مخاوف تفويت الفرص قد تفيد شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية

قادة الأعمال والمسؤولون الأوروبيون قلقون من العواقب الاقتصادية الوخيمة لعدم اللحاق بركب تقدم الذكاء الاصطناعي

time reading iconدقائق القراءة - 18
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت أوروبا متفرجةً إبان نمو اقتصاد الإنترنت الحديث من حيث أثرها، فيما بنى كل من سيليكون فالي والصين أكبر شركات التقنية للمستهلكين والحوسبة السحابية في العالم.

في ضوء تزايد الإجماع على أنَّ الذكاء الاصطناعي هو المنعطف الجديد في قطاع التقنية، يشعر قادة الشركات والمسؤولون الأوروبيون بالقلق من أن يعيد التاريخ نفسه، ومما قد يجلبه ذلك من عواقب استراتيجية واقتصادية وخيمة. قال سيدريك أو، الوزير السابق لشؤون الرقمنة في فرنسا: "إن كان لدى منافسيك كهرباء، فلن ترغب بأن يكون ما لديك هو مصباح زيت".

شركة "ألِف ألفا" (Aleph Alpha) الألمانية الناشئة في مدينة هايدلبرغ هي إحدى الاستثمارات التي تستقطب أموال المستثمرين المتلهفين، وهي تتخصص في توليد نماذج اللغة الكبيرة على غرار تلك التي تولدها شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) صاحبة تطبيق "تشات جي بي تي".

حين قدمت "ليكستار أدفايزرز" (Lakestar Advisors)، وهي شركة لرأس المال الجريء لها مكاتب في زيورخ وبرلين ولندن، الدعم لشركة "ألِف ألفا"، قالت إنها ترغب بالاستثمار في "السيادة الرقمية الأوروبية".

بدأ مشجعو "ألِف ألفا" يشيرون إلى الشركة على أنها "المرادف الأوروبي لشركة (أوبن إيه آي)"، لكن هذا اللقب بات له منازع في يونيو، حين جمع ثلاثة باحثين في باريس 105 ملايين يورو (113 مليون دولار) في جولة تمويلية لشركتهم الناشئة "ميسترال إيه آي" (Mistral AI).

خططت تلك الشركة، التي عملت سابقاً تحت اسم "يورو إيه آي" (EuroAI)، لتصميم نماذج تأسيسية للذكاء الاصطناعي التوليدي، وانضم إليها الوزير الفرنسي السابق، مستشاراً. خلال تسويق الفكرة للمستثمرين، حذرت "ميسترال" من "المشكلة الجيوسياسية الرئيسية" وهي أنَّ أوروبا لم تنشئ "منافساً يُعتد به" في مجال الذكاء الاصطناعي.

نقطة ضعف أوروبا

توضح المنافسة بين الشركات الناشئة نقطة ضعف أوروبا في أحدث سباق تسلح في قطاع التقنية. فيما تسعى شركتا "ألِف ألفا" و"ميسترال" لتجدا موطئ قدم، تعمل كبرى شركات التقنية في الولايات المتحدة والصين منذ سنوات على تطوير تقنياتها. قال يوناس أندروليس، الرئيس التنفيذي لـ"ألِف ألفا": "أوروبا في المركز الثالث بفارق كبير".

قال أرثر منش، الرئيس التنفيذي لـ"ميسترال"، إنَّ شركته تعتزم رفع عدد مهندسيها 12 بنهاية العام، وأن تطلق أول نماذجها في أوائل 2024. رغم أنها جمعت مبلغاً ضخماً بمقاييس قطاع التقنية الأوروبي، فإنَّ هذا المبلغ ضئيل مقارنةً بالتمويل الذي جمعته "أوبن إيه آي" حتى الآن ويفوق 10 مليارات دولار.

قال منش إنه سيحتاج لمزيد من التمويل. انخرطت "ألِف ألفا"، التي يعيش أغلب عملائها في ألمانيا، في محادثات مع مستثمرين لجمع مزيد من المال، لكن أندروليس علّق على رصيدها في البنك، وهو 28 مليون يورو، قائلاً: "هذا يكفي بشكل أساسي لدفع فاتورة كهرباء شركة (مايكروسوفت) لشهر واحد".

