بلومبرغ
باشرت "أمازون دوت كوم" أكبر عملية إصلاح شاملة لأعمال البقالة منذ استحواذها على سلسلة "هول فودز ماركت" (Whole Foods Market) قبل ستة أعوام، وفي ذلك تجديد للمتاجر، واختبار مستودعات جديدة عالية الأتمتة، فضلاً عن توصيل المنتجات الغذائية الطازجة لزبائن غير مشتركين ببرنامج "برايم" (Prime) للمرة الأولى.
كما تخطط الشركة لدمج عروض متاجر سلاسل السوبر ماركت المتنوعة عبر منصات التجارة الإلكترونية من "هول فودز" و"أمازون فريش" و" أمازون دوت كوم" في عربة تسوق افتراضية واحدة، وهي خطوة يرجح أن يكون لها صدى إيجابي بين المتسوقين.
تشكل التغييرات، التي يُنتظر إدخالها على هذه السلاسل خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، أحدث جهود الشركة للاستحواذ على حصة أكبر من سوق البقالة الأميركية التي يقدر محللو بنك "يو بي إس" قيمتها بنحو 1.5 تريليون دولار. كانت عملاقة التقنية، التي تتخذ سياتل مقراً لها، قد جلبت مجموعة من مديري التجزئة التقليدية ليساعدوها على تنفيذ خطتها.
جاء على رأس هؤلاء توني هوغيت، وهو مدير تنفيذي سابق لدى شركة "تيسكو" (Tesco) التي جعلته مسؤولاً عن تنفيذ خطة الإصلاح. يتمتع هوغيت بخبرة كبيرة في قطاع البيع بالتجزئة عبر المتاجر التقليدية، لكنه يواجه تحدياً كبيراً في ظل هيمنة عمالقة تجارة التجزئة مثل "وول مارت" (Walmart) و"كروغر" (Kroger) على السوق.
وصف هوغيت، 49 عاماً، في مقابلة مع "بلومبرغ بيزنس ويك"، طموحات الشركة لتحويل "أمازون" من خدمات البقالة المتخصصة بالأغذية العضوية، وتوصيل حبوب الفطور والمناشف الورقية لتصبح وجهة تسوق يقصدها الساعون لتوفير المال وشراء جميع احتياجاتهم خلال زيارة واحدة. قال هوغيت: "نحن جادون بشأن تعزيز حصتنا في سوق البقالة. تقوم خطتنا على بناء علاقات قوية مع العملاء بمرور الوقت".
مزايا جديدة
بدأت "أمازون" في 2 أغسطس بدعوة زبائنها غير المشتركين في برنامج "برايم" من عشرات المناطق الحضرية الأميركية، بما في ذلك بوسطن ودالاس وسان فرانسيسكو، كي يطلبوا منتجات البقالة عبر الإنترنت من متاجر ومستودعات "أمازون فريش". كان شراء الأغذية الطازجة من "أمازون فريش" يقتصر قيما مضى على المشتركين في برنامج "برايم" مقابل 139 دولاراً سنوياً.
تعتزم الشركة أن تعمم الخدمة سالفة الذكر في الولايات المتحدة بحلول نهاية العام، لتشمل منتجات "هول فودز" ومتاجر البقالة الأخرى. تتراوح رسوم التوصيل بين 7.95 و13.95 دولار، أي ما يزيد بمقدار 4 دولارات عن تكلفة التوصيل لأعضاء برنامج "برايم".
لقد أعرب زبائن "أمازون" مراراً عن استيائهم لأنهم يضطرون لمراجعة ثلاث صفحات منفصلة عبر الإنترنت لشراء احتياجاتهم، فيضطر من يرغب بشراء شرائح سمك السلمون الكبير من "هول فودز"، وعلبة خس مقطّع من "أمازون فريش"، وعلبة "تشيريوز" من تشكيلة المنتجات طويلة الصلاحية عبر "أمازون.كوم"، أن يسجل ثلاث طلبيات تصل إلى مسكنه في شحنات منفصلة.
لذا؛ تتطلع الشركة إلى تبسيط عملية التسوق خلال هذا العام أو الذي يليه عبر تخزين مزيد من منتجات "هول فودز" في مستودعات "أمازون"، وإنشاء عربة تسوق افتراضية واحدة. قال هوغيت، النائب الأول لرئيس القطاع العالمي لمتاجر البقالة: "ندرك أنَّ هنالك حاجة إلى تحسين تجربة التسوق".
خارج العالم الافتراضي؛ تجدد الشركة متاجر "أمازون فريش"، حيث تبني منصات لبيع قهوة ودونتس "كرسبي كريم" (Krispy Kreme) قرب مداخلها، فضلاً عن إضافة ما يقرب من 1500 سلعة إلى ما كان يمثل تنوعاً محدوداً لمتجر ضخم، وتحاول أن تجعله أكثر جاذبية باستخدام ألوان زاهية.
