنهم لم يعترفوا بأن هنالك مشكلة".