بلومبرغ
لاحظت كيمسوكا أيار، 34 عاماً، فيما كانت تتنزه في يناير حول بحيرة سانكي تانك الاصطناعية المحاطة بالخضرة في بنغالورو، أن عشرات الأشجار قد مٌهرت بحرفي (X) و(O) بالأحمر والأسود. فهمت أيار، وهي مسؤولة تسويق تنفيذية نشأت وترعرعت في المدينة التي ما يزال عديد من سكانها يطلقون عليها اسم بانغلور، المقصود من تلك العلامات: الأشجار كانت ستُقطع.
لم يمض أمد طويل حتى اكتشفت أيار أن الحكومة وافقت على إنشاء طريق سريع جسري يحاذي البحيرة، وكان لابد من قطع الأشجار تمهيداً لإنشائه، ولم يكترث أحد باستشارة المقيمين قرب المنطقة. قالت أيار: "لقد غضب الناس... بمجرد أن تُقطع الأشجار فلن تعود أبداً".
منذ ما لا يزيد عن 30 عاماً، كانت بنغالورو تُعرف بأنها مكان هادئ يختاره أغنياء الهنود للتقاعد، وذلك لأجوائها العامة الأشبه ببلدة صغيرة ومناخها الأميل للاعتدال. كانت قنوات مائية تكاد لا تحصى حصراً متصلة بنحو 200 بحيرة، فيما كانت منازلها البسيطة غير الطابقية تتجمع في أحياء أشبه بالحدائق، وكان يسهل التنقل بالدراجة الهوائية بين جميع أرجائها.
اليوم، تظهر على المدينة أعراض سرعة التطوير الهائلة. جعل قطاع خدمات تقنية المعلومات في الهند، البالغ حجمه 194 مليار دولار، من بنغالورو ما يشبه وادي سيليكون محلياً. في ضوء الازدهار الاقتصادي، فاق التعداد السكاني في المدينة ثلاثة أضعافه منذ 1990، إذ وصل إلى 13 مليوناً. في سبعينيات القرن الماضي، كانت الأشجار تكسو نحو 70% من بنغالورو، أما اليوم، فتبلغ نسبة المساحة التي تظللها أقل من 3%، وفقاً للمعهد الهندي للعلوم. كما صنفت صانعة برمجيات نظم الملاحة "توم توم" (TomTom) المدينة العام الماضي بأنها أكثر المناطق التي يعرقل فيها الازدحام حركة المرور في الهند (والخامسة عالمياً).
تدهور الوضع
تعدت الإنشاءات غير القانونية على عديد من القنوات، فأدى ذلك إلى فيضانات عارمة خلال العواصف المطرية. في مايو، تسبب فيضان مفاجئ بوفاة موظف من شركة "إنفوسيس"، عملاقة خدمات تقنية المعلومات. وبعد هطول أمطار غزيرة قبل عام، امتلأت القنوات الإخبارية المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بصور لمنازل فاخرة أغرقها الفيضان ولأشخاص يدفعون مركباتهم المعطلة وسط المياه. دفعت العواصف لإغلاق الطريق الدائري الخارجي، حيث توجد مكاتب لمؤسسات مثل "غولدمان ساكس" و"مايكروسوفت".
ألقى كريشنا باير غودا، وزير الإيرادات بولاية كارناتاكا التي تضم المدينة، باللوم على الانتشار الفوضوي للكسب غير المشروع الذي سمح للمطوّرين بإنشاء مشروعات إسكان دون إنشاء طرق تربطها أو مرافق صرف صحي أو بنية تحتية للمياه. قال غودا إن البنّائين "لا يسلكون قناة الجهات التنظيمية ولا يحصلون على الموافقات المطلوبة... إنهم يبحثون عن طرق مختصرة".
مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً
طلب باير غودا من البنك الدولي قرضاً حجمه 30 مليار روبية هندية (362 مليون دولار)، وقال إن بنغالورو بحاجة لأن تبدأ بإزالة ما يعيق مجاري مياه الأمطار وإنشاء بنية تحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي والتعامل مع تهديدات تغير المناخ بشكل أفضل. كما حذّر باير غودا من أن متاعب المدينة متعددة ومتشعبة، ولن يسهل حلها، وقال: "لقد تأخرنا كثيراً في تخطيطنا".
متنفس للسكان
تمكنت بعض مناطق بنغالورو من الاحتفاظ بطابعها الريفي. توفر حديقة كابون، وهي إحدى الملاذات الخضراء المتبقية في المنطقة، متنفساً بعيداً عن الازدحام المروري الصاخب الذي يحيط أرضها، ومساحتها 198 فداناً. يحمي الحديقة نشطاء من المواطنين تصدوا لمحاولات متكررة للتشييد على بعض المساحات الممتدة الخضراء. على مدى سنوات، رفع السكان دعاوى ضد حكومة الولاية لمنع التطوير، وشكّلوا في بعض الأحيان سلاسل بشرية لمنع إنشاء الطرق السريعة.
ألهمت نجاحات تلك المجموعة السكان حول بحيرة سانكي تانك، التي سُميت باسم العقيد البريطاني الذي حفرها قبل 140 عاماً. حين انتشر الخبر عن خطط إنشاء الجسر العلوي، كتب السكان المحليون إلى وكالات المدينة ورئيس وزراء ولاية كارناتاكا، وطلبوا توقيف العمل في المشروع. قالت بريتي سوندراجان، وهي راقصة تعيش في المنطقة، إن مجرد اكتشاف المسؤول عن تشييد الطريق الجسري كان صعباً، وذلك لأنه "لا أحد يعلم ما الذي يفعله الطرف الآخر".