لم يكن بعض محللي سوق البقالة بالإضافة إلى المتسوقين يستسيغون تصميم "أمازون فريش" شديد البساطة. قال بيتر أبراهام، اختصاصي التسويق في لوس أنجلوس الذي ذهب إلى متجر "أمازون فريش" عدة مرات قبل أن يحجم: "لقد بدا تصميم المتاجر بلا روح".
خدمة مكلفة
منطق "أمازون" بأن تشتهر عبر عملها بهامش ربح منخفض يشابه فلسفة منافستها "وول مارت"، وهو يقوم على استخدام منتجات الأغذية النمطية لاستقطاب المتسوقين، وإقناعهم بشراء المنتجات الأخرى المعروضة.
كانت "أمازون" قد أسست، على مدى السنوات القليلة الماضية، نشاطاً تجارياً ضخماً عبر الإنترنت لبيع سلع أساسية مثل المنتجات الورقية، والسلع المعلبة، وأغذية الحيوانات الأليفة، ومنتجات الصحة والجمال. ثم زادت هذه المبيعات حينما أجبر الوباء العديد من الناس على شراء البقالة والاستهلاكيات عبر الإنترنت للمرة الأولى.
لكن الشركة استطاعت لسنوات أن تستكشف كيفية تحقيق أرباح من بيع الأغذية الطازجة، فجرّبت مجموعة متوالية من المبادرات. إنّ توصيل اللحوم والمنتجات الغذائية الطازجة صعب ومكلف من الناحية اللوجستية. قال شخصان مطلعان، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لكونهما يتطرقان لشؤون داخلية، إن بلوغ عتبة الربحية في 2010 تطلب أن تتلقى "أمازون" طلبات بقالة بقيمة وسطية بلغت 115 دولاراً.
بعد مضي عقد على ذلك، استلزم بلوغ تلك النقطة أن تتلقى طلبات تتراوح قيمتها بين 90 و 100 دولار. قال هوغيت إن الشركة لا تراقب اقتصاديات التوصيل استناداً إلى رقم بعينه نظراً لاختلافات تتعلق بسرعة توصيل الطلب والمسافات، لكنه يقول إن الشركة اتخذت "خطوات كبيرة" نحو تأسيس خدمة توصيل منزلي أكثر كفاءة.
أهمية التوسعات
كانت المتاجر المادية أحد الحلول المطروحة لبلوغ تلك الغاية، إذ يمكن أن تكون لها فائدة مزدوجة باعتبارها مواقع استلام من جهة، ومراكز صغيرة لتسليم الطلبات من جهةٍ أخرى. مع ذلك؛ لم يكن الاستحواذ على "هول فودز" في صفقة بلغت قيمتها 13.7 مليار دولار كافياً، لأن السلسلة لم يكن لديها سوى 530 متجراً تقريباً، مقارنةً بآلاف المتاجر التي تحمل علامة "وول مارت".
لذلك، أطلقت "أمازون" في 2020 سلسلة "أمازون فريش" للبقالة، التي توفر خدمة استلام الطلبات على جانب الرصيف، وتعمل كمركز لتوصيل الطلبات إلى المنازل. كانت الشركة قد افتتحت أول متجر يحمل علامة "أمازون فريش" في لوس أنجلوس في سبتمبر 2020، فيما بدت مستعدة للتوسع عبر إضافة مئات المتاجر الأخرى خلال فترة قصيرة، مع استحواذ فريقها العقاري القوي على متاجر في المراكز التجارية ومراكز التسوق في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
بعد ذلك، شغل آندي جاسي منصب الرئيس التنفيذي خلفاً لجيف بيزوس، إذ اعتمد سياسة من أجل كبح الإنفاق بعد مراجعة فريقه لأكبر رهانات الشركة، بما في ذلك أعمال البقالة. فأغلقت "أمازون" أكثر من 60 متجراً خلال العام الماضي، بما في ذلك متاجر بيع الكتب، وسوق للزهور المجففة التي تعرف بمتاجر "أمازون 4 ستارز"، ومتاجر مؤقتة للإلكترونيات في مراكز التسوق.
كما علّق هوغيت توسيع أعمال البقالة مؤقتاً في الخريف، ونتج عن ذلك تخفيض قيمة أصولها، وقدره 720 مليون دولار في نهاية العام، علماً أن جلّه مرتبط بأعمال البقالة، ويعكس إغلاقات متاجر وإنهاءات مبكرة لعقود إيجار بالإضافة إلى أمور أخرى.