هناك تفسيرات عدة لفشل أوروبا في الاستفادة من ازدهار الإنترنت. نظراً لأنَّ القارة تضم العديد من الاقتصادات الوطنية التي تتميز باختلاف ثقافاتها ولغاتها، فإنَّ الشركات في تلك الدول افتقرت إلى القدرة على الوصول لأسواق ضخمة أحادية اللغة، مثل الأسواق المتاحة للشركات في الولايات المتحدة والصين. هذا بالإضافة إلى إخفاق قطاع التمويل في أوروبا في تقديم رأس المال للشركات الناشئة بسخاء كالذي يقدم به رأس المال الجريء التمويل في الولايات المتحدة.

أبرز الإنجازات

ربما يكون أبرز الإنجازات الأوروبية في عصر الإنترنت الحديث هو سياساتها الناظمة لممارسات الشركات الخاصة. قدّم الاتحاد الأوروبي نفسه كبديل لما يرى كثير من الأوروبيين أنه نهج أميركي في إتاحة كل شيء للجميع فيما يتعلق بالخصوصية الرقمية وحقوق النشر ومكافحة الاحتكار واستخدام البيانات.

هناك توقعات على نطاق واسع بأن تطرح أوروبا بعض أشد اللوائح التنظيمية بخصوص الذكاء الاصطناعي خلال العام المقبل، كما يساور القلق بعض المعنيين من أنَّ ذلك قد يكون عائقاً أمام أوروبا في عصر الذكاء الاصطناعي الوشيك. فقد أعلن فولكر فيسينغ، وزير الشؤون الرقمية الألماني، أنَّ "اللوائح التنظيمية قد تعيق" مسعى تطوير الذكاء الاصطناعي في القارة، رغم أنه يؤيد فرض القيود والحفاظ على القيم الأوروبية.

بإمكان من يبحث عن أي أضرار ناتجة عن نهج أوروبا في القواعد التنظيمية أن يشير إلى أمثلة حديثة لشركات التقنية في الولايات المتحدة التي تحجب منتجات عن السوق أو تلمح إلى احتمال اتخاذها تلك الخطوة مستقبلاً. قالت "ميتا بلاتفورمز" إن طرح خدمة "ثريدز" (Threads) الجديدة في الاتحاد الأوروبي سيتطلب أشهراً، وذلك بسبب مخاوف من عدم امتثالها لقوانين الخصوصية.

قال سام ألتمان، رئيس "أوبن إيه آي" التنفيذي، في مايو إنَّ شركته قد لا تعمل في أوروبا إن لم تشعر أنها تستطيع الامتثال لأي قواعد يوافق عليها الاتحاد الأوروبي، رغم أنه حاول التخفيف من وقع هذا الاحتمال في وقت لاحق. مع ذلك، فقد أسست "أوبن إيه آي" مقرها الأوروبي الرئيسي في لندن، التي لم تعد جزءاً من الاتحاد الأوروبي.

نظرة أكثر تفاؤلاً

تنطوي إحدى وجهات النظر الأكثر تفاؤلاً على فكرة أنَّ القيود الأوروبية على التقنية تولِّد فرصاً للشركات التي تأقلمت بالفعل مع نهج أوروبا للخصوصية. تعِد كل من "ألِف ألفا" و"ميسترال" بطرح نماذج تمتثل لمعايير الخصوصية في القارة، وتُقدِّم لعملائها إمكانية التحكم الكامل ببياناتهم. قال توماس برويس، وهو شريك ومدير في شركة "دي تي سي بي مانجمنت" (DTCP Management) الألمانية للاستثمار: "بخلاف ذلك، لن تنجح الفكرة".

