تعدد الأهداف يتهدد سياسات بايدن الاقتصادية

الجمع بين غايات متناقضة مثل خلق الوظائف والمساواة والمناخ قد يحبط بلوغ أهداف السياسات

time reading iconدقائق القراءة - 16
صورة تعبيرية عن تعدد الأهداف في سياسات إدارة بايدن - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تعدد الأهداف في سياسات إدارة بايدن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

اعتمد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال حملة 2020 الانتخابية على طرح مفاده أنَّ الحكومة هي مفتاح حل سلسلة أزمات تاريخية لم تكن الجائحة إلا أشدها إلحاحاً. أما الآن، فيما يطمح للفوز بفترة ولاية ثانية، فإنَّه يجول البلاد ليروج لخطة حجمها تريليونات من الدولارات لتحديث البنية التحتية المتداعية في الولايات المتحدة، ولإعطاء دفعة قوية لتحويل الطاقة فيها، ولتطوير قطاعاتها الريادية.

يود بايدن أن يحقق كل ذلك فيما يعيد النشاط التصنيعي إلى البلاد بعد عقود من تحويله إلى الخارج، ويعزز أحوال الطبقة الوسطى المتراجعة، ويتصدى لعدم المساواة بين الجنسين والأعراق.

لذا؛ فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل تحاول سياسات بايدن الاقتصادية، التي تُعرف باسم "بايدنوميكس"، تناول قضايا أكثر مما ينبغي في آن معاً؟

لو أخذنا خطة الإدارة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تبلغ تكلفتها 369 مليار دولار وأقرها الكونغرس كجزء من قانون المناخ البارز، وتعمقنا في التفاصيل، سنجد أنَّها تضم أهدافاً تتعلق بالأمن القومي والاقتصاد إلى جانب البيئة.

سلاسل إمداد محلية

وضع الرئيس، الذي يعتبر نفسه "محباً للسيارات"، هدفاً في 2021 ليكون نصف السيارات الجديدة التي تُباع في الولايات المتحدة بلا انبعاثات بحلول نهاية هذا العقد. يقدّم القانون خصومات ضريبية تصل إلى 7500 دولار على مشتريات السيارات التي تلبي معايير معينة للمساهمة في تحقيق هذا الهدف. تشمل هذه المتطلبات ضرورة أن تكون 40% من المعادن في بطارية السيارة مصنّعة أو مُعدَّنة في الولايات المتحدة أو في دول منخرطة في اتفاقيات تجارة حرة معها، كما ترتفع هذه النسبة إلى 80% بحلول 2027.

إنَّ هدف وضع قواعد لمحتويات البطاريات هو تحفيز إنشاء سلسلة إمداد محلية لعدد من المعادن العادية والنادرة، صنفتها وكالات حكومية أميركية منها وزارة الدفاع، على أنَّها ذات أهمية استراتيجية لإضعاف قبضة الصين المُحكمة على مكونات البطاريات.

كما أنَّ هذه المتطلبات مصممة أيضاً لدعم خلق وظائف ذات أجور جيدة، وهو أحد الأسباب وراء دعم الاتحاد العمالي "يونايتد ماين وركرز أوف أميركا" (United Mine Workers of America) العلني لإقرار القانون.

بدأت تتجلى نقاط توتر بين تلك الأهداف المتباينة، وذلك لم يقتصر على أروقة الكونغرس، حيث فشلت محاولة الجمهوريين لتقويض قانون المناخ والضرائب والصحة هذا الصيف، بل بدا ضمن إدارة بايدن نفسها.

مشروعات لم تر النور

حظرت وزيرة الداخلية الأميركية ديب هالاند في يناير التعدين ضمن منطقة مساحتها تزيد على 225 ألف فدان من الأراضي التي تملكها الحكومة الإتحادية في ولاية مينيسوتا على مدى عقدين مقبلين حمايةً لمنطقة برّية، فضربت بذلك مشروعاً مزمعاً لتعدين النحاس والنيكل. كما حظر مايكل ريغان، مدير وكالة حماية البيئة، قي نفس الشهر عملية التخلص من نفايات التعدين قرب خليج بريستول في ألاسكا تجنباً للإضرار بقطاع صيد السلمون الأحمر في المنطقة، فقوّض مقترحاً لإنشاء منجم نحاس.