وافق دوغ هيرينغتون، رئيس القطاع العالمي للتجزئة، وهو مدير جاسي و هوغيت، على الانطلاقة الجديدة خلال عملية التخطيط السنوية لدى "أمازون" في نوفمبر، فألغت الشركة مئات وظائف مديري المتاجر الصغيرة، التي اعتبرها المسؤولون التنفيذيون زائدة عن الحاجة، كما أصبحت أكثر انتقائية بشأن مواقع متاجرها.
على سبيل المثال، تركز "أمازون" حالياً على عدد قليل من المناطق والولايات الرئيسية، ومنها: إلينوي، وجنوب كاليفورنيا، وشمال فرجينيا، وواشنطن، كبديل من محاولة التوسع في مناطق متعددة. وتخطط لإقامة احتفاليات تسويقية لإعادة تقديم أول المتاجر التي خضعت للتجديد إلى المتسوقين في بلدات مثل شاومبورغ وأوك لاون قرب شيكاغو. فيما تخضع ثلاثة متاجر أخرى للتجديد في جنوب كاليفورنيا، فضلاً عن إمكانية تجديد المتاجر الـ39 المتبقية إن لاقى التصميم الجديد استحسان المتسوقين.
تبسيط التقنية
ينصب التركيز داخل المتاجر المجددة على إضفاء لمسات البيع بالتجزئة التقليدية، وليس الازدهار التقني الذي أبرزته "أمازون" على نحو صاخب لدى افتتاحها. قال هوغيت: "يختلف تصميم المتاجر المجددة من حيث المظهر الخارجي والشعور داخلها تماماً عن متاجر (أمازون فريش) الأخرى. يتجاوب الزبائن مع تجربة أكثر إشراقاً وبهجة وسلاسة".
مع ذلك؛ ما يزال بإمكان المتسوقين تجنّب الاصطفاف لدفع قيمة مشترياتهم باستخدام عربات "داش" للتسوق من "أمازون"، التي تتعرف على السلع الموضوعة بداخلها، وتعرض إجمالي قيمة المشتريات باستمرار. التحديث الأخير للعربات العام الماضي استبدل الخوارزميات التي تعتمد على كاميرات متصلة بكمبيوتر بأجهزة مسح ضوئي أبسط متصلة بميزان الكتروني.
تتميز متاجر "أمازون فريش" المعاد تصميمها بممرات لمسح السلع والدفع الذاتي ترسل فاتورة عبر البريد الإلكتروني، كما يمكن للمتسوقين في العديد من المتاجر استخدام تقنية "جست ووك أوت" الرائدة، التي لا تعتمد على صرافين أو مسح رموز المنتجات في متاجر "غو" (Go) الصغيرة التابعة للشركة، في إشارة أخرى إلى أن "أمازون" تتطلع إلى طرح حلول تقنية أبسط.
قال هوغيت: "العملاء الذين يستمتعون بتقنية (جست ووك أوت) في متاجر (أمازون فريش)، يحبونها حقاً. لكننا ندرك أيضاً أنها جديدة جداً على كثير من الزبائن. بيت القصيد هو أننا نرحب بجميع أنواع الزبائن في متاجرنا".
فريق ذو خبرة
كانت "هول فودز" معزولة إلى حد كبير عن أنشطة البقالة الأخرى في "أمازون". ثم شرع هوغيت، الذي انتقل مع عائلته إلى أوستن ويعمل في مقر "هول فودز" بوسط المدينة، في تغيير ذلك. يشرف مسؤولون تنفيذيون في "هول فودز" حالياً على جميع العقارات والعلامات التجارية الخاصة بأعمال البقالة في"أمازون"، بينما يقود أحد أقدم المسؤولين التنفيذيين لدى "أمازون" فرق "هول فودز" التقنية.
جلب هوغيت زملاء من "تيسكو" يتمتعون بخبرة عميقة في الصناعة، ومنهم كلير بيترز التي تضع الاستراتيجية العالمية لسلسلة "أمازون فريش" عبر الإنترنت وداخل المتاجر المادية، وبيتر بوي الذي يرأس عمليات متاجرها.
قال ديفيد بيشوب، استشاري البقالة وتجارة التجزئة والشريك لدى "بريك ميتس كليك" (Brick Meets Click)، إن "أمازون" استعانت بتنفيذيين مخضرمين في قطاع بالتجزئة، لكن تأثيرهم لم يتجلَّ سريعاً في متاجر "أمازون فريش" كما يحدث حالياً. أضاف: "عند الافتتاح، كانت هناك ميزات خاصة لجذب مزيد من المتسوقين، لكنها بدت أفضل من الناحية النظرية مقارنةً بالواقع... لسان حال المجموعة الجديدة من الخبراء يقول: إذا كان الناس يحبون القهوة و(دونتس)، فنحن بحاجة لقهوة و(دونتس). هذه هي استراتيجية الإدارة الجديدة، فهؤلاء التنفيذيون ليسوا خبراء تقنية".