مشروع غير مدروس
نشر أكاديميون محليون تقييماً للتداعيات البيئية في فبراير بعدما حصلوا على خطط الحكومة. وجدت المجموعة أن هناك 55 شجرة ستُقطع، فيما جاء في تقرير رسمي نشرته البلدية أن القطع سيطال 39 شجرة.
قالت المجموعة إن قطع الأشجار لتشييد الطريق الجسري سيضر بجودة الهواء والماء ويزيد من الضوضاء في المنطقة، ويهدد 88 نوعاً من الطيور التي تعيش قرب البحيرة. اقترح السكان أن تحويل إشارات المرور لتعمل آلياً بالتزامن وتحسين خدمات النقل العام وإضافة ممرات للمشاة، سيكون أفضل وأرخص بكثير من بناء الطريق الجسري.
الأشجار ليست حلاً لمواجهة تغير المناخ بدون الحيوانات
في ندوة للسكان، قال بي. إس. براهالاد، وهو مهندس يعمل في البلدية، إن مستويات الازدحام المروري المتزايدة تطلبت إنشاء "طريق فوق الطريق". ثم أشار المهندس إلى أن الطريق الجسري المخطط له قرب البحيرة قد يزيد الازدحام في المنطقة المتاخمة لها، لذا فإن الحل الحقيقي هو إنشاء سلسلة طرق جسرية. قالت أيار: "أصبح واضحاً جداً أنهم لم يفكروا في الأمر ملياً. المشروع غير منطقي أبداً لأنه سيتسبب في ستة اختناقات مرورية في تلك المسافة الكبيرة. سيزداد وضع الحركة المرورية سوءاً منذ اليوم الأول".
مسيرة احتجاجية
قرر السكان المستاؤون تنظيم مسيرة صامتة حول البحيرة صبيحة يوم أحد من فبراير. في خطوة تهدف للالتفاف حول القواعد التي تقصُر الاحتجاجات على مساحة محدودة في وسط المدينة، طلب السكان من المشاركين في المسيرة ارتداء ملابس سوداء اللون بالكامل وتجنب حمل لافتات أو عرقلة حركة المرور.
أثناء استعدادهم للمسيرة، تلقّى بعض المنظمين اتصالات من الشرطة تنصحهم بإلغائها. بعد شهر من الاحتجاج، اكتشف 70 مشاركاً أنهم رهن التحقيق في اتهامات بتجمع مخالف للقانون وتعطيل الحركة بشكل خطير. قال كريشنا بانيام، أحد سكان المنطقة: "لقد قرروا فرض أقصى عقوبة علينا".
في خطاب موجه لمفوض الشرطة، حاجج السكان بأنه "ليس معقولاً أن تُعتبر مسيرة صامتة للسكان حول بحيرة في منطقة ما جريمة من أي نوع، ناهيك عن اعتبارها من الجرائم الخطيرة". في مايو، بعد أن فاز حزب المؤتمر المعارض في انتخابات ولاية كارناتاكا، مزيحاً حزب "بهاراتيا جاناتا" التابع لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، أُسقطت الدعاوى فجأة وبات مشروع الطريق الجسري معلّقاً.
حلول ممكنة
ركز حزب المؤتمر في حملته على ما أسماه فساد القادة المحليين لحزب بهاراتيا جاناتا وعلى الصفقات التي أُبرمت بشكل ودي بعيداً عن الأعين مع متعاقدين في الولاية. منذ توليها مهامها، التقت الحكومة الجديدة بمسؤولين تنفيذيين في قطاع الأعمال لبحث حلول ممكنة للتحديات في بنغالورو. شارك راجيف غودا، الذي لا تربطه صلة قرابة بوزير الإيرادات في الولاية، في تلك الجهود، وهو نائب سابق في البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر وعضو بلجنة مسؤولة عن دراسة مشكلات العمران في بنغالورو.
أشار غودا إلى زيادة في استخدام وسائل النقل العام بعدما أتاحت الولاية خدمة التنقل بالحافلة دون مقابل للنساء، كما قال إن المدينة تستهدف شراء أربعة آلاف مركبة إضافية لتوسيع الخدمة. قال غودا إن تمويلاً قد خُصص لاستكمال عملية توسع مؤجلة منذ فترة طويلة لنظام خطوط المترو لتصل إلى المطار والمناطق السكنية التي تخنقها حركة الركاب. كما تُستحدث وكالة للتنسيق في متاهة التنفذ المتداخلة والمتنافسة في المدينة.
لكن الأمور الأكثر إثارة للجدل هي مقترحات إنشاء شبكة طرق سريعة تحت الأرض تعبر المدينة بتكلفة تناهز 500 مليار روبية، إذ قال خبراء التخطيط العمراني إنها ستفاقم الأخطاء المتكررة التي سببتها السيارات في بنغالورو.
قال غودا إن القيادة الجديدة لم تستبعد حفر الأنفاق، التي قد تُستخدم أيضاً في النقل العام. لكنه أوضح أن أي استثمارات في البنية التحتية ستُنفذ في ضوء الانتخابات الوطنية العام المقبل. قال: "سيمثل ذلك نموذجاً يُعرض لبقية أنحاء البلاد"، إذ إن قادة حزب المؤتمر في المدينة "يسعون لأن يكون تراثهم: ماذا قدّم هذا الشخص لبنغالورو؟".