كما أنَّ الاتحادات العمالية مستاءة لأنَّ البيت الأبيض أبرم اتفاقاً مع اليابان في مارس يسمح للشركات اليابانية بالاستفادة من دعم حكومي أميركي خُصص للحفاظ على المناخ كي تجمع المعادن وتعالجها. كما أنَّ هنالك مفاوضات على ترتيبات مشابهة مع المفوضية الأوروبية وبريطانيا.

قالت هيذر بوشي، كبيرة اقتصاديي فريق بايدن المكوّن من مسؤولين حكوميين يعملون على السياسة الصناعية، إنَّ مجموعة التكليفات والمعايير الإتحادية مصممة "لتعمل جنباً إلى جنب بغرض إنشاء نوع من الاقتصاد سيفيد الأميركيين في كل أنحاء البلاد".

جهود الإدارة

هذا من أحد الموضوعات التي سيتناولها بايدن بتعمق في سلسلة من خطاباته خلال الصيف. تحدث الرئيس في شيكاغو في 28 يونيو عن "اقتصاد يتوسع من الوسط وينمو من أدناه انطلاقاً لأعلاه وليس من أعلاه لأدناه". قال بايدن: في ذاك النوع من الاقتصاد "يجد الفقراء سبيلاً لتحسين أوضاعهم كما يبقى حال الأغنياء جيداً".

عملياً، قد تجلب جهود الإدارة الرامية لتوزيع تريليونات الدولارات التي تنفقها الحكومة بعدالة أكبر نتائج معكوسة لهدفها. قال أفق أكتشيغت، أستاذ علم الاقتصاد بجامعة شيكاغو الذي يدرس أنشطة الأعمال صغيرة الحجم، إنَّ الشركات عادةً هي الأكثر تأثراً حين يضع المسؤولون الاتحاديون إلزامات تخرج عن الغرض الأصلي لقانون ما.

أورد أكتشيغت مثالاً من خلال خطة حجمها 42.5 مليار دولار لتوسيع نطاق إتاحة خدمات الإنترنت السريعة، وهدفها الرئيسي هو ضمان أن تحصل جميع الأسر الأميركية على ذلك. لكن وفقاً لتقرير من "بيو ريسيرش سنتر" (Pew Research Center) في 2021؛ ما يزال ربع الأميركيين يفتقرون للإنترنت عالي السرعة.

أضاف بايدن هدفاً ثانياً لتلك الخطة، وهو تعزيز الصناعات التحويلية الأميركية. كما أنَّه من أجل تلقي التمويل وفقاً لخطة إنترنت النطاق العريض؛ بنبغي على الساعين له أن يلتزموا باستخدام مواد ومعدات أغلبها مصنوع في الولايات المتحدة، أو أن يحصلوا على إعفاء من وزيرة التجارة جينا ريموندو. لكنَّ كثيراً من معدات الشبكات تُنتج خارج الولايات المتحدة، وستتطلب محاكاة تلك السلاسل من الإمداد محلياً عدة سنوات.

قال بلير ليفن، الذي أشرف على خطة توفير النطاق العريض الوطنية خلال ولاية باراك أوباما: "عندما تنظر لهذا الأمر من منظور خلق أكبر عدد من الوظائف، فلا شك أنَّك ستعطي أولويةً لنشر خدمات النطاق العريض".

قانون الرقائق

بعدما رفض الكونغرس في الصيف الماضي مقترح بايدن لتوفير تمويل بالمليارات لرعاية الأطفال، قررت الإدارة الاستعانة بقانون الرقائق والعلوم لعام 2022 كبديل. قالت وزارة التجارة، المسؤولة عن تطبيق القانون، في وقت سابق من العام إنَّ على بعض الشركات التي تتلقى حوافز أن تبني دُوراً لرعاية الأطفال قرب مواقع التصنيع، وأن تمنح العاملين مخصصات لسداد تكلفة دور الرعاية تلك. كما أنَّها تحث الشركات التي تتقدم بطلبات على تقديم خدمات "متكاملة"، مثل رعاية البالغين والنقل والمساعدة في نفقات الإسكان.

