بلومبرغ
أكبر سبب ينفر الناس عن متاجر "ستاربكس" هذه الأيام ليس أنهم يدفعون 7 دولارات لقاء كوب لاتيه بالفانيلا والبن خفيف التحميص بحجم نصف لتر، ولا أن عدد حريرات 700 ميليلتر من فرابتشينو معدّ من بن المخا والكعك المفتت يبلغ 590 حريرةً، بل هو طول فترة الانتظار.
أظهرت استبيانات من شركة "تكنوميك" (Technomic) للأبحاث أن ثلث الزبائن ينتظرون أكثر من خمس دقائق للحصول على كوب قهوة، بدءاً من لحظة الطلب. يرجع ذلك من حيث الأساس إلى كثرة الخيارات المتاحة وميل الزبائن المتزايد لتحديد مواصفات خاصة في مشروباتهم مثل إضافة نكهات مختلفة وتنويع كمية القهوة الأساسية والرغاوى الباردة، وهو ما يعني أن خيارات مشروب لاتيه وحده تتيح تنوعات، تبلغ حسابياً 383 ملياراً.
يُربك التنوع الذي لا يُحصى عاملي "ستاربكس" منذ سنوات، وقد ساهم ذلك بإطلاق شرارة حركة نقابية في الشركة. اعترف برايدي بروير، مدير التسويق، خلال العام الماضي بالمشكلة، إذ قال للمستثمرين إنه يطلب من أبنائه تبسيط طلباتهم المعقدة، "لأنني أشفق على الشخص الذي سيُعد المشروب".
إعادة ابتكار العملية
رد "ستاربكس" هو ما يصفه هاورد شولتز، وهو مصدر الإلهام للآخرين بالشركة منذ أن اشتراها في 1987، بأنه "إعادة ابتكار العملية". تنفق الشركة مليارات الدولارات لتقليص فترة إعداد كل شيء تقريباً ببضع ثوانٍ، إذ تُجدد طرق إعداد كل كوب من القهوة وفرابتشينو وخفق الرغوة الباردة الرائجة. بل إنها تتحول نحو استخدام مكعبات ثلج أصغر لأن غرفها أسهل.
قالت رايتشل روغيري، المديرة المالية بالشركة، للمستثمرين في يونيو إن الخطة، التي تنطوي في جوهرها على تقليص المسافات بين المكونات وتنظيم عمليات إعداد القهوة، "هي أكبر تغيير نخوضه على الإطلاق". اجتازت "ستاربكس" جائحة كورونا كما كثير من المطاعم، فقد هوت مبيعاتها خلال فترات الإغلاق لتعاود الارتفاع مع إعادة فتح العالم. وزادت الجائحة من الضغوط على العمال المثقلين، إذ كثّف الزبائن طلب مشروباتهم عبر الإنترنت، لسهولة اختيار ما يوافق أهواءهم.
يعرض الزبائن فواتيرهم، التي تحتوي على طلبات مشروبات بها عشرات المكونات، على وسائل التواصل الاجتماعي بفخر، كما ينشرون "وصفات سرية" مثل مشروب يحتوي على نحو 900 ميليلتر من الشاي الأسود المثلج مع الفراولة المهروسة و18 ضخة من قطر الذرة. تمثل التفاصيل الدقيقة مصدر دخل، وذلك لأن "ستاربكس" تتقاضى مبلغاً أكبر مقابل الإضافات التي تحقق إيرادات تفوق مليار دولار سنوياً. لكن هذه الإضافات تُبطئ تحضير المشروبات.
خطة شولتز
تولى شولتز منصب رئيس الشركة التنفيذي للمرة الثالثة العام الماضي، بهدف إعادة سلسلة المتاجر إلى المسار الصحيح بعد استقالة خلفه كيفن جونسون فجأةً. بعد جولة في عدد من المتاجر استمع فيها إلى آراء العاملين، أشرف شولتز على وضع خطة لتسريع وتيرة العمل، ثم أخبر وول ستريت أن الشركة، التي تكاد مبيعاتها تبلغ 40 مليار دولار، ستُسرّع وتيرة نموها.
