بلومبرغ
منذ نحو شهر بدأت حالة من الذعر تعتري مسؤولي البيت الأبيض من أن المواطنين الأميركيين لا يعترفون بفضل الرئيس جو بايدن فيما يخص الإنجازات الاقتصادية، حسب مصدرين مطّلعين على محادثات بين موظفيه. ما يزال كثير من الناخبين مستائين من الوضع الاقتصادي فيما تدنو انتخابات الرئاسة لعام 2024.
بيّن استطلاع من وكالة "أسوشيتد برس" بالتعاون مع مركز "أن أو أر سي" لبحوث الشؤون العامة في يونيو، أن 34% فقط من الأميركيين يؤيدون كيفية تناول بايدن لقضايا الاقتصاد، وهذه النسبة أدنى من مستوى التأييد الإجمالي الذي يحظى به بايدن وهو 41%.
ما يزال الأميركيون يتألمون من ضغوطات سنتين ارتفعت خلالهما الأسعار إلى معدلات قياسية على كلّ الصعد، بما يشمل الطعام والإيجارات والسفر والسكن والسيارات. لقد طغت هذه المخاوف على إنجازات بايدن الذي نجح في حلّ أزمة سقف الدين، ونال موافقة الكونغرس على حزمة من مشاريع القوانين التي تهدف إلى تعزيز اقتصاد الطاقة الخضراء ودعم بناء معامل جديدة لأشباه الموصلات وتوسيع تغطية الإنترنت عالي السرعة وإصلاح مئات من الطرق والجسور.
"اقتصاديات بايدن"
كما أظهرت بيانات حديثة بدء انحسار في التضخم، ما دفع ببعض الخبراء الاقتصاديين إلى التقليل من احتمال دخول البلاد في ركود اقتصادي. كتب كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة "غولدمان ساكس" جان هاتزيوس في تقرير صدر في 17 يوليو: "خفّضنا بشكل إضافي توقعاتنا المتعلقة بدخول الولايات المتحدة في ركود اقتصادي خلال الأشهر الـ12 المقبلة، من 25% إلى 20%". في اليوم نفسه، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "أنا لا أتوقع حصول ركود اقتصادي".
حتى قبل هذه الأخبار المبشّرة، كان كبار مسؤولي إدارة بايدن يرون حاجة لتغيير في محور الدعاية الانتخابية للرئيس، فاعتمدوا مصطلح "اقتصاديات بايدن" (Bidenomics) لطرح السياسات الاقتصادية بعنوان جديد أمام المواطنين. قال جاريد بيرنستين، رئيس مجلس البيت الأبيض للاستشاريين الاقتصاديين "تستند (اقتصاديات بايدن) إلى التقدّم الذي نشهده اليوم والتوجهات المواتية التي رأيناها في التقارير الأخيرة ويُبنى عليها للمستقبل. بدا الوقت مثالياً للحديث عن ذلك".
هل ركود الاقتصاد الأميركي لا يزال محتملاً.. الإجابة نعم
تحويل الضعف إلى قوة
لا تنطوي تحت عنوان "اقتصاديات بايدن" أي سياسات جديدة، فهي تهدف إلى تحويل أكبر نقطة ضعف سياسية للرئيس إلى مصدر للقوة. إلا أن الحديث عن الوضع الاقتصادي ورؤية بايدن الاقتصادية طويلة المدى ربما يشكل مخاطرة بالنسبة لرئيس معروف بهفواته خلال الإدلاء بالتصريحات أكثر مما يشتهر بمهارات خطابية ملهمة.
حين سأله المراسلون أخيراً عن رأيه بمصطلح "اقتصاديات بايدن"، الذي كان مساعدوه قد طرحوه عليه لاستبيان رأيه، أجاب ببساطة: "لا بأس به".
قالت سيليندا لايك، التي عملت في استبيانات حملة بايدن الانتخابية لعام 2020: "التحدّي الذي يواجه إدارة بشدّة يتعلق بتحديد شخصيتها... كثير من الناس لا يستطيعون ذكر أمر واحد قام به بايدن".
إذا ما تمحورت الانتخابات حول جيوب الناخبين، إلى جانب مواضيع مثل الحق في الإجهاض والديمقراطية والسياسة الخارجية والهجرة، فإن فريق بايدن يدرك جيداً أن عليه التعامل مع القضايا الاقتصادية بشكل حاسم، حتى لو استمر التعارض ما بين انطباعات الناخبين ونقاط البيانات الشهرية الإيجابية بالإجمال.
