بلومبرغ
كان حلم نِك ويلر حين كان طالباً في المدرسة الثانوية أن ينضم لقوات مشاة الجيش الأميركي الخاصة، وقد حقق ذلك خلال عقد أمضاه عسكرياً وصار في نهايته قائداً لفريق من قوات خاصة قوامه 12 فرداً كان يتمركز في أوروبا الشرقية.
بعد انقضاء فترة خدمته، قدّم ويلر طلبات التحاق لعدد من برامج ماجستير إدارة الأعمال. في اليوم التالي لمقابلة مع كلية هارفرد للأعمال، التقى ويلر بزميل سلاح التحق بالبرنامج وسأله عن خططه للمستقبل. وقد شعر بالحيرة حين أجاب بأنه يود أن يبدأ مشروع "صندوق بحث" يجمع الأموال للعثور على شركات صغيرة والاستحواذ عليها ثم إدارتها. يستذكر أنه سأله: "بحق الجحيم، عن ماذا تتحدث؟" وأضاف: "لقد بدت كفكرة سخيفة".
أحرز ويلر شهادة ماجستير إدارة الأعمال في مايو 2022 واتصل خلال العام الماضي مع أزيد من 5000 شركة سعياً للعثور على ما أسماه "البائعة الذهبية"، وهي شركة مثالية تستفيد من مهاراته القيادية التي صقلها خلال خدمته في الجيش والقدرات التي طوّرها في كلية هارفرد للأعمال. كاد ويلر أن يتمّ صفقتين، لكنه فشل في مسعاه دون أن يفتّ ذلك من عزيمته، إذ يقول إن أداءه يكون على أحسنه حين تكون الرؤية ضبابية، وأن هذا "ليس حال أغلب الناس".
مسار جذاب
بدأ مسار ويلر المهني يصبح أكثر شيوعاً بين خريجي إدارة الأعمال. هنالك اختلاف بين ما يسمى ريادة الأعمال عبر الاستحواذ وبين النمط الأشهر وهو إقامة الشركات الناشئة بدعم من رأس المال الجريء، وذلك لأنه ينطوي على الاستحواذ على شركة قائمة بالفعل لا على شركة عليه أن ينشئها، مع إمكانية تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية والملكية.
بدأت ريادة الأعمال عبر الاستحواذ في جامعة هارفرد في 1984، حين ساعد إيرف غروسبك، رائد الأعمال الذي أصبح مدرساً في الجامعة، بعض الطلاب على تطوير أداة استثمارية مكّنت رواد الأعمال الطموحين من الاستحواذ على شركة وإدارتها. انتقل غروسبك بعد فترة وجيزة إلى كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد وأخذ معه فكرة صناديق البحث.
بقيت الفكرة هناك لسنوات، وظلت مقتصرة بشكل رئيسي على حفنة من برامج ماجستير إدارة الأعمال في جامعتي هارفرد وستانفورد. لكن زيادة الاهتمام حديثاً بريادة الأعمال عبر الاستحواذ وبالاستثمار فيها دفعت بالفكرة إلى الأضواء.
يرجع ذلك جزئياً إلى أن الاهتمام بريادة الأعمال يزداد حين تتضاءل فرص توظيف حاملي ماجستير إدارة الأعمال، كما هو الحال هذا العام. تباطأت التعيينات في مجال الاستشارات والقطاعات المالية والتقنية التي عادةً تُعيّن أغلب خريجي ماجستير إدارة الأعمال، كما أن من يحصلون على الوظائف متخصصين في مجالات رائجة مثل تعلّم الآلة وتحليل البيانات، وليسوا من أصحاب الشهادات غير التخصصية.
قال رويس يودكوف، الأستاذ بكلية هارفرد للأعمال الذي يُدرّس مقررات تعليمية عن ريادة الأعمال عبر الاستحواذ مع زميله ريتشارد روباك منذ 12 عاماً: "حين تزداد صعوبة ظروف العمل، يجذب هذا المجال مزيداً من الناس". لكن بيتر كيلي، المحاضر بكلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد، قال إن هذا ليس الدافع الأساسي. كيلي مسؤول عن تحرير دليل إرشادي يعتبره طلاب ماجستير إدارة الأعمال أم الكتب. قال كيلي إن تزايد أعداد رواد الأعمال في المجال ساهم في نشر الفكرة، وإن الكليات تستجيب لها.
مخاطر وأرباح
قال خافيير ستيوارت، المدير المشارك الأول في مختبر المشاريع بكلية وارتون، وهو مركز لريادة الأعمال للطلاب: "يطالب خريجونا ببرنامج ريادة الأعمال عبر الاستحواذ منذ قرابة عقد، وقالوا إن الكلية ينبغي لها التركيز على ذلك الأمر".
تطرح كلية وارتون مقررين تعليميين لطلبة ماجستير إدارة الأعمال ومقرر آخر لطلاب المرحلة الجامعية، وتقدم زمالات بقيمة 50 ألف دولار إلى ما أقصاه أربعة طلاب سنوياً، وذلك بهدف مساعدتهم على الشروع في البحث بعد التخرج مباشرة. وسّعت برامج ماجستير إدارة الأعمال في كل من جامعة ييل وكلية روس للأعمال بجامعة ميشيغان وكلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو، وغيرها من الكليات والجامعات، مجال المنهج الذي تدرّسه عن ريادة الأعمال عبر الاستحواذ.