حجم "ستاربكس"، التي يتخطى عدد متاجرها 37200 متجر على مستوى العالم ولا تفوقها في ذلك إلا شركة "ماكدونالدز"، معناه أن خدمة خمسة زبائن إضافيين فقط يومياً في كل متجر من شأنه تعزيز الإيرادات السنوية بأكثر من 900 مليون دولار.
في مارس، أصبح لاكسمان ناراسيمهان، رئيس مجموعة "ريكيت بنكيزر" (Reckitt Benckiser) العملاقة للبضائع المعبأة سابقاً، رئيس "ستاربكس" التنفيذي، وهو أول شخص من خارج الشركة يتولى إدارتها. أفرط شولتز في الثناء على خلفه، إذ قال للمستثمرين إن تعيينه يعني الحصول على "الشخص المختار تحديداً".
قال كيفن مكارثي، وهو مدير محفظة لدى "نويبرغر بيرمان غروب" (Neuberger Berman Group)، التي تملك أسهماً في "ستاربكس"، إن التوقعات "بلغت عنان السماء... لا يوجد هامش لارتكاب خطأ تنفيذي".
قالت "ستاربكس" إن التغييرات تساعدها على تقديم مزيد من المشروبات خلال أوقات الذروة وتُحسّن فرص استبقاء القائمين على تحضير القهوة. لكن الشركة ما تزال في طور اختبار بعض العناصر الرئيسية، لذا لم يتضح بعد حجم التعزيز الذي ستقدمه الخطة عن اكتمالها.
كما أن نشر الخطة يتطلب وقتاً أطول مما يريد بعض المستثمرين، وقد ساهم ذلك بانخفاض أسهم الشركة تقريباً إلى المستوى الذي كانت عليه قبل أربع سنوات. في 13 سبتمبر، تنحى شولتز عن عضوية مجلس الإدارة ولم يعد له أي دور رسمي، رغم أنه ما يزال سابع أكبر مساهم، ويوحي التاريخ بأنه سيظل حاضراً وراء الكواليس.
هوية "ستاربكس"
يواجه ناراسيمهان، الذي يعمل أحياناً في المتاجر ليفهم كيف تُدار الأمور بشكل أفضل، السؤال الأكثر جوهرية، وهو ماهية "ستاربكس". لطالما سلطت الشركة الضوء على نسختها الخاصة من ثقافة تناول الإسبرسو الإيطالية، فهي مكان يستطيع الناس الجلوس فيه وقراءة الصحف والتحدث إلى من يعدّون القهوة.
أما الآن، تبلغ نسبة الطلبات من السيارات أو عبر الهاتف أو التوصيل إلى المنزل 74% من إجمالي الطلبات، وتمثل المشروبات الباردة ثلاثة أرباع نشاط الشركة. بل إن الشركة لديها متاجر تتيح استلام الطلب فقط وليس بها منطقة جلوس. قال ناراسيمهان للمستثمرين في مايو: "نُقرّ تماماً بضرورة التطور والتحديث".
قالت "ستاربكس" إنها تستطيع أن تتمسك بجذورها عبر تقديم تجربة تتميز بالدفء والراحة. بيّن ناتاراجان فينكاتاكريشنان، المسؤول التنفيذي الذي يشرف على المعدات في المتاجر، إن الخطة الجديدة من شأنها أن تساعد على تحقيق ذلك، إذ إن تقديم مشروب عصير الليمون بالأناناس والباشن فروت بسرعة قد يوفر، نظرياً، مزيداً من الوقت للعاملين "للتواصل والتفاعل" مع الزبائن.
يصعب فعل ذلك في أوقات الذروة. خلال أحد يوم عمل في أحد متاجر الشركة بولاية نيو جيرسي، كان العاملون يقفون ويلمس ظهر أحدهم الآخر فيما كانوا يعدّون المشروبات، فاضطر عامل تقديم الطعام لأن يشق طريقه بينهم ليسلم الزبائن طلباتهم، وكذلك كان حال آخر يحمل أوعية ثلج قد يصل وزنها إلى عشرين كيلوغراماً. قالت ميغان مارتن، وهي موظفة ثلاثينية من فيرجينيا: "أقول للعاملين الجدد إنه إذا كانت إحدى أيديكم فارغة، فأنتم على الأرجح لا تؤدون مهمتكم بالكفاءة المطلوبة ولا تعملون بالسرعة التي تستهدفها (ستاربكس)".