بيّن بيشوب أن "أمازون فريش" تبدو كأنها تسعى لترسيخ مكانتها في قطاع البقالة عبر جعل أسعارها أرخص مقارنةً بمتاجر البقالة الرئيسية التابعة لشركات "كروغر" أو "ألبرتسونز" (Albertsons) التي تقدم خدمة كاملة، إن لم تكن برخص أسعار "وول مارت"، أو العملاقة الألمانية "ألدي" (Aldi) التي باتت سلسلة متاجر البقالة الأسرع نمواً في الولايات المتحدة.
تحاول "أمازون فريش" تغطية تكاليف التجارة الإلكترونية ورسوم التوصيل من خلال رفع أسعار المنتجات المبيعة عبر الإنترنت بنسبة 13% مقارنة بأسعارها في المتاجر التقليدية، وذلك بحسب مراجعة أجراها بيشوب لأسعار السلسلة حديثاً.
متاجر أكثر
يراهن هوغيت على إمكانية أن تصبح "أمازون" متجراً شاملاً للبقالة. تظهر استطلاعات الرأي أن الأسر تميل للتسوق من أسواق متعددة يحددونها وفقاً لغرض التسوق الذي قد يكون لجلب المؤن الاعتيادية أو إعداد وجبة مميزة. قال مدير مشروع التجديد: "نعتقد أنه يمكننا خفض هذا العدد من أربع أو خمس سلاسل مختلفة إلى واحدة أو اثنتين، بحيث تكون (أمازون) إحداها."
اتخذ هوغيت خطوة كان قد توقعها مراقبو قطاع البقالة منذ استحواذ "أمازون" على "هول فودز" لتحقيق تلك الغاية، ألا وهي إتاحة شراء منتجات "كوكاكولا" ورقائق "دوريتوس" عبر شركة الأغذية العضوية. لن تعرض هذه السلع على أرفف متاجر "هول فودز" الرائجة التي
ما تزال ملتزمة بمعايير الجودة والمكونات التي كانت تعتمدها قبل استحواذ "أمازون" عليها. بدلاً من ذلك ستراقب "أمازون" ما إذا كان الزبائن يحرصون على طلب منتجات لذيذة غير صحية عبر الإنترنت ليستلموها من متجر "هول فودز" المحلي.
ستتطلب إتاحة ذلك إنشاء بنية تحتية جديدة إلى جانب توحيد عربة التسوق الافتراضية لشراء منتجات من "هول فودز" و"أمازون فريش" و"أمازون دوت كوم". وعليه، تشمل التغييرات المخطط لها إضافة أقسام للمنتجات المبردة إلى مستودعات "أمازون" في المناطق الحضرية، وإيداع المزيد من منتجات "هول فودز" في مراكز توزيع "أمازون فريش". تختبر الشركة منشأة جديدة مؤتمتة بالكامل في منطقة بيثبيدج بولاية نيويورك. يعتمد المستودع، الذي سيفتتح في وقت لاحق من هذا العام أو مطلع العام التالي، على تقنية طوّرتها "أوتو ستور هولدينغز" (AutoStore Holdings).
يرى المحللون أن الأمر سيتطلب إنشاء مئات المتاجر الأخرى إذا أرادت "أمازون" أن تصبح لاعباً رائداً في قطاع البقالة. تقول "أمازون" إن "هول فودز" تعمل على إنشاء 50 متجراً إضافياً، وتأمل في زيادة قائمة متاجرها قيد التطوير إلى مئة متجر خلال السنوات القليلة المقبلة.
كما يحتمل أن تستأنف سلسلة "أمازون فريش"، وقوامها 44 متجراً حالياً، توسعاتها إذا لاقت التعديلات الجديدة التي خضعت لها متاجرها استحسان المتسوقين والمديرين التنفيذيين. قد تعتمد "أمازون" أيضاً في خططها التوسعية على السعي لاستئجار متاجر يُتوقع أن تتركها شركتا "كروغر" و"ألبرتسونز" في إطار اندماجهما المزمع.
قال هوغيت: "نحن حريصون جداً على إنشاء شبكة متاجر بقالة ضخمة في الولايات المتحدة وحول العالم. ما زلنا نعمل على أفضل السبل لتحقيق ذلك. لن أعلق على أي خطوات قد نتخذها في هذا الصدد، لكننا سنفتتح مزيداً من متاجر البقالة".