متجر لندني يقدم بزات معدة حسب الطلب للنساء فقط

لطالما ثمّن الرجال القوة التي تضفيها عليهم بزات خيطت لهم شخصياً وما تجلبه من اعتداد بالنفس وما توحي به من نفوذ وكذلك ما تستقطبه من اهتمام. لكن تلك الهالة التي يجلبها الملبس لم تكن بمتناول النساء، اللواتي لم يجدن مناصاً عن الملابس الجاهزة المقصوصة بالجملة، وهي كثيراً ما لا توفي جسد المرأة حقه.

تُقدم ديزي ناتشبول، مؤسِّسة متجر "ذا دِك" (The Deck) في شارع سافيل اللندني، أزياء عصرية تناسب النصف المنسي من المجتمع، دون تجاهل للانحناءات وما سواها. يُقدّم فريق ناتشبول كل ما تتيحه محلات الرجال من مواصفات خاصة تلبي احتياجات كل زبونة على حدة، لكن الفريق يهتم أيضاً بمبدأ إيجابية الجسد، إذ إنه يبرز ما تحبه العميلات في قوامهن ويخفي ما لا يردن أن يبرز بذكاء.

بيّنت ناتشبول أن أكثر تسخطات زبوناتها هي: "ساقاي أقصر مما أرغب به، أو خصري مكتنز أكثر مما يجب، أو صدري كبير جداً". قالت ناتشبول إن الوقت قد حان لاقتحام المجال الذي اقتصر على الرجال بافتتاح أول متجر للسيدات فقط في أشهر شارع للأزياء في لندن.

خدمات متخصصة

منذ افتتاحه في شارع سافيل رو عام 2020، قبالة متجر "كاد أند ذا داندي" (Cad & the Dandy) للخياطة، قدّم متجر "ذا دِك" خدماته لفتيات ونساء تراوحت أعمارهن بين 16 و94 عاماً. سواء كُنّ رئيسات تنفيذيات أو مشهورات من أمثال جودي ويتكر وإليزابث هيرلي وغيليان أندرسون، كلهن يرغبن بالحصول على شيء واحد: أزياء أنيقة وملائمة لأجسادهن تُشعرهن بالثقة والجمال.

يبدو الأمر بسيطاً، لكن ناتشبول قالت إن التوقعات كانت أن النساء سيندرجن في عدد محدود من المقاسات، كما أنهن -على عكس الرجال- يواجهن مشكلات مستمرة من "طمث وانقطاعه إلى عمليات استئصال الثدي"، وكلها تؤدي إلى تغيرات طيلة حياتهن.

خلال زيارة لمتجرها في لندن أخيراً، قالت ناتشبول: "علاقة النساء بقوامهن معقدة، إذ تتغير أشكال أجسادهن باستمرار، لهذا السبب لم يعر أحد من قبل اهتماماً لما نفعل الآن".

بيّن أوليفر تشين، العضو المنتدب والمحلل لأداء متاجر البيع بالتجزئة في "تي دي كاوين" (TD Cowen)، إنه لم يكن هنالك مزيد من الخيارات للنساء في عالم الخياطة حسب الطلب لأن هذا النوع من الاهتمام المفرط بإضفاء الطابع الشخصي لم يكن قابلاً للتوسع فيما مضى. قال: "لكن هناك طلب أكبر على هذه الخدمة النخبوية بين من يتولين مناصب قيادية".

براعة الاختيار

من هذا القصور دخلت ناتشبول، الثلاثبنية الودود ذات الشخصية الساحرة، وقد أتقنت فن إيجاد حل لكل مشكلة. أترغبين بأن يبدو خصرك أنحل؟ فلتجربي معطفاً بصف أزرار واحد وجيوب مائلة. أتودين أن يبدو ساقاك أطول؟ عليك بالسراويل عالية الخصر. أترغبين أن يبدو جذعك ممشوقاً؟ ستحصلين على ذلك إذا ارتديت سترة أطول قليلاً.

تمثل الزبونات اللاتي يترددن باستمرار على المتجر نحو 40% من نشاط "ذا دِك" الآخذ في النمو. انتقلت ناتشبول خلال العام الماضي إلى محل أكبر مساحته 185 متراً مربعاً في 32 شارع سافيل رو، وشكله يخالف التقليدي من المحال المصطفة في ذلك الشارع، التي تكتسي جدرانها بألواح خشبية ولفائف قماش التويد.

يتمتع المحل الجديد بإضاءة وافية وتهوية جيدة، كما تزدان جدرانه بورق حائط حريري بني من شركة "دي غورناي" (de Gournay) رُسمت عليه أزهار يدوياً وعُلقت عليها مرايا عتيقة كبيرة مذهبة الأطر. تلتقي الزبونات خياطاتهن، حيث يعايّنن عينات الأقمشة ويخترن ما سيرتدين فيما يجلسن على أرائك مخملية مريحة بلون الشوكولاتة.