توجد نوادٍ ومؤتمرات واجتماعات غير رسمية خاصة بريادة الأعمال عبر الاستحواذ في جامعات بجميع أنحاء البلاد، ويستطيع رواد الأعمال الناشئون التحدث إلى الخريجين الذين سلكوا هذا المسار.
أغلب المخضرمين ممن لهم باع في مجال صناديق البحث لديهم أشياء إيجابية يقولونها عن مجالهم، فقد حقق نحو ثلاثة أرباع من يبحثون عن أهداف استحواذ أرباحاً من صفقات أبرموها.
تشير بيانات جامعة ستانفورد إلى أن العدد السنوي للتخارجات ذات العوائد الإيجابية بلغ رقماً قياسياً، والمقصود بالتخارج هو بيع الصندوق للشركة التي استحوذ عليها في نهاية المطاف. قد تجعل الإحصائيات الأمر يبدو سهلاً جداً، لكن أعضاء في الكلية يحذرون من أنه ينطوي على كثير من العمل وعلى مخاطر كثيرة.
مقاربات متباينة
أولاً، لا بد من تحديد نوع البحث ونوعية الشركة المستهدفة. تسلك ريادة الأعمال عبر الاستحواذ مساراً من اثنين؛ إما أن يمول الباحث الاستحواذ أو يتم التمويل عبر ما يسمى بصندوق بحث "أساسي". يتطلب ثانيهما جمع أموال من مستثمرين على مرحلتين.
يسدد رأس المال الأولي (حوالي 425 ألف دولار للشخص بشكل عام) كل تكاليف البحث، مثل السفر والتكاليف الإدارية وراتب الباحث المسؤول عن العملية. أما الشريحة الثانية، وهي أكبر بكثير، فتموّل الاستحواذ، ويكون ذلك عادةً خلال عامين. أما فيما يخص الشركات المستهدفة، فيتعمق بعض الباحثين في قطاع أو منطقة ما، فيما يسلك آخرون نهجاً عشوائياً.
لدى الباحثين الذين يعتمدون على التمويل الذاتي، ومنهم ويلر، قدراً أكبر من حرية اختيار ما يرغبون بالاستحواذ عليه، وبإمكانهم حيازة قدر أكبر من أسهم الشركة، لكنهم عادةً ما يشترون الشركات الصغيرة، لأن ميزانيات الاستحواذ، التي تأتي عادةً من قروض تدعمها هيئة إدارة الأعمال الصغيرة، ليست بضخامة ميزانيات الصناديق.
يتيح العمل من خلال صندوق بحث لرائد الأعمال الحصول على نصائح وفريق دعم وفرصاً لتكوين شبكة علاقات. قالت ليسي ويزمر، مؤسسة "هنتر سيرش كابيتال" (Hunder Search Capital) التي عملت في أكثر من 100 بحث منذ 2010: "وظيفتنا ليست مجرد إصدار شيكات، بل أن ننخرط في الأمر. يحتاج كل رائد أعمال إلى مستوى مختلف من الدعم".
تاريخياً، أغلب الباحثين هم من الرجال البيض. قالت أنجيلا روميرو، التي فازت بزمالة في كلية وارتون وتبحث عن شركة إدارة فنادق لتستحوذ عليها: "لا يوجد تمثيل كبير للنساء في مجال ريادة الأعمال عبر الاستحواذ". لكن الباحثين من النساء والسود ومن الأصول اللاتينية حققوا تقدماً.
طبيعة المجال
كما أن الفشل وارد، إذ تنتهي واحدة من بين ثلاث عمليات بحث دون استحواذ، وقد يتطلب التمييز بين أهواء أصحاب الشركات الصغيرة، الذين ينتمي كثير منهم إلى جيل طفرة المواليد ويسعون لتقاعد مريح، شهادة في علم نفس كبار السن.
اشتد التنافس أيضاً على الصفقات بعدما بدأت شركات الاستثمار المباشر العملاقة تستحوذ على أنشطة محلية صغيرة مثل خدمات السباكة ومكافحة الحشرات. رداً على ذلك، يستهدف الباحثون شراء مزيد من الشركات المدفوعة بالتقنية، مثل شركات تزويد برمجيات الأعمال، وفقاً لمستثمرين ورواد أعمال.
يتطلب العمل ساعات طويلة، خصوصاً عند التفاوض لإبرام صفقة، لكن ريادة الأعمال عبر الاستحواذ تتيح قدراً أكبر من المرونة مقارنة مع أغلب وظائف الشركات التي تمنح أصحابها سطوة كبيرة. قالت روميرو، التي عملت سابقاً في قطاع التقنية: "لدي قدر أكبر من التوازن. أعمل كثيراً في بعض الأيام، وفي أيام أخرى أستطيع قضاء الوقت مع خطيبي وأصدقائي".
يمكن أيضاً لقيادة شركة صغيرة، خصوصاً شركة تُعيّن موظفيها محلياً وتقدم خدمات ذات قيمة لمجموعة ما، أن تحقق لأبناء الأجيال الأصغر مرادهم في بلوغ غايات لا يحصلون عليها عادةً في مجالات الاستشارات الإدارية والخدمات المصرفية الاستثمارية. قال ويلر: "فرصة القيادة وإحداث تأثير هي فرصة لن أحصل عليها لدى شركة (ماكينزي)".