تغيير جديد
يُعد أكبر تغيير هو تصميم لنضد إعداد القهوة اسمه "سايرن سيستم" (Siren System)، وهو نظام يجمع كل العناصر المطلوبة لإعداد المشروبات الباردة بحيث تكون قريبة من بعضها البعض. يضغط الشخص الذي يعد القهوة على أزرار لإضافة الحليب أو الثلج بدل أن ينحني ليبلغ باطن الثلاجات، كما أن الخلاطات ومضخات الشراب على مقربة منها. لكن "سايرن سيستم" ما يزال قيد التجربة، وتتوقع الشركة أن تحصل عليه 40% فقط من المتاجر في الولايات المتحدة بحلول 2026.
قالت سارة سيناتور، المحللة في "بنك أوف أميركا"، إنه رغم أن ذلك أبطأ مما يرغب به كثير من المستثمرين، فهي تتماشى مع تحديثات ضخمة في سلاسل أخرى وتسمح للشركة بتفادي إغلاق متاجر أكثر مما ينبغي في الوقت نفسه لتجديدها. قالت: "عليك أن تفكر ملياً في مدى سرعة تنفيذ هذه الخطة... إغلاق المتاجر معناه أنك لا تبيع منتجات أثناء تجديدها".
تحديثات في الطريق
تُدخل بعض التحديثات في وقت أقرب، مثل خلاط محمول يخفق الرغوة الباردة، في كل المتاجر التي تملكها الشركة في الولايات المتحدة، وعددها 9500 متجر. في الماضي كان العاملون القائمون على تحضير المشروبات لإعداد رغوة الحليب في خلاط ثابت كثير الاستخدام، ما يبطئ عملية التحضير ويتسبب باصطدام العاملين ببعضهم البعض فيما يتحركون بين وحدة إعداد المشروبات الساخنة وتلك المخصصة للمشروبات الباردة.
يمكن لآلة صنع القهوة الفرنسية التي تعمل بالشفط بدل الضغط "كلوفر فرتيكا" (Clover Vertica)، طحن الحبوب وإعداد كوب من القهوة خلال 30 ثانية بضغطة زر. يعني استخدام النظام القديم طحن وإعداد وعاء من القهوة كل نصف ساعة ثم التخلص مما لم يُباع عندما يحين وقت إعدادها مجدداً. ستكون هذه الآلة موجودة في نحو 40% من المتاجر الشركة في الولايات المتحدة بحلول أكتوبر، لكن وتيرة طرحها تباطأت نظراً لأن الآلة معقدة، إذ قالت الشركة إنها مكونة من 200 قطعة لكنها تحاول تنظيم سلسلة إمداد المكونات.
كما تعمل "ستاربكس" على أن تجعل تقدير فترة الانتظار على تطبيقها أدق، وذلك عبر استخدام بيانات من كل متجر بدلاً من نموذج يعمل على مستوى الشركة بأكملها. تجرب الشركة ألواحاً بقائمة رقمية تنبه الزبائن حين يكون طلبهم جاهزاً. كما تعمل على تطوير آلة لصنع القهوة الباردة خلال دقائق بدلاً من عملية يستغرق إكمالها الليل بطوله حالياً.
قالت "ستاربكس" إن تعليقات الموظفين على التحديثات كانت "إيجابية بشكل كبير". لكن بعض العاملين ما يزالون يشككون في الفارق الذي ستحدثه تلك التحديثات، إذ قالوا إنه يصعب التوفيق بين أهداف الشركة، نظراً لأنها تقيّم العاملين على أساس تفاعلهم مع العملاء فيما تعد موظفي وول ستريت بخدمة أسرع. قالت زوي كاستر، المسؤولة عن إعداد القهوة في متجر في مدينة نيويورك: "الأمر وكأنهم يقولون: عليك أن تكوني ودودة أكثر وما إلى ذلك... لكن نحن نعمل بما يفوق طاقتنا، لأنه ليس لدينا من يكفي من العاملين".