يأتي التمويل الذي ينطوي عليه قانون الرقائق مصحوباً بشروط أخرى، منها حظر إعادة شراء الأسهم منعاً لزيادة الإنتاج في "دول على قائمة المراقبة"، ومنها الصين، على مدى عقد.

لم تقدم وزارة التجارة بعد أي أموال من 50 مليار دولار مخصصة لتشجيع بناء منشآت تصنيع الرقائق برغم مضي 11 شهراً على تمرير القانون. قال آدم وايت، وهو باحث في القانون من التيار المحافظ بجامعة جورج ميسون: "لو كانت إدارة بايدن مصممة حقاً على تطبيق قانون الرقائق وبناء منشآت تصنيع الرقائق؛ كانت ستميل لتخفيف الأعباء التنظيمية بدلاً من الإبقاء عليها وزيادتها",

تشارك وكالات أخرى أيضاً في مسعى بايدن لإعادة تشكيل الاقتصاد بحيث يتماشى مع أهداف سياساته. فقد بات موظفو وزارة العدل يستقلّون سيارات كهربائية في تنقلهم المتعلق بالعمل، كما أنَّ جهات تنظيم شؤون العمال تثقف الموظفين عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على صحة العاملين، فيما تعمل القوات المسلحة على تجنيد وتوظيف عدد أكبر من المختصين برعاية الأطفال.

الوقت ينفد

بدأ الوقت يداهم الإدارة في سعيها لإضفاء طابع مؤسسي على رؤيتها الكبيرة والجريئة لاقتصاد أميركي صديق للبيئة يحقق منفعة جامعة. ما يزال أمامها 16 شهراً حتى موعد الانتخابات، وإن لم يفز بايدن بولاية ثانية، أو إن تراجعت أعداد الديمقراطيين في الكونغرس لأقل مما هي عليه، فقد يسعى الجمهوريون سريعاً لتفكيك العديد من مبادرات بايدن الرئيسية.

في مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في أبريل؛ ابتدع إزرا كلاين مصطلحاً هو: "الليبرالية على نمط شطيرة تحوي كل شيء" يصف فيه الاندفاع الحكومي "لإنجاز أمور عديدة عبر مشروع أو سياسة واحدة بحيث ينتهي بها المطاف بأن تفشل في إنجاز أي شيء". كان كلاين يتطرق لمشروع عقاري في سان فرانسيسكو قيل إنَّه سيحل مشكلة التشرد التي تعانيها المدينة، لكنَّه رأى أيضاً ما يشي على وجود ذلك في جانب من خطط بايدن.

فضّل بعض مؤيدي بايدن تقبُّل وصف "الليبرالية على نمط شطيرة تحوي كل شيء" بدل نقضها. نشرت هيذر بوشي في تغريدة لها على "تويتر" صورة شطيرة نصف مأكولة بعد نشر المقال، برغم أنَّها تقول إنَّ ذلك لم يكن مرتبطاً بمقالة كلاين.

يرى ك. سبيل رحمن، وهو أستاذ بكلية كورنيل للأعمال ومستشار سابق لدي بايدن بشأن القواعد التنظيمية، أن لا غرابة في أن يطلب الرئيس من وكالات في شتى مجالات الحكومة أن تتعامل مع مشكلة واحدة، ولاحظ أنَّ إدارة بايدن تبدو أكثر سعياً لذلك. قال ك. سبيل رحمن: "حتى لو كان يمثل استثماراً لمرة واحدة فقط؛ فهو مبلغ كبير أقرّه الكونغرس... ينبغي تحقيق أقصى استفادة من ذلك الاستثمار".

تصنيفات

قصص قد تهمك