قال ستيفن ناندي، وهو مستثمر في شركة "لايكستار"، إنَّ عدداً من شركات أوروبا قد تتردد حيال انتقال ملكيتها الفكرية عبر المحيط الأطلسي لتصميم روبوت دردشة أو أدوات أخرى تعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

قد يدفع ذلك الشركات التي تستخدم عادةً برنامج "مايكروسوفت إكسل" (Microsoft Excel) أو "أمازون ويب سيرفسز" (Amazon Web Services) إلى البحث عن بدائل حين يتعلق الأمر بمنتجات جديدة للذكاء الاصطناعي، خصوصاً في القطاعات التي تخضع للوائح تنظيمية.

قال ناندي: "كم عدد البنوك الأوروبية التي تستخدم (أوبن إيه آي)؟ صفر. إنها قلقة بشأن إرسال بيانات إلى نموذج أميركي لا يمكنها التحكم به".

قال أندروليس إنَّ أغلب عملائه من الشركات الناشئة يصرون على معالجة بياناتهم والاحتفاظ بها على خوادم شركاتهم. يتذكر أندروليس إحدى الرسائل التي تلقاها من أحد عملائه في قطاع البنوك: "إذا رأينا أياً من برمجياتكم يتصل بكم، فستواجه مشكلةً." رفض أندروليس الإفصاح عن اسم البنك.

قال الرئيس التنفيذي البالغ من العمر 41 عاماً، والذي سبق أن كان مديراً لأبحاث الذكاء الاصطناعي لدى "أبل"، إنَّ شركته تعتبر جهات إنفاذ القانون الألمانية من عملائها. وبيّن أنَّ عملاءه سيتمكنون من تعديل أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم للتعامل مع احتياجاتهم، ليستخدموا مزودي خدمات التخزين السحابي أو صانعي رقائق محددين، إن كانت لديهم تفضيلات خاصة.

أوروبية أم لا؟

تتشابه هذه الخطة مع الفكرة التي تسوقها "ميسترال إيه آي". إذ قالت الشركة إنها تعتزم استخدام برمجيات مفتوحة المصدر، على عكس "أوبن إيه آي" (لكنها أكثر تماشياً مع "ميتا"، وهي لاعب رئيسي أميركي آخر في مجال الذكاء الاصطناعي). إذا ساهم هذا بأن تكون الشركات الأوروبية أكثر ارتياحاً، فقد تكون ثماره ضخمة، نظراً لقلق جميع الشركات حيال التخلف عن الركب. قال منش: "أكبر مخاوف الشركات الأوروبية هو عدم إتاحة تقنية بهذه الأهمية لها".

قد يكون تعريف ما الذي يعتبر مختبراً أوروبياً أمراً مبهماً. "ديب مايند" (DeepMind) هو نشاط ذكاء اصطناعي تملكه شركة "ألفابت" ومقره في المملكة المتحدة، وهو يُعد في الأغلب أبرز شركات الذكاء الاصطناعي في المنطقة، فيما أن "ميسترال" يستثمر فيها بعض المستثمرين الأميركيين. يشير أشخاص في قطاع التقنية الأوروبي أحياناً إلى الفوارق على أنها تكاد لا تتخطى كونها حالةً ذهنية.

صوّر برويس استثمار "دي تي سي بي" في شركة "كوهير" (Cohere)، التي تتخذ في تورنتو مقراً لها، على أنها رهان على أوروبا. قال برويس إنَّ نحو خُمس موظفي "كوهير" يعيشون في أوروبا وإنَّ الشركة الكندية الناشئة تركز على الامتثال التام ومعايير أمن البيانات. قال: "(كوهير) شركة أوروبية يكون مقرها صدفة في كندا. هكذا نرى الأمر".

لكن بالنسبة لبعض الأوروبيين، فإنَّ "أوبن إيه آي" بدأت بالفعل تصبح مرادفاً للذكاء الاصطناعي. قالت إليونور كريسبو، الرئيسة التنفيذية لـ"بيغمنت" (Pigment)، وهي مزودة برمجيات فرنسية لأنشطة الأعمال تعمل على تطوير خاصية للذكاء الاصطناعي باستخدام خدمة "أوبن إيه آي"، إنَّ عملاءها قد يكونون على استعداد للعمل مع بديل أوروبي. أضافت كريسبو: "لكن ليس لديهم وقت للانتظار".

تصنيفات

قصص قد تهمك