تُقدّم ناتشبول أربعة أنماط مختلفة فقط تُصنع حسب المقاس، وأربعة هو عدد رموز أوراق اللعب التي استوحى المحل اسمه من اسمها بالإنجليزية. تطرح ناتشبول أربعة أنماط من السترات، هي أحادي الصف وثنائي الصف وطراز "بوي فريند" وطراز "سفاري"، وأربعة أنماط من السراويل، الأول بقَصّة مستقيمة والثاني ضيق والثالث واسع الساقين أما الرابع فيزداد اتساعه عند الركبتين وصولاً إلى الحجلين.

نسخة عصرية

قالت أنطونيا إيدي: "تُقدّم ديزي نسخة عصرية من فكرة تقليدية جداً... خياطة الأزياء للسيدات اكتسبت سمعة مغلوطة، فقد كان يُعتقد أن تلك الملابس غير عصرية وتميل لأن تكون فضفاضة، لكن دايزي أثبتت للسيدات أنهن لسن مضطرات لأن يظهرن بوقار سيدات القوم ولا أن يشابهن بيانكا جاغر فيما ترتدي، فقصّاتها تتماشى مع ترغب به المرأة العصرية". تدربت إيدي في أحد متاجر شارع سافيل رو وافتتحت لاحقاً "مونتاغيو إيدي" (Montague Ede)، وهو متجر لملابس الرجال، في لندن خلال 2016.

تبدأ العملية، التي قد تبدو أحياناً مثل جلسة علاجية، باجتماع مدته ثلاث ساعات مع إحدى الخياطات الأربع في "ذا دِك" اللائي ترأسهن جولين سيميستر، وهي كانت خياطة الملكة إليزابيث الشخصية لسنوات عديدة. تسجل الخياطات المقاسات ويُقدّمن اقتراحات بناءً على القوام وأنماط قصّات الملابس لكل امرأة. تختار الزبونة القماش والبطانة وتفاصيل مثل الأزرار وتطريزات الأحرف الأولى من أسمائهن، ثم تعود مرتين في وقت لاحق من أجل تجريب القصّات، وتكون القطعة جاهزة للتسليم خلال 12 إلى 14 أسبوعاً.

تُصنع البزات داخل ورشة حياكة في مدينة بورتو في البرتغال، وهو ما يسمح لناتشبول بالحفاظ على تنافسية الأسعار. تبدأ أسعار البزة المكوّنة من قطعتين من 2800 جنيه إسترليني (3550 دولاراً). كما يُقدّم "ذا دِك" فساتين ومعاطف وقمصاناً مفصّلة خصيصاً، حتى أنه صمم عدداً من بزات لعرائس.

أناقة للمرأة العصرية

لقد لاحظ قدامى خياطي شارع سافيل رو المتجر، وأشادوا بمقاربة ناتشبول الحداثية. قالت أندا رولاند، العضو المنتدب في "أندرسون أند شيبارد" (Anderson & Sheppard)، وهو متجر قديم في شارع سافيل رو: "تفكر كثير من النساء بأن يتعاملن مع محل خياطة للمرة الأولى، وقد جعلت دايزي الأزياء المخيطة حسب الطلب في متناولهن... سترات الرجال المصنوعة خصيصاً لهم، مصصمة لترتكز على أكتافهم، لكن في حالة المرأة، هناك أمور أخرى ينبغي أخذها في الاعتبار، مثل منطقة الصدر والخصر والوركين".

يستطيع أغلب خياطي شارع سافيل رو أن يصنعوا بزة للنساء، لكن فهم تفاصيل قوام المرأة ينطوي على قدر أكبر من الدقة. لا تصنع ناتشبول بزات نسائية مصممة للرجال بالأساس. ما تصنعه هو بزات أنيقة مصممة خصيصاً للمرأة العصرية.

أندا رولاند، إحدى قيادي شارع سافيل رو منذ 18 عاماً، هي زبونة لدى ناتشبول، وتشمل أفضل مقتنياتها من متجرها بزة مخملية خضراء بصفي أزرار تقول إنها تجلب الثناء على الدوام. ناريندر أونياك هي زبونة أخرى جاءت إلى متجر "ذا دِك" بعد أن عانت لعقود من خيبة الأمل بسبب الملابس الجاهزة.

قالت أونياك، التي تعيش في لندن وطولها 175 سنتيمتراً: "يمثل طولي مشكلة". ذهبت أونياك إلى المتجر أخيراً لتجريب بزة مقلّمة من ثلاث قطع كانت قد طلبتها لترتديها في بطولة ويمبلدون. قالت: "أنا أيضاً عريضة المنكبين وضئيلة فيما سوى ذلك. إذا اخترت مقاساً أكبر من ناحية الصدر، فإن الأكمام تكون أوسع أو أطول مما ينبغي... لقد حلّ (ذا دِك) كل هذه المشكلات".