تعليقاً على ذلك، قال مايكل سترين، مدير قسم الدراسات الاقتصادية في معهد "أميريكان انتربرايز" (American Enterprise Institute) المحافظ: "أن تقول للأشخاص إن مشاعرهم حول الوضع الاقتصادي مغلوطة هي استراتيجية محفوفة بالمخاطر... قد تبدو وكأنك بعيد عن الواقع".
بايدن يعتقد أن الاقتصاد الأميركي سيتجنب الركود
سبق لرؤساء ديمقراطيين أن حوّلوا نقاط ضعفهم السياسية إلى نقاط قوّة، مثلما فعل الرئيس باراك أوباما مع قانون الرعاية الميسّرة. إذ يعود اكتساب حركة حفل الشاي الشعبية بجزء منه لغضب الجمهوريين تجاه تمرير قانون الرعاية الصحية الشامل الذي اعتبروه تدخلاً مفرطاً من الحكومة.
لكن عندما بدأ مزيد من الأميركيين يستفيدون من برنامج "ميديك إيد" الموسع للرعاية الصحية ويتلقون رعايةً وقائيةً، وما عاد يحق للشركات الضامنة رفض إصدار بوالص تأمين للمرضى بسب إصابتهم بالأمراض قبل الحصول على تأمين، اكتسب القانون شعبية حتى أنه أصبح من أساسيات المجتمع.
التسويق للنجاحات
يحاول البيت الأبيض في عهد بايدن تكرار الأمر نفسه. فقد خُصصت بعض أموال البنية التحتية من أجل إصلاح جسر منهار في بنسلفانيا، فيما باشرت شركة "إنتل كورب" (Intel Corp) العمل على إنشاء مصنع عالي التقنية في أوهايو، وتشهد سوق المركبات الكهربائية نموّاً مدعوماً بتمويل نص عليه قانون خفض التضخم، إذ يسعى البيت الأبيض ليصوّر للأميركيين أن كلّ هذه الإنجازات هي من نتائج "اقتصاديات بايدن".
مع ذلك، فإن معظم المنافع قد لا تظهر إلا بعد مرور سنوات. بحسب تقديرات مارك زندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في "موديز أناليتكس" (Moody’s Analytics). لن يشهد الاقتصاد الأميركي الاستفادة الأكبر من قوانين البنية التحتية وخفض التضخم وقانون إنشاء المبادرات المفيدة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم إلا بحلول عام 2026، أي بعد سنوات من الانتخابات.
في ذلك الوقت، ربما يكون بايدن قد فاز بولاية ثانية أو ربما حلّ رئيس جمهوري مكانه في المكتب البيضاوي وباشر بإلغاء كلّ سياسات الرئيس الحالي.
يتطلب خوض المعركة الانتخابية بالاستناد إلى "اقتصاديات بايدن" شيئاً من البراعة السياسية، فعلى البيت الأبيض وعلى حملة بايدن أن يقنعا الأميركيين بنجاحات الرئيس الاقتصادية، فيما يتعاملان بتعاطف مع المواطنين الذين خيبهم الوضع الاقتصادي. كما ينبغي على الرئيس أن يتحدث عن التغييرات طويلة المدى التي طرأت على الاقتصاد بفضل خطته، ومن ضمن ذلك خلق مزيد من الوظائف البيئية والوظائف في قطاع الصناعة المتقدمة، وبدء العمل على إنشاء مزيد من المصانع عالية التقنية.
مَن المتنافسون في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية؟
قال مدير الاتصالات في البيت الأبيض بن لابولت: "حتى يتذكر الأميركي العادي أمراً ما، يحب أن يطرق مسامعه سبع مرّات.. نظراً لتشرذم وسائل الإعلام وصعوبة الوصول إلى المواطنين، فلا بدّ أن نستمر في تكرار الموضوع على مسامعهم". أشار إلى أن الرئيس والسيدة الأولى ونائبة الرئيس وكافة الوزراء سيشاركون في هذه الحملة الترويجية.
في غضون ذلك، على البيت الأبيض أن يبتهل كي لا يعكّر أي أمر آخر خطته. قال زندي: "الوضع الاقتصادي هشّ تجاه أي خطأ... لدى الرئيس كثير من الأمور التي يمكنه الترشح على أساسها كما أن لديه سياسة متينة، ولكنه يحتاج إلى بعض الحظّ أيضاً".