بلومبرغ
كان فنيون من شركة "كودياك روبوتكس" (Kodiak Robotics) منكبين يعملون تحت أغطية محركات شاحنتي "كينوورث" (Kenworth) في ورشة قرب تقاطع طريقي "I-35" و"I-20" السريعين إلى الجنوب من دالاس بولاية تكساس، كي يوصلوا حواسيب الشاحنتين بمقوديهما ودواستي وقودهما ومكابحهما لتعملا دون سائق.
على بعد 32 كيلومتر تقريباً باتجاه الجنوب، ترسل شركة "أورورا إنوفيشن" (Aurora Innovation) شاحنات ضخمة ذاتية القيادة من أحد مستودعاتها لنقل بضائع عبر تكساس لصالح شركات مثل "فيديكس" (FedEx) و"شنايدر ناشيونال" (Schneider National). كما تستخدم شركة "غاتيك. إيه آي" (Gatik.AI) شاحنات مغلقة صغيرة بلا سائق لنقل بضائع من مركز توزيع إلى متاجر سلسلة "كروغر" (Kroger) في مدينة فورت وورث، شقيقة دالاس الواقعة إلى الغرب منها.
تعود جذور شركات الشاحنات الثلاث إلى كاليفورنيا. لكن حين آن أوان اختبار المركبات، توجهت إلى تكساس، مشرعة الأبواب منذ وافق مشرعوها في 2017 على فتح الطريق قانونياً أمام الشاحنات ذاتية القيادة.
على المقلب الآخر، لم تضع الهيئات الناظمة في كاليفورنيا حتى قواعد التجارب الأولية، فضلاً عن أن مجلس شيوخها قد وافق على مشروع قانون يُلزم الشركات بأن يتواجد سائق على متن شاحنات النقل الثقيل حتى لو سمحت كاليفورنيا بالسيارات ذاتية القيادة.
قال دون بورنيت، الرئيس التنفيذي لشركة "كودياك روبوتكس": "نود أن نكون قادرين على اختبار مركباتنا في كاليفورنيا"، مضيفاً أن الولاية "يجب أن تكون رائدة في مجالات تقنية مثل المركبات ذاتية القيادة، لا تابعة".
راهناً، يجلس سائقون في مقصورات تلك الشاحنات ويمسكون بالمقود تحسباً لما قد يطرأ، ما يعني أن السائقين الآخرين على الطريق لا يدركون، في كثير من الأحيان، أنها ذاتية القيادة. لكن ردود الفعل قد تتغير حين يرى سكان تكساس شاحنات ضخمة محمّلة ذات ثماني عشرة عجلة تغزو الطرق بمقصورات خاوية، وهو ما قد يحدث بحلول نهاية العام المقبل إن التزمت شركتا "كودياك روبوتكس" و"أورورا إنوفيشن" بخططهما الحالية.
غياب المرونة
تركت الحكومة الاتحادية أمر تنظيم المركبات ذاتية القيادة لحكومات الولايات، وقد سمح نصفها تقريباً بتسيير الشاحنات ذاتية القيادة. كانت تكساس من بين تلك الولايات، حيث تبنت التقنية وشكلت فريق عمل للتعاون مع المشغلين ومعالجة قضايا مثل التفتيش على الطرق وكيفية تعامل الشرطة في غياب السائقين.
تسمح القوانين في الولايات الممتدة من أريزونا إلى فلوريدا بتسيير الشاحنات ذاتية القيادة طالما أنها تلتزم بقواعد المرور، لكن شركات القطاع ترى حاجة لمزيد من الاختبارات قبل إطلاقها دون سائقين.
عارض مشرعون في ولاية كاليفورنيا تسيير شاحنات ضخمة ذاتية القيادة، مدفوعين جزئياً بحملة شرسة قادتها نقابة سائقي الشاحنات في الولايات المتحدة وكندا، فضلاً عن وقوع حوادث لدى تجربة سيارات الأجرة ذاتية القيادة في سان فرانسيسكو.
علقت سيارة أجرة بدون سائق طورتها "وايمو" (Waymo)، تابعة "ألفابت"، في خرسانة مائعة في أثناء مرورها بمنطقة إنشاءات طرق، فيما اصطدمت أخرى من طراز "كروز" الذي طورته "جنرال موتورز" بشاحنة إطفاء، ما جعل مسؤولي الولاية يوجهون الشركة بخفض أسطولها من السيارات ذاتية القيادة إلى النصف.
وافق مجلس شيوخ كاليفورنيا، في 11 سبتمبر، على مشروع قانون يلزم الشركات بتعيين سائقين لشاحنات النقل الثقيل حتى عندما تعمل ذاتياً، وقد أُرسل التشريع إلى الحاكم غافين نيوسوم ليبدي رأيه. كتب أحد كبار مستشاري مكتب الحاكم إلى مقدمي مشروع القانون إن القانون المقترح "يعتمد نهجاً متصلباً لتنظيم صناعة متنامية تولدت عن اقتصاد الابتكار في كاليفورنيا".
يثير هذا الموقف تساؤلات حول فرص إقرار القانون، رغم تزايد المخاوف بشأن مخاطر تسيير الشاحنات ذاتية القيادة في الولاية. على سبيل المثال، يساور النقابات مزيد من القلق إزاء خفض الوظائف، في حين يقول أنصار التقنية إنها ستساعد في تخفيف وطأة النقص الدائم في سائقي الشاحنات، خاصة فيما يتعلق بالرحلات الطويلة التي تبقي السائقين بعيداً عن عائلاتهم لمدد طويلة.