قالت أونياك، التي تملك أربع بزات وسترة مخملية ذات لون أزرق زاه من "ذا دِك": "حين ترتدي بزة مصنوعة خصيصاً لك، فهي ترفع معنوياتك وتشعر بأنك أفضل حالاً". تُفضّل أونياك أن تُدخل بساطةً على بزاتها بأن تنتعل زوجاً من الأحذية الرياضية أو مسطحة النعلين، كما تعجبها التفاصيل الصغيرة التي تأتي في البزات المصنوعة خصيصاً لها، مثل إضافة الأحرف الأولى من أسماء أبنائها الثلاث تطريزاً تحت ياقة سترتها.

فلسفة اقتناء الأفضل

قالت ناتشبول: "كل ما تحتاجين هو بزة واحدة رائعة وبعض القطع الأساسية، مثل قميص أبيض أنيق وأقراط مُلفتة للنظر وحذاء عالي الكعب وسروال جينز من (ليفايز)، وستحصلين بذلك على خمس أو ست إطلالات أنيقة".

تبرهن فلسفة "تقليل المشتريات واقتناء الأفضل" على تركيز بعض الزبونات على استدامة الأزياء وإمكانية استخدامها لفترة طويلة. البزات التي يقدمها متجر "ذا دِك" مصنوعة من مواد طبيعية مثل الصوف والحرير والكشمير والمخمل والكتان، ويمكن فك قطب ثنيات الأكمام والأحجال لتقصيرها أو إطالتها بمرور الوقت.

رغم أن زبونات المتجر من بينهن إيرين لودر، المسؤولة التنفيذية في مجال مستحضرات التجميل، وأدجوا أندوه، الممثلة في مسلسل "Bridgerton"، فإن ناتشبول هي الواجهة المثالية الأكثر إقناعاً للمتجر. تتميز ناتشبول بطولها ورشاقتها، وقد بدت أنيقةً دون تكلّف يوم رأيتها أثناء مقابلتها لزبوناتها، وكانت ترتدي بزة بيضاء من ثلاث قطع . اكتسبت ناتشبول تقديرها لفن خياطة الأزياء الراقية أثناء عملها كمديرة علاقات عامة في "هنتسمان" (Huntsman)، أحد أقدم محلات الخياطة حسب الطلب بشارع سافيل رو.

حين كانت مديرة علاقات عامة في 2016، دخلت ناتشبول التاريخ حين حضرت سباق الخيل "رويال أسكوت" (Royal Ascot) وكانت أول امرأة ترتدي بزة ذات سترة طويلة من الخلف وقبعة عادةً ما يرتديها الرجال في ذلك المحفل بدل أن تختار ثوباً كما هو دارج. في اليوم التالي، تلقّت ناتشبول سيلاً من الاستفسارات من صديقات يسعين للحصول على بزة معدة خصيصاً لهن. كان ذلك هو الحافز وراء تأسيس نشاطها.

تحدي التقاليد

قالت ناتشبول، التي ترعرعت محاطة بالتقاليد لكونها حفيدة أحد أبناء لورد ماونتباتن، خال الأمير فيليب وابن حفيد الملكة فيكتوريا: "أحب التقاليد وأحب أن أتحداها". لكنها سرعان ما استدركت لتوضح أنها لم تستغل إرثها في مجال عملها. قالت: "لدى عائلتي تاريخ رائع، لكنه لا يختزلني".

جمعت ناتشبول رأس مال أولي قدره 150 ألف دولار لتنهض بمشروع "ذا دِك". كما جمعت نصف مليون دولار إضافية بعد الجائحة أنفقت معظمها على المتجر. منذ بدأت ناتشبول نشاطها في 2019، تضاعف حجم المبيعات السنوية في كل عام.

انتشر صيتها من لندن إلى نيويورك وبالم بيتش، حيث نظمت ناتشبول فعاليات تعرض خدمات الخياطة التي تقدمها. في العام الماضي، أقامت إيرين لودر فعالية استمرت أربعة أيام في معرضها في نيويورك، وسرعان ما جلبت حجوزات من 130 زبونة. منذئذ باتت السوق الأميركية تمثل 30% من إيرادات "ذا دِك" السنوية.

تعتزم ناتشبول تحسين جودة خدماتها عبر الاستعانة ببرنامج ذكاء اصطناعي يتيح لخياطاتها أن يحصلن على مقاسات الزبونات عن بُعد، لكن التعامل وجهاً لوجه معهن في المتجر ما يزال الجانب المفضل لديها في هذا النشاط. تُقرّ ناتشبول أن الذكاء الاصطناعي لن يحل أبداً محل المشاعر التي تغمرها حين ترتدي امرأة أول بزة من تصميمها.

قالت: "أحب رؤية النساء يتمتعن بتلك الثقة بالنفس حين ينظرن في المرآة للمرة الأولى، يشعرن بالفخر، وتدرك حينها أن ما يجول بخاطرهن هو: أنا أبدو جميلةً".