كما ستتلاشى الحاجة لقواعد مثل تحديد عدد ساعات القيادة وحظر تعاطي المخدرات والكحول مع غياب الحاجة لسائقين. قال غوتام نارانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "غاتيك. إيه آي": "يدرك الجميع أن هناك نقصاً كبيراً في السائقين. يمكن لهذه التقنية أن تساعد في معالجة تلك المشكلة".
السلامة أولاً
مع ذلك، تظل السلامة أهم المخاوف. قال مايك دي بيني، وهو سائق شاحنة عمل لدى شركة على مرّ ثلاثة عقود، إن البرامج وأجهزة الاستشعار ليس لديها "رد فعل بشري" حين يقع حدث ما، ولا يمكنها قراءة لغة جسد سائق يوشك على تغيير مساره. تابع دي بيني: "تستخدم أسرنا تلك الطرق السريعة... إن سُمح بعمل الشاحنات من دون سائق، سنفتقر للأمان".
تعمل الشاحنات الضخمة قيد الاختبار في بيئة تختلف بشكل كبير عن بيئة سان فرانسيسكو حيث تُختبر سيارات أجرة دون سائق، فهناك يجب أن تتعامل المركبات مع عوامل مثل ارتفاع الكثافة السكانية والطرق الصاعدة والهابطة عبر التلال وموجات الضباب المتكررة.
أما تكساس فطرقها السريعة ممهدة وخالية في كثير من الأوقات وتنيرها أشعة الشمس الوافرة، وعادةً ما تُحمّل وتُفرّغ المركبات ذات الثماني عشرة عجلة في محطات شحن على طول الطرق السريعة الرئيسية في أطراف المدن وتتجنب المراكز المزدحمة.
أبلغت سلطات إنفاذ القانون الأميركية في 2021 عن وقوع أكثر من نصف مليون حادث تصادم لشاحنات كبيرة، أسفرت عن مقتل نحو 5800 شخص وإصابة 155 ألفاً آخرين، وفقاً للإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة. قال نات بيوس، كبير مسؤولي السلامة لدى "أورورا إنوفيشن" وهو مسؤول اتحادي سابق في مجال سلامة النقل، وقد جمعت شركته 820 مليون دولار في يوليو: "لدينا فرصة لتقليل تلك الحوادث".
حتى الآن، تعمل الشاحنات بشكل جيد نسبياً، إذ تظهر بيانات الحكومة الاتحادية وقوع أقل من 20 حادث في تكساس، جميعها تسبب بها سائقو مركبات أخرى. في إحدى الحالات، غفا سائق سيارة وانتقل من مسار إلى آخر ثم آخر حتى اصطدم بشاحنة "كودياك روبوتكس" من الخلف، ما تسبب بانبعاج في غطاء محرك سيارته. في حالة أخرى، انحرفت سيارة واصطدمت بشاحنة "أورورا إنوفيشن" كانت تسير بسرعة 105 كيلومترات في الساعة، لكن كلتا المركبتين تمكنتا من الاستمرار بالمسير بعد الحادث.
تقنيات الرصد
تستخدم شاحنات "كودياك روبوتكس" ثماني كاميرات وأربعة رادرات وأجهزة رصد تعمل بتقنية مسح ضوئي لاستكشاف المناطق المحيطة على مسافة تصل إلى كيلومتر تقريباً كل عُشر ثانية في جميع الاتجاهات. عادةً ما تُثبت جميع الأجهزة سالفة الذكر في صناديق في مكان مرايا الرؤية الخلفية، حيث تغذي الحاسوب الموجود على متن الشاحنة بالبيانات، والذي يرسل بدوره التعليمات إلى أنظمة القيادة.
ثبتت "أورورا إنوفيشن" أجهزة استشعار فوق أبواب الشاحنة مباشرةً، ما يجعل مقصورة القيادة أشبه برأس ثور ذي قرنين. أما "غاتيك. إيه آي" فتستخدم شاحنات "إيسوزو" مغلقة أصغر حجماً، حيث تُوضع الكاميرات والرادارات ووحدات الرصد فوق المقصورة.
يقول العاملون في قطاع السيارات ذاتية القيادة إن أنظمة القيادة يجب ألا تشوبها شائبة، وليس أن تكون أفضل من المركبات التي يقودها البشر فحسب. عزا ستيفن ريتزلر، رئيس فريق النقل بالشاحنات والخدمات اللوجستية في شركة "كوفر واليت" (CoverWallet) للوساطة التأمينية، ذلك إلى أن شركات التأمين ستُحجم عن تأمين هذه المركبات إلى أن تقتنع بأنها لن تواجه تسويات مدمرة، حيث ستكون هيئات المحلفين قاسية إن تسببت شاحنة ذاتية القيادة في وقوع حادث.
قال ريتزلر: "إنها قصة مختلفة عندما لا يكون هناك سائق ليتحمل المسؤولية"، مشيراً إلى أن سمعة الشركات "ستكون على المحك مع كل شاحنة تضعها على الطريق. لذلك، يجب أن تكون معايير السلامة مثالية تماماً".
يقول داني شناوتس، مدير شركة "كلارك فرايت لاينز" (Clark Freight Lines) الواقعة قرب هيوستن، إن سائقي أسطوله المكون من 150 شاحنة تقريباً يتحايدون المركبات ذاتية القيادة قيد الاختبار في تكساس.
يحجم شناوتس عن أن يصبح زبوناً لدى تلك الشركات إلى أن تزداد ثقته بالتقنية التي تستند إليها. قال: "يجب إثبات كفاءتها بشكل جيد... سأشعر بالذنب إن قتلت شاحنة ذاتية القيادة شخصاً ما وكان دافعي لاعتمادها خفض